رغم أن توافد الزوار الأجانب سيكون بروتوكوليا عاديا من قبل الموفدين الأجانب للقاء الرئيس اللبناني الجديد ميشال عون، إلا أن الأنظار ستتركز على الكيفية التي سيدير بها الرئيس موقع لبنان الإقليمي في ظل المواجهة الإيرانية-السعودية الراهنة.
ورأت أوساط سياسية في إرسال دمشق وزير شؤون الرئاسة السورية منصور عزام موفدا خاصا من قبل الرئيس بشار الأسد ولقائه الرئيس عون برفقة السفير السوري في لبنان علي عبدالكريم علي، مسارعة سورية إلى إظهار الدعم للرئيس الذي تعتبره دمشق حليفا وصديقا شخصيا للأسد.
وتوقفت الأوساط السياسية عند الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف تحت عنوان نقل رسالة تهنئة من الرئيس حسن روحاني إلى الرئيس اللبناني ميشال عون.
واتهم ظريف لدى وصوله إلى بيروت برفقة وفد سياسي واقتصادي، التيارات التكفيرية بالوقوف وراء محنة لبنان، متوعدا بهزيمتها من خلال المقاومة الصلبة "إن كان على مستوى لبنان أو على مستوى المنطقة".
وقال "إن إيران وقفت في الماضي وستقف اليوم ومستقبلا إلى جانب لبنان وشعوب المنطقة".
وتوقفت كذلك عند تزامن زيارتي موفدي دمشق وطهران في نفس اليوم، واعتبرته إنزالا دبلوماسيا هدفه تثبيت مسلّمة وقوع لبنان داخل منطقة نفوذ حلف إيران وسوريا في المنطقة.
ويعتبر بعض المراقبين أنه من المنطقي أن يسعى النظامان السوري والإيراني إلى وضع لبنان تحت جناحيهما أو التذكير بأن انتخاب عون رئيسا يصبّ في هذا السياق.
إلا أن الأمر ليس بتلك السهولة، خصوصا أن السطوة المسلحة التي يقودها حزب الله في لبنان لم تستطع حسم الأمر وأن مقاومة الهيمنة الإيرانية العتيدة ماثلة للعيان، بحيث أن طهران لم تستطع فرض مرشحها “إذا ثبت فعلا أن عون كان مرشحها” إلا بعد قبول الرئيس سعد الحريري بذلك بما يملكه من امتداد إقليمي لا سيما لدى السعودية.
ولاحظ دبلوماسيون غربيون في بيروت أن مسألة المحافظة على توازن في علاقات لبنان الإقليمية، تضغط على رئيس الجمهورية الجديد أكثر من أي طرف آخر، ذلك أن التيار العوني ممثلا في شخص رئيسه وزير الخارجية جبران باسيل، هو المسؤول عن اختلال هذا التوازن لصالح إيران من خلال المواقف التي اتخذها والتي أحرجت لبنان وأدت إلى سحب الرياض لمنحة الثلاثة مليارات دولار للجيش اللبناني وإلى برودة الاهتمام السعودي بالشأن اللبناني.
وتقول مراجع سياسية في لبنان إن الرئيس عون يمتلك أوراقا تتيح له مقاومة الضغوط الإيرانية السورية، ذلك أنه الشخصية المسيحية القوية الوحيدة التي تحالفت مع هذا المحور، وأن دمشق وطهران لا تمتلكان بديلا مماثلا داخل الطبقة السياسية المسيحية.
كما أن الحشد الجماهيري الذي سار نحو قصر بعبدا الأحد الماضي يمنح الرئيس حصانة مضافة ضد تلك الضغوط، ثم إن خطط عون لإقلاع عهده والإيفاء بوعوده تتطلب أخذ هواجس كافة الفرقاء الداخليين وحسن إدارة التناقضات وامتداداتها الخارجية لا سيما تلك المتعلقة بالأزمة السورية.
ويرى خبراء السياسة في لبنان أن الرئيس الحريري سيتعاطى، من موقعه المتحالف مع الرياض بشكل بروتوكولي في أي مناسبة لها علاقة بالتواصل مع شخصيات إيرانية أو سورية تابعة للنظام، وأن تأييد الحريري لعون في بعبدا منح الرئيس دعما سعوديا سابقا على انتخابه.
وعكست ذلك أيضا، زيارة وزير الدولة السعودي ثامر السبهان إلى لبنان، فيما المطلوب من الرئيس عون ضبط السلوك الإيراني السوري لصالح العهد الجديد ولصالح حكومة الحريري المقبلة لما فيه مصلحة لبنان بكامل فرقائه، بما في ذلك المتحالفون مع المحور الإيراني السوري.
وتلفت أوساط متابعة أن السعي الإيراني السوري المتمثّل في زيارة موفدي البلدين لقصر بعبدا لا يعكس قوة مريحة، بل يعبّر عن ارتباك وعدم ثقة في خيارات عون الرئيس لجهة الإذعان لشروط التحالف الذي جمعه بحزب الله منذ “ورقة التفاهم”.
وبات عون مدركا أن شخصيات لبنانية شديدة العداء لنظامي دمشق وطهران كسعد الحريري وسمير جعجع هي التي حققت له حلمه في الوصول إلى قصر بعبدا، فيما عجزت العاصمتان بما تمتلكانه من نفوذ عن فرض ذلك الأمر.
ودعت هذه الأوساط إلى قراءة الموقف الذي عبر عنه منذ أيام جبران باسيل الذي اعتبر في حديث صحافي في معرض تعليقه على تدخل حزب الله في سوريا بأن “هذا وضع شائك يتطلب انسحابا كاملا لجميع الأفرقاء، وترك سوريا للسوريين”، وهو نفس الموقف الذي أعلن عنه الحريري مؤخرا في مقاربة العلاقة مع سوريا.
صحيفة العرب