... وانطلق في بيروت «قطار» تأليف أولى حكومات العهد 13 في تاريخ لبنان ما بعد الاستقلال، مستفيداً من «الدفع الاستثنائي» الذي أخذه رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري بتسميته من 112 نائباً من أصل 126، ومن «جرعة الايجابية» التي ضخّها في اتجاه رئيس البرلمان نبيه بري خصوصاً ملاقياً مبادرة الأخير الى التصويت مع كتلته لمصلحة عودته الى رئاسة الحكومة فاتحاً الباب امام انطلاقة فاعلة لولاية الرئيس المنتَخَب العماد ميشال عون.
ومع مباشرة الحريري امس استشاراته غير الملزمة مع الكتل النيابية في مقرّ البرلمان في «ساحة النجمة» والتي تنتهي اليوم، بدا واضحاً ان الرئيس المكلف، وبتقاطُع مصالح مع عون وايضاً مع «حزب الله» الحريص على تسهيل عهد حليفه الذي صار رئيساً، مصرٌّ على القيام بكلّ ما يلزم لتوفير ولادة سريعة للحكومة بما يقطع الطريق على أي استنزافٍ للاندفاعة القوية التي شكّلها انتخاب عون ثم تكليفه، والتي تجلت بتحركات شعبية كبيرة اول من امس في بيروت والبقاع والشمال وصيدا احتفاءً بعودة زعيم «المستقبل» الى رئاسة الحكومة وذلك بعد ثلاثة ايام من «انفجار الفرح» مسيحياً بعودة عون الى قصر بعبدا بصفته «الرئيس القوي» الذي سيلاقي يوم غد حشوداً كبيرة من مناصريه ستتوجّه الى «القصر» لتهنئته.
ورغم اتجاه العدسات الى «ساحة النجمة» واللقاءات المتتالية للحريري مع رؤساء الوزراء السابقين ثم الكتل البرلمانية حيث استمع الى رؤيتها لشكل الحكومة ومطالب كل منها، فإن الكواليس كانت تشهد الاتصالات «المقرِّرة» على خط 3 مقرات هي بعبدا - بيت الوسط (مقر الحريري) - وعين التينة (مقر بري) بعدما فوّض «حزب الله» الى بري أمر إدارة «معركة الحكومة» بما يحمي الحصة الشيعية من حيث «الوزن» ويوفّر في الوقت نفسه لعون كلّ مقومات تدشين عهده بسلاسة.
وجاءت استشارات التأليف على وقع معلومات عن خطوط عامة للتشكيلة الحكومية المرتقبة باتت راجحة على قاعدة: اولاً ان تكون من 30 وزيراً وليس 24 بهدف ضمان تمثيل غالبية القوى السياسية وفق رغبة الحريري نفسه الذي كان أعلن مساء اول من امس «الحكومة ستضمّ كل الأطراف»، متوقعاً ان يكون تشكيل الحكومة سريعاً مع مشاركة الجميع فيها.
ثانياً في التعاطي مع الحقائب السيادية، هناك منطقان الأول يدعو الى اعتماد المداورة فيها الامر الذي قد يفتح على تعقيدات كبيرة، والثاني يفضّل ان تبقى وفق التوزيع السياسي الذي كان معتمَداً مع الحكومة الحالية مع «نصف مداورة» طائفياً، بحيث تستمرّ المال من حصة الرئيس بري (للشيعة) والداخلية لتيار «المستقبل» (السنّة). اما الحقيبتان السياديتان المسيحيتان، فلم يُستبعد ان تذهب إحداهما اي الخارجية الى وزير التربية الحالي الياس بو صعب (ارثوذكسي من حصة عون - التيار الوطني الحرّ) بحال قرر صهر الرئيس عون الوزير جبران باسيل (الماروني) البقاء في «القصر» بمنصب قد يُستحدث لاحقاً له، على ان تؤول مبدئياً وزارة الدفاع الى صهر رئيس الجمهورية الثاني العميد المتقاعد شامل روكز (ماروني من ضمن حصة رئيس الجمهورية) بعدما كانت مع ارثوذكسي.
ويطرح هذا الأمر إشكالية لجهة مطالبة حزب «القوات اللبنانية»، الذي يعتبر نفسه شريكاً لعون في العهد، بحقيبة سيادية وتحديداً المال التي يبقى الحصول عليها شبه مستحيل في ظل تمسُّك بري بها باعتبار انها تمثّل «التوقيع الشيعي» في السلطة التنفيذية الى جانب التوقيعيْن المسيحي (رئيس الجمهورية) والسني (رئيس الحكومة). ورغم ان رئيس البرلمان أعلن في اشارة الى وزارة الطاقة، التي قيل انه يصرّ عليها، انه «حتى لو عرضوها عليّ، لا أريدها» فتح باباً امام امكان تعويض «القوات» بها، فإن السؤال كان ما زال يتمحور حول «الثمن» الذي يمكن ان تتقاضاه لقاء إمكان حرمانها حقيبة سيادية وتحديداً بوزارتيْن أخرييْن خدماتيتيْن، وايضاً حول اذا كان «التيار الحرّ» بوارد التخلي عن حقيبة سيادية لمصلحة «القوات».
وفي حين يرجّح ان ان يكون من ضمن حصة رئيس الجمهورية 3 وزراء (بينهم وزيران شيعي وسني)، ذكرت تقارير ان حصة «التيار الحر» ستكون اربعة حقائب من ضمنها حقيبة الأرمن.
وفيما لم يُستبعد مشاركة حزب «الكتائب» اللبنانية في الحكومة وتيار «المردة» (يتزعمه النائب سليمان فرنجية)، فإن طرح تمثيل النائب طلال أرسلان (درزي) والحزب السوري القومي الاجتماعي سيُحدث إشكاليات على مستوييْن: الاول بماذا سيتم تعويض النائب وليد جنبلاط الذي يكون حظي حينها بوزيريْن درزييْن وليس ثلاثة؟ والثاني ما اذا كان حضور ارسلان والقومي هو في سياق رغبة من «حزب الله» في توفير «ثلث معطّل» مضمر يسمح بالتحكم بمسار مجلس الوزراء والقرارات المهمة فيه كما الإبقاء على «عامل قلب الطاولة» (استقالة 11 وزيراً تطيح بالحكومة). علماً ان دوائر سياسية ترى ان الانتخابات الرئاسية أفرزت خلط أوراق سياسياً وعلى صعيد التحالفات بات يصعب معه «قراءة واضحة» للتصنيفات.
واذ تشير اوساط مطلعة الى انه اذا لم تكن الحكومة وُلدت بحلول عيد الاستقلال، فإن الأمر يمكن ان يتطلب حينها نحو شهرين، وهو ما لن يكون في مصلحة العهد، فان كلام الحريري عشية الاستشارات عكس ارتياحاً بالغاً لمسار تأليف حكومة «الوفاق الوطني» على قاعدة «شبْك الأيدي» والانتهاء من «الحديث عن أننا لا نريد أن نتكلم مع بعضنا البعض»، مشدداً على «ان الحكومة ستتشكل والانتخابات النيابية ستجري في موعدها»والخير لقدام».
الراي الكويتية