بين استقبال الرئيس سعد الحريري سفراء دول مجلس التعاون الخليجي المعتمدين في لبنان، وتأكيده على «هوية لبنان العربية»، وأن «سُحب الصيف ولت إلى غير رجعة في العلاقات بين لبنان ودول مجلس التعاون»، وتأكيد دول المجلس، بلسان سفير الكويت عبدالعال القناعي «وقوف دول المجلس قاطبة الى جانب لبنان»، وتهنئة الرئيس ميشال عون ودعمه والتمني للرئيس المكلف التمكن في اقرب وقت من تأليف حكومته، وبين هجمة محور إيران - سوريا باتجاه العهد الجديد لاستثمار دعم «حزب الله» في تسهيل وصول الرئيس عون إلى قصر بعبدا، بدا لبنان أمام مشهد مختلف عربياً واقليمياً وربماً دولياً، مع ما كشفه وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الاعمال نهاد المشنوق من ان باريس تستعد لتنظيم مؤتمر باريس -4 لتوفير الدعم الاقتصادي والسياسي للبنان، بعد طي صفحة الفراغ الرئاسي، وانتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة جديدة.
في هذا الوقت، كانت مساعي تأليف الحكومة تدخل في سباق مع الوقت، مع مرور مهلة الأسبوعين المتبقية قبل عيد الاستقلال يوم الثلاثاء في 22 تشرين الثاني، وسط استراحة في الاتصالات بين «بيت الوسط» و«عين التينة» ورهانات ليست واحدة على إنجاز تأليف الحكومة وإصدار مراسيمها، أو أخذ الوقت لمعالجة المشكلات الأساسية والطارئة بما خص الحقائب السيادية والخدماتية والحصص المسيحية، في ضوء ما يتظهر من اصرار فريق «تفاهم معراب» (أي التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية) على الاستئثار بحصة المسيحيين في الحكومة، سواء كان عدد أعضائها 30 أو 32 وزيراً، الأمر الذي يعني إبعاد حزب الكتائب وتيار «المردة» ومسيحيي 14 آذار، بما في ذلك وزير الداخلية السابق الياس المر عن التشكيلة العتيدة.
معالجات العقد
وتكشف المعلومات المتوافرة عن الاتصالات، سواء المستترة أو الطافية على السطح، أن المعالجات تتركز على النقاط التالية:
1- ما تردّد عن حصة للرئيس عون على غرار الحصة التي كانت للرئيس السابق ميشال سليمان أي ثلاثة وزراء، يبدو انه غير مرغوب لا في عين التينة ولا في «بيت الوسط».
وترد مصادر المعلومات على هذا الطلب بأن الرئيس سليمان لم تكن لديه كتلة نيابية، وهو أتى من المؤسسة العسكرية مباشرة، في حين أن الرئيس عون هو نائب في البرلمان ولديه كتلة نيابية وازنة.
وإذا ما اعتمد هذا التقليد، فان الرئيس نبيه برّي يمكن أن يطالب بحصة له وأخرى لحركة «امل»، والرئيس الحريري سيطالب أيضاً بحصة له ولكتلة «المستقبل»، فيتقاسم والحال الرؤساء الثلاثة غالبية التشكيلة الوزارية أياً يكن عددها.
ويرى مصدر وزاري قريب من أجواء الاتصالات انه في مثل هذه الحالة يتعذر تمثيل باقي القوى السياسية، وهذا أمر لا يمكن هضمه في بلد مثل لبنان يتمتع بفسيفساء طائفية وسياسية ونيابية وحزبية متعددة.
وفي السياق، نقل عن رئيس المجلس النيابي أن رئيس الجمهورية لو طالب بوزير شيعي ضمن حصته فان «حزب الله» وحركة «امل» سيطالبان بوزير مسيحي ضمن حصتهما.
2 - الوزارات السيادية، في ضوء مطالبة حزب «القوات اللبنانية» بوزارة سيادية أو وزارة المال، إضافة الى وزارة خدماتية وأخرى عادية، على قاعدة تقاسم الحصة المسيحية مناصفة مع التيار العوني، الأمر الذي تعتبره اوساط 8 آذار بمثابة وضع العصي في الدواليب، وبالتالي فان مثل هذا الطلب من شأنه أن «يفرمل» تأليف الحكومة، وفقاً لمصادر «حزب الله».
وترددت معلومات أن رئيس حزب «القوات» سمير جعجع الذي التقى أمين سر تكتل التغيير والإصلاح النائب إبراهيم كنعان موفداً من الرئيس عون، ألمح صراحة إلى أسماء الوزارات التي يرغبها كالصحة والتربية والأشغال، فضلاً عن الاقتصاد والإعلام.
وفهم من هذه المصادر أن جعجع سمع كلاماً مؤداه أن الحقيبة السيادية المسيحية يمكن أن يتفاهم عليها مع «التيار الوطني الحر»، ولا مانع بالتالي اذا ما تخلى له التيار العوني عن وزارة الخارجية من أن تكون من حصة «القوات»، «فالمسألة عند العهد وفريقه».
إتهامات «للقوات»
3- تتهم أوساط «حزب الله» والرئيس بري رئيس حزب «القوات» بالسعي إلى «وضع العصي في دواليب التأليف»، من خلال ثلاثة مؤشرات:
{{ إنتقاده قيام حكومة وحدة وطنية، لأن هذه الحكومة تجمع التضادات، وبالتالي لا قدرة لديها على الإنتاج، فيما العهد بأمسّ الحاجة إلى حكومة منتجة.
{{ دعوته لعدم إشراك الكتل التي صوّتت بورقة بيضاء في الإنتخابات الرئاسية، لا سيما حزب الكتائب وتيار «المردة».
{{ تكبير حجره الحكومي وتلميحه «الإستفزازي» إلى وزارة المال.
4- تنصح أوساط «حزب الله» العاملين على خط التأليف بتمثيل غالبية الكتل الممثلة في البرلمان، ولا مانع بالتالي من أن تكون الحكومة ثلاثينية أو أكثر. وتعتبر هذه الأوساط أن العدالة في توزيع الحصص والحقائب يجب أن تراعي التنوّع الطائفي والمذهبي والمناطقي، واحتساب عدد الوزراء على أساس عدد نواب الكتلة البرلمانية الواحدة.
وتُشير هذه الأوساط إلى أنه من الخطأ في هذه الظروف العبث بالعرف المعمول به في ما خصّ توزيع الحقائب السيادية، من دون إغلاق الباب أمام إعادة توزيع هذه الحقائب على الطوائف الكبرى في مرحلة لاحقة.
أجواء بعبدا
أما في بعبدا، ففهم أن الأجواء تُشير إلى ترقّب تشكيلة الرئيس الحريري التي يعمل على إنجازها.
ودعت أوساط القصر إلى «بعض الواقعية في المطالب حتى يمكن إنجاز التشكيلة، والإستفادة من الزخم الذي انطلق به العهد الجديد، والعلاقات الجيّدة بين الرئيسين عون والحريري»، مشيرة إلى أن رحلة التأليف ما تزال في بداياتها، وأن مهمة الرئيس الحريري قد لا تكون سهلة مع ازدياد المطالب بشأن الحقائب الأساسية والسيادية وكيفية توزيعها.
وفي تقدير المصادر المطلعة، أن العقدة ما تزال تتركز في التمثيل المسيحي، لا سيما على صعيد التوفيق بين مطالب «القوات اللبنانية» مع حصة الكتائب و«المردة» إلى جانب «التيار الوطني الحر» بالإضافة إلى حجم مطالب الرئيس برّي الذي كشفت المصادر أنه يطالب بحصة متكاملة له أي للثنائي الشيعي، مع حلفائه في فريق الثامن من آذار، نافية أن يكون التمثيل السنّي مشكلة، خصوصاً بعدما لم يمانع الرئيس الحريري من تمثيل سنّة من خارج تيّار «المستقبل».
ونفت المصادر أن يكون الرئيس عون اطّلع على تشكيلة حكومية معيّنة، مشيرة إلى أن ما يتم تداولة من أسماء إما من أجل حرقها أو تسويقها، ولا شيء محسوماً أو مؤكداً حتى الساعة.
ونفت أيضاً أن يكون ثمة موعد اليوم للرئيس الحريري للصعود إلى بعبدا لإطلاع الرئيس عون على ما لديه من تصوّر لتشكيلة معيّنة، لكنها قالت أن المواعيد لهذا الأمر مفتوحة، في حال استجد شيء إيجابي على صعيد تذليل صعوبات تأليف الحكومة، علماً أن الرئيسين عون والحريري يرغبان في أن تكون ولادة الحكومة قبل عيد الإستقلال لكي يشاركان مع الحكومة الجديدة في العرض العسكري الذي سيقام للمناسبة في جادة شفيق الوزان في وسط بيروت.
إلى ذلك، علمت «اللواء» أن الرئيس عون يرغب في أن يكون تمثيل الأقليات وهي حقيبة واحدة من حصته ولديه إسم يتم تداوله في أوساط الطائفة.
موفدان سوري وإيراني
في هذا الوقت، لفت الانتباه وصول موفدين سوري وإيراني إلى بيروت في يوم واحد، في إشارة إلى حرص المحور السوري - الإيراني على أن يكون أول المهنئين رسمياً للرئيس عون، فيما تزامن وصول هذين الموفدين مع استقبال الرئيس الحريري لسفراء دول مجلس التعاون الخليجي، في زيارة تهنئة ودعم، بحسب ما أكد السفير الكويتي بعد زيارته «لبيت الوسط».
وتبيّن أن الموفد السوري الذي وصل إلى قصر بعبدا، من دون إعلان مسبق، هو وزير شؤون رئاسة الجمهورية منصور عزام الذي قال أنه نقل رسالة تهنئة من الرئيس السوري بشار الأسد إلى الرئيس عون والشعب اللبناني، متمنياً أن يكون «في العهد الجديد الخير والاستقرار والأمن للبلد الشقيق لبنان، والذي يعكس بدوره استقرار المنطقة واستقرارنا حتى في سوريا».
أما الموفد الإيراني، وزير الخارجية محمد جواد ظريف الذي كانت زيارته معلنة مسبقاً، نظراً لمشاركته اليوم في مؤتمر الفرص الاقتصادية الإيرانية - اللبنانية في فندق فينيسيا، فقد استهل لقاءاته بزيارة الرئيس عون ناقلاً له تهنئة الرئيس الإيراني حسن روحاني، مؤكداً حرص بلاده على توثيق عرى التعاون مع لبنان، منوّهاً بما ورد في خطاب القَسَم.
وفي المعلومات الرسمية، أن رئيس الجمهورية حمّل الوزير الإيراني تحياته إلى مرشد الجمهورية الإسلامية السيّد علي خامنئي والرئيس روحاني، معتبراً أن المؤتمر الاقتصادي المنوي عقده في بيروت سيساهم في زيادة التعاون الاقتصادي بين البلدين، مؤكداً على أهمية تعاون الدول لمحاربة الإرهاب، مشيراً إلى أن لبنان ماضٍ في مواجهته للتنظيمات الإرهابية التي اعتدت على أرضه وشعبه، مشدداً على أن لا بديل عن الحل السياسي في سوريا الذي من شأنه أن يُعيد الاستقرار إلى المنطقة ويضع حداً لمأساة النازحين السوريين في لبنان.
ومن المقرّر، بحسب برنامج الزيارة التي وزعته السفارة الإيرانية في بيروت، أن يزور ظريف اليوم كلاً من الرئيس تمام سلام في المصيطبة، ثم يلتقي الرئيس المكلّف في «بيت الوسط» ظهراً، ثم الرئيس برّي في عين التينة عند الأولى بعد الظهر.
وخلا بيان السفارة من أي إشارة إلى لقاء محتمل بين ظريف والأمين العام «لحزب الله» السيّد حسن نصر الله، لكن معلومات رجحت أن يكون اللقاء عُقد ليلاً بين الرجلين.