بدأت منذ أمس قوات «قسد» التي تشكّل القواتُ الكردية نواتها الصلبة، تنفيذ المرحلة الأولى من قرار التحالف الدولي تحريرَ الرقة المتّصفة بأنّها عاصمة خلافة تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) في سوريا.تتألف العملية بحسب هيئة أركان التحالف، من مراحل عدة، وهدفُ المرحلة الأولى الجارية الآن هو عزلُ الرقة، وشَلُّ خطوط إمداد «داعش» في داخلها عن خارجها، وخصوصاً مع الموصل التي تجري فيها أيضاً معركة منسّقة بين التحالف وحكومة بغداد لتحريرها من «داعش».

ويوجد للبنان، داخل هذا التطوّر المهم، اهتمام استثنائي وإضافي خاص به. ومفادُه أنّ بدءَ المعركة الدولية للتضييق على «داعش» في الرقة، يثير في بيروت الاهتمام إلى درجة الاستنفار لمعرفة هل سيكون لبدء معركة حصار الرقة، تأثيرات على ملف الجنود اللبنانيين الـ 10 المختطفين لدى «داعش»، خصوصاً بعدما تأكَّد قبل نحو شهرين، من خلال اتّصال لوسيط غير لبناني مع قيادة «الدولة الإسلامية»، بأنّ الأخيرة نَقلت الجنود اللبنانيين المحتجَزين لديها، منذ فترة غير قصيرة، من مواقعها في منطقة القلمون السورية إلى الرقة.

وفي التفاصيل الخاصة بالمعلومة الأخيرة، تقول مصادر مطّلعة إنّه منذ نحو شهرين تحرّكت قليلاً المياه الراكدة في مستنقع أزمة الجنود اللبنانيين الـ 10 المختطَفين لدى «داعش» منذ شهر آب العام 2014. وفحوى ذلك جرى من خلال وسيط غير لبناني، نجَح في فتح قناةِ اتّصال غير مباشرة بين الحكومة اللبنانية وقيادة «داعش»، وذلك بهدف تحريك عملية تفاوضٍ على إطلاق الجنود اللبنانيين الذين تَختطفهم.

وفي المعلومات أنّ هذا الاتصال الذي جاء بعد قطيعة طويلة منذ انسحبَت «هيئة العلماء المسلمين» من دورٍ كان لها على هذا الصعيد، أسفرَ عن النتائج الآتية:

أوّلاً، إستحصال الوسيط على تأكيد قيادة «داعش» في الرقة أنّ الجنود اللبنانيين الـ 10 لا يزالون أحياء، ولا زالت «داعش» أيضاً تحتفظ بجثّة جندي آخر لديها.

ثانياً، إستحصال الوسيط على تأكيد شفوي منسوب إلى قيادة «داعش» أنّ الجنود اللبنانيين المختطَفين نَقلتهم «داعش» إلى عاصمتها في الرقة منذ فترة غير قصيرة، ولم يعودوا موجودين في مواقعها في منطقة القلمون السوريّة.

تَجدر الإشارة في هذا المجال إلى أنّه خلال معارك الأيام الخمسة التي نشَبت في عرسال على اثر اعتقال الجيش اللبناني عماد جمعة الذي ينتمي إلى جماعة تُدعى «فجر الإسلام» المرتبطة بـ«داعش»، احتجزت كلّ مِن «جبهة النصرة» و«داعش» 28 جندياً ودركياً لبنانياً، ثمّ أفرَجت «النصرة» ضمن التسوية التي جرت بدايات السنة الجارية عن 13 عنصراً كانوا في حوزتها، وبقيَ 10 جنود لدى «داعش»، بعد إقدامِها على قتلِ الرقيب علي السيّد، واحتفاظها بجثة جندي آخر.

ولكنّ التحقيقات اللاحقة بيَّنت أنّ مَن شارَك في خطف الجنود اللبنانيين خلال معارك آب 2014 في عرسال هم ثلاث فئات وليس فقط «داعش» و«النصرة»، وأنّ الفئة الثالثة هي عبارة عن مجموعة تكفيرية لم يتمّ تحديد هويتها، وكانت تَحتجز نحو 4 جنود لبنانيين، فيما كانت «داعش» تحتجز سبعةً فقط، ولكن هذه المجموعة سلّمت الجنود الأربعة الذين في حوزتها لـ«داعش» لأسباب غير معروفة، على رغم أنّ مصادر متابعة قالت لاحقاً إنّ «داعش» دفعَت مقابل تسليمها الجنودَ الأربعة مبلغاً ماليّاً للمجموعة عينِها.

وفي شأن نقلِ الجنود العشرة لدى «داعش» من القلمون إلى الرقة، تكهَّنت مصادر ذات صلة بجمعيات حقوقية دولية بأن يكون «داعش» يَحتجز هؤلاء الجنود في سجن « قرية عايد» الذي يتّصف بأنّه سجن غامض وسرّي جداً، ولا تُعرف وظيفته أو مكانه على وجه التحديد، والهدف من ذلك الاحتياط من إمكانية حصول عمليات عسكرية أو أمنية خاصة للإفراج عنهم. ويوجد فيه معتقَلون من جنسيات مختلفة.

في مقابل وضعِ سجن «قرية عايد» الخاص، فإنّ كلّ سجون «داعش» الأخرى في الرقة معروفة المكان، فمثلاً «السجن الأمني» يقع عند سدّ الفرات، ويختص بمعاقبة المخِلّين بأمن «دولة الخلافة» والموجّهة إليهم تهمة التواصل مع «الإعلام المعادي»، و«سجن المحكمة» يقع في القسم الشرقي من مدينة الرقة، ويختص بتنفيذ عقوبة الحد على المدانين بجرائم جنائية كالقتل والاغتصاب، و»سجن الحسبة» يقع في مدينة الطبقة، ويختص بمعاقبة المخالفين لقوانين «داعش» وأحكامه المتعلقة باللباس والتدخين، ألخ...

ثالثاً، خلال مجريات هذا الاتصال الأخير مع الوسيط عينِه غير اللبناني، وعَدت «داعش» بأنّها سترسل «شريط فيديو» يُظهر الجنود اللبنانيين المخطوفين لديها، كتعبير من جانبِها عن إشارة حُسن نيّة يتمّ من خلالها تقديم دليل مادي وحسّي للدولة اللبنانية في أنّ جنودها العشرة لدى «داعش» لا يزالون أحياء.

ولا يوجد في الواقع تأكيد عمّا إذا كانت قيادة الرقة سلّمت الوسيط هذا الشريط، ولكن ما هو ثابت، بحسب المعلومات المتوافرة، أنّه نتيجة حصول مستجدّات طرَأت وليست ذات صلة على الأرجح بملفّ الجنود العشرة، أبلغَت داعش فجأةً إلى الوسيط، بأنّها تريد تجميد التفاوض حالياً.

مِن غير المعروف حاليّاً، كيف سيتأثّر ملف الجنود اللنبانيين العشرة المختطفين لدى «داعش» بتطوّرات مقبلة ستحصل على مستوى معركة الرقة التي أعلن التحالف الدولي بدءَها أمس، توصّلاً بدايةً إلى حصارها ومِن ثمّ إخراج تنظيم الدولة منها.

علماً أنّ مصادر مواكبة لملفات محتجزين أجانب لدى «داعش»، سواء في الرقة أو غير من معاقلها، لفَتت إلى أنّ في مدينة منبج كانت «داعش» تحتجز عشرات السجناء من جنسيات مختلفة إضافةً إلى نحو 200 إرهابي من أصول أوروبية كانت دولهم حريصة على استردادهم للتحقيق معهم.

وقد تمكّنَت قوات التحالف وحلفاؤها، أثناء تحرير منبج من تنفيذ تكتيكات مبادلة المحاصرين من تنظيم «داعش» في داخلها بممرّات آمنة للخروج من المدينة، شرط موافقتها على تسليم لائحة أسماء معتقلين وإرهابيين من أصول أوروبية.

فهل ينتقل ملفّ الجنود العشرة اللبنانيين، بعد بدءِ معركة حصار الرقة إلى عهدة التحالف الدولي، ليكرّر في الرقة سيناريو لإطلاقهم، وذلك على النحو الذي كان قد فَعله في منبج؟