أحدثت النتائج غير المتوقعة للانتخابات الرئاسية الاميركية بفوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب على منافسته المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون، دوياً هائلاً هزّ العالم بأسره، وفتحت باباً واسعاً على تساؤلات حول تداعيات هذا الفوز وارتداداته على مساحة الكرة الارضية.
اذا كان من السابق لأوانه رسم معالم المرحلة المقبلة في ظل الادارة الاميركية الجديدة، الّا انّ التقديرات توحي بخلط واسع للاوراق ومقاربات جديدة للملفات والنقاط الساخنة، خصوصاً في منطقة الشرق الاوسط.
ولعل اكثر الاشارات لفتاً للانتباه كانت اعمال الشغب التي اعقبت فوز ترامب في بعض الولايات المتحدة الاميركية احتجاجاً على انتخابه، وهو أمر دفع بعض المبالغين الى افتراض مصير مُربك للولايات المتحدة في ظل ترامب، ودخولها في ما سمّاه أحد قياديي 8 آذار لـ«الجمهورية»: «الربيع العربي» في واشنطن.
المفاجأة لم تستثن لبنان الذي كان معظم سياسييه يتوقعون استمراراً لإدارة الرئيس باراك اوباما عبر فوز كلينتون، وبالتالي فوز ترامب أعادَهم الى الواقع، مع رسم احتمالات، خصوصاً على لبنان.
ووجّه الرئيس المكلف سعد الحريري برقية تهنئة لترامب، تمنى له فيها النجاح في مهماته، متوجهاً إليه قائلاً: «إنّ قيادتكم ضرورية لتحقيق الاستقرار والأمن والسلام في الشرق الأوسط. وستجدون في لبنان شريكاً ملتزماً بسعيكم لأرضية مشتركة، لا العداوة، والشراكة، لا النزاع».
طبّارة
وقال سفير لبنان السابق في واشنطن رياض طبارة لـ«الجمهورية»: «لا ندرك تماماً ماذا سيفعل ترامب فهو تحدث عن امور كثيرة لا تُنجز أصلاً، وقد تراجعت حدة خطابه فور فوزه. وعلينا الانتظار بعض الوقت لمعرفة ما اذا كان بخطاباته يُساير الجهة الاخرى ام انه يؤمن فعلاً بما قاله». واضاف: «اذا نفّذ ترامب كل ما وعد به فسيخرب العالم.
لقد وعد بمواضيع مخيفة بعض الشيء مثل ان تدفع اوروبا ثمن وجود الجيش الاميركي فيها، فهل معنى ذلك انّ خضّة ستحصل؟ لا احد يدرك اذا كان سينفّذ ما وعد به أم لا، لكن إن فعل فهذا خطر جداً على اوروبا.
كذلك وعد بتغيير الاتفاق مع آسيا واميركا اللاتينية، فإذا بدأ فعلاً بالتغيير، فإنّ الاقتصاد العالمي سيتأثر. واكد التعاون مع الرئيسين الروسي والسوري لمحاربة «داعش» ولا احد يدرك ماذا سيفعل، لكنّ اتجاهه للتعاون مع روسيا هو أكثر من مواجهتها كما كانت كلينتون تفعل».
ولفت طبّارة الى انّ ترامب «لم يذكر الاتفاق النووي الايراني في خطابه الاخير، لكنه اعلن سابقاً نيّته بإلغائه، فإذا لم يعترف بالشق الاميركي في الاتفاق فمعنى ذلك انهيار الاتفاق برمّته».
وعن استمرار السياسة الاميركية اكد طبارة «انّ رئيس الجمهورية الاميركية عنده صلاحيات كبيرة جدا في السياسة الخارجية»، وأعاد الى الاذهان الفارق بين الرئيسين جورج بوش «الذي زجّ بالجيش الاميركي في الحروب، وباراك اوباما الذي رفض ذلك».
ولدى سؤاله عن ملف العقوبات الاميركية على «حزب الله»؟ اجاب: «إنّ مشكلات ترامب اكبر واوسع في التجارة العالمية مع اميركا اللاتينية، لكن اذا استفاق على لبنان فأعتقد انه سيتشدّد اكثر، فالأمر الوحيد الذي ذكره عن لبنان هو «حزب الله».
«8 آذار»
من جهتها، قالت مصادر قيادية بارزة في 8 آذار لـ«الجمهورية» انها «لم تكن حاسمة في إمكانية فوز ترامب»، بل انها في الاساس «لاحظت وجود نوع من التعادل، ما ترك الباب مفتوحاً على المفاجآت».
وقالت: «إنّ الحملات الانتخابية ونوعية الطروحات والسجالات التي حصلت كانت تؤشّر الى حالة إفلاس، ومن جاء تصويته لمصلحة ترامب فعل ذلك اعتراضاً على سياسة كلينتون اكثر ممّا كان يصوّت تأييداً لترامب».
واضافت: «في النهاية، الولايات المتحدة تحكمها المؤسسات واذا كان هناك من يتوقع ايجابية، فهذا غير وارد، فنهج السياسة الاميركية التدخل في العالم كله ودعم اسرائيل».
ورأت المصادر «انّ فوز ترامب لن يحدث فارقاً كبيراً، على رغم انه خلال إعلان النيّات في مرحلة المنافسة الانتخابية، جعل شعاراته مقبولة اكثر من شعارات كلينتون لأنها كانت تتحدث عن منطقة حظر في سوريا وتسليح المعارضة، فيما ترامب حدّد الاولوية بمحاربة «داعش» لكنّ إعلان النيات في مرحلة الحملات الانتخابية شيء والسياسة شيء آخر».
واستبعدت المصادر ايّ إلغاء اميركي للاتفاق النووي مع ايران «الذي بات جزءاً من منظومة العلاقات الدولية، حيث ان الاوروبيين بدأوا بناء الشراكة مع ايران. وفي النهاية الاتفاق النووي ليس من طرف واحد، بل هو اتفاق من مجموعة اطراف وليس سهلاً شطبه بشحطة قلم، ذلك انه اتفاق من طبيعة دولية وترتّبَت عليه آثار ونتائج وعلاقات دولية والعودة عنه ليست بهذه السهولة».
مشاورات الحريري
يأتي ذلك في وقت ما زال لبنان منشغلاً في صوغ تركيبة العهد الاولى، واللافت ان لا جديد معلناً في هذا السياق، ما خلا السجال الإعلامي بين القوى التي يفترض ان تشارك في هذه الحكومة ومحاولة وضع سقوف بعضها لبعض، في وقت يعتصم الرئيس المكلّف بأقصى درجات الصمت ومحاولة صوغ التركيبة الحكومية في الشكل الذي يترجم الإجماع والتوازن الذي أكّد عليه.
وعلمت «الجمهورية» انّ مشاورات الحريري مكثفة في اتجاه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، إمّا مباشرة وإمّا عبر الوزير جبران باسيل ونادر الحريري، وكذلك في اتجاه رئيس مجلس النواب نبيه بري عبر الوزير علي حسن خليل ونادر الحريري.
وما يُنقل عن الحريري اولاً انه مستاء من المطالبات غير الواقعية التي يطرحها هذا الطرف او ذاك، مع تشديده على ضرورة ان يساهم جميع الافرقاء في تعبيد الطريق نحو حكومة لا بدّ من تشكيلها في القريب العاجل، خصوصاً اننا ندخل في لعبة الوقت القاتل، وتشكيل الحكومة ضرورة لإنجاز ملفات ملحّة ترجمة لخطاب القسم وكذلك للبرنامج الذي يطرحه الرئيس المكلف.
وقالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» انّ الحريري عازم على الانتهاء من الصيغة الحكومية في حدّ أقصاه 72 ساعة إذا لم تطرأ عقبات تؤخّر ذلك، وهو يأمل في ان لا تبرز مثل هذه العقبات، على ان يزور بري إذا أنجَز صيغته قبل نهاية هذا الاسبوع لوضع اللمسات «المسهّلة» لانطلاقة الحكومة الجديدة.
ولفتت المصادر الى انّ المعضلات التي برزت في الآونة الاخيرة حول الحصص الوزارية السيادية قد لا تكون مستعصية، إذا صفت النيّات، علماً انّ السجال حولها في الاعلام من قبل بعض الاطراف استبق الامور وشابَته مبالغات.
وعَزت المصادر عدم صعوبة الحلحلة، الى تسليم لا بد منه في نهاية المطاف من قبل الجهات المعنية بالتأليف بتوزيعة واقعية وموضوعية قد لا تختلف عمّا هو سائد في حكومة تصريف الاعمال، بمعنى بقاء القديم على قدمه حيال هذه الحقائب.
جنبلاط يسهّل
وكان الحريري التقى مساء أمس في «بيت الوسط» النائبين وليد جنبلاط ومروان حمادة في حضور المستشار الدكتور غطاس خوري. وتناول اللقاء، الذي تخلله مأدبة عشاء، البحث في آخر المستجدات السياسية ولا سيما منها مسار تأليف الحكومة الجديدة. وذكرت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» انّ جنبلاط أبلغ الى الرئيس المكلّف استعداده لتسهيل مهمته للإسراع في تشكيل الحكومة.
صورة غامضة
الّا انّ مصادر معنية بحركة التأليف رسمت لـ«الجمهورية» صورة غامضة يشوبها شيء من التشاؤم حول إمكانية تشكيل الحكومة في وقت قريب. واشارت الى انّ الكلام الجاري حالياً غارق في الجزئيات والسطحيات بعيداً من جوهر الامور.
وفي رأي هذه المصادر انّ الأمور تبدو حتى الآن وكأنها في بداياتها، مُعتبرة انّ الحريري لم ينجح بعد في وضع الأساس الذي تركب عليه الحكومة.
اولاً: لناحية شكلها وعددها وحصص الاطراف فيها. ثانياً: عدم تثبيت الحقائب السيادية حتى الآن للأطراف التي ستُسند اليها. ثالثاً: عدم بتّ حصة رئيس الجمهورية وحده. رابعاً: تثبيت حصة «التيار الوطني الحر» وحده.
خامساً: حسم حصة «القوات اللبنانية» والمواءمة بينها وبين حصة «التيار الحر».
سادساً: حصة الحريري الذي يرغب بأن يوزّر شخصيات مسيحية.
سابعاً: حصة حلفاء عون والحريري و»حزب الله» وحركة «أمل». ثامناً: حصة النائب وليد جنبلاط وما اذا كان توزير النائب طلال ارسلان من ضمنها أم لا.
3 صيغ
وتحدثت المصادر عن ثلاث صيغ حكومية تمّ التداول بها:
• الصيغة الاولى ثلاثينية من 10 - 10 - 10 تضمّ 10 وزراء لعون و«التيار الحر» و«القوات»، و10 وزراء للحريري وجنبلاط، و10 وزراء لـ«أمل» و«حزب الله» والحلفاء. وهذه الصيغة لم يتم التوافق حولها بعد.
• الصيغة الثانية من 14 -6 -10 تضمّ 14 وزيراً للحريري والحلفاء وجنبلاط، 6 وزراء لعون و«القوات»، و10 وزراء لـ«أمل» و«حزب الله» مع النائبين سليمان فرنجية وارسلان.
• الصيغة الثالثة من 12 - 8 - 10، تضمّ 12 وزيراً للحريري وجنبلاط والحلفاء، 8 وزراء لعون و«القوات» والحلفاء، و10 وزراء لـ«أمل» و«حزب الله» وارسلان.
الّا انّ هذه الصيغ لم يُرسَ على أيّ منها بعد، خصوصاً انّ لكل منها عنصراً معطّلاً للسير بها، والعناصر المعطّلة ترتبط كلها بمسألة «الثلث الضامن» وكذلك بما سُمّي المبالغة في طلب الحقائب.
ريتشارد
وفي وقت كان لبنان قد تلقّى تشجيعاً إيرانياً على التسريع بتأليف الحكومة، كان اللافت جولة السفيرة الاميركية اليزابيت ريتشارد على بري والحريري وباسيل وقائد الجيش العماد جان قهوجي، في زيارة مرتبطة بنتائج الانتخابات الاميركية، إنما لم تخل من إثارة الموضوع الحكومي واستفسار منها عمّا اذا كانت الحكومة ستولَد سريعاً، معتبرة ذلك أمراً مشجّعاً، ومُبدية رأي بلادها بحاجة لبنان الى حكومة تعيد الإمساك بكل الوضع وتُساهم في تعزيز الاستقرار الداخلي.
حوار ثنائي
وفي هذه الاجواء، إنعقدت مساء أمس في عين التينة جلسة الحوار الـ36 بين «حزب الله» وتيار «المستقبل»، في حضور المعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» حسين الخليل، الوزير حسين الحاج حسن، النائب حسن فضل الله عن الحزب، ومدير مكتب الحريري نادر الحريري والوزير نهاد المشنوق والنائب سمير الجسر عن تيار «المستقبل». كذلك حضر الوزير علي حسن خليل.
وبعد الجلسة صدر البيان الآتي: «جرى تقييم الأجواء السائدة بعد تحقيق إنجاز الانتخابات الرئاسية وما تركته من انعكاسات إيجابية على الوضع الداخلي، كذلك جرى التشديد على ضرورة الإسراع في تشكيل الحكومة الجديدة والاستفادة من مناخات الانفتاح بين القوى السياسية».
ولعل اكثر الاشارات لفتاً للانتباه كانت اعمال الشغب التي اعقبت فوز ترامب في بعض الولايات المتحدة الاميركية احتجاجاً على انتخابه، وهو أمر دفع بعض المبالغين الى افتراض مصير مُربك للولايات المتحدة في ظل ترامب، ودخولها في ما سمّاه أحد قياديي 8 آذار لـ«الجمهورية»: «الربيع العربي» في واشنطن.
المفاجأة لم تستثن لبنان الذي كان معظم سياسييه يتوقعون استمراراً لإدارة الرئيس باراك اوباما عبر فوز كلينتون، وبالتالي فوز ترامب أعادَهم الى الواقع، مع رسم احتمالات، خصوصاً على لبنان.
ووجّه الرئيس المكلف سعد الحريري برقية تهنئة لترامب، تمنى له فيها النجاح في مهماته، متوجهاً إليه قائلاً: «إنّ قيادتكم ضرورية لتحقيق الاستقرار والأمن والسلام في الشرق الأوسط. وستجدون في لبنان شريكاً ملتزماً بسعيكم لأرضية مشتركة، لا العداوة، والشراكة، لا النزاع».
طبّارة
وقال سفير لبنان السابق في واشنطن رياض طبارة لـ«الجمهورية»: «لا ندرك تماماً ماذا سيفعل ترامب فهو تحدث عن امور كثيرة لا تُنجز أصلاً، وقد تراجعت حدة خطابه فور فوزه. وعلينا الانتظار بعض الوقت لمعرفة ما اذا كان بخطاباته يُساير الجهة الاخرى ام انه يؤمن فعلاً بما قاله». واضاف: «اذا نفّذ ترامب كل ما وعد به فسيخرب العالم.
لقد وعد بمواضيع مخيفة بعض الشيء مثل ان تدفع اوروبا ثمن وجود الجيش الاميركي فيها، فهل معنى ذلك انّ خضّة ستحصل؟ لا احد يدرك اذا كان سينفّذ ما وعد به أم لا، لكن إن فعل فهذا خطر جداً على اوروبا.
كذلك وعد بتغيير الاتفاق مع آسيا واميركا اللاتينية، فإذا بدأ فعلاً بالتغيير، فإنّ الاقتصاد العالمي سيتأثر. واكد التعاون مع الرئيسين الروسي والسوري لمحاربة «داعش» ولا احد يدرك ماذا سيفعل، لكنّ اتجاهه للتعاون مع روسيا هو أكثر من مواجهتها كما كانت كلينتون تفعل».
ولفت طبّارة الى انّ ترامب «لم يذكر الاتفاق النووي الايراني في خطابه الاخير، لكنه اعلن سابقاً نيّته بإلغائه، فإذا لم يعترف بالشق الاميركي في الاتفاق فمعنى ذلك انهيار الاتفاق برمّته».
وعن استمرار السياسة الاميركية اكد طبارة «انّ رئيس الجمهورية الاميركية عنده صلاحيات كبيرة جدا في السياسة الخارجية»، وأعاد الى الاذهان الفارق بين الرئيسين جورج بوش «الذي زجّ بالجيش الاميركي في الحروب، وباراك اوباما الذي رفض ذلك».
ولدى سؤاله عن ملف العقوبات الاميركية على «حزب الله»؟ اجاب: «إنّ مشكلات ترامب اكبر واوسع في التجارة العالمية مع اميركا اللاتينية، لكن اذا استفاق على لبنان فأعتقد انه سيتشدّد اكثر، فالأمر الوحيد الذي ذكره عن لبنان هو «حزب الله».
«8 آذار»
من جهتها، قالت مصادر قيادية بارزة في 8 آذار لـ«الجمهورية» انها «لم تكن حاسمة في إمكانية فوز ترامب»، بل انها في الاساس «لاحظت وجود نوع من التعادل، ما ترك الباب مفتوحاً على المفاجآت».
وقالت: «إنّ الحملات الانتخابية ونوعية الطروحات والسجالات التي حصلت كانت تؤشّر الى حالة إفلاس، ومن جاء تصويته لمصلحة ترامب فعل ذلك اعتراضاً على سياسة كلينتون اكثر ممّا كان يصوّت تأييداً لترامب».
واضافت: «في النهاية، الولايات المتحدة تحكمها المؤسسات واذا كان هناك من يتوقع ايجابية، فهذا غير وارد، فنهج السياسة الاميركية التدخل في العالم كله ودعم اسرائيل».
ورأت المصادر «انّ فوز ترامب لن يحدث فارقاً كبيراً، على رغم انه خلال إعلان النيّات في مرحلة المنافسة الانتخابية، جعل شعاراته مقبولة اكثر من شعارات كلينتون لأنها كانت تتحدث عن منطقة حظر في سوريا وتسليح المعارضة، فيما ترامب حدّد الاولوية بمحاربة «داعش» لكنّ إعلان النيات في مرحلة الحملات الانتخابية شيء والسياسة شيء آخر».
واستبعدت المصادر ايّ إلغاء اميركي للاتفاق النووي مع ايران «الذي بات جزءاً من منظومة العلاقات الدولية، حيث ان الاوروبيين بدأوا بناء الشراكة مع ايران. وفي النهاية الاتفاق النووي ليس من طرف واحد، بل هو اتفاق من مجموعة اطراف وليس سهلاً شطبه بشحطة قلم، ذلك انه اتفاق من طبيعة دولية وترتّبَت عليه آثار ونتائج وعلاقات دولية والعودة عنه ليست بهذه السهولة».
مشاورات الحريري
يأتي ذلك في وقت ما زال لبنان منشغلاً في صوغ تركيبة العهد الاولى، واللافت ان لا جديد معلناً في هذا السياق، ما خلا السجال الإعلامي بين القوى التي يفترض ان تشارك في هذه الحكومة ومحاولة وضع سقوف بعضها لبعض، في وقت يعتصم الرئيس المكلّف بأقصى درجات الصمت ومحاولة صوغ التركيبة الحكومية في الشكل الذي يترجم الإجماع والتوازن الذي أكّد عليه.
وعلمت «الجمهورية» انّ مشاورات الحريري مكثفة في اتجاه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، إمّا مباشرة وإمّا عبر الوزير جبران باسيل ونادر الحريري، وكذلك في اتجاه رئيس مجلس النواب نبيه بري عبر الوزير علي حسن خليل ونادر الحريري.
وما يُنقل عن الحريري اولاً انه مستاء من المطالبات غير الواقعية التي يطرحها هذا الطرف او ذاك، مع تشديده على ضرورة ان يساهم جميع الافرقاء في تعبيد الطريق نحو حكومة لا بدّ من تشكيلها في القريب العاجل، خصوصاً اننا ندخل في لعبة الوقت القاتل، وتشكيل الحكومة ضرورة لإنجاز ملفات ملحّة ترجمة لخطاب القسم وكذلك للبرنامج الذي يطرحه الرئيس المكلف.
وقالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» انّ الحريري عازم على الانتهاء من الصيغة الحكومية في حدّ أقصاه 72 ساعة إذا لم تطرأ عقبات تؤخّر ذلك، وهو يأمل في ان لا تبرز مثل هذه العقبات، على ان يزور بري إذا أنجَز صيغته قبل نهاية هذا الاسبوع لوضع اللمسات «المسهّلة» لانطلاقة الحكومة الجديدة.
ولفتت المصادر الى انّ المعضلات التي برزت في الآونة الاخيرة حول الحصص الوزارية السيادية قد لا تكون مستعصية، إذا صفت النيّات، علماً انّ السجال حولها في الاعلام من قبل بعض الاطراف استبق الامور وشابَته مبالغات.
وعَزت المصادر عدم صعوبة الحلحلة، الى تسليم لا بد منه في نهاية المطاف من قبل الجهات المعنية بالتأليف بتوزيعة واقعية وموضوعية قد لا تختلف عمّا هو سائد في حكومة تصريف الاعمال، بمعنى بقاء القديم على قدمه حيال هذه الحقائب.
جنبلاط يسهّل
وكان الحريري التقى مساء أمس في «بيت الوسط» النائبين وليد جنبلاط ومروان حمادة في حضور المستشار الدكتور غطاس خوري. وتناول اللقاء، الذي تخلله مأدبة عشاء، البحث في آخر المستجدات السياسية ولا سيما منها مسار تأليف الحكومة الجديدة. وذكرت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» انّ جنبلاط أبلغ الى الرئيس المكلّف استعداده لتسهيل مهمته للإسراع في تشكيل الحكومة.
صورة غامضة
الّا انّ مصادر معنية بحركة التأليف رسمت لـ«الجمهورية» صورة غامضة يشوبها شيء من التشاؤم حول إمكانية تشكيل الحكومة في وقت قريب. واشارت الى انّ الكلام الجاري حالياً غارق في الجزئيات والسطحيات بعيداً من جوهر الامور.
وفي رأي هذه المصادر انّ الأمور تبدو حتى الآن وكأنها في بداياتها، مُعتبرة انّ الحريري لم ينجح بعد في وضع الأساس الذي تركب عليه الحكومة.
اولاً: لناحية شكلها وعددها وحصص الاطراف فيها. ثانياً: عدم تثبيت الحقائب السيادية حتى الآن للأطراف التي ستُسند اليها. ثالثاً: عدم بتّ حصة رئيس الجمهورية وحده. رابعاً: تثبيت حصة «التيار الوطني الحر» وحده.
خامساً: حسم حصة «القوات اللبنانية» والمواءمة بينها وبين حصة «التيار الحر».
سادساً: حصة الحريري الذي يرغب بأن يوزّر شخصيات مسيحية.
سابعاً: حصة حلفاء عون والحريري و»حزب الله» وحركة «أمل». ثامناً: حصة النائب وليد جنبلاط وما اذا كان توزير النائب طلال ارسلان من ضمنها أم لا.
3 صيغ
وتحدثت المصادر عن ثلاث صيغ حكومية تمّ التداول بها:
• الصيغة الاولى ثلاثينية من 10 - 10 - 10 تضمّ 10 وزراء لعون و«التيار الحر» و«القوات»، و10 وزراء للحريري وجنبلاط، و10 وزراء لـ«أمل» و«حزب الله» والحلفاء. وهذه الصيغة لم يتم التوافق حولها بعد.
• الصيغة الثانية من 14 -6 -10 تضمّ 14 وزيراً للحريري والحلفاء وجنبلاط، 6 وزراء لعون و«القوات»، و10 وزراء لـ«أمل» و«حزب الله» مع النائبين سليمان فرنجية وارسلان.
• الصيغة الثالثة من 12 - 8 - 10، تضمّ 12 وزيراً للحريري وجنبلاط والحلفاء، 8 وزراء لعون و«القوات» والحلفاء، و10 وزراء لـ«أمل» و«حزب الله» وارسلان.
الّا انّ هذه الصيغ لم يُرسَ على أيّ منها بعد، خصوصاً انّ لكل منها عنصراً معطّلاً للسير بها، والعناصر المعطّلة ترتبط كلها بمسألة «الثلث الضامن» وكذلك بما سُمّي المبالغة في طلب الحقائب.
ريتشارد
وفي وقت كان لبنان قد تلقّى تشجيعاً إيرانياً على التسريع بتأليف الحكومة، كان اللافت جولة السفيرة الاميركية اليزابيت ريتشارد على بري والحريري وباسيل وقائد الجيش العماد جان قهوجي، في زيارة مرتبطة بنتائج الانتخابات الاميركية، إنما لم تخل من إثارة الموضوع الحكومي واستفسار منها عمّا اذا كانت الحكومة ستولَد سريعاً، معتبرة ذلك أمراً مشجّعاً، ومُبدية رأي بلادها بحاجة لبنان الى حكومة تعيد الإمساك بكل الوضع وتُساهم في تعزيز الاستقرار الداخلي.
حوار ثنائي
وفي هذه الاجواء، إنعقدت مساء أمس في عين التينة جلسة الحوار الـ36 بين «حزب الله» وتيار «المستقبل»، في حضور المعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» حسين الخليل، الوزير حسين الحاج حسن، النائب حسن فضل الله عن الحزب، ومدير مكتب الحريري نادر الحريري والوزير نهاد المشنوق والنائب سمير الجسر عن تيار «المستقبل». كذلك حضر الوزير علي حسن خليل.
وبعد الجلسة صدر البيان الآتي: «جرى تقييم الأجواء السائدة بعد تحقيق إنجاز الانتخابات الرئاسية وما تركته من انعكاسات إيجابية على الوضع الداخلي، كذلك جرى التشديد على ضرورة الإسراع في تشكيل الحكومة الجديدة والاستفادة من مناخات الانفتاح بين القوى السياسية».