يبدو ان عملية تأليف الحكومة بلغت في الساعات الأخيرة مرحلة متقدمة من المحاولات الحثيثة للخروج من تعقيدات توزيع الحقائب الوزارية على القوى السياسية والكتل النيابية وإن لم تكن حظوظ هذه المحاولات في النجاح السريع مضمونة. وإذا كان الرئيس المكلّف سعد الحريري ترك انطباعات إيجابية عن عملية التأليف لدى تأكيده أمس خلال زيارته لمعرض الكتاب الفرنكوفوني أنه "متفائل كما جميع اللبنانيين" بتشكيل الحكومة سريعاً، إلاّ أنه أضاف مستدركاً: "إذا عملنا معاً بسرعة ستكون الحكومة بإذن الله سريعة جداً".
وعلمت "النهار" في هذا السياق أن الرئيس الحريري الذي يبدي تفاؤلاً بقرب تأليف الحكومة سيزور قصر بعبدا في عطلة نهاية الأسبوع لإطلاع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على نتائج الاستشارات التي يواصل إجراءها مع مختلف القوى السياسية. وأوضحت مصادر مطلعة مواكبة لعملية التأليف أن منهجية العمل تقوم على تحديد حجم تمثيل القوى السياسية وكيفية توزيع الحقائب عليها وصولاً الى مرحلة إسقاط الأسماء على الحقائب الذي لم تبلغها العملية حتى الآن. وشددت على ان المهم الآن هو أن تتعاون كل هذه القوى مع الحريري لكي ينجز التأليف في أقرب وقت.
وفهمت "النهار" أن من أبرز العقد التي تعترض عملية التأليف ممانعة "حزب الله" من إعطاء حزب "القوات اللبنانية" أية حقيبة سيادية تطالب بها. وهذا الأمر يضع العهد أمام معضلة التوفيق بين حليفيّن له هما في حال مواجهة. لذلك تدخل التحركات التي جرت أمس على خط بعبدا - حارة حريك - معراب بعيداً من الأضواء في إطار الجهود لتذليل هذه العقبة.
عقد وثوابت
وتحدّثت مصادر مواكبة لاتصالات التأليف عن حركة غير معلنة قام بها في اتجاه وزارة الخارجية أمس كل من المسؤول الأمني في "حزب الله" وفيق صفا قبل الظهر، ومدير مكتب الرئيس الحريري السيد نادر الحريري بعد الظهر، أعادت تشغيل المحركات التي كانت شبه متوقفة في الأيام الاخيرة.
وقالت المصادر إنه باستثناء الاتفاق على أن تكون حكومة ثلاثينية، فإن الاتفاق على ولادتها قبل ذكرى الاستقلال في 22 تشرين الثاني الجارية كان بمثابة مهلة حثّ، لكنها لم تلغ التحسب لتأخر ولادتها الى ما بعد هذا الموعد.
وحددت العقد القائمة والتي لم يتفق عليها بعد بالآتي:
- توزيع الحقائب السيادية الأربع.
- "الفيتو" على اسناد حقيبة سيادية الى "القوات اللبنانية" حتى أن اعطاءها وزارة العدل التي تطالب بها لم يحسم بعد.
- تمسّك رئيس مجلس النواب نبيه بري بوزارة المال وإبقائها مع الوزير علي حسن خليل، وبحقيبة اساسية للمردة كالطاقة أو الاتصالات أو الصحّة.
وأفاد مصادر هذا الفريق أن أحداً لم يعرض على الرئيس بري شيئاً وهو المكلف التفاوض وقد أبلغ أن الفريق الشيعي يريد حقيبة المال ويفضل الاحتفاظ بالاشغال كحقيبة خدماتية مع ثلاث حقائب أساسية، ووزير دولة. وهو يريد لحلفائه الى حقيبة للمردة، مقعداً للحزب السوري القومي الاجتماعي ومقعداً سنياً ومقعداً للحزب الديموقراطي.
وعلى رغم الكلام عن عقد، تشير المصادر نفسها الى شبه ثوابت في أي تشكيلة حكومية، وهي:
- بقاء الوزير جبران باسيل في وزارة الخارجية في موازاة العمل على اسناد وزارة الدفاع الى نائب رئيس الوزراء سابقاً عصام فارس على ان يكون أيضاً نائباً لرئيس الوزراء، خصوصاً أنه كان أبدى استعداداً للعودة الى لبنان ليكون الى جانب العهد إذا لم يكن في السياسة فبالاستثمار.
- بقاء وزارة الداخلية مع "المستقبل" وتحديداً مع الوزير نهاد المشنوق.
- بقاء المال مع حركة "أمل" وتحديداً مع الوزير علي حسن خليل.
- أما "القوات اللبنانية"، فلها ثلاث حقائب أساسية وهي تطالب ضمنها بوزارة العدل.
- إعطاء حقيبة لحزب الكتائب.
- حصة رئيس الحكومة شبه محسومة: فإلى الحريري والمشنوق، سيوزّر النواب جمال الجراح ومعين المرعبي ومحمد كبارة، واذا كان السني السادس من حصة الفريق الآخر، فيوزّر شيعي قد يكون النائب غازي يوسف أو النائب عقاب صقر، اضافة الى وزير ماروني هو الدكتور غطاس خوري وأرمني هو النائب جان أوغاسبيان.
- النائب وليد جنبلاط قرّر توزير النائب مروان حمادة والنائب السابق أيمن شقير.
- تتوزّع حصة المسيحيين على ثلاثة وزراء لرئيس الجمهورية، وثلاثة لـ"التيار الوطني الحر" ووزير للطاشناق وثلاثة لـ"القوات" وثلاثة لوسطيّين بين "التيار" و"القوات" مثل الوزير ميشال فرعون والسيد ميشال معوّض.
وتشير المصادر الى أن العقد ليست جوهرية، ويمكن حلّها، ملمحةً الى أن التأخير قد يؤدي الى الاقتراب من موعد الانتخابات النيابية، وقد يضع الجميع أمام خيارين لا ثالث لهما: إما إبقاء قانون الستين، وإما اللجوء الى التأجيل التقني كعنوان للوصول إلى اعتماد قانون النسبية.
برّي
وفي الموضوع الحكومي، قال الرئيس برّي أمام زواره أمس إنه لم يقطع الأمل في تأليف الحكومة قبل عيد الاستقلال.
وسئل عن الكلام المنسوب الى أوساط الرئيس الحريري بأن التشكيلة الحكومية قد تولد في الساعات الـ 72 المقبلة؟ فأجاب: "ما أعلمه أن الأمور والاتصالات ومسار التشكيل ماشية وتسير في شكل إيجابي. وتواقفت في بعبدا أنا والرئيس عون والحريري على ضرورة ولادة الحكومة في أقرب وقت".
وسئل هل من تعقيدات تستدعي اجتماعك والحريري، فأجاب: "اتفقت والحريري على اللقاء عندما يكون جاهزاً. وإذا كان هناك من أمر سأساعده وأسهّل له. وعندما ترونه عندي فهذا يعني أن الدخان الأبيض الحكومي يكون قد بدأ بالتصاعد.
وأضاف: "الحكومة ستكون ثلاثينية وليس 32 لأن الحريري لم يستسغ هذا الأمر. ولن يكون هناك لا ثلث ضامن ولا معطل ولا من يعطلون ولا وسطيّون بحسب قول النائب وليد جنبلاط. وفي المناسبة استغرب طروحات من نوع استبعاد الكتائب وتيار المردة والنائب طلال أرسلان والحزب القومي وغيرهم الحكومة، وعندها لن تكون حكومة وحدة وطنية من دون هؤلاء واذا اقتصرت على القوى الكبرى ليست حكومة وحدة وطنية وستكون عندها حكومة فوق الجميع وأنا لا أقبلها".