عندما نجح دونالد ترامب المرشح عن الحزب الجمهوري في الإنتخابات التمهيدية للرئاسة الأميركية كثرت الأقاويل حينها عن مدى التدهور الذي أصاب المعسكر الجمهوري بعد حقبة الرئيس جورج بوش.
وعلى الضفة الأخرى كان متوقعا فوز هيلاري كلينتون المرأة المخضرمة في السياسة الأميركية الداخلية والخارجية.
ترامب ينتفض على المؤسسة الأميركية:
أمام حصر التنافس الإنتخابي بين كلينتون وترامب وبعد أن جاء موعد الإنتخابات في الثلاثاء الكبير والذي يفصلنا عن نتائجها بضعة ساعات، كان المشهد السياسي الأميركي ولمدة عام تقريبا أمام حالة سياسية جديدة يمثلها دونالد ترامب عديم الخبرة في العمل السياسي.
هفوات ترامب الجنسية ونظرته للمرأة وتصريحاته العنصرية ضد العرب والأفارقة والمسلمين واللاتين ودعوته إلى بناء جدار بين أميركا والمكسيك ومنع هجرة الأجانب لأميركا كلها أمور إستغلتها كلينتون في المناظرات الثلاث الكبرى والتي تحدثت لغة أرقام الإحصاءات عن تفوقها فيها أمام الأداء الرديء لترامب.
لكن تبقى النقطة الأهم والأبرز في خطاب ترامب هو مهاجمته للمؤسسة الأميركية " establishment " وتوعده النخبة الحاكمة في واشنطن بالمحاسبة وكسر إحتكارهم للحياة السياسية الأميركية.
بطبيعة الحال تعبر أميركا عن أرقى ديمقراطية عرفتها الإنسانية لكن لكل شيء خطوط حمراء يمكن المساس بها لكن ستجعل من يمس بها يدفع الثمن.
وإنتقاد ترامب لهذه المؤسسة جعل معسكر المحافظين الجدد القوة الضاربة في الحزب الجمهوري ينتفضون عليه ويرفضون التصويت له.
ما قاله ترامب عن الفساد في هذه المؤسسة جعلت فرص وصوله الى البيت الأبيض ضئيلة جدا لكنها ليست مستحيلة بإنتظار النتائج لأن الأمور تجري هكذا في أميركا.
وفرصة وصوله إلى البيض الأبيض متوقفة على أسئلة عديدة منها: هل تحرر المواطن الأميركي من قيود الميديا الإعلامية أو اللوبي الإعلامي في أميركا ؟ وما هي أولويات هذا المواطن في هذه الفترة حاليا؟
الجواب على السؤالين نسبي ومتوقف على شروط عدة لكن ما هو حتمي أن اللوبي الإعلامي في أميركا والذي يصب بمعظمه لصالح كلينتون لا يزال يمتلك الأدوات الكافية لخلق رأي عام أميركي حسب ذوقه.
أما الأولويات لهذا المواطن فهي بالدرجة الأولى داخلية تخص قضايا تخفيض الضرائب وخلق فرص عمل.
لكن حتى في هذه لم يكن ترامب مقنعا كونه يأتي من خلفية إقتصادية وعالم إدارة الأعمال ويمثل الرؤية الرأسمالية المتشددة التي تهتم بطبقة الأغنياء على حساب طبقتي الفقراء والمتوسطي الحال.
وما زاد الأمور تعقيدا على ترامب كلامه العنصري إتجاه فئات عرقية باتت جزء من المجتمع الأميركي كالسود واللاتين والعرب والمسلمين.
كلينتون تهادن:
أما هيلاري كلينتون فهي تعرف هذه الأمور جيدا وتعرف إمكانيات المؤسسة الأميركية فهادنتها بل إعتبرت نفسها ممثلة عنها كتكملة لمشروع باراك أوباما.
إستغلت كلينتون كل هفوات ترامب وإستثمرتها إعلاميا وهذا الذي جعلها حتى الآن متصدرة لإستطلاعات الرأي التي ترجح فوزها.
فلو كان البديل غير ترامب كانت الأمور مختلفة جدا وأكثر من عبر عن ذلك هو أحد المواطنين الأميركيين الذي بعد إنتخابه سألته إحدى القنوات التلفزيونية عن خياره الإنتخابي فأجاب:" نحن أمام شرين وإنتخبت الأقل شرا وهي هيلاري كلينتون".
فبقدر ما تنفع خبرة كلينتون السياسية فهي تؤذيها أيضا للفشل الذي حققته في بعض المحطات وخصوصا في موضوع داعش وعهد زوجها الرئيس السابق بيل كلينتون.
مع هذا إستطاعت كلينتون أن تقدم نفسها على أنها المرأة القوية التي بحاجة إليها أميركا بعد وصول عدة نساء إلى الحكم في أوروبا كبريطانيا وألمانيا وفرنسا على الطريق، ومجرد أن تصل كلينتون إلى هذه المرحلة المتقدمة من الإنتخابات الأميركية فهو يحسب لها كأول إمرأة مرشحة بقوة لأن تصبح رئيسة أقوى دولة في العالم وهو إنجاز آخر للحزب الديمقراطي بعد أن إستطاع إيصال باراك أوباما أول رئيس من أصحاب البشرة السمراء .
أضف إلى ذلك قدمت كلينتون رؤية إقتصادية تهدف إلى زيادة الضرائب على طبقة الأغنياء وخفضها عن الطبقات الوسطى والفقراء وهذه هي أولوية المواطن الأميركي الذي بات يشعر بجشع الأغنياء في البلاد.
كل هذا لا يشير بالضرورة إلى فوز كلينتون بل إلى رجحان فوزها خصوصا أنها ترث رئيسا هو باراك أوباما صاحب إنجازات مهمة على المستوى الداخلي وينتمي لنفس حزبها وباراك أوباما من الرؤساء القلائل الذي يغادر البيت الأبيض وهو قوي شعبيا وسياسيا وعالميا.
معركة أولويات:
هي معركة أولويات بين المرشحين على إثرها تبرز النتائج التي ستحدد مسار الرأي العام الأميركي.
وبعيدا عن كل هذا، تثبت الديمقراطية الأميركية من جديد أنها الحل الجذري للعديد من المشاكل السياسية في العالم وهي قدوة كافية وكفيلة بأن تطبق في العالم.
وما بين دونالد ترامب وهيلاري كلينتون ثمة فائز وخاسر لكن الفائز الأكبر هو المواطن الأميركي وأميركا والديمقراطية في العالم.
بقلم رئيس التحرير
إقرأ أيضا : أميركا بعد أوباما: عقيدة مختلفة وعالم جديد