نصرالله يكلّف بري تخفيفا للحقن بينهما , وعون يستعجل التشكيل
السفير :
يوماً بعد يوم، يتّضح أن المسار السياسي الإيجابي الذي انطلق، الاثنين الماضي، بانتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، وتكليف سعد الحريري برئاسة الحكومة، سيستمر بالزخم نفسه، لكن مشروطاً بتحوّل كبير في الأدوار والتوازنات والمواقف، لمصلحة تثبيت المعادلة الرئاسية ـ الحكومية ـ السياسية الجدية، ومن خلالها الاستقرار اللبناني، بوصفه مطلباً محلياً وإقليمياً ودولياً في المرحلة الراهنة.
يقتضي ذلك قبل كل شيء «التواضع» في السياسة. وهذه هي «المدرسة» التي أراد الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، أن يطالب حلفاءه وخصومه بالانتماء اليها، وذلك ربطاً «برسائل سياسية إيجابية» تم تبادلها في الأيام الأخيرة، بين أعلى المراجع اللبنانية التي تقف على طرفي نقيض، وذلك للمرة الأولى منذ نحو عقد من الزمن.
قد يستدعي ذلك طرح أسئلة حول وجود أبعاد خارجية لهذه «السلاسة السياسية» غير المسبوقة، فإذا تعذّر العثور عليها، فلا بأس من تغليب «الوطنية اللبنانية» على ما عداها، خصوصاً عندما تصبح هذه «الوطنية» مطلوبة خارجياً، وهذا ما عبر عنه سفراء مجموعة الدعم الدولية، أمس، من القصر الجمهوري، وما سيعيد التأكيد عليه الموفدون الدوليون والإقليميون المتوقع تدفقهم الى بيروت في غضون الأسبوع المقبل.
في الانتظار، لم تحمل الاستشارات النيابية غير الملزمة لرئيس الحكومة المكلف، أمس، أية مفاجآت، بل شكلت نسخة عن كل الاستشارات التي سبقتها منذ الاستقلال حتى الآن، مع اختلاف التسميات النيابية والأعداد والحقائب والأسباب الموجبة لرفع سعر هذه الكتلة أو تلك، وكل ذلك من ضمن «بازار» سياسي ـ نيابي مفتوح، لا يلزم الرئيس المكلف نهائياً.
ولعل المفيد في هذه المرحلة رصد حركة مشاورات جبران باسيل ونادر الحريري، وحركة هذا أو ذاك منهما، في اتجاه «الخليلين»، كما في اتجاه بعض الحلفاء، شرقاً وغرباً، شمالاً وجبلاً.
ووفق أحد المتابعين للملف الحكومي، يصح القول إن خطاب السيد نصرالله، أمس، «يشكل بوصلة إلزامية للتأليف الحكومي، إذا التزم المعنيون بمندرجاتها، فيمكن الفوز بتوليفة حكومية بأسرع مما يتوقع كثيرون، وإذا تعذر ذلك، فلن تكون الأمور سريعة، كما يشتهي البعض».
وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإنه في لحظة دخول نواب «تكتل التغيير والإصلاح» للاجتماع بالحريري في مجلس النواب، لم يكن السيد نصرالله، قد أنهى مقاربته السياسية للملف الحكومي؛ وبالتالي، فإن «النسخة» التي عبر عنها إبراهيم كنعان، أمام الرئيس المكلف (وزارة سيادية كالمالية أو الداخلية وأخرى خدمية واثنتان «أساسيتان» مع عبارة أن «الطاقة» تعنينا)، وهي حقائب لا تُحتسب منها حصة «الطاشناق» (وزير واحد) ولا «المردة» (وزير واحد) ولا «القومي» (وزير واحد)، بدت كأنها «نسخة قديمة مستهلكة» ولا تمتّ بصلة الى المعنى السياسي الذي شرحه السيد نصرالله.
ما قاله الأمين العام لـ «حزب الله» يعني أن ما بعد الحادي والثلاثين من تشرين الأول، هو غير ما قبله. وهو كلام موجَّه بالدرجة الأولى الى الرئيس العماد ميشال عون ومعاونيه وأبرزهم جبران باسيل. صار مطلوباً من «التيار» أن يقدّم نسخة جديدة يصح القول فيها «ميشال عون الثاني». فالجنرال الرئيس بات مطالَباً بأن يطمئن الآخرين وأن يكون أباً للجميع؛ وبالتالي، عليه أن يكون رحباً وقادراً على تبديد مخاوف الآخرين، كما وقف معه حلفاؤه في عز محاولات استهدافه طوال عقد من الزمن.
نصرالله: عون جبل.. جبل
ولعل الرسالة الأهم التي أراد السيد نصرالله، توجيهها، تمثّلت في التأكيد على الحلف الوثيق مع الرئيس نبيه بري والإشارة المعروفة بأن «حزب الله» لن يشارك في الحكومة المقبلة من دون «أمل»، مطالِباً «التيار الحر» بعدم المشاركة في حكومة لا يتمثل بها الرئيس بري، على قاعدة التعامل بالمثل وردّ الجميل.
يأتي ذلك في موازاة الدعوة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، في سياق كلمة طغى عليها التفاؤل والدعم الكامل للعهد الجديد، وكان لافتاً للنظر تجيير السيد نصرالله تسمية حصة الحزب في الحكومة الى بري، وبالتالي جعله مفاوضاً وحيداً باسم «الثنائي الشيعي» لا بل باسم كل مكوّنات «8 آذار» كـ «المردة» و «القومي» و «البعث» وطلال ارسلان و «الطاشناق».
وفي كلمة تلفزيونية خلال حفل تكريمي للقيادي الحزبي الراحل مصطفى شحادة في حسينية زقاق البلاط، دعا نصرالله إلى إغلاق الملف الرئاسي، نافياً أن تكون هناك أية صفقة بين الحزب وعون. وقال: «كل ما بيننا هو الثقة، ونحن اليوم مطمئنون جداً، لأن الذي يسكن قصر بعبدا هو رجل وقائد وصادق وشجاع ووطني وشخصية مستقلة وجبل.. جبل ولا يُشرى ولا يُباع «ولا يبرم ولا يفتل» ولديه ثوابت ولديه مبادئ يثبت عليها ويسير عليها».
وفي إطار تأكيده على العلاقة مع بري، توقف أمام الدور الإيجابي الكبير الذي قام به الأخير في يوم انتخاب عون، وإدارته الدقيقة والممتازة لإنجاز هذا الاستحقاق.. «باللعبة السياسية كان الرئيس بري يستطيع وأيضاً معه آخرون، أن يطيّروا النصاب، لكنه لم يفعلها وحافظ على الميثاق». وقال إن «مجريات جلسة 31 تشرين الأول هي شهادة كبيرة للرئيس نبيه بري».
كما أشاد بـ «الحليف الشريف الوزير سليمان فرنجية»، مشيراً إلى أن الأخير «كان عنده فرصة ذهبية أن يُنتخب رئيساً، ولكن من اليوم الأول التزم معنا»، بما في ذلك بمقاطعة جلسات كان يفترض أن تنتخبه رئيساً بعد ترشيحه من قبل الحريري!
وكرّر نصرالله دعوته الى الجميع للتعاطي بإيجابية مع العهد الجديد، «ولنعتبر كلبنانيين أننا أمام فرصة وطنية كبرى للانطلاق من جديد وللعمل سوياً من أجل الحفاظ على بلدنا ومعالجة أزماته ومواجهة التحديات القائمة في هذا المحيط المتلاطمة أمواجه. ونحن رهاننا كبير جداً في حزب الله على قدرة الرئيس ميشال عون والعهد الجديد على إدارة كل الاستحقاقات الوطنية المقبلة».
مستعدّون للتسهيل والتعاون
وعلى صعيد الملف الحكومي، ذكّر «بأننا لم نسمِّ الرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة ولم نسمِّ أحداً أساساً، ولكننا قمنا بكل التسهيلات الممكنة ليحصل هذا التكليف، ولتبدأ مرحلة جديدة».
وقال إن «هذا البلد يحتاج إلى حكومة وحدة وطنية، يحتاج الى تضافر كل القوى، يحتاج إلى تعاون كل القوى. هناك البعض يتمنى أن يكون أحدٌ ما بالمعارضة حتى هو يعني يقشّ شمال ويمين؛ هؤلاء مشتبهون. على كل حال الرئيس المكلف قال إنه سيمشي ويسعى بهذا الاتجاه وهذا جيد. هذه بداية جيدة».
وذكّر «بأننا كنا نرفض أن ندخل نحن والرئيس بري إلى حكومة لا ترضي تكتل الإصلاح والتغيير والتيار الوطني الحر». وقال إنه «إذا كان الرئيس بري وحركة امل في الحكومات السابقة كانوا يقولون نحن لا نشارك إذا لم يشارك التيار الوطني الحر وحزب الله بالحكومة، فطبيعي جداً أن يأتي حزب الله ويقول: إذا لم يشارك الرئيس بري وحركة أمل فنحن لا نشارك»، وذهب الى حد القول إنه «من حق الرئيس بري على تكتل الإصلاح والتغيير والتيار الوطني الحر أن لا يشارك في حكومة لا يشارك فيها الرئيس نبيه بري. ليس المطلوب أن يعلنوا ذلك، ولكن المطلوب أن يفعلوا ذلك».
وأكد أن «المعني بالتفاوض حول الحقائب وتشكيل الحكومة بالنيابة عن حركة أمل وعن حزب الله سوياً هو الرئيس نبيه بري. هو معنيّ أن يفاوض حول حقائب، حول أعداد. نحن لسنا جهة مفاوضة. طبعاً نحن نتابع مع الرئيس بري في اتصالاته، في النتائج التي وصل إليها، نحن على الخط تماماً، ولكن هو المعني بهذا التفاوض». وأكد أنه «في حال كان الناس واقعيين وصادقين وإيجابيين وبادلوا الإيجابيات بإيجابية، تمشي الأمور بسرعة».
وقال إن القوى التي سهّلت التكليف حريصة على تأليف الحكومة في أسرع وقت ممكن، «لكن المطلوب الإيجابية، التعاون، والقناعة بعدم الإقصاء وبضرورة التعاون جميعاً، وأنا سمعت في اليومين الماضيين كلاماً مشجّعاً بالحقيقة، أنه نريد أن نتجاوز خلافاتنا. نحن وفريقنا لدينا نية تعاون ونريد لهذا العهد أن ينجح. ربما معنيون أكثر من سوانا بأن ينجح هذا العهد، وأيضاً نحن نريد لهذه الحكومة أن تؤلَّف وأن تنجح».
وقال نصرالله: «نحن ننتظر نتيجة المباحثات والمحادثات الحكومية لنرى إلى أين تصل الأمور. إذا كنا نحن نستطيع في مكان ما أن نساعد أو أن نقوم بدور إيجابي لتسهيل الأمور فلن نوفر جهداً، ولكن الأصل هو أن يتم التعاطي مع مَن يفاوض باسمنا جميعاً بالصدق والإيجابية المطلوبة».
وشدّد على أن اللبنانيين أمام فرصة جديدة، «اليوم نحن بلدنا مستقر أمنياً بنسبة كبيرة. هذا بفضل تضحيات الجيش والأجهزة الأمنية ورجال المقاومة ووعي الناس وتفهّم القوى السياسية. توجد مجموعة عوامل توصل إلى الأمن في لبنان، لا يوجد عامل واحد وحيد يُنسَب إليه هذا الفضل وهذا الإنجاز، هذا إنجاز مهم».
وختم في الملف اللبناني بالقول «لدينا عهد جديد وفرصة حكومة جديدة، ولدينا وضع في الإقليم مضطرب جداً، ولا يوجد أفق، بالعكس، (هناك) المزيد من الحروب المشتعلة... ونحن كلبنانيين نحن أمام فرصة تاريخية لنحميَ بلدنا ونتعاون لنحلَّ ما نقدر عليه من مشاكله، ونؤجل القضايا العالقة، ونعيد إحياء المؤسسات، ولكن هذا كله له علاقة بالروح الإيجابية والنية الصادقة والطيبة».
النهار :
انخرطت القوى السياسية والحزبية جمعاء بسرعة تسابق أيام الأسبوع الرئاسي الذي نقل لبنان من ضفة الى أخرى بلمح البصر، في ورشة تأليف الحكومة الجديدة من خلال الاستشارات التي يجريها الرئيس المكلف سعد الحريري الذي تراكم في سجل يومه الاول من هذه الاستشارات ما يشبه "البازل" المعقد للوائح المطالب بالحقائب الوزارية والتي لن يمضي اليوم الثاني الا وتكون قد وضعته أمام اختبار استيلاد حكومته من خروم "الشهيات" المفتوحة على الغارب. والحال ان القوى السياسية التي ذابت هوياتها الموالية والمعارضة امام انفتاح "البازار" الوزاري تدرك تماما ان سيد العهد الجديد الرئيس العماد ميشال عون والرئيس الحريري يرغبان في ولادة سريعة للحكومة يكون من شأنها تثمير الزخم الذي تحقق للبلد والذي كان من جملة تجلياته عودة الانفتاح الخارجي على لبنان بما يوجب عدم الاستغراق طويلاً في عملية تأليف الحكومة. ولذا تميزت الاستشارات التي يجريها الرئيس المكلف بوضوح المطالب التي طرحتها الكتل النيابية بما يسهل من جهة على الحريري فرز المطالب والشروع في مهمته الصعبة للتوفيق بين التوازنات السياسية والطائفية والمناطقية في مسودة التأليف ولكن أيضاً بما يجعل هذه المهمة محفوفة بالتعقيد بفعل رفع سقوف المطالب وحجز الحقائب.
وفي المعلومات المتوافرة لدى "النهار" ان الرئيس المكلف، وعلى رغم تصاعد المطالب وتشابكها وخصوصاً من حيث الحقائب السيادية الاربع المال والداخلية والخارجية والدفاع وحقائب الخدمات الاساسية، بدا مساء أمس متفائلاً بامكان انجاز مهمته بالتشاور مع الرئيس عون في غضون اسبوع الامر الذي اذا تحقق سيشكل خرقاً سريعاً غير متوقع لا يزال كثر يشككون في القدرة على اتمامه في هذه الفترة القياسية، الا اذا تبين ان ثمة تفاهمات متعددة الطرف معقودة خلف الابواب المغلقة من شأنها ان تشكل كاسحات ألغام أمام عملية التأليف. وتشير المعلومات الى ان من ابرز العقد التي ظهرت أمس مطالبة أربع جهات بوزارة المال المعقودة اللواء دوماً للفريق الشيعي من خلال كتلة رئيس مجلس النواب نبيه بري.
وقالت أوساط مواكبة للاستشارات الجارية لـ"النهار" ان ثمة اتجاهاً شبه نهائي الى تشكيل حكومة ثلاثينية بغية الافساح لاوسع مشاركة سياسية فيها وان الحكومة التي ستشكل تحت شعار التوافق والوحدة الوطنية لن يستبعد اي فريق عنها بما فيها قوى عارضت انتخاب الرئيس عون مثل "المردة " والكتائب. كما ان الحكومة لن تكون هذه المرة تحت وطأة الثلث المعطل لانتفاء الذرائع التي تعيد طرحه في ظل خلط الاوراق والتحالفات الذي واكب انتخاب الرئيس عون. ولفتت الاوساط الى امكان ضمّ التشكيلة الحكومية وزراء دولة، كما ان اشتداد وطأة الشروط الاستيزارية قد يدفع الرئيسين عون والحريري الى التفاهم على حكومة تكنوقراط تجنبا لاطالة عملية التأليف.
وبات ثابتاً ان الرئيس بري سيفاوض حول حصة كتلته وحصة "حزب الله " معاً، بعدما عبّر الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله أمس عن أكثر مواقفه وضوحا لهذه الجهة، بل اعتبر بعض المواقف التي اطلقها بمثابة رسم لخطوط حمر استباقية لعملية التأليف عشية اللقاء الاول من نوعه منذ سنوات للحريري و"كتلة الوفاء للمقاومة" اليوم. وفي كلمته أمس حرص السيد نصرالله على توزيع الاشادات بحلفائه بدءا بالرئيس عون الذي وصفه بانه " رجل صادق وشجاع ولا يبيع مواقفه"، كما أشاد بالنائب سليمان فرنجية "الرجل الرجل الذي يمكن ائتمانه على المقاومة". وخص الرئيس تمام سلام أيضاً بشكر على ما ابداه من " صبر وحكمة وتحمل". اما في الموضوع الحكومي، فدعا الى تشكيل حكومة وحدة وطنية قائلا ان الرئيس المكلف " سيسعى الى ذلك وهذا أمر جيد " واستدرك " اننا لن نشارك في حكومة لا يشارك فيها الرئيس بري وان من يفاوض باسم حزب الله وحركة امل حول الحقائب هو الرئيس بري ".
مجموعة الدعم في بعبدا
في غضون ذلك عقد امس اللقاء الاول للرئيس عون بعد انتخابه وسفراء مجموعة الدعم الدولية للبنان. وقد أبلغهم أن "جمع اللبنانيين حول سياسة داخلية وطنية سيليه جمعهم حول سياسة خارجية واحدة ايضا بعد تذليل كل التعقيدات التي تعترض ذلك الآن".
وعلمت "النهار" من مصادر ديبلوماسية ان رئيس الجمهورية رحب بالمذكرة التي تسلمها من وفد سفراء مجموعة الدعم الدولي للبنان. وأوضحت ان المذكرة تتعلق بالسيادة و"إعلان بعبدا" وتطبيق القرارات الدولية المتعلقة بلبنان. وهي تدعو الى إنجاز تشكيل حكومة ذات طابع وحدة وطنية في أسرع وقت لمواجهة تحديات المرحلة المقبلة.
كما علمت "النهار" ان موضوع اللاجئين السوريين كان في صلب المناقشة التي ترافقت مع إعداد المذكرة. فوقت دعا أحد السفراء لبنان الى تقديم مساعدة معنوية لتحمل أعباء اللاجئين كان هناك موقف مقابل من سفير بارز شدد فيه على ان لبنان هو في أشد الحاجة الى المساعدة ولاسيما منها المادية لكي يضطلع بدوره في إستضافة اللاجئين.
الامم المتحدة
وفي نيويورك ( "النهار" ) رحب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي - مون في أحدث تقرير له عن تنفيذ القرار 1701 أعدته المنسقة الخاصة للمنظمة الدولية في لبنان سيغريد كاغ بانتخاب رئيس للجمهورية " كنتيجة للجهود الدؤوبة بين الزعماء السياسيين للتوصل الى حل ذي ملكية لبنانية"، مهنئاً الرئيس عون بتوليه الرئاسة. وقال إن "ملء الشغور الرئاسي كان خطوة طال انتظارها لتجاوز الأزمة السياسية والدستورية في لبنان"، آملاً في أنها "ستمكن الآن من تعبيد الطريق لإحراز تقدم سياسي أوسع من دونه سيبقى لبنان في حال من الشلل". واعتبر أن "تأليف حكومة موحدة وفاعلة واجراء الإنتخابات النيابية في أوانها مهمان لحياة وصدقية أي جهد لتجاوز الأزمة الراهنة"، مضيفاً أن "حكومة تتألف على أساس احترام لبنان والتزامه المبادىء والتعهدات التي ترسخ استقراره ومكانته ستكون مهمة لتوجيه البلاد بوضوح مع الدعم المتواصل من المجتمع الدولي". ولاحظ أن "انتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة الفاعلة والموحدة، وإجراء الإنتخابات النيابية بحلول أيار 2017، أمور ستختبر قدرة النظام السياسي اللبناني على العودة بلبنان الى العملية الدستورية والديموقراطية واستعادة الثقة باستقراره، محلياً ودولياً".
وحض الأطراف اللبنانيين على "التزام الدستور اللبناني والميثاق الوطني"، مناشداً جميع الزعماء اللبنانيين "اللجوء الى الحوار البناء، بما في ذلك من خلال الآليات القائمة، في التفاوض على اتفاق حل وسط لإنهاء الأزمة السياسية والمؤسسية". وندد بـ"مشاركة مواطنين لبنانيين في الصراع السوري في انتهاك لسياسة النأي بالنفس التي اتفق عليها جميع الأطراف"، ورأى أن "التدخل العسكري الخارجي لحزب الله وعناصر لبنانية أخرى يعرض لبنان لخطر شديد وقت ينبغي أن تتركز كل الجهود على حمايته من تأثير الأزمات الإقليمية"، مجدداً مطالبته "حزب الله" وجميع الأطراف اللبنانيين بـ"وقف أي تورط في الصراع السوري".
المستقبل :
على وقع توالي الاتصالات والبرقيات والمواقف العربية والدولية المهنئة بتكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة وأبرزها أمس من رئيسي الوزراء القطري عبدالله بن ناصر بن خليفة آل ثاني والروسي ديمتري ميدفيديف، فضلاً عن تشجيع فرنسي للبنانيين على «العمل السريع من أجل حكومة جامعة» عبّر عنه وزير الشؤون الخارجية والتنمية الدولية جان مارك آيرولت خلال توجّهه للحريري بـ«تهاني حارة» مقرونة بتجديد تمسك باريس «بسيادة لبنان وسلامته الإقليمية» وعزمها على تقديم «الدعم الكامل» له، يُنهي الرئيس المكلّف استشارات «الوفاق» النيابية اليوم وسط إجماع سياسي على ضرورة التعاون لتسريع ولادة حكومة العهد الأولى ووجوب اغتنام «اللحظة التاريخية» التي أنهت الفراغ الرئاسي وأتاحت فرصة تشكيل حكومة لمّ شمل وطني تلتزم الدستور والميثاق وتنأى بالدولة عن خلافات وحرائق المنطقة.
وبعدما استهل نشاطه في المجلس النيابي ظهر أمس بخلوة عقدها مع رئيس المجلس نبيه بري الذي نقل عنه زواره لـ«المستقبل» ارتياحه لأجواء الخلوة وإشادته
بـ«الإيجابية» التي سادتها، انطلق الرئيس المكلّف في يوم استشاراته النيابية الأول بالاجتماع تباعاً مع رئيس حكومة تصريف الأعمال تمام سلام والرئيس فؤاد السنيورة ونائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري ثم مع كتلة «التحرير والتنمية» برئاسة بري، لتليها كتل «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» والنائب ميشال المر و«الكتائب اللبنانية» والنائب طلال ارسلان وكتلة «لبنان الحر الموحد» وكل من النواب محمد الصفدي وأحمد كرامي وعاصم قانصوه، قبل أن ينهي استشارات الأمس بلقاء كتلة «اللقاء الديمقراطي وجبهة النضال الوطني» برئاسة النائب وليد جنبلاط.
وفي سياق لم يخرج عن أجواء الانفتاح السائدة في البلد، جاء خطاب الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله أمس ليبدي «النية في التعاون» والرغبة في إنجاح العهد وحكومته الأولى، مع الإعلان عن تفويض بري «التفاوض حول الحقائب والأعداد» في تشكيلة الحكومة العتيدة بالأصالة عن نفسه وبالنيابة عن «حزب الله». غير أنّ نصرالله الذي عبّر عن ثقته برئيس الجمهورية ميشال عون نافياً في الوقت عينه وجود «أي صفقة رئاسية» بينهما، لفت في معرض حديثه عن الملف الحكومي توجيهه رسائل مباشرة ومشفرة إلى «التيار الوطني الحر» تحثّه على الوقوف كما «حزب الله» عند خاطر رئيس مجلس النواب ومطالبه حيال تشكيلة حكومة العهد، مذكّراً «التيار» خصوصاً وتكتل «التغيير والإصلاح» عموماً بأنّ بري كما «حزب الله» سبق وعطلوا على مدى أشهر تشكيل 3 حكومات سابقة ورفضوا المشاركة فيها قبل تأمين المطالب العونية، ليخلص إلى القول: «من حق الرئيس بري على تكتل «التغيير والإصلاح» و«التيار الوطني الحر» ألا يشاركوا في حكومة لا يشارك فيها الرئيس بري، وليس المطلوب أن يعلنوا ذلك بل المطلوب أن يفعلوا ذلك».
عون لتوحيد السياسة الخارجية
في الغضون، كان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يؤكد أمام وفد سفراء مجموعة دعم لبنان ومنسقة الأمم المتحدة سيغريد كاغ ومندوب جامعة الدول العربية السفير عبد الرحمن الصلح التزامه «العمل على تحقيق ما ورد في خطاب القسم» خلال ولايته الرئاسية، معلناً عزمه إثر جمع اللبنانيين حول سياسة داخلية وطنية على اعتماد «سياسة خارجية واحدة (للدولة) بعد تذليل كل التعقيدات التي تعترض تحقيق ذلك حتى الآن»، مع إبداء ثقته بأنّ «لبنان مقبل على مرحلة جديدة يتعزز فيها الاستقرار السياسي باحترام الميثاق والدستور والقوانين».
فرنسا تأمل تفعيل الهبة السعودية
تزامناً، لفت الانتباه إعلان الناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية رومان نادال في مؤتمر صحافي عقده أمس عن أمل بلاده بإعادة تفعيل عقد الهبة السعودية لتزويد الجيش اللبناني بأسلحة فرنسية بعدما تم تعليقه على خلفية المواقف العدائية التي يتخذها «حزب الله» ويزج لبنان بها تجاه المملكة والدول العربية. إذ قال نادال رداً على سؤال: «في مواجهة المخاطر المحدقة التي يواجهها لبنان بسبب الظرف الإقليمي غير المستقر، تتشبث فرنسا بمساعدة السلطات والقوات المسلحة اللبنانية، ويشكل عقد «دوناس» (الهبة السعودية للجيش اللبناني بقيمة 3 مليارات دولار) جواباً على الحاجات الراهنة للقوات المسلحة اللبنانية، وهذا يقتضي حواراً مع السلطات السعودية، وهو ما نشارك فيه»، متمنياً «أن يُنفذ هذا العقد لمصلحة أمن لبنان»، ومؤكداً أنّ فرنسا لديها «حوار وثيق مع لبنان والمملكة العربية السعودية حول هذا الموضوع».
الديار :
تبين من التقارير التي رفعها السفراء الاجانب والشركات الاجنبية وغيرها انهم يراقبون وينتظرون تشكيل الحكومة وطريقة عملها ليعلموا ما اذا كان لبنان سيتقدم نحو الامام ام ان المشاكل السياسية ستبقى داخل الحكومة التي كما ذكرنا سابقا انها ستكون من 30 وزيرا. وسيركز فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على الجيش اللبناني وعلى المؤسسات الامنية، كذلك سيركز على ضرب الفساد ووقف الهدر. واذا كان رئىس الجمهورية العماد ميشال عون مستعجلا لتأليف الحكومة والرئيس سعد الحريري يشاركه القرار، الا انه سيكون من الصعب تشكيل الحكومة قبل عيد الاستقلال في 22 تشرين الثاني كما يريد الرئىسان عون والحريري.
البلاد عمليا محكومة تحت ترويكا عون - بري - الحريري والطائف اصبح على الرف، والترويكا حلت محله، وما يتفق عليه الرؤساء الثلاثة يمشي وما لا يتفق عليه فإنه يتم تجميده ولا يسيرون به. اما الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة فكانت «بهدلة»، ذلك ان الكتل النيابية جميعها جاءت بطلبات للتوزير ونيل الحصص الكبرى والمطالبة بوزارات سيادية، دون ان تعلن كتلة واحدة برنامجها لدخول الحكومة، ولماذا تريد هذه الوزارة او تلك. وقد ورث رئىس الجمهورية العماد ميشال عون وزراء الرئىس السابق ميشال سليمان الثلاثة الذي سيعين مكانهم وزراء يخصون التيار الوطني الحر. وفي هذا المجال يصر رئىس الجمهورية على فصل وزارة الطاقة عن النفط ويدعم الوزير جبران باسيل في هذا الاتجاه ضد رأي الرئيس بري الذي يريد ان تتولى وزارة الطاقة الاشراف على الغاز والنفط، وان تكون هذه الوزارة من حصة حركة امل او من حصة حزب الله.
الظاهر ان وزير الداخلية نهاد المشنوق سيعود الى وزارة الداخلية، والدكتور سمير جعجع اقترح ان يكون حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وزيرا للمالية لأنه يعتبره شخصاً ضد الفساد وشخصاً مسؤولاً بكل معنى الكلمة. وتريد القوات اللبنانية ان تقدم تمثيلا عاليا في الحكومة، لكن هناك تناقضاً بأن لا يكون حاكم مصرف لبنان وزيرا للمالية في الوقت نفسه والدستور والقانون يمنعان ذلك. وهذه سابقة ان يكون المسؤول عن القطاع المصرفي في الوقت ذاته وزيرا للمالية مسؤولا عن الموازنة والمدخول والمصروف.
بالنسبة للجيش اللبناني الذي وصل عديده الى 75 الف جندي، من المرجح تخفيض عديده الى 50 الف جندي. وفي هذا المجال قال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ان الهبة السعودية بـ 3 مليارات دولار للجيش اللبناني قائمة، وان عملية تصنيع الاسلحة الذي اوصت به السعودية لا يزال مستمرا وانه سيطالب بإرسال الاسلحة الى الجيش اللبناني. ويبدو ان الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز سيعمل بنصيحة الرئيس الفرنسي هولاند ويعيد هبة 3 مليارات دولار اسلحة للجيش اللبناني.
ـ نصرالله : عون جبل ـ
وصف الامين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله في الاحتفال التكريمي لفارس الطلقة الاولى الشهيد مصطفى شحادة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بالجبل والشجاع والصادق والوطني والمستقل ولا يشترى ولا يباع ولا يتبع احدا لا دولة ولا سفارة ولا محوراً، ونحن نثق به وما يجمعنا تفاهم عام 2006. واكد أن لا صفقة رئاسية. ووصف دور الرئيس نبيه بري بالايجابي وادارته الدقيقة للاستحقاق الرئاسي. فالرجل حافظ على النصاب اولا وعلى الجلسة، رغم كل الهمروجة التي عمل خلالها البعض لإرجاء الانتخاب، لكن الرئيس بري كان ثابتا في ضبط الجلسة، كما كان مجهزا خطاب التهنئة. كما تطرق في كلمته الى الحليف الشريف الوزير سليمان فرنجية. وقال سماحته ان البعض كان يريد ان نبقى في المعارضة لتخلو له الساحة، وهؤلاء مشتبهون. وطمأن في المقابل الى اننا مستعدون للتدخل لتسهيل عملية تأليف الحكومة مؤكدا ان من سهل التكليف حريص على التأليف. وقال السيد نصرالله نحن امام فرصة وطنية للعمل معاً من صوّت ولم يصوّت للرئيس عون لمواجهة التحديات في ظل محيط متلاطمة امواجه.
وختم : اللبنانيون امام فرصة جديدة، بلدنا مستقل امنيا، ولدينا تقارب سياسي مقبول وعهد جديد، لذا نحن امام فرصة تاريخية لنحمي بلدنا ونحل ما نستطيع من مشاكله ونحيي المؤسسات، وذلك مرتبط بالنية الصالحة.
ـ اجتماع سري بين السفيرة الاميركية والحريري ـ
واشنطن تراقب تشكيل الحكومة، لكن السفيرة الاميركية اجتمعت سرا بالرئيس سعد الحريري وحذرته من تسليم حزب الله وزارة اساسية، حتى انها تحفظت عن بعض الاسماء المطروحة من قبل حركة امل كيلا يكونوا وزراء في مراكز اساسية تؤثر في سياسة البلاد، لأن حركة امل تنسق مع حزب الله، خصوصا بعد تصريح الامين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله الذي اوكل الشأن السياسي للرئيس بري رئىس حركة امل. وهذا الاجتماع بقي سريا اذ ذهبت السفيرة الاميركية «متنكرة« والرئىس الحريري لم يعلن الخبر، وكان الاجتماع ثنائىا بين سعد الحريري والسفيرة الاميركية فقط.
ـ مستشارون وموظفون في القصر الجمهوري ـ
وعلى صعيد العمل في القصر الجمهوري، يريد فخامة رئىس الجمهورية العماد ميشال عون ان يزيد عديد كادر المديرية العامة للقصر الجمهوري من مستشارين ومديرين وموظفين، لأنه يريد ان يكون القصر الجمهوري قادراً على الاطلاع على كل الملفات والمشاريع لكي يبدي رأيه فيها وفي عمل الوزارات بحيث عندما يحضر الرئىس ميشال عون جلسة الحكومة ويترأس الاجتماعات وتأتي المراسيم من الحكومة والوزارات، يكون مطلعا عليها مسبقا ولديه دراسة عن كل الامور كي تكون هناك مركزية رئاسية تطلع على كل شيء، على عكس ما كان يحصل في عهد الرئىس السابق اميل لحود عندما كان يقوم بتحويل كل الملفات الى اللواء جميل السيد مدير عام الامن العام السابق الذي كان يرفع له الخلاصة عن هذه المشاريع كي يستطيع لحود ادارة الجلسة وابداء الرأي، لانه لا يعرف شيئا عن المشاريع الا من خلال ما يقدمه اللواء السيد ورأيه في هذه المشاريع.
اما فرنسا فتتابع بدقة الموضوع الحكومي وهي قامت بدور الوسيط بين الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون. وعلى اساس ذلك قام الملك سلمان بالاتصال بالرئيس ميشال عون وهنأه، رغم مضي اكثر من اسبوع على انتخابه. وستعمل فرنسا على تحسين علاقات لبنان بالخليج العربي، بالتنسيق مع الرئيسين عون والحريري، بخاصة مع رئيس الحكومة الذي يؤدي دورا في تعزيز دور الخليج العربي داخل لبنان.
ـ المودة بين بري والحريري ـ
وعلى صعيد العلاقة بين الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري، عادت المودة بينهما بعد عتاب ونقاش في العمق. وجاء ذلك في اطار تركيبة الترويكا الجديدة ووعود الحريري بتلبية طلبات بري في الحكومة. مقابل ذلك وعد بري بتسهيل عمل الحكومة وفتح مجلس النواب لجهة اقرار تشريعات ومراسيم القوانين كي تعمل الحكومة بسرعة وتستطيع الوصول الى نتيجة هامة.
ـ استبعاد تشكيل حكومة تكنوقراط ـ
وكان البعض اقترح على رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مشروع تشكيل حكومة تكنوقراط لكن يبدو ان كل القوى السياسية في البلاد ترفض هذه الحكومة بل يريدون مديرين عامين تكنوقراط وبأن تبقى الحكومة سياسية ويكون التمثيل الوزاري سياسيا كي يستطيع الوزير ان يؤدي دورا في موضوع الحوار السياسي داخلها وتحديدا حول بعض الملفات الاساسية كدخول حزب الله الى سوريا وملف العلاقات بين لبنان وفرنسا والدول الاوروبية ولا يستطيع وزير تكنوقراط ان يقوم بهذا الدور، لكن سيتم تعيين عدد قليل من وزراء التكنوقراط وستكون الحصة الوزارية لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون داخل الحكومة ويريد التيار الوطني الحر ان يتمثل عبر وزراء. كذلك سيرث رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الوزراء الثلاثة الذين كانوا للرئيس ميشال سليمان. وهكذا قد يصل عدد الوزراء من التيار الوطني الحر والمنتمين الى العماد عون الى 9 وزراء، وهذا امر صعب تحقيقه في ظل مطالب الكتل الاخرى بتوزير اسعد حردان والوزير فرنجية وشخصيات اخرى في حين ان رئيس الجمهورية ميشال عون كان يرغب بتشكيل حكومة منسجمة وابعاد الوزراء المشاكسين عنها، وهو لا يريد ان يكون في مجلس وزراء مع وزراء يقع بينه وبينهم خلافات، وخصوصا بينه وبين الوزير السابق سليمان فرنجية.
الجمهورية :
إذا قيسَ حجم مطالب التوزير الذي ظهر في اليوم الأوّل من استشارات التأليف التي تنتهي اليوم على حجم الحكومة المطروحة، فإنه يتطلب لتلبيته حكومةً من 60 وزيراً، في حين أنّ المتاح حكومة من 24 إلى 30 وزيراً، وربّما إلى 32 حدّاً أقصى. لكنّ هذه المطالب تكاد أن تطيح التفاؤل الكبير بولادة حكومية سريعة، لأنّها تعكس انفتاحَ شهية الاستيزار على مداها الواسع لدى الغالبية الساحقة من القوى السياسية. ولذلك تتّجه الأنظار إلى الرئيس سعد الحريري ربّانِ السفينة الحكومية ومدى قدرتِه على المواءَمة بين هذه المطالب، وصَهرِها في حكومة جامعة على قاعدة «إذا أردتَ أن تُطاع فسَلِ المُستطاع». ولذلك يتخوّف المراقبون من تعثّرِ التأليف في حال لم يبادر الجميع إلى تنازلات متبادلة عبر تخفيض سقفِ المطالب أو الشروط، والانطلاق بروحية التعاون والتفاهم التي أنجَزت الاستحقاق الرئاسي، ومِن روحية خطاب القسَم لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وقبله خطاب رئيس مجلس النواب نبيه بري، وبَعده كلمة الحريري إثر تكليفه.
لاحظت أوساط مراقبة لسير الاستشارات أنّ الرئيس المكلف متفائل بسرعة التأليف، فيما اوساط «التيار الوطني الحر» تبدي حذراً نتيجة شروط جدية مطروحة يخشى ان تتحول عقداً مستعصية تتطلب مشاورات عاجلة لتذليلها عقب انتهاء استشارات التأليف.
وأبرز هذه العقد التنافس الحاد بين القوى السياسية على الحقائب السيادية وتلك الاساسية، أي الخدماتية، فيما البلاد دخلت في مدار موسم الانتخابات النيابية، خصوصاً انّ هذا التنافس جدّي وسيتركز بين قوى يبدو من الصعب انّها ستتراجع عن موقفها بسهولة.
فالغالبية طالبَت بحقائب سيادية مقرونة بحقائب خدماتية، ورشَح في هذا المجال مطالبة «القوات» و«المردة» بحقائب سيادية، الامر الذي قد يخلط «أوراق الحقائب»، إذا جاز التعبير، في وقت انّ العرفَ السائد منذ التوصل الى «اتفاق الطائف» هو انّ هذه الوزارات السيادية تسنَد الى الطوائف الكبرى، وهي المارونية والشيعية والسنّية والارثوذكسية، أحياناً حصرياً وأحياناً مداورة.
وإلى ذلك، يُخشى أن تبرز عقدة نتيجة ذهاب طوائف وقوى سياسية الى مطالبات بتوزير وزراء من طوائف اخرى ضمن حصصِها من دون الأخذ بإرادة هذه الطوائف في اختيار ممثّليها في الحكومة.
كلّ هذه المعطيات دفعت الاوساط المراقبة ايّاها الى القول «إنّ مرحلة التأليف الفعلية ستبدأ بعد انتهاء الاستشارات كرحلة شاقّة امام الرئيس المكلف، فهل سيتمكن بقوة دفعِ عون وبري من إيجاد حلول سريعة لهذه المطالب على نحو يرضي الجميع»؟
لكنّ هذه المصادر تستدرك قائلة «إنّ طبخ التشكيلات الوزارية سيبدأ مساء اليوم، وستكون للرئيس المكلف لقاءات عدة في عين التينة وبعبدا كرافعتين لتسهيل التأليف، فـ»حزب الله» تركَ امر التفاوض عن حصته عند بري، فيما الاطراف الآخرون ألقوا بمطالبهم عند الرئيس المكلف.
اليوم الاستشاري الطويل
وكان قطار التأليف قد انطلقَ أمس على وقع أجواء إيجابية ليبلغ اليوم محطته الثانية والاخيرة. فاستمع الحريري الى مطالب النواب والكتل النيابية الذين أجمعوا على الإسراع في تأليف حكومة وطنية جامعة وأن يكون توزيع الحقائب عادلاً وأن تكون الحكومة منسجمة.
وفي شريط الاستشارات التي بدأها الحريري بعقدِ خلوة مع بري قبل ان يلتقي رئيس حكومة تصريف الأعمال تمام سلام، تمنّى الرئيس فؤاد السنيورة «ان يتنبّه السياسيون الذين يريدون ترشيحَ وزراء الى أنّنا جميعاً في زورق واحد، وإذا لم نحسن إدارته ستنعكس النتائج علينا جميعاً في البلد».
وإذ أوضحَت كتلة «التنمية والتحرير» انّها لم تطلب حقائب معينة على الإطلاق، طالبَ تكتّل «التغيير والإصلاح» بأن تكون الميثاقية هي القاعدة الأساسية في تأليف الحكومة وتوزيع الحقائب وفقَ المعايير الديموقراطية وطرحَ مسألة المداورة وطالبَ بحقيبة للأقليات.
ودعَت كتلة «القوات اللبنانية» الى حكومة من 24 وزيراً وأن تكون وفق الدستور فاعلة ومتضامنة ومتجانسة ولا يوجد فيها معارضة وموالاة. وطالبَت بوزارة سيادية وأخرى خدماتية كالأشغال العامة ووزارة من الوزارات المتوسطة.
والتقى الحريري نائب رئيس مجلس الوزراء السابق النائب ميشال المر والنائب نايلة تويني، وقال المر بعد اللقاء: «إقترَحنا عليه أن يسرع في التأليف دون انتظار، خصوصاً أنّ الأجواء ملائمة لكي لا تتكرّر المشكلات التي كنّا غارقين فيها، وترَكنا حرية الانتقاء لمن يؤلّفون الحكومة، ولم تكن لدينا مطالب معيّنة بتوزير أيّ منّا».
وأعلنت كتلة نواب «الكتائب» أنّها ستتعاطى بإيجابية مع الحريري. فيما طالبَت كتلة «وحدة الجبل» بتمثيل «الحزب الديموقراطي اللبناني» في الحكومة. وطالب النائب سليمان فرنجية أن تتمثّل كتلته بحقيبة أساسية.
أمّا النائب وليد جنبلاط فلفتَ، إلى أنّ كتلة «اللقاء الديموقراطي» تقدّمت بالحد الأدنى من المطالب «فالمهمّ بالنسبة إليها هو سرعة تشكيل الحكومة».
نصرالله
ويَستكمل الحريري اليوم استشاراته ويلتقي في هذا الإطار نواب كتلة «الوفاء للمقاومة»، في لقاء هو الأوّل بينهما لكن ليس له أيّ بُعد سياسي، إنّما يندرج في إطار استشارات التأليف.
وعشية هذا اللقاء تناولَ الامين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله الشأن الحكومي وذكّر بأنّ كتلة «الوفاء للمقاومة» لم تسَمِّ الحريري لرئاسة الحكومة في الاستشارات، إلّا أنّها قدّمت كلّ التسهيلات ليحصل هذا التكليف ولتبدأ مرحلة جديدة.
ودعا إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، وقال: «إذا لم تشارك حركة «أمل» في الحكومة فإنّ «حزب الله» لن يشارك فيها، وهذا بالأخلاق والأخوّة، ومن حقّ الرئيس بري على «التيار الوطني الحر» إذا لم تشارك حركة «أمل» في الحكومة أن لا يشارك «التيار الوطني الحر» فيها، والمعنيّ بالتفاوض على الحكومة والحقائب عن «حزب الله» وحركة «أمل» هو الرئيس بري فقط، ونتابع مع الرئيس بري نتائج المفاوضات لكن لن نفاوض على أيّ شيء في الحكومة».
عون
وكان رئيس الجمهورية قد أكّد التزامه العملَ على تحقيق ما ورَد في خطاب القسَم خلال ولايته الرئاسية. وأعلن انّ جمعَ اللبنانيين حول سياسة داخلية وطنية سيَليه جمعُهم حول سياسة خارجية واحدة ايضاً بعد تذليل كلّ التعقيدات التي تعترض تحقيق ذلك حتى الآن. ولفتَ الى «أنّ لبنان مقبل على مرحلة جديدة يتعزّز فيها الاستقرار السياسي الذي يتأمّن باحترام الميثاق والدستور والقوانين من خلال الشراكة الوطنية».
.
وأكّد أنّ تطبيق القوانين هو المعيار الوحيد الذي يرسم حركة الدولة ومؤسساتها. وشدّد على أنّ أولويات المرحلة المقبلة هي إنجاز قانون جديد للانتخابات النيابية التي ستجري في موعدها في أيار المقبل.
مجموعة الدعم
واعتبَر سفراء مجموعة الدعم الدولي للبنان الذين زاروا قصر بعبدا لتهنئة رئيس الجمهورية أنّ الانتخاب «جدّد الثقة وأعطى الأمل للبنان وشعبِه ومؤسسات الدولة فيه، بالاضافة الى اقتصاده وأمنه».
مؤتمر باريس
وعلمت «الجمهورية» من مصادر المجتمعين أنّ اللقاء انتهى إلى إطلاق التحضيرات العملية بالتنسيق مع وزارة الخارجية لمؤتمر باريس الذي تعِدّ له المجموعة في كانون الثاني مطلعَ العام 2017 وهو المؤتمر الذي أرجِئ من الأسبوع الأخير من ايلول الماضي الى الموعد الجديد مطلع العام المقبل، بعدما تَسبّبت بذلك زحمة المؤتمرات الدولية على هامش اعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك، وخصوصاً تلك الخاصة بالأزمة السورية.
ولفتت المصادر الى أنّ كاغ شددت في بداية اللقاء على أهمية الاستعدادات القائمة لمساعدة لبنان في إطار مجموعة الدعم الدولية وفق الخطط التي وضِعت منذ ثلاث سنوات، وأنّ تشكيل الحكومة قبل هذا المؤتمر سيكون إنجازاً كبيراً، لتكون المؤسسات اللبنانية المعنية بأعمال المؤتمر قد اكتملت بالمواصفات الدستورية التامّة، ليكون المؤتمر منتجاً وفق التحضيرات الكبيرة الجارية.
ونَقل السفراء إلى عون تحيّات رؤساء بلادهم وارتياحَهم إلى إنجاز الاستحقاق الرئاسي بعد طول انتظار، وأكدوا دعمَهم للبنان في هذه الظروف التي تمرّ بها دول الجوار السوري، مُقدّرين حجمَ ما يلقيه النازحون السوريون والفلسطينيون من تبعات أمنيّة وسياسية واقتصادية عليه، وأبدوا الاستعداد لتقاسم الكلفة الباهظة التي يتكبّدها لبنان.
وأكّد عون للسفراء أنّ اللبنانيين قرّروا إعادةَ بناء مؤسساتهم بعدما اكتمل عَقد الدستورية منها، ولفتَ الى أنّ الإجماع على عناوين خطاب القسَم مؤشّر مهم إلى ما تَحقّق من تفاهم بين اللبنانيين. وأضاف: «إلى حرص اللبنانيين على الاستقرار الأمني علينا السعي إلى تعزيز قدرات الجيش والمؤسسات العسكرية والأمنية في مواجهة الإرهاب».
مشيراً إلى «أنّ هذا الاستقرار يشكّل معبراً الى الاستقرار السياسي والاجتماعي في الطريق الى إنعاش وتحريك عجَلة الاقتصاد واستعادة ديموية العمل في المؤسسات ووقفِ زحفِ البطالة في العمالة اللبنانية». ولفتَ الى «أنّ الاستقرار السياسي الذي تَحقّق في خطاب القسَم سيقود حتماً الى تفاهم اللبنانيين والالتقاء على قواسم مشتركة في السياسة الخارجية وعلاقات لبنان بالعالمَين العربي والغربي».
وانتهى الاجتماع الى التوافق على اجتماعات دورية بين المجموعة والفريق اللبناني الذي سيواكب هذا المؤتمر من وزارة الخارجية والمراجع المختصة توصّلاً الى افضل الظروف التي يجب ان تتوافر لينجحَ المؤتمر في تحقيق ما يهدف اليه.
فرنسا
في غضون ذلك اعتبَر الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أنّ انتخاب عون رئيساً للجمهورية هو «حدثٌ تاريخيّ بالنسبة الى جميع أصدقاء لبنان، وأنا منهم»، وشدّد في رسالة وجّهها إلى عون، على وجوب تشكيل حكومة في اسرع وقت تجسّد الوحدة الوطنية، وأكد انّ العودة الى المسيرة المؤسساتية الدستورية للانتظام طبيعياً ستتيح المجال للمجتمع الدولي ان يساعد لبنان بنحو أفضل على مواجهة نتائج الأزمة السورية.
بدوره، شجّع وزير الخارجية الفرنسي جان ـ مارك ايرولت «جميع الأطراف اللبنانية على العمل السريع من أجل حكومة جامعة». وقال: «أوجِّه تهانيّ الحارّة جداً للسيّد سعد الحريري، الذي سُمّيَ رئيساً لوزراء الجمهورية اللبنانية، وأنقل إليه أمنياتي بالنجاح في المهمة التي أوكِلت إليه».
وأضاف: «دخلَ لبنان في مرحلة جديدة قد تضع حداً للأزمة المؤسساتية التي شهدها هذا البلد منذ أكثر من سنتين. إنّ هذا الخروج من الأزمة
يمرّ عبر تشكيل سريع لحكومة جامعة لا بدّ منها، لكي يردّ لبنان على التحدّيات التي تواجهه، ولكي تساعده الأسرة الدولية بنحو أفضل، خصوصاً في المجالات الأمنية والاقتصادية والإنسانية. وأشجّع جميع الأطراف اللبنانية على العمل في هذا الاتجاه، عبر مواصلة السير في طريق المسؤولية والتسوية، وذلك من أجل المصلحة العليا للبلد».
وخَتم إيرولت قائلا: «بالنسبة الى فرنسا، لبنان هو بلد صديق على الدوام ويبقى في المنطقة نموذجاً للتعددية والتسامح. وفرنسا المتمسكة بسيادة البلد وسلامته الإقليمية ووحدة أراضيه، ستقدّم له دعمَها الكامل. وستواصل القيامَ بما يترتب عليها من جهود ضمن الأسرة الدولية. وسنواصل أيضاً عَملنا في خدمة تقوية الروابط القوية والوثيقة في كلّ الميادين بين فرنسا ولبنان في مجرى التاريخ المشترك».
تزامناً، قال المتحدّث باسم الخارجية الفرنسية رومان نادال إنّ «صفقة دوناس تشكّل استجابةً للاحتياجات الحاليّة للقوات المسلحة اللبنانية (...) نأمل في أن يتمّ تنفيذها لمصلحة الامن في لبنان». وأضاف: «نجري حواراً وثيقاً مع لبنان والسعودية بهذا الشأن»، مذكّراً بـ»المخاطر التي على لبنان مواجهتها في إطار إقليمي غير <