برغم إشارة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، مساء أمس، إلى أن عملية تأليف الحكومة ستكون «قريبة جداً»، فإن المعطيات السياسية تشير إلى أن سلسلة عقبات جدية، ما تزال حتى الآن تحول دون الانتقال كليا من مربع الحصص السياسية للقوى التي ستشارك في الوزارة إلى مربع الوزارات.. وصولا إلى الأسماء.
ويمكن إيجاز العقبات بالآتي:
أدى «الفيتو» الذي وضعه العونيون على عودة الوزير علي حسن خليل إلى وزارة المال، إلى جعل الأخير، الوزير الثابت الوحيد المعروف منذ الآن، اسما وحقيبة.
إذا كان رئيس الجمهورية يصر على نيل حصة مسيحية (وزيران ماروني وأرثوذكسي) وإسلامية (وزيران سني وشيعي)، فإن رئيس المجلس النيابي نبيه بري والرئيس المكلف يصران على نيل حصة تتجاوز مكونيهما المذهبيين، وصولا إلى تسمية كل منهما وزيرا مسيحيا بالحد الأدنى، خصوصا في ظل ما يتعرض له الحريري من إحراج أمام النواب المسيحيين في كتلته.
يرفض بري متضامناً مع الحريري و «حزب الله» تهميش «تيار المردة» عبر إعطائه وزارة غير أساسية، ولذلك، كرر رئيس المجلس أمام زواره أن فرنجية مكوّن أساسي ويجب أن يقدر موقفه بمقاطعة جلسات المجلس، بما في ذلك تلك التي كان مقدرا أن تنتهي بانتخابه رئيسا للجمهورية. وبطبيعة الحال، لا يكون «التقدير» سوى بإعطاء «المردة» حقيبة خدماتية أساسية.
لم تفلح كل المحاولات في تبديد اعتراض «القوات» على حصتها من الحقائب والوزراء، خصوصا أنها تتسلح بتفاهم مبرم مع «التيار الوطني الحر» يقضي بنيلهما حصة وزارية متساوية بعد انتخاب عون رئيسا للجمهورية، بما في ذلك حق كل منهما بوزارة سيادية، وهذا الأمر جعل البعض يطرح على «القوات» إمكان قبولها بحقيبة شبه سيادية (العدل) وحقيبة ثانية أساسية مثل وزارة التربية أو وزارة الأشغال.
يعترض «الكتائبيون» على جعل حصتهم محصورة بحقيبة واحدة، وهم يحمّلون «القوات» مسؤولية محاولة إبعادهم عن الحكومة نهائيا، وهذا الأمر عبّر عنه رئيس الحزب سامي الجميل بقوله، مساء أمس، أمام مجموعة من الصحافيين إن محاولة «القوات» عزل «حزب الكتائب» وإقصاءه «باتت واضحة ومكشوفة، وهذه ليست المرة الأولى أو الأخيرة التي نكون فيها مستهدفين، والمهم أن إستراتيجية العزل التي سبق أن جرّبها آخرون لا تنفع معنا».
يرفض القوميون السوريون جعل توزيرهم عبارة عن عملية استجداء من حصة هذا الفريق أو ذاك، وهم يتمسكون بتسمية وزير قومي واحد، بأرجحية أن يكون مسيحيا.

لجنة الاتصالات: فضيحة في الجمارك
وفي انتظار ما ستؤول إليه عملية التأليف التي قد تحتاج الى تدخلات سياسية من قادة الصف الأول في كل الاتجاهات، التأمت لجنة الاتصالات النيابية، أمس، لمتابعة قضية الانترنت غير الشرعي التي كُشفت في جلستها التي عُقدت في 8 آذار الماضي.
وكما في معظم الجلسات السابقة، خرجت اللجنة من جلسة أمس، بـ «فضيحة جديدة»، بعد كشف القاضي صقر صقر عن كتاب رسمي تسلّمه من إدارة الجمارك، في سياق التحقيقات بكيفية دخول معدات الشبكات غير الشرعية إلى لبنان.
فقد أفادت إدارة الجمارك أنها لا تملك أرقاما تسلسلية للمعدات التي تدخل ولا لوائح بأنواعها. وهذا أمر ينطبق على كل ما يدخل من آلات وسلع إلى لبنان. ويكتفي البيان الجمركي بالإشارة إلى طبيعة البضائع عموما، فيشير على سبيل المثال، إلى دخول شحنة تضم معدات اتصالات. لكن ما هي الغاية من المعدات، وما هي وجهة استعمالها وهل مسموح إدخالها؟ تلك أسئلة لا يبدو أنها تحظى باهتمام السلطات الجمركية المعنية.
ويفتح سلوك الجمارك الباب أمام السؤال عن دور هذه السلطات في حماية الأمن الوطني، خصوصا أن البضائع والمعدات التي تدخل، بغض النظر عن وجهة استعمالها، لا تقيد في أي سجلات رسمية .
 


«سعودي أوجيه» بداية انفراج؟
من جهة أخرى، وبرغم عدم تحديد وزير المال السعودي الجديد محمد الجدعان، أمس، المبلغ الدقيق الذي دفعته الحكومة السعودية لتسديد مليارات الدولارات المستحقة لشركات خاصة بعد انهيار عائدات النفط، قال مصدر سعودي مطلع لـ «السفير» ان وزارة المال باشرت في الساعات الثماني والأربعين الماضية بإصدار أوامر سداد بلغت قيمتها الإجمالية حوالي 100 مليار ريال سعودي، أي حوالي 26 مليار دولار أميركي.
وجاءت أوامر الصرف بعد إعلان مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي يرأسه ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الاثنين الماضي، أن الرياض ستدفع قبل نهاية كانون الأول المقبل متأخرات شركات المقاولات الخاصة.
ومن أبرز الشركات التي ستستفيد من القرار مجموعة بن لادن العملاقة في قطاع المقاولات التي أعلنت الشهر الماضي أن الحكومة السعودية دفعت لها «بعض المستحقات»، ما يسمح لها بتغطية بعض الرواتب المتأخرة للموظفين.
هل تعني القرارات السعودية المتتالية أن الأزمة المالية في شركة «سعودي أوجيه» وبالتالي في كل مؤسسات الحريري في لبنان والخارج، يمكن أن تنفرج في الأسابيع السبعة الباقية قبل نهاية العام الحالي؟
ثمة تطور بارز قد يجيب عن هذا السؤال، تمثل في طلب «سعودي أوجيه» من البنوك الموافقة على تجميد سداد ديونها التي لا تقلّ عن 13 مليار ريال سعودي (حوالي 3.5 مليارات دولار أميركي) بما يمهد الطريق أمامها لإعادة جدولة هذه الديون من جهة ودفع مستحقات موظفيها من الأموال التي ستحصل عليها من الخزينة السعودية من جهة ثانية.
وما ضاعف من حجم التفاؤل أمس، هو ما تناقله البعض في شركة «سعودي أوجيه» بأن إدارة الشركة تتجه إلى دفع جميع رواتب موظفيها لغاية نهاية شهر تموز 2016، وذلك عبر المكاتب المالية في جميع فروع الشركة في السعودية، على أن يصار إلى تسوية مستحقات نهاية الخدمة للموظفين المستقيلين في مهلة ثلاثة أشهر، فيما تدفع الشركة رواتب الأشهر الثلاثة الأخيرة عندما تستوفي باقي مستحقاتها لدى وزارة المال السعودية.
وفيما لم يؤكد أي من المعنيين بشركة «سعودي أوجيه» وقيادات «تيار المستقبل» في لبنان صحة هذه المعلومات أو عدمها، إلا أنها طرحت سلسلة تساؤلات على المستوى اللبناني أبرزها: هل ستؤدي الانفراجات في «سعودي أوجيه» إذا كانت صحيحة إلى انفراجات جزئية على صعيد الأزمة المالية للرئيس الحريري؟ وهل تشكل قرارات الحكومة السعودية رسالة إيجابية لرئيس الحكومة المكلف بعد إنجاز الاستحقاق الرئاسي؟ أم أن قرار الحكومة السعودية يشمل كل القطاع الخاص بما فيه شركة الحريري وبالتالي لا توجد أي بادرة إيجابية خاصة تجاه «سعودي أوجيه» ورئيس مجلس إدارتها؟
ويقول مطلعون على شؤون «سعودي أوجيه» في لبنان لـ «السفير» إن الأزمة من أساسها كانت في عدم توفر السيولة في السعودية نتيجة انخفاض سعر النفط، وتداعيات الحرب في اليمن، ولم يكن هناك أي عقاب تفرضه المملكة على الرئيس الحريري، بل على العكس، ففي الوقت الذي كانت فيه كل المشاريع متوقفة على مستوى الدولة ككل وصولا إلى مشروع توسعة الحرم المكي، جرى تلزيم «سعودي أوجيه» تشغيل مجمع الملك فهد لطباعة المصاحف لمدة خمس سنوات بعدما فازت على ست شركات منافسة، فضلا عن تلزيمها صيانة القصور الملكية داخل المملكة وخارجها، وهذا كان مؤشرا إيجابيا، حتى يحين موعد صرف المستحقات المالية العائدة للشركة، علما أن الأزمة المالية لم تقتصر على «سعودي أوجيه» بل شملت أكثرية الشركات الخاصة في السعودية.