وجّه تنظيم داعش الأحد، من محافظة صلاح الدين العراقية ثالثة “رسائله” الدموية منذ بدء الحملة عليه في الموصل بشأن احتفاظه بقدرته على الضرب حتى في المناطق المستعادة من مقاتليه، ومن ثم استحالة اجتثاثه والقضاء عليه بشكل نهائي في العراق، حتى في حال استكمال انتزاع آخر المناطق التي يسيطر عليها بالبلد.

وشنّ التنظيم المتشدّد هجومين انتحاريين منسّقين في كلّ من تكريت وسامرّاء في محافظة صلاح الدين بشمال العاصمة بغداد خلّفا عشرات الضحايا بين قتلى وجرحى، وذلك بالتزامن مع مواصلة القوات العراقية المدعومة بغطاء جوي من التحالف الدولي والمسنودة بقوات كردية وميليشيات شيعية، حملتها العسكرية في محافظة نينوى وتقدّمها داخل أحياء الموصل من الجهة الشرقية للمدينة وفتحها جبهة من شمالها بالتوازي مع زحفها من جهة الجنوب.

وجاء الهجوم على تكريت وسامراء بعد ثلاثة أيام من اقتحام مقاتلين من تنظيم داعش مركز قضاء الشرقاط بشمال محافظة صلاح الدين وسيطرتهم على أجزاء من المدينة التي كان قد أعلن عن استعادتها من يد التنظيم أواخر سبتمبر الماضي. وقد خلّف الاقتحام قرابة الثلاثين قتيلا بين مدنيين وعسكريين.

وسبق لداعش أنّ شنّ في الحادي والعشرين من أكتوبر الماضي هجوما كبيرا على مدينة كركوك مركز المحافظة التي تحمل نفس الإسم، وذلك في محاولة من التنظيم لتخفيف الضغط المسلّط على مقاتليه في الموصل.

وقتل الأحد 25 شخصا على الأقل وأصيب أكثر من 50 آخرين بجروح، بينهم زوار إيرانيون، في هجومين انتحاريين استهدفا مدينتي تكريت وسامراء.

وقال ضابط في الشرطة برتبة مقدم “قتل 15 شخصا وأصيب 33 بجروح جرّاء هجوم انتحاري بسيارة مفخخة على حاجز تفتيش عند المدخل الجنوبي لمدينة تكريت”.

وأضاف “قتل عشرة أشخاص وأصيب 25 آخرون، بينهم إيرانيون، جرّاء هجوم انتحاري بسيارة إسعاف داخل مرآب تابع لمرقد العسكري في سامراء”. كما أكد رئيس اللجنة الأمنية في محافظة صلاح الدين جاسم الجبارة مقتل ضابط شرطة برتبة عميد ونجله جراء الهجوم الأول.


مسرور البارزاني: حتى لو تم إخراج داعش من الموصل فهذا لن يكون كافيا للقضاء على التنظيم
وأصدر تنظيم داعش من جانبه بيانا تبنى فيه الهجومين.

وبحسب خبراء الشؤون الأمنية، فإن تكرار مثل هذه الهجمات من قبل تنظيم داعش على مناطق عراقية معلنة في عِداد “المحرّرة” يبيّن أنّ الحملات العسكرية الكبيرة، وآخرها حملة الموصل، قد تكون ذات جدوى في إنهاء سيطرة التنظيم على المناطق العراقية وإضعافه، لكنّها تظلّ بعيدة عن حسم المعركة الأمنية الدامية في العراق.

ويرى هؤلاء أن الهجمات على كركوك والشرقاط وتكريت وسامراء، ليست سوى مقدّمة لحرب أمنية طويلة ومرهقة سيشهدها العراق في مرحلة ما بعد استعادة الموصل.

وتكشف تلك الهجمات أيضا احتفاظ داعش بخلايا نائمة وقدرات لوجستية في المناطق المستعادة من يده سيظل يستخدمها لإيقاع الضحايا وإحباط محاولات الحكومة العراقية استعادة الاستقرار المفقود في البلاد.

وفي تحليلات تتجاوز الجوانب العسكرية والأمنية، يرى البعض أنّ الحرب على تنظيم داعش تتطلب إلى جانب الجهد العسكري جهدا سياسيا واجتماعيا وقانونيا باتجاه استعادة وحدة المجتمع العراقي وتحقيق المصالحة بين مكوناته التي يشكو بعضها، وتحديدا من أبناء الطائفة السنية، ضروبا من التهميش تحت حكم الأحزاب الشيعية المسيطرة على مقاليد الدولة. ويذهب أصحاب هذا الطرح إلى أنّ التمييز على أساس طائفي هو ما يوفّر أرضية للتنظيمات المتشدّدة ويسهل عليها تصيّد أتباع لها في صفوف المتضرّرين من السياسات الخاطئة والناقمين على من يقف خلفها.

وقال مسرور البارزاني رئيس المجلس الأمني لحكومة كردستان العراق، الأحد، إنه حتى لو تم إخراج داعش من معقله الرئيسي في الموصل فهذا لن يكون كافيا للقضاء على التنظيم وسوف تستمر أيديولوجيته المتشددة.

وأضاف في مقابلة مع رويترز “المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية ستكون معركة طويلة.. ليس عسكريا فقط بل اقتصاديا وأيديولوجيا”.

وبشأن الحملة العسكرية الجارية في الموصل توقّع البارزاني أن تواجه القوات المشتركة مقاومة أكثر شراسة من قبل مقاتلي تنظيم داعش في المرحلة المقبلة، وأن التنظيم سيستخدم الشراك الخداعية التي يمكن أن تفجر أحياء بأكملها. ولفت إلى أنّ داعش شرع في استخدام طائرات دون طيار محملة بالمتفجرات واستخدم غازي الكلور والخردل في قذائف مدفعية بعيدة المدى.

ومنذ إطلاقها في السابع عشر من أكتوبر الماضي، حقّقت الحملة العسكرية على الموصل نجاحا في استعادة العديد من المناطق حول المدينة، كما بدأت القوات العراقية تتسرّب إلى داخل الأحياء من جهة الشرق.

إلاّ أن المصاعب والتعقيدات بدأت تظهر تباعا كلّما اقتربت القوات أكثر باتجاه خطوط دفاع تنظيم داعش التي اختار تركيزها بين المدنيين لتعقيد مهمة القوات المقتحمة وللاحتماء من القصف الجوّي لطائرات التحالف الدولي.

وقالت مصادر عراقية على اطلاع على سير القتال في الموصل إنّ الساعات الأربع والعشرين الماضية سجّلت أكبر نسبة من الخسائر البشرية في صفوف القوات العراقية مرجعة ذلك بشكل رئيسي إلى وقوع تلك القوات في شراك المباني المفخخة.

صحيفة العرب