عند مستديرة الاونيسكو، وتحديداً في تلك الباحة الخضراء التي يتوسطها تمثال "حبيب أبي شهلا"، نشهد يومياً مشاهدات لمتسولين جائعين يلهثون وراء اللقمة وحائط آمن للنوم. لا يطمع هؤلاء المتسولون إلا بإلقاء همومهم جانباً ولو لبرهة، يمددون أجسادهم المرهقة على غفلة، يستلقون لكسب غفوة تنسيهم هموم الكون والايام الصعبة الآتية، ثم يحلمون بواقع جديد وعهد التغيير.
لكل من المتسولين قصة أشدّ قساوة من الاخرى، بعضهم ضحايا وآخرون تحولوا الى مجرمين وسارقين وقتلة.. أما تلك الفتاة التي وجدت صباح اليوم الخميس، وهيمستلقية على بطنها وكأنها جثة هامدة، فلقصتها وجهان متعددان، ما هي؟
تقول الفتاة الآتية من بلدتها في طرابلس، إنها مريضة وتعاني من أوجاع في الرأس والظهر، لكنها لا تملك المال للعلاج. تردد بين كلمة وأخرى: "كل ما اريده المال للاكل".
وفي سؤال عن سبب نومها في الشارع وعن مكان اهلها وأقاربها، تضيف: "تشاجرت مع أختي فطردتني، والآن لا مكان لي للعيش"، مشيرةً إلى أنها "هذه المرة الأولى التي انام فيها هنا".
الفتاة، التي لم تذكر اسمها، حاولت العمل سابقاً في إحد الصالونات، لكنهم أقالوها بسرعة، من دون أن تذكر السبب، بل تنظر الى الأرض وتكتفي بالصمت.
من جهة أخرى، ينفي شاهد عيان ما قالته الفتاة ويؤكد أن روايتها هي من نسج الخيال لا أكثر، ويقول إنه "ومنذ 7 سنوات تقريباً أراها يومياً تتردد في المكان نفسه، لكنها تأتي ليلاً وهي بكامل أناقتها وتسير أمام الأنيسكو، كما أنني أراها وهي تحمل هاتفاً من النوع الغالي"، سائلاً: كيف يمكن لفتاة جائعة أن تحمل هاتفاً ذكياً؟".
ويلفت إلى أنها "تعمل في شبكة للدعارة في مار الياس، سابقاً كانت تأتي برفقة خالتها، والآن أصبحت تأتي لوحدها".
هكذا أصبحت أرضية الشوارع فراشاً مريحاً للمتسولين و"فتيات الليل" لاخذ قسط من الراحة، والمأوى الوحيد لفاقدي مسكن أو يد عطوفة لتمدهم بالمساعدة، وليس المقصود هنا المال، بل التوجيه والرعاية، فكم من جمعية تستغل قضايا المستولين وقضايا اجتماعية أخرى لشحذ الاموال من الداعمين والممولين، ليودعوهم في جيوبهم وحساباتهم في البنوك؟!