انخرطت القوى السياسية والحزبية جمعاء بسرعة تسابق أيام الأسبوع الرئاسي الذي نقل لبنان من ضفة الى أخرى بلمح البصر، في ورشة تأليف الحكومة الجديدة من خلال الاستشارات التي يجريها الرئيس المكلف سعد الحريري الذي تراكم في سجل يومه الاول من هذه الاستشارات ما يشبه "البازل" المعقد للوائح المطالب بالحقائب الوزارية والتي لن يمضي اليوم الثاني الا وتكون قد وضعته أمام اختبار استيلاد حكومته من خروم "الشهيات" المفتوحة على الغارب. والحال ان القوى السياسية التي ذابت هوياتها الموالية والمعارضة امام انفتاح "البازار" الوزاري تدرك تماما ان سيد العهد الجديد الرئيس العماد ميشال عون والرئيس الحريري يرغبان في ولادة سريعة للحكومة يكون من شأنها تثمير الزخم الذي تحقق للبلد والذي كان من جملة تجلياته عودة الانفتاح الخارجي على لبنان بما يوجب عدم الاستغراق طويلاً في عملية تأليف الحكومة. ولذا تميزت الاستشارات التي يجريها الرئيس المكلف بوضوح المطالب التي طرحتها الكتل النيابية بما يسهل من جهة على الحريري فرز المطالب والشروع في مهمته الصعبة للتوفيق بين التوازنات السياسية والطائفية والمناطقية في مسودة التأليف ولكن أيضاً بما يجعل هذه المهمة محفوفة بالتعقيد بفعل رفع سقوف المطالب وحجز الحقائب.
وفي المعلومات المتوافرة لدى "النهار" ان الرئيس المكلف، وعلى رغم تصاعد المطالب وتشابكها وخصوصاً من حيث الحقائب السيادية الاربع المال والداخلية والخارجية والدفاع وحقائب الخدمات الاساسية، بدا مساء أمس متفائلاً بامكان انجاز مهمته بالتشاور مع الرئيس عون في غضون اسبوع الامر الذي اذا تحقق سيشكل خرقاً سريعاً غير متوقع لا يزال كثر يشككون في القدرة على اتمامه في هذه الفترة القياسية، الا اذا تبين ان ثمة تفاهمات متعددة الطرف معقودة خلف الابواب المغلقة من شأنها ان تشكل كاسحات ألغام أمام عملية التأليف. وتشير المعلومات الى ان من ابرز العقد التي ظهرت أمس مطالبة أربع جهات بوزارة المال المعقودة اللواء دوماً للفريق الشيعي من خلال كتلة رئيس مجلس النواب نبيه بري.
وقالت أوساط مواكبة للاستشارات الجارية لـ"النهار" ان ثمة اتجاهاً شبه نهائي الى تشكيل حكومة ثلاثينية بغية الافساح لاوسع مشاركة سياسية فيها وان الحكومة التي ستشكل تحت شعار التوافق والوحدة الوطنية لن يستبعد اي فريق عنها بما فيها قوى عارضت انتخاب الرئيس عون مثل "المردة " والكتائب. كما ان الحكومة لن تكون هذه المرة تحت وطأة الثلث المعطل لانتفاء الذرائع التي تعيد طرحه في ظل خلط الاوراق والتحالفات الذي واكب انتخاب الرئيس عون. ولفتت الاوساط الى امكان ضمّ التشكيلة الحكومية وزراء دولة، كما ان اشتداد وطأة الشروط الاستيزارية قد يدفع الرئيسين عون والحريري الى التفاهم على حكومة تكنوقراط تجنبا لاطالة عملية التأليف.
وبات ثابتاً ان الرئيس بري سيفاوض حول حصة كتلته وحصة "حزب الله " معاً، بعدما عبّر الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله أمس عن أكثر مواقفه وضوحا لهذه الجهة، بل اعتبر بعض المواقف التي اطلقها بمثابة رسم لخطوط حمر استباقية لعملية التأليف عشية اللقاء الاول من نوعه منذ سنوات للحريري و"كتلة الوفاء للمقاومة" اليوم. وفي كلمته أمس حرص السيد نصرالله على توزيع الاشادات بحلفائه بدءا بالرئيس عون الذي وصفه بانه " رجل صادق وشجاع ولا يبيع مواقفه"، كما أشاد بالنائب سليمان فرنجية "الرجل الرجل الذي يمكن ائتمانه على المقاومة". وخص الرئيس تمام سلام أيضاً بشكر على ما ابداه من " صبر وحكمة وتحمل". اما في الموضوع الحكومي، فدعا الى تشكيل حكومة وحدة وطنية قائلا ان الرئيس المكلف " سيسعى الى ذلك وهذا أمر جيد " واستدرك " اننا لن نشارك في حكومة لا يشارك فيها الرئيس بري وان من يفاوض باسم حزب الله وحركة امل حول الحقائب هو الرئيس بري ".

 

مجموعة الدعم في بعبدا
في غضون ذلك عقد امس اللقاء الاول للرئيس عون بعد انتخابه وسفراء مجموعة الدعم الدولية للبنان. وقد أبلغهم أن "جمع اللبنانيين حول سياسة داخلية وطنية سيليه جمعهم حول سياسة خارجية واحدة ايضا بعد تذليل كل التعقيدات التي تعترض ذلك الآن".
وعلمت "النهار" من مصادر ديبلوماسية ان رئيس الجمهورية رحب بالمذكرة التي تسلمها من وفد سفراء مجموعة الدعم الدولي للبنان. وأوضحت ان المذكرة تتعلق بالسيادة و"إعلان بعبدا" وتطبيق القرارات الدولية المتعلقة بلبنان. وهي تدعو الى إنجاز تشكيل حكومة ذات طابع وحدة وطنية في أسرع وقت لمواجهة تحديات المرحلة المقبلة.
كما علمت "النهار" ان موضوع اللاجئين السوريين كان في صلب المناقشة التي ترافقت مع إعداد المذكرة. فوقت دعا أحد السفراء لبنان الى تقديم مساعدة معنوية لتحمل أعباء اللاجئين كان هناك موقف مقابل من سفير بارز شدد فيه على ان لبنان هو في أشد الحاجة الى المساعدة ولاسيما منها المادية لكي يضطلع بدوره في إستضافة اللاجئين.

 

الامم المتحدة
وفي نيويورك ( "النهار" ) رحب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي - مون في أحدث تقرير له عن تنفيذ القرار 1701 أعدته المنسقة الخاصة للمنظمة الدولية في لبنان سيغريد كاغ بانتخاب رئيس للجمهورية " كنتيجة للجهود الدؤوبة بين الزعماء السياسيين للتوصل الى حل ذي ملكية لبنانية"، مهنئاً الرئيس عون بتوليه الرئاسة. وقال إن "ملء الشغور الرئاسي كان خطوة طال انتظارها لتجاوز الأزمة السياسية والدستورية في لبنان"، آملاً في أنها "ستمكن الآن من تعبيد الطريق لإحراز تقدم سياسي أوسع من دونه سيبقى لبنان في حال من الشلل". واعتبر أن "تأليف حكومة موحدة وفاعلة واجراء الإنتخابات النيابية في أوانها مهمان لحياة وصدقية أي جهد لتجاوز الأزمة الراهنة"، مضيفاً أن "حكومة تتألف على أساس احترام لبنان والتزامه المبادىء والتعهدات التي ترسخ استقراره ومكانته ستكون مهمة لتوجيه البلاد بوضوح مع الدعم المتواصل من المجتمع الدولي". ولاحظ أن "انتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة الفاعلة والموحدة، وإجراء الإنتخابات النيابية بحلول أيار 2017، أمور ستختبر قدرة النظام السياسي اللبناني على العودة بلبنان الى العملية الدستورية والديموقراطية واستعادة الثقة باستقراره، محلياً ودولياً".
وحض الأطراف اللبنانيين على "التزام الدستور اللبناني والميثاق الوطني"، مناشداً جميع الزعماء اللبنانيين "اللجوء الى الحوار البناء، بما في ذلك من خلال الآليات القائمة، في التفاوض على اتفاق حل وسط لإنهاء الأزمة السياسية والمؤسسية". وندد بـ"مشاركة مواطنين لبنانيين في الصراع السوري في انتهاك لسياسة النأي بالنفس التي اتفق عليها جميع الأطراف"، ورأى أن "التدخل العسكري الخارجي لحزب الله وعناصر لبنانية أخرى يعرض لبنان لخطر شديد وقت ينبغي أن تتركز كل الجهود على حمايته من تأثير الأزمات الإقليمية"، مجدداً مطالبته "حزب الله" وجميع الأطراف اللبنانيين بـ"وقف أي تورط في الصراع السوري".