لأن موضوع الساعة هو فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية، سأناقش كيف يمكن أن يؤثر ذلك على قضايا منطقتنا، وأولها العلاقة الأمريكية مع المملكة العربية السعودية ومنظومة الخليج العربية.
معظم الملفات المشتركة بين الجانبين، الأمريكي والخليجي، مرتبطة في الواقع بدول وقضايا أخرى، الإرهاب، وحروب اليمن وسوريا وليبيا، ولا توجد خلافات مرتبطة بالعلاقات الثنائية، بل على العكس العلاقات الثنائية ظلت جيدة في عهد الرئيس باراك أوباما.
وما يقال عن مواقف ترامب من الإسلام، أو السعودية، أو حتى المتاجرة بالمصالح في العلاقات، كلها غير حقيقية، وأستبعد أن ترامب يحمل مواقف مسبقة يبني عليها سياساته. الرئيس المغادر، باراك أوباما، سيورث ترامب ملفا خلافيا معقدا وخطيرا، مع السعودية ودول الخليج العربية. لم يشهد الخليجيون خلافا مع واشنطن كما عرفوه في عهد أوباما، يتمحور حول سياساته في المنطقة، إيران والعراق وسوريا وبدرجة أقل اليمن. وحتى عندما كشف الرئيس أوباما عن سره العظيم، أي اتفاقه مع إيران لوقف مشروعها النووي، لم ترفضه الدول الخليجية، بل تحفظت على إطاره السياسي، بما تضمنه من مقايضة بالغة الخطورة فكت قيود النظام المتطرف وسمحت له بالتوغل في المنطقة دونما اعتبار لأمن الدول الحليفة!
هل سيسير ترامب في خطى أوباما ويترك إيران تهدد أمن الخليج؟ في رأيي، لن يجد ترامب نفسه ملتزما بتفاهمات سابقة غير ملزمة له قانونيا، ولن يشعر بالتزام شخصي بإكمال مسيرة من سبقه إلا بالوفاء بالتزامات (JCPOA) لأنه اتفاق دولي وليس ثنائيا بين البلدين. إيران ستستمر تستمتع بالمتاجرة مقابل امتناعها عن بناء مشروعها النووي، لكن ترامب ليس مضطرا للسكوت عن ترك الإيرانيين، مع الروس، يديرون الحروب في مناطق النزاع خارج حدودهم. وهذا ما يفسر استعجال نظام طهران على شن حروب كبيرة في حلب السورية، والموصل وتلعفر العراقية وغيرها، تريد استباق وصول الرئيس المنتخب الذي لا تضمن كيف ستكون مواقفه.
أتصور أن دول الخليج تريد، وبإصرار، وقف التدخلات العسكرية في مناطق النزاع. وسيعترض الإيرانيون متحججين بالتدخلات التركية في العراق وسوريا، والسعودية في اليمن، وحتى هذه «التدخلات» يمكن أن تتوقف إذا توقفت إيران. فالجهود في أزمة اليمن كانت دبلوماسية، وبرعاية أممية، حتى قامت إيران، من خلال حلفائها، بالاستيلاء على الحكم بالقوة، وهذا ما اضطر السعوديين وحلفاءهم إلى التدخل. الفوضى المنتشرة في منطقة الشرق الأوسط تهدد العالم، وتهدد أمن الولايات المتحدة، ومن الطبيعي أن يركز الخليجيون في نقاشاتهم المقبلة على أن طهران مصدر القلاقل، وأن العلاقة الخليجية الأمريكية يمكن أن تحيي الدور القديم المشترك الذي يرفض المغامرات العسكرية ويقاومها بالتحالفات والجهود المتنوعة.
دول الخليج لم تعارض مشروع أوباما بالانفتاح على إيران اقتصاديا وسياسيا، لولا أنه اتضح أنه يغض النظر عن مغامراتها العسكرية. وبنهاية رئاسة أوباما، يكون الإيرانيون على وشك الهيمنة بالقوة العسكرية على أربع دول عربية مهمة، لبنان وسوريا والعراق واليمن، ويهددون دولة البحرين أيضا. هذا هو الوضع المقلق للحكومات الخليجية الذي يجر معه مزيدا من الدول في صراعات المنطقة، ويهدد بمزيد من المشكلات لأوروبا. ومن المؤكد أنه في ظل الفوضى التي تؤجج الصراع الطائفي، ستكبر دائرة الإرهاب، التي لن يتم القضاء عليها حتى بعد تحرير مدينتي الموصل والرقة من قبضة «داعش».
دول الخليج ستتطلع لأن تلعب دورا مؤثرا مع حكومة ترامب في معالجة الأوضاع الإقليمية، ولطالما قامت بمثله في العقود الماضية، دون اللجوء إلى الحلول العسكرية.
أخيرا ماذا عن مشكلة الإرهاب والتطرف؟ السعودية هي الشريك الأول للولايات المتحدة في محاربة الإرهاب الدولي، دور لا يستطيع القيام به الإيرانيون كما حاولوا إقناع حكومة أوباما، وفشلوا في إثبات ذلك. وسيلحظ الجميع أن دول الخليج تبذل جهودا كبيرة لملاحقة الجماعات الفكرية المتطرفة التي هي مصدر الاعتراض المتكرر من الحكومات الأمريكية المتعاقبة، والتي يفترض أن تلاحق لا في الخليج والدول الإسلامية فقط، بل يجب التضييق عليها حتى في الدول الغربية التي تجد فيها فسحة من المساحة والحريّة وأكبر مما لديها في دولنا.