النجاح الأول والكبير الذي حققه الرئيس سعد الحريري، كان في التقاطه السريع والدقيق، للإشارات الأولى، بأن بداية التغيير في المنطقة قد دقت ساعتها، وأن بداية هذه البداية ستكون من لبنان، فأقدم بجرأة حقيقية على صياغة مبادرته في دعم انتخاب الجنرال ميشال عون رئيساً للجمهورية، رغم أنها كانت لا تحظى بالتأييد الواسع. الرئيس الحريري غامر بحساب ونجح كما يستحق في إحداث تحوّل شامل الى جانبه، فاستحق تسميته رئيساً للوزراء بالأغلبية المطلقة.
منذ الآن النجاح يُسجل في خانة الرئيس سعد الحريري، والفشل يُحسب ويتراكم في خانة مَن يعرقل مسيرته المفتوحة على تأييد ودعم عالمي وإقليمي غير مسبوق في هذه المرحلة المميزة باشتباكات على جميع المستويات ومختلف الجبهات. التهاني التي توالت بانتخاب الجنرال عون رئيساً للجمهورية من واشنطن الى موسكو ومن الرياض الى طهران تؤكد كل هذا التغيير المفتوح على مستقبل واعد.
حتى الآن كل ما سيقع في المنطقة من مسارات للحلول المترافقة مع تصعيد عسكري قد يكون غير مسبوق على جبهات محددة أهمها بلا تحفظ سوريا، سيتم اختباره في لبنان. لقد كان لبنان وما زال «مختبر» الشرق الأوسط، وفي معظم الحالات «علبة البريد» لكل من يرغب في توجيه «رسالة» الى أطراف قد لا يكون لها علاقة بلبنان. اليمن سيكون ميدان مسار الحلول القادمة. يتم حالياً فحص «المريض» اليمني، لتحديد مواضع البدايات سواء في داخل اليمن أو في أروقة الأمم المتحدة، ومن المؤكد بين العواصم ذات العلاقة المباشرة في هذا البلد الأعجب والأغرب بين دول المنطقة كلها. لا شك أن الاقتناع بوجوب الحل، هو في اقتناع الأطراف المعنية بأن ما وصلت إليه هو الممكن، وما بعده إما مستحيل أو غير مقبول. من علائم هذا كله التحوّل في العمليات العسكرية. المواجهات خفت جداً، جواً وبراً. قد تقع استثناءات لكن التوجّه الأول هو نحو ضمور العمل العسكري وارتفاع وتيرة الطروحات السياسية المتضاربة أحياناً، والقليلة الإنتاج والقبول في أحيان عديدة. في النهاية كثرة العروض لا بد أن تنتج صيغة مقبولة للانطلاق منها نحو الحل الشامل.
العراق، سيتحرر من «داعش» لكنه لن يتحرر من الحرب. ما زالت أمامه مسيرة طويلة وشاقة ومليئة بالدماء والدموع للخروج مثخناً بالجروح. ما يضمن نجاة العراق موحداً ولكنه ممزق شعبياً وعرقياً ومذهبياً، أنّ واشنطن مهتمة به وهي حتى في العهد الأوبامي، جعلته استثناء وأرسلت وحدات مقاتلة ولو محدودة إليه. وأن إيران رغم كل خُطَب العداء لـ«الشيطان» الأميركي تتعاون عسكرياً وأمنياً مع هذا «الشيطان» على أعلى المستويات، لأن المصالح تلغي المحظورات.
تبقى سوريا «الشهيدة» و»الأسيرة»، لا يبدو أن سوريا ستخرج في المستقبل المنظور من «بركة الدماء»، وأن المخطط لها أن يتسع «المستنقع» الذي تحولت إليه وأن يتعمق. في موسكو بدأوا يتساءلون. هل نصب أوباما فخاً لاستنزافنا؟
في تقريرين لخبراء ولكولونيل روسي نشرا في موسكو وأحدهما على موقع «غازيتا»، يتبيّن أن السؤال الذي كان ممنوعاً قبل أسابيع أصبح مشروعاً الآن وهو: هل آن الأوان لننسحب من سوريا؟
التقريران يقدمان سلسلة من الأسباب والوقائع الميدانية التي توجب مثل هذا الانسحاب من ذلك:
* إن الفوز بالحرب مع جيش الأسد متعذر، لأن معنويات أفراده وضباطه منخفضة جداً، في حين أن الفوز يتطلب معنويات عالية وإرادة صلبة وثقة بالنفس وحسّ المبادرة. كل ذلك على عكس المعنويات العالية للمعارضة المسلحة بجميع فصائلها.
* إن الاقتصاد مريض ومشلول إذ إن الإنتاج الصناعي انخفض 70 في المئة والزراعي 50 في المئة والنفطي 90 في المئة والسياحي صفر.
*إن كل القصف الجوي الروسي منذ أكثر من سنة إضافة الى قصف الطيران السوري (خسر 200 طائرة و150 طياراً) لم يغيّر الكثير على الأرض. لذلك اضطرت موسكو الى إرسال وحدات من «المرتزقة» من «مجموعة يطلق عليها «مجموعة فاغنر« وهذه الوحدة مشكّلة من مقاتلين خدموا في قوات الداخلية وحاربوا في الشيشان وكلِّفوا بحماية مصالح روسية في مواقع عديدة خارج الأراضي الروسية وعددها في سوريا حالياً بين الألف والألف وستمائة جندي، وقد سقط العديد منهم قتلى وجرحى في المعارك خصوصاً في حلب.
مهما توافقت القوى المعنية على الحلول والاستمرار في الحروب، فإن البداية الكبرى لن تكون قبل تسلّم الرئيسة (أو الرئيس) الأميركي المنتخب سلطاته في الأسبوع الأخير من كانون الثاني من العام القادم.
لبنان وحده الاستثناء. فالقرار الأميركي متناغم مع الإرادات الأوروبية. أوروبا وخصوصاً فرنسا تخشى من أي انفجار في لبنان لا يرحم ويدفع بنحو مليون لبناني للهجرة، نصفهم على الأرجح من المسيحيين. وهي لا تستطيع إلا أن توطّنهم وتساعدهم مع الحسرة الكبيرة على نهاية المسيحيين في الشرق. لذلك كله لبنان أمام الخروج من دائرة الخطر باتجاه الاستقرار.