في وقت تابع لبنان الإنتخابات الأميركيّة، راوَحت المواقف الداخلية أمس إزاء التأليف الحكومي بين متفائل بحصول انفراج قريب وبين مستبعِد ولادةً حكومية وشيكة، بعدما بدت في الأفق عقباتٌ وعقَد تحتاج إلى مزيد من التشاور وتدوير الزوايا للوصول إلى التشكيلة الوزارية العتيدة.
يأتي ذلك في وقتٍ يتزايد الدعم الدولي وحماستُه لتشكيل حكومة وحدة وطنية، وهذا ما أبلغَه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لكلّ مِن رئيس مجلس النواب نبيه برّي والرئيس المكلّف سعد الحريري بضرورة التسريع بتشكيل حكومة تأخذ على عاتقها معالجة الملفات المتراكمة أمام اللبنانيين، وكذلك ما عبّر عنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في رسالة تهنئة لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف، من تمسّكِ بلاده بدعمها الثابت للاستقرار والوفاق الوطني في لبنان، لأنّها تعتبره جانباً مهمّاً مِن السلام والأمن في المنطقة.

عون

في هذه الأجواء، ينتظر عون في الساعات المقبلة، مشروعاً أوّلياً للتركيبة الحكومية بالتوازنات وحصصِ الأطراف قبل إسقاط الأسماء عليها. ويعكفُ الحريري بسرّية مطلقة على إعداد تركيبة حكومتِه لكي تخرج بالصيغة الملائمة للعهد الرئاسي والحكومي الجديدين.

وقالت مصادر قريبة منه لـ«الجمهورية» إنّ كلّ ما يتردّد من تشكيلات وحصَص وأسماء لا يمتّ إلى الحقيقة بصِلة. فالرئيس المكلّف لم يضَع اللمسات الأخيرة بعد على التشكيلة، وإن كانت مرجّحة أن تكون موسّعة، على أن يعرضَها على رئيس الجمهورية ثمّ على رئيس المجلس النيابي، حيث إنّ الحريري لم يبادر بعد إلى مشاورات مباشرة مع بري في لقاء مرتقب بينهما، وإن كانت المشاورات غير المباشرة لم تتوقّف بينهما على مدى الأيام الماضية.

برّي

وفيما يحرص «حزب الله» على تأكيد التعاون مع عون، وهو ما عبَّر عنه نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم بقوله إنّ الحزب سيتعاون مع رئيس الجمهورية «إلى أقصى الحدود من أجل بناء المؤسسات وتحسين الوضع المعيشي»، تبدو الأجواء في عين التينة مرتاحة إلى مسار التأليف الذي يعتمده الرئيس المكلّف، وإنّ بري ينتظر الحريري الذي لم يطلب موعداً بعد لكي يكشف أوراق المطالب المشتركة لحركة «أمل» و«حزب الله».

وقال بري أمام زوّاره، ردّاً على سؤال أين أصبحت الحكومة: لا جديد عندي، ولكن وردَتني معلومات شِبه موثوقة أنّ هناك حَلحلة والأمور«ماشية». وآمل في أن تولد الحكومة قبل عيد الاستقلال.

وكشفَ أنه تلقّى سؤالاً مِن ظريف الذي بدا متحمّساً لتشكيل الحكومة: أين أصبحت الحكومة؟ فردّ قائلاً: أملُنا أن تولد قبل عيد الاستقلال إذا شُكّلت وتمّ تجاوُز التعقيدات التي أتمنّى ألّا تكون عصيّة على الحلّ.

أضاف بري: رغبتُنا العميقة هي أن نتعامل مع التأليف بما يتجاوز أيّ تعقيدات وبسرعة، وإذا تمكّنا من التأليف قبل 22 تشرين الثاني فهذا أمرٌ غير مألوف قياساً مع تجارب تأليف الحكومات السابقة التي كانت تستلزم شهوراً، وبالتالي يُعدّ هذا، إذا حصل، إنجازاً كبيراً.
وعندما سأله ظريف: أين العقَد، وهل هناك مخاوف من تأخّرِ التأليف؟ قال بري: إن شاءَ الله لا.

وعمّا إذا كانت رحلة التأليف ستَطول إلى آخِر السنة كما بدأ يقال في بعض الأوساط، أجاب بري: إذا لم تُشكّل الحكومة سريعاً ـ لا سَمح الله ـ وإن شاء الله لا، يصبح قانون الانتخاب العتيد في خطر، وهذا يُعدّ نكسةً للعهد ولنا جميعاً.

وعن اللغط الدائر حول وزارة المال، قال: فليقولوا ما يشاؤون، قيل إنّ هناك فيتوات على إعطاء الشيعة وزارة المال، فليَسألوا الرئيس حسين الحسيني ما الذي جرى الاتفاق عليه في الطائف. وعلى أيّ حال، «أنا ما بينشَغل معي بالنكايات».

«التكتل»

واللافت على خط التأليف موقف تكتّل «التغيير والإصلاح» الذي طرح فيه مجدّداً موضوع المداورة في الحقائب، وسألَ في ما يبدو أنّه يَغمز من قناة وزارة المال: هل من مصلحة وطنية لتكريس حقيبة معيّنة بطائفة معيّنة؟

وفي ما بدا أنّه رسالة تطمينية لـ«القوات اللبنانية»، أكّد التكتّل أنّ معطى تفاهُم «القوات» و»التيار الوطني الحر» معطى أساسي، ونأمل من الجميع عدمَ التعرّض لهذا الاتفاق. وكرّر أن لا صفقات ثنائية أو ثلاثية أو ما شابَه بموضوع الحكومة، مطالباً بحكومة وحدة وطنية يتمثّل فيها الجميع ويكون فيها لكلّ مكوّن حضور ومشاركة.

وكانت محطة «أو. تي في» قد أشارت في نشرتها الإخبارية مساء أمس إلى أنّ التداولٍ بأسماء مطروحة للتوزير «بعضُها قد يكون صحيحاً، غير أنّ أكثرَها من نَسج الخيال». وتحدّثت عن ثلاث إشكاليات ميثاقية - دستورية «لا تزالُ تَطرح نفسَها، من دونِ أن يعنيَ ذلك أنّها غير قابلة للحلّ». وهي:

موضوعُ الحقائب السيادية، تصنيفاً وتوزيعاً سياسياً وطائفياً ومذهبياً.

ملفّ وزارة المال، ولفتَت إلى أنّ «مصدر القول إنّ اتفاقَ الطائف نصَّ على حَصرها بجهةٍ محدّدة، فيما الحَصر يغيب عن النص، ولا يَحضرُ في التجارب الحكومية منذ ربعِ قرنٍ ونيّف».

أمّا الإشكالية الثالثة فتتمثّل بـ»ما اصطُلِح على تسميته بـ»الثلث الضامن أو المعطل» كما مُبرّرِه في مرحلةٍ سَقطت فيها التصنيفات السابقة، والانقسامات العَمودية التي جعلت من الساحة ساحتين حتى أمس القريب».

في المقابل، كانت كتلة «المستقبل» تدعو الجميع إلى «التقاط هذه اللحظة الإيجابية وتسهيل عملية التأليف»، وشدّدت على وجوب أن «تتّسم مطالب جميع الأفرقاء بالواقعية السياسية».

«النازحون» في بعبدا

إلى ذلك، تحضر أزمة النازحين السوريين وانعكاستها المادية والأمنية والاقتصادية على لبنان ودول الجوار السوري والمتوسط في خلال استقبال عون قبل ظهر اليوم وزيرَي خارجية قبرص إيوانيس كاسوليديس واليونان نيكوس كوتزياس.

وتأتي زيارة الوزيرين إلى بيروت واللذين سينضمّ إليهما لاحقاً وزير خارجية بلغاريا دانيال ميتوف، في إطار استكمال المحادثات التي كانت قد بدأت في أيلول الماضي في جزيرة رودوس اليونانية بين وزراء من الاتّحاد الأوروبي ووزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل، وذلك ترجمةً للمؤتمر الأوّل من نوعه حول الأمن، في ضوء أزمة اللاجئين والمهاجرين السوريين من أجل مناقشة التحديات التي تواجه الأمن الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط.

وسيكون لعون موقفٌ واضح وصريح حول مسؤولية المجتمع الدولي والاتّحاد الأوروبي من تداعيات هذه الأزمة على لبنان، ومساعدة لبنان في كِلفتها المالية الباهظة، عدا عن انعكاساتها على الميادين الاقتصادية والأمنية والتربوية والاستشفائية والبنى التحتية وتحديداً على قطاعي المياه والكهرباء.