تميزت حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية بالتوتر العنيف والمستوى غير اللائق بسبب المرشح دونالد ترامب الذي يتمنى الكثير ألا يكون الرئيس الجديد لأقوى دولة في العالم. وغاب عن الحوارات المتوترة بين هيلاري كلينتون ومنافسها دونالد ترامب الخوض في العمق في برامج كل من المرشحين التي تهم العالم على صعيد الطاقة مثلاً. فقليلاً ما تطرقا إلى هذا الموضوع ولكن من بحث عن توجه الاثنين في ما يخص الطاقة يرى اختلافاً مهماً بين كلينتون وترامب. فهي تريد التركيز على الإسراع في تطوير الطاقة البديلة للنفط. وهدفها أن تكون نسبة خمسين في المئة من التغذية الكهربائية في الولايات المتحدة من الطاقة المتجددة في نهاية ولايتها الأولى، كما أنها تريد إطلاق برنامج الطاقة النظيفة بـ ٦٠ بليون دولار وتطوير تقنيات الطاقة النظيفة. وتؤيد تكسير الصخر لإنتاج النفط الصخري ولكن مع ضوابط تضمن حماية البيئة. أما ترامب فيقول إنه يريد تعزيز وتطوير الطاقة الحفورية ورفع جميع القيود عن شركات النفط والغاز في الولايات المتحدة وأنه خلافاً لكلينتون يريد إنقاذ صناعة الفحم.
وما من شك في أنه إذا كانت هيلاري كلينتون رئيسة للولايات المتحدة سنرى قفزة نوعية بدأت في عهد أوباما وهي مستمرة الآن في العالم لتطوير الطاقات المتجددة وفي طليعتها الشمس والهواء. وهذا تطور مشجع للدول العربية. فقد بدأت هذه الدول برامج لتطوير الطاقة الشمسية كما في الإمارات والسعودية والمغرب، وتنشط دول مثل الأردن في هذا المجال. وقال وزير النفط السعودي السابق علي النعيمي في ندوة في لندن الأسبوع الماضي أن الطاقة الشمسية ستحوز على ٤٠ في المئة من الحاجات العالمية إلى الطاقة في المستقبل القريب، مؤكداً اأن الطاقة الحفورية ستبقى أساسية إلى جانب الشمس والهواء. وقد قامت الصين بتطوير تقنيات للطاقة الشمسية التي خفضت سعرها بسرعة وأجبرت الولايات المتحدة على الإسراع بتقنيات أفضل وتخفيض كلفتها. ومجيء كلينتون إلى الرئاسة قد يسرع الاستمرار في تطوير هذه التقنيات النظيفة والجيدة لدول الشرق الأوسط الغنية بالشمس والأماكن الشاسعة لإنشاء مراكز هذه الطاقة. أما إذا تولى ترامب الرئاسة وهذا أمر لا يتمناه أحد فسيعني ذلك أن إنتاج النفط والغاز الصخري في أميركا سينطلق بكثرة مجدداً على حساب البيئة مع احتمال المزيد من الضغط على أسعار النفط للمزيد من انخفاض الأسعار في الأسواق العالمية بسبب فائض نفطي يعود إلى أكبر سوق في العالم. ولكن سطحية ترامب وجهله في حواراته أديا إلى شرح عابر لتصوره لاستقلالية أميركا في مجال الطاقة. ففي حين أن كلينتون قالت إنها تعارض إجراء التنقيب والحفر في المحيط المتجمد الشمالي يقول ترامب إنه سيرفع جميع القيود عن التنقيب في هذا المحيط وفي شاطئ الأطلسي أي أنه سيفتح المزيد من الأماكن للحفر والتنقيب. وكلينتون مثل أوباما تعارض إنشاء الأنبوب النفطي بـ ٨ بلايين دولار الذي سينقل النفط من ألبرتا في كندا إلى مصافي خليج تكساس لأن المشروع يضر بالبيئة. أما ترامب وعلى عكس منافسته يؤيد إنشاء هذا الأنبوب وقال إنه سيبنيه في أول مئة يوم من ولايته.
إن خطة كلينتون للطاقة ككل سياستها وشخصيتها أفضل بكثير من المرشح ترامب. فكيف يمكن تصور أن شخصاً مثل ترامب ينال تأييد خمسين مليون ناخب أميركي؟ إنه لغز لأن شعبويته ليست حقيقية فهو جاهل وسطحي. يشبه زعيم الجبهة الوطنية الفرنسي السابق جان ماري لوبن ولكن من دون حنكة الأخير ومعرفته العميقة للملفات. فهو خطير بخطورة لوبن بسبب تطرفه ولكنه أخطر بسبب جهله. وسيكون من حظ العالم تفادي وصوله إلى الرئاسة الأميركية.كانت العادة خلال هذه الحملة هي انتقاد كلينتون على أنها مرشحة سيئة وكاذبة إلخ… لكن هذه الصفات أتت من أعدائها وأثرت على العالم. وأتت أيضاً من رجال لا يحبذون وصول امرأة إلى هذا المنصب. ولكن الفرق شاسع بينها وبين ترامب والخلاصة أن فوزها في الانتخابات الرئاسية سيؤكد تجنب أميركا والعالم قائداً جاهلاً وخطيراً.