مع بدء العدِّ التنازلي لحلول يوم الجمعة، الحادي عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، المعروف بـ"11/11"، بما يتضمنه من دعوات للتظاهر، تحت عنوان: "ثورة الغلابة"، احتجاجا على نظام حكم رئيس الانقلاب، عبدالفتاح السيسي.. تعيش مصر على "كف عفريت"، في حالة من الغموض الممزوج باستنفار حكومي وترقب شعبي.

ولجأت الحكومة المصرية إلى استخدام كل ما لديها من أوراق ضغط، وفي مقدمتها تشديد القبضة الأمنية، عبر قوات خاصة من وزارتي الدفاع والداخلية، وتوسيع دوائر الاشتباه والاعتقال، وتخصيص خطبة الجمعة من قبل وزارة الأوقاف للدعوة إلى الحفاظ على مصر.

ذلك فيما ساد الشارع المصري مشاعر واسعة من الحيرة بين المشاركة في المظاهرات "الغامضة"، أو إرجاء قرار الخروج للتظاهر إلى وقت آخر؛ لتفويت الفرصة على سيناريوهات توظيف "11/11" لصالح النظام، لا سيما بعد أن تبين أن هناك محاولة بالفعل من قبل السلطات، وأذرعها المخابراتية، للتلاعب بها.

بيان الروس.. وشهود العيان

وفاقم من حالة التوتر -التي يعاني الشارع المصري منها حاليا- دعوة السفارة الروسية في القاهرة رعاياها، الثلاثاء، إلى الابتعاد عن الأماكن المزدحمة يوم 11 تشرين الثاني/ نوفمبر؛ تحسبا لأي أعمال عنف.

وناشدت السفارة، في بيان لها، عبر صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، مواطنيها بالتزام منازلهم.

هذا في وقت انتشر فيه عدد كبير من مدرعات مكافحة الشغب والأمن المركزي التابعة لوزارة الداخلية في عدد من الأحياء الرئيسة في القاهرة والجيزة، لا سيما الشوارع والميادين الكبرى، مثل: فيصل، والهرم، وميدان الجيزة، والدقي، والمطرية، وبولاق الدكرور، وغيرها.

كما رصد نشطاء نزول قوات الجيش والأمن المركزي إلى شوارع مركزية، كطريق (مصر - الإسماعيلية) و(مصر - السويس)، والطريق الدائري، والأوتوستراد، وغيرها.

وقال المحامي أحمد حلمي، عبر حسابه بموقع "تويتر"، إنه رصد "انتشار قوات مجنزرة تابعة للكتيبة 508 مشاة ميكانيكي في محيط منطقة سجون طرة، كخطوة أولى لنزول الجيش للمناطق المحددة".

الدفاع والداخلية: خطتان للتمكين والسيطرة

ولجأت وزارة الداخلية إلى سلاحي الوعيد والتهديد (المعتاد) في مثل هذه الحالات؛ إذ أكدت أنه سيتم تطبيق قانوني التظاهر والإرهاب على من يشارك في المظاهرات، بادعاء عدم حصولها على الموافقات القانونية، وأن الأوامر صدرت للقوات الأمنية بالتعامل الحاسم مع أي أعمال شغب أو عنف.

ووضعت الوزارة خطة نشرتها صحيفة "البوابة"، تحت عنوان: "الاستعدادات لتمكين البلاد في 11 نوفمبر".

وتتضمن الخطة قيام قوات الأمن بمطاردة الداعين للتظاهرات قبل يوم الجمعة، وتقديمهم للنيابة العامة، علاوة على انتشار الآلاف من عناصر الشرطة السرية المكلفة من قبل مديريات الأمن وقطاع الأمن الوطني؛ لرصد كل من يضبط متهما بالتحريض بوسائل المواصلات، أو تصوير مشاهد أو فيديوهات عن الوضع الداخلي المصري.

وأكدت الداخلية في إخطارها للجهات الأمنية، وفق "البوابة" أيضا، رفع حالة الاستعداد القصوى، وإيقاف الراحات والإجازات، بدءا من الثامنة من صباح الثلاثاء، وتنشيط وتفعيل الكمائن الحدودية، وتكثيف دوريات وحدات التدخل السريع في كل المدن، مع وجود منظومة إلكترونية للسيطرة على الشوارع، من خلال شبكة كاميرات مكونة من 1200 كاميرا مراقبة تم توزيعها خلال الفترة الماضية في الشوارع والميادين والطرق السريعة.

من جهته، كشف مساعد وزير الداخلية لقطاع الإعلام والعلاقات العامة، اللواء طارق عطية، أن "هناك تنسيقا وتعاونا بين وزارة الداخلية والقوات المسلحة".  

وتأكيدا لما ذكر عطية، أشارت تقارير إعلامية إلى أن القوات المسلحة اعتمدت خطة "السيطرة الشاملة"، بمشاركة أكثر من 120 ألف ضابط وجندي، بما يشمل تأمين مدن القناة والمجرى الملاحي لها، والدفع بقوات إضافية على الحدود مع قطاع غزة، ونشر القوات والمدرعات في مداخل ومخارج المدن الكبرى، في القاهرة والمحافظات كافة.

الطيران: طوارئ بمطار القاهرة 

وعلى مستوى وزارة الطيران، أعلنت سلطات مطار القاهرة، الثلاثاء، حالة الطوارئ القصوى. 

وبحسب مصادر مطلعة في مطار القاهرة، "قامت مختلف الأجهزة الأمنية بوقف الإجازات وسط العاملين لديها، وزيادة وتكثيف أعدادهم في كل المواقع، والتدقيق في إجراءات التفتيش والاشتباه؛ لضبط أي عناصر مشبوهة تحاول دخول دائرة المطار، وفحص السيارات، ومنع أي طرود أو حقائب مشبوهة، مع زيادة التفتيش للركاب وكل المترددين".

نواب السيسي يعملون مخبرين

واستنفر أنصار السيسي في ائتلاف "دعم مصر" لمواجهة 11/ 11، واعتمد الائتلاف في اجتماع مغلق عقده مكتبه السياسي، الاثنين، خطة التحرك والمواجهة. 

وتضمنت خطة التحرك إنشاء غرفة عمليات مركزية تحت إشراف الأمين العام للائتلاف، والأمين العام المساعد؛ لتلقي المعلومات أولا بأول من نواب الدوائر حول أي تحركات تتم على الأرض داخل دوائرهم الانتخابية، والعناصر التي تقود هذه التحركات، وانتماءاتها السياسية. 

وشددت الخطة على أهمية وجود جميع النواب على أرض دوائرهم يوم الجمعة في المقار المخصصة لهم، أو مقار الائتلاف لرصد التحركات، وكيفية وأسلوب التعامل معها. 

وطرح أحد أعضاء الائتلاف اقتراحا يتضمن تسيير سيارات بمكبرات الصوت؛ لإذاعة الأغاني الوطنية في ذلك اليوم، خاصة أغنية "تسلم الأيادي". 

مخبرون يجولون الشوارع بمكبرات للتحذير

وغير بعيد عن ذلك، قام عدد من المواطنين، ممن أطلق عليهم الأهالي لقب "أمنجية النظام"، أكد بعضهم أنهم "مخبرون متنكرون".. بالتجول في شوارع مدينة طنطا عاصمة محافظة الغربية، وبحوزتهم مكبرات صوت، يحذرون عبرها المواطنين من عواقب النزول في 11 نوفمبر. 
 


الإعلام.. شيطنة الإخوان وتحذير للمتظاهرين

وعلى المستوى الإعلامي، خصص الإعلاميون الموالون للسيسي أحاديثهم لشيطنة جماعة الإخوان المسلمين، والادعاء بأنها صاحبة الدعوة للتظاهر، وتحذير المواطنين من المشاركة في المظاهرات.
وزعم أحمد موسى أن "الدعوات إلى التظاهر هي دعوات لتأخير مصر 100 سنة".

وأضاف في برنامجه "على مسؤوليتي"، عبر فضائية "صدى البلد"، أن "الهدف من التظاهر يوم 11/11 هو التخريب والقتل ونشر الفوضى في البلاد".

وادعى أن "الهدف الأساسي من هذه الدعوات هو عودة محمد مرسي إلى الحكم، وعودة سيناريو الفوضى مرة أخرى".

وأردف: "الإخوان بتنزل عناصرها في المواصلات العامة والشوارع يتكلموا مع الناس علشان المواطنين ينزلوا يوم 11/11، لكن اللي حينزل.. الإخوان هتقتله علشان تشوه صورة مصر".

من جهته، بث الإعلامي إبراهيم عيسى طاقة سلبية في المصريين؛ كي لا يشاركوا في المظاهرات.

وزعم عيسى أن الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الدولة فيما يخص رفع أسعار المحروقات أو تعويم العملة لن تؤدي للغضب الاجتماعي أو التوترات الشعبية. 

وأضاف في برنامجه "مع إبراهيم عيسى"، عبر فضائية "القاهرة والناس"، أن "دعوات 11/ 11 فقاعة، وكلام فارغ"، مردفا أن المصريين على مر تاريخهم لم يثوروا من أجل قرارات اقتصادية صعبة.  

وأضاف أن "11/ 11 فيلم زي باقي الأفلام اللي هاتيجي بعده"، مستطردا أن "بعض أجهزة الدولة من مصلحتها أن يكون الشعب المصري خائفا من تظاهرات 11 نوفمبر"، على حد قوله.

وزارة الأوقاف: خطبة موحدة حول مصر 

من جهتها، قررت وزارة الأوقاف المصرية تعميم خطبة موحدة ليوم الجمعة، حول مكانة مصر في القرآن والسنة. 

ونبهت الوزارة، في بيان صحفي، الثلاثاء، على جميع الأئمة الالتزام بنص الخطبة وضابط الوقت، ما بين 15 إلى 20 دقيقة كحد أقصى، قائلة إنها تثق في "تفهمهم لما تقتضيه طبيعة المرحلة من ضبط للخطاب الدعوي"، وفق البيان.

إغلاق المدينة الجامعية في الأزهر 

وغير بعيد، قررت جامعة الأزهر غلق المدينة الجامعية للطلاب، بدءا من الأربعاء، وحتى الأحد 13 نوفمبر، تزامنا مع الدعوات التي أطلقت للتظاهر في 11 نوفمبر.

وظلت المدينة الجامعية في الأزهر منطلقا للطلاب مناهضي الانقلاب الدموي، منذ وقوعه وحتى اللحظة.

هل يقف السيسي وراء الدعوة للتظاهر؟ 

وانتشرت دعوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي وقطاعات من المصريين، في الأسابيع الأخيرة، للنزول يوم 11/ 11، ولم تتبن جهة معارضة بارزة هذه الدعوة.

وفي المقابل، توقع السيسي، في تصريحات سابقة، فشل الدعوة. وقال: "المصريون أكثر وعيا مما يتصور كل من يحاول أن يشكك أو يسيء؛ لذا كل الجهود التي تُبذل من جانب هذه العناصر وأهل الشر مصيرها الفشل". 

واجتمع السيسي، مساء الاثنين، بوزيري الدفاع والداخلية ورئيس هيئة عمليات القوات المسلحة، ومديري المخابرات الحربية والعامة، ودعاهم إلى "الالتزام بأقصى درجات الحذر واليقظة".

هذا في وقت توقع فيه سياسيون في حال فشل مظاهرات الجمعة، التي ربما تكون "فخا أمنيا وسياسيا"، أن تعمل سلطة الانقلاب على استغلالها لصالحها؛ للتخلص من مزيد من المعارضين، عبر شن اعتقالات جديدة في أوساطهم، والمضي في الإجراءات الاقتصادية القاسية، بعد قرار تحرير سعر الصرف، الخميس الفائت.

 

عربي 21