أحدث المرشَّح الجمهوري دونالد ترامب مفاجأة كبيرة، ووصل إلى كرسي الرئاسة في الولايات المتحدة الأميركية. يُعدّ هذا الحدث تاريخياًَ في كافة المقاييس، ولذا ستكون له آثاره الداخلية والخارجية على أكثر من صعيد، طيلة أربع سنوات. 
 
وحتى يدخل الرئيس الأميركي الخامس والأربعون البيت الأبيض في نهاية كانون الثاني/يناير المقبل، سوف يسيل حبر كثير من أجل تسليط الأضواء أكثر فأكثر على صورة أميركا الجديدة التي بشّر بها خلال حملته الانتخابية.
العرب أكثر عجلة من غيرهم لرحيل الرئيس الأميركي باراك أوباما، ينتظرون بفارغ الصبر أن تمضي الأسابيع الباقية من ولايته، وهم على أمل أن خليفته لن يكون على نفس المستوى من اللامبالاة، وعدم الاكتراث بقضاياهم في فلسطين وسورية والعراق واليمن والخليج، ولكن وصول ترامب إلى سدة الرئاسة لا يوحي بما هو أفضل من عهدَي جورج بوش وأوباما، بل قد تزداد الأوضاع تعقيداً بسبب طروحات ترامب الانعزالية والحمائية.
يصل ترامب للرئاسة ونحن نعيش حالة، قد تكون نادرة، تتقاطع فيها المواقف العربية كافة عند نقطة إشهار الاحتجاج بالصوت المرفوع ضد الساكن الحالي للبيت الأبيض، الأمر الذي يعكس مزاجاً عربياً عاماً تجاه سياسات إدارة أوباما التي اختلفت في الشكل والمضمون عن أغلبية الإدارات السابقة. ولا يقتصر الاختلاف على تغير في بعض المواقف أو إخلاف بعض الوعود، وإنما عبّر عن نفسه على شاكلة انعطافة حادة في اتجاه معاكس.
لم يشعر العرب بالمرارة حيال رئيس أميركي كما كان حالهم مع أوباما، الذي عولوا عليه كي يحدث نقلة في علاقات الولايات المتحدة مع العالم العربي. صحيح أن الولايات المتحدة دولة مؤسساتٍ، ولكن على الدوام كان هناك هامش وتأثير لشخصية الرئيس. ومن هنا كان الظن السائد هو أن أوباما الآتي من خلفية لها صلة بالحريات ونضال المواطنين الأميركيين السود، من أجل المساواة والحقوق المدنية سيكون مختلفاً في مقارباته للقضية الفلسطينية وموضوع الديموقراطية وحقوق الإنسان، ولكن أوباما خذلهم وخصوصاً في ولايته الثانية التي هادنت النظام السوري وسكتت على جرائمه، وتركت لروسيا الطريق مفتوحاً كي تحتل سورية وترتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وإذا كان العرب قد شعروا بالخيانة من طرف إدارة أوباما، فلأن الولايات المتحدة قبل كل شيء قوة عظمى لها حضور كبير في كافة الملفات الدولية، وهي صاحبة التأثير الرئيسي في سير القضايا الدولية منذ الحرب العالمية الثانية، عدا عن أنها بنت علاقات تحالف وصداقة خاصة مع بعض البلدان العربية مثل دول الخليج التي لم يكن في حسابها حصول تحول في الموقف الأميركي تجاه إيران على حساب العرب.
وصول ترامب هو بمثابة صدمة، وحدث تاريخي على مستوى كوني يضع العرب أمام موقف حرج جداً، ويلقي عليهم مسؤوليات عاجلة، وثمة أكثر من درسٍ يجب أن نستخلصه اليوم قبل الغد.
 
الدرس الأول هو أن العرب يفتقرون إلى رؤية موحدة تجاه الولايات المتحدة، وحتى يوم أمس كانت هناك تباينات واضحة في مواقف الدول العربية، بين من يفضّل فوز دونالد ترامب، وآخر يتمنى وصول هيلاري كلينتون. والدرس الثاني هو أن على العرب أن يفكروا سريعاً بوقف سياسة الاعتماد على الولايات المتحدة وخاصة من الناحية الأمنية، فالولايات المتحدة نفسها لم تعد معنية بتأمين مظلة أمنية لبعض الدول العربية، ولن تتكرر في المدى المنظور تجربة عام 1991 في حرب تحرير الكويت، الأمر الذي يجب أن يقود العرب لأن يغيروا صيغة العلاقة القديمة مع الولايات المتحدة كلياً، وطي صفحة التحالف معها نهائياً. وهذا توجه سبقتهم عليه إدارة أوباما نفسها من خلال سحب نفسها تدريجياً من الكثير من الالتزامات التقليدية.
والدرس الثالث هو ضرورة الوعي بتكوين لوبي عربي أو قوة ضغط، كما هو عليه الأمر بالنسبة لإسرائيل وإيران التي نجحت بفضل جماعات الضغط المؤيدة لها الى تطبيع علاقاتها مع الولايات المتحدة، وإحداث اختراق على المستوى الدولي من خلال توقيع الاتفاق النووي.
أما الدرس الرابع، والذي يكتسي أهمية خاصة في هذه المرحلة، هو أنه يتوجب على العرب تصليب أوضاعهم الداخلية، بإجراء إصلاحات عميقة تشمل سياسات الحكم والاقتصاد وحقوق الإنسان، وتعزيز التحالفات مع دول أخرى في الإقليم مثل تركيا.
وكما جرت العادة مع انتخاب كل إدارة أميركية جديدة هناك دعوة للعرب كي يحددوا ماذا يريدون منها؟ وهذه القضية تبدو اليوم أكثر أهمية وإلحاحاً من أي وقت مضى. وعلينا أن نتعظ بدروس من الماضي القريب قبل البعيد، حتى لا نكرر في المستقبل أخطاء الماضي.
كانت التجارب العربية مع إدارتي جورج بوش وأوباما مريرة جداً. الأولى سلمت العراق إلى إيران، والثانية تخلت عن مسؤوليتها ودورها وتركت روسيا تحتل سورية، وما نخشاه مع ترامب أن يكون الآتي أعظم، ومع ذلك يجب أن لا نتسرع في إصدار حكم استباقي على سياسات الرئيس الأميركي الجديد تجاه القضايا العربية لأن برنامج الحكم لا يلتزم، بالضرورة، ببرنامج الحملة الانتخابية.