تابع اللبنانيون مسار الانتخابات الرئاسية الأميركية ونتائجها الأولية بأعصاب باردة، بعدما تمكنوا من «تهريب» انتخاباتهم خلف خطوط أزمات المنطقة وحروبها، واطمئنوا الى أنه صار لديهم رئيس للجمهورية.
والأرجح، أن وصول هيلاري كلينتون أو دونالد ترامب الى البيت الأبيض هو سيّان بالنسبة الى هذا الوطن، غير المدرج أصلاً في أجندة أي من المرشحين اللذين اختلفا على كل شيء لكنهما اتفقا على دعم اسرائيل، العدو الأساسي للبنان والعرب.
وبينما انشغل العالم أمس بمتابعة وقائع المعركة الحامية بين كلينتون وترامب، واصل الرئيس المكلّف سعد الحريري مساعيه، من دون ضجيج، لتركيب «بازل» الحكومة الجديدة التي لا تزال في مراحل التشكّل الأولى، برغم صخب التسريبات.
ولئن كان الحريري يسعى الى إنجاز التأليف قبل عيد الاستقلال، لمنع استنزاف زخم التكليف في زواريب الاستيزار، إلا أن دون كسب السباق مع الوقت مصاعب موضوعية تتصل بكيفية ترسيم الحدود بين الطموحات والحسابات المتعارضة. وقد لا تكون المطالب المرتفعة السقف لرئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع سوى رأس جبل جليد العقد.
ومن الواضح أن تبدّل قواعد اللعبة والسلطة ـ مع انتخاب ميشال عون وتكليف الحريري وتداخل التحالفات وتبعثر الاصطفافات ـ إنما يفرض مقاربة جديدة لـ «هيكلية» الحكومة المقبلة، تختلف عن تلك التي كانت تُعتمد سابقا في «هندسة» الحكومات، لا سيما ان هناك لاعبين جددا انضموا الى معادلة الحكم ويطمحون الى أن يكونوا أرقاماً صعبة في جدول حساب، لا يحتمل حمولة زائدة.
وفيما نُقل عن الرئيس عون قوله إنه يتطلع الى أن تكون الحكومة منجزة قبل عيد الاستقلال، أبلغت مصادر بارزة في «التيار الوطني الحر» «السفير» أن المهمة الأصعب امام الرئيس المكلّف تتعلق بالتفاهم مع «القوات» والرئيس نبيه بري حول حصة كل منهما، «ومتى حصل ذلك، فإن الجنرال والتيار سيسهّلان على الحريري استكمال بناء الطوابق الأخرى من الحكومة، لأن من مصلحة العهد الجديد التسريع في التشكيل، وليس تأخيره، حتى لا يضيع وهج انتخاب رئيس الجمهورية».
وتوقعت المصادر أن ينتظر الحريري اتضاح النتيجة النهائية للمفاوضات مع بري وجعجع، قبل ان يلتقي عون ويعرض عليه تصوره المبدئي لتركيبة الحكومة، مشيرة الى أن رئيس الجمهورية لا يستطيع أن يحدد موقفه النهائي حيال ما يتصل بحصته الوزارية أو بأحجام الآخرين، قبل ان تكون نقاشات الرئيس المكلف مع بري وجعجع قد أخذت مداها الى الحد الأقصى وخرجت بحصيلة واضحة، لكي يبنى على الشيء مقتضاه.
وإذا كانت زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الى بيروت قد اكتسبت دلالات سياسية معبّرة وعكست الارتياح الإيراني لوصول العماد ميشال عون الى قصر بعبدا، فإن ظريف بدا مهتماً خلال لقاءاته أمس مع المسؤولين اللبنانيين بتقصٍّ جديد للمساعي المبذولة لتأليف الحكومة، مشدداً على أهمية الإسراع في تشكيلها، ومؤكداً أن طهران ستكون من داعميها.
ولعل لقاء ظريف مع الحريري الحليف للرياض، انطوى على أهمية خاصة، لا سيما انه الأول بين الرئيس المكلف ومسؤول ايراني منذ العام 2010، حين زار الحريري طهران قبيل استقالة حكومته مطلع العام 2011.
وأثناء اجتماعه مع بري، سأل ظريف عن إمكان تشكيل الحكومة سريعاً، فأبلغه رئيس المجلس أن جهوداً حثيثة تُبذل في هذا الاتجاه، وقال له: معالي الوزير، في لبنان، غالباً ما تواجه مساعي تأليف الحكومات تعقيدات من هنا وهناك، فإذا نجحنا في تأليفها من الآن وحتى موعد عيد الاستقلال يكون ذلك بمثابة معجزة، قياساً الى التجارب السابقة.
تحدي التأليف السريع، حضر أيضا في اللقاء بين الحريري وظريف الذي هنّأ الرئيس المكلف بتسميته، مؤكداً أن طهران حريصة على المواكبة الإيجابية للمرحلة الجديدة في لبنان.
وأبلغ الوزير الضيف، الحريري بأن ايران تريد لحكومته المقبلة ان تنجح، آملا في ان يتمكن من تشكيلها بأقصر وقت ممكن. وتوجّه ظريف الى الرئيس المكلف بالقول: دولة الرئيس.. انت كنت قائد تسوية شجاعة في لبنان، وهذه التسوية تصلح لتكون نموذجا في المنطقة.
والتقى ظريف ايضا الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، ورئيس حكومة تصريف الأعمال تمام سلام.

بري.. والأمل
على خط مفاوضات التأليف الحكومي وما يرافقها من شدّ حبال، دعت كتلة «المستقبل» النيابية في أعقاب اجتماعها برئاسة الحريري الى اعتماد الواقعية السياسية في المطالب، لتسهيل ولادة الحكومة، فيما تساءل تكتل «التغيير والاصلاح» بعد اجتماعه، غامزا من قناة بري: أين المداورة في الحقائب، وهل من مصلحة وطنية في تكريس حقيبة معينة لطائفة معينة بدءاً من أنفسنا؟
أما بري، فقال امام زواره أمس، إن معلومات وردته تفيد بأن هناك حلحلة في ملف تشكيل الحكومة وأن الأمور ماشية. وأضاف: كلنا أمل في ان تولد الحكومة قبل عيد الاستقلال.
وعن احتمال ان يمتد مخاض التشكيل حتى نهاية العام الحالي، نبّه الى انه إذا لم تؤلف الحكومة قبل نهاية السنة، فإن قانون الانتخاب يصبح في خطر.
وردّاً على سؤال حول اللغط الحاصل في شأن وزارة المال وإصراره على التمسك بها، أجاب: فليسألوا الرئيس حسين الحسيني حول ما جرى الاتفاق عليه في الطائف لجهة التوقيع الشيعي عبر وزارة المال، وعلى كل حال «أنا ما بينشغل معي بالنكايات..»، ومن اراد ان يضع فيتو على بقاء هذه الوزارة بحوزة «حركة أمل» هو الذي دفع الى تثبيتها ضمن حصة الحركة.
وعن إمكان ان تشمل المداورة وزارة المال، قال: الرئاسات لا تشملها المداورة، وكذلك الحال بالنسبة الى العديد من المواقع الثابتة في الدولة. الحريري «يستكشف»
في هذا الوقت، أبلغت أوساط مقرّبة من الحريري «السفير» أن الرئيس المكلف هو الآن في مرحلة الاستكشاف، تمهيدا لوضع تصوره حول تشكيلة الحكومة المقبلة، لافتة الانتباه الى انه لا يزال من السابق لأوانه حسم هوية الاسماء وتوزع الحقائب.
وأوضحت الاوساط ان الحريري يركز حاليا على تظهير صورة التوازنات التي ستقوم عليها الحكومة، ثم ينتقل الى المرحلة الاخرى المتعلقة بالتفاصيل.
وأشارت الاوساط الى ان الحريري سمع الكل واستطلع اتجاهاتهم، لافتة الانتباه الى ان الكثير مما يُتداول في الاعلام حول الحقائب والاسماء ليس صحيحا، ولا علاقة له بحقيقة ما يجري في الكواليس والاجتماعات المغلقة.
وأكدت الاوساط انه من الافضل عدم الالتزام مسبقا بمهل محددة لانجاز التأليف، حتى لا يبدو أي تأخير كأنه نوع من الفشل او التعثر، مشيرة الى ان نية الحريري كما نيات جميع الاطراف هي الانتهاء من تشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن.
وشددت على ان الرئيس المكلف سيعرض في نهاية المطاف على الاطراف السياسية أفضل الممكن ضمن الوقائع السياسية القائمة، والتوازنات الدقيقة التي يديرها.
وأوضحت أوساط الحريري ان هناك حاجة الى بضعة ايام بعد، حتى تتضح الصورة وتبدأ ملامح الحكومة بالظهور، معتبرة ان المهم هو ان المناخ العام إيجابي وان الجميع أبدى الاستعداد للتعاون.
الى ذلك، قالت مصادر في «القوات اللبنانية» لـ « السفير» إن المقصود من طرح سمير جعجع الداعي الى تشكيل حكومة منسجمة ومتخففة من أعباء المعارضة والموالاة هو تأمين الظروف المناسبة لتكون منتجة، معتبرة انه ليس من المنطقي ان يطالب من رفض التصويت لرئيس الجمهورية وعارض انتخابه بحصة في حكومة العهد.
واعتبرت المصادر ان المطالبة بحصة وازنة لا تعني ان مطالب رئيس «القوات» تعجيزية او مبالغ فيها.