إنتهى مشوار التكليف بأكثرية نيابية موصوفة للرئيس سعد الحريري بـ 112 صوتاً منحَته الثقة لقيادة السفينة الحكومية في مستهلّ عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وانتقل البلد إلى المرحلة الثانية، لينطلق فيها مشوار التأليف، وأولى محطاته الاستشارات النيابية التي سينطلق فيها الرئيس المكلّف اليوم وغداً. يأتي ذلك في وقتٍ بقيَ لبنان ومستجدّاته الرئاسية محطّ أنظار العالم وتمنّياته في أن يفتح العهد الرئاسي والحكومي الجديد صفحةً جديدة، عنوانُها تعزيز الاستقرار العام في كلّ العناوين والملفات الداخلية.
الاجواء المريحة التي شاعت في البلد، على خط الاستحقاقين الرئاسي والحكومي، تبدو وتيرتها مرشّحة الى مزيد من الارتفاع في الآتي من الايام، ربطاً بالنيات الحسنة والطيبة، المتبادلة بين الخطوط السياسية كافة، والتي ظهرت خصوصاً على خط استشارات التكليف، ما يشجّع على الاعتقاد بأنّ الحكومة ستبصر النور في وقت قياسي.

الحريري لـ«الجمهورية»

ويبدو الرئيس المكلف متفائلاً بقرب صعود الجميع في المركب الحكومي، وقد سألته «الجمهورية» أثناء استقباله المهنئين في «بيت الوسط» عمّا اذا كان تأليف الحكومة سيتأخر؟ فأجاب: «كلا، إن شاء الله قريباً». وقيل له ايضاً: هناك من يقول انّ الحكومة قد تتأخر حتى بداية السنة الجديدة. فسارَع الى القول: «لا، لا، لن تتأخر».

يتقاطع كلام الحريري هذا مع تأكيد مرجع كبير لـ»الجمهورية» بأنه «إذا سارت الامور بالشكل الانسيابي الذي هي عليه حالياً، فإنّ الاجواء المحيطة بحركة الاستشارات تتوقع ان تولد الحكومة خلال مهلة اسبوعين على الأكثر، وقبل عيد الاستقلال، بحيث تكون الدولة كلها حاضرة في العيد هذه السنة، بعد غياب قسري طيلة فترة الفراغ الرئاسي الذي امتدّ لسنتين ونصف السنة».

واللافت في هذا السياق انّ نقطة مشتركة بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري وكذلك مع الرئيس المكلف سعد الحريري، هي التعجيل في ترجمة الايجابيات التي يعيشها البلد، بحكومة سريعة، من دون تسرّع، تعتبر بشكلها ومضمونها وبرنامجها عنواناً للشراكة الحقيقية والتوازن، بما ينفخ الروح مجدداً في بلد أصابه الشلل لسنوات طويلة، كما تشكّل فرصة ثمينة لا بدّ من قطفها لجَمع اللبنانيين على كلمة سواء: إنقاذ البلد اولاً، بعيداً من التعقيدات والمطبّات وكل ما من شأنه خلق التفسّخات في جسم الدولة.

ولقد شكّل اللقاء الثلاثي في القصر الجمهوري، أمس، بين الرؤساء الثلاثة عون وبري والحريري، مناسبة لرسم خريطة الطريق نحو التعجيل بتشكيل الحكومة الجامعة، علماً انّ الانفتاح الذي عَبّر عنه الحريري بعد تكليفه رسمياً، وكذلك إعلانه عن حكومة وفاق جامعة كل المكوّنات اللبنانية، كان محلّ ترحيب في الاوساط السياسية المختلفة، التي قرأت في موقف الحريري هذا، علامة اطمئنان، بإمكان انتقال البلد فعلاً من خلف المتاريس السياسية الى واحة التعاون، بما ينعكس تلقائياً على كافة القطاعات الداخلية، وخصوصاً الاقتصادية، التي لوحظ في هذين اليومين انّ نسمة انتعاش قد لفحتها.

وقد اكّد ذلك خبراء اقتصاديون قاربوا المرحلة المقبلة بشيء من الأمل في الانتقال من ضفة الانحدار الاقتصادي الى ضفة الصعود الاقتصادي والاجتماعي والمالي المنشود، وصفاء النيّات السياسية هو شرط أوّل وأساس لهذا الانتقال.

وعلى ما يبدو فإنّ «الجهاد الاكبر» الذي أشار اليه رئيس مجلس النواب، مرشّح في هذه الاجواء لأن يكون «الجهاد الاسهل»، لبناء حكومة تأخذ على عاتقها التصدي للأولويات الملحّة التي تتقدمها الموازنة العامة، وكذلك القانون الانتخابي الذي صار الوصول اليه محلّ إجماع بين القوى السياسية.

ويستنتج ذلك من اليد الممدودة التي تحكم العلاقة بين الرؤساء الثلاثة، وكذلك ممّا عبّروا عنه صراحة حيال صورة المرحلة المقبلة، فاللقاء الثلاثي في بعبدا كان محكوماً بالود، شكلاً ومضموناً، ورئيس الجمهورية كان حريصاً على التأكيد امام بري والحريري، على أهمية، بل ضرورة الاسراع في إطلاق عجلة العهد وتشكيل حكومة تبدأ العمل فوراً، لأنّ أمامنا عملاً كبيراً وشاقاً يجب ان يُنجز، لافتاً في هذا السياق الى انّ الاتصالات التي تلقّاها من قادة الدول والشخصيات السياسية والرسمية العربية والدولية، عبّرت عن وقوف جدّي مع لبنان، وحَضّت على التسريع بتشكيل حكومة جديدة حفاظاً على استقرار لبنان في شتى المجالات.

ماذا حصل في اللقاء الثلاثي؟

وعلمت «الجمهورية» انّ عون قدّم مداخلة سياسية ووجدانية أدت الى ترطيب الأجواء، وشدّد على أهمية التضامن في مواجهة التطورات داعياً الى مواقف جريئة تؤدي الى استيعاب الأجواء المتشنّجة تمهيداً لطَي الصفحة الماضية نهائياً وفتح صفحة جديدة.

وشدّد على أهمية التفاهم للإسراع بتشكيل الحكومة من دون تسرّع لأنّ ايّ تأخير يمكن ان يزيد من الخلل القائم ولا بد من خطوات عاجلة تطوي الصفحات السابقة وتؤسس لمستقبل من التعاون المطلوب اليوم أكثر من أي وقت مضى.

وبعد مداخلة رئيس الجمهورية وملاحظات متبادلة بين بري والحريري تخللها عبارات ود متبادلة، طلب عون الدخول في تفاصيل المرحلة المقبلة والخطوات الواجب اعتمادها بدءاً بالإستشارات النيابية التي سيجريها الرئيس المكلف، مشدداً على التعاون في إنجاز هذه المرحلة في افضل الظروف.

وتمّ التفاهم على البدء بها اعتباراً من اليوم، على ان تكون على مرحلتين: واحدة قبل صلاة الجمعة وثانية بعد الظهر وتستكمل قبل ظهر غد، لتبدأ عملية الجوجلة المطلوبة في المرحلة الأولى في عطلة نهاية الأسبوع.

واكد رئيس الجمهورية، في اللقاء، ضرورة تشكيل حكومة منتجة تهتم بأمور وأولويات الناس بدءاً بالأمن وسبل تعزيز الإستقرار وإعطاء الأولوية لملفات الكهرباء والماء والقضايا الحياتية اليومية وغيرها من الأمور التي يعانيها المواطنون، ذلك انّ التأخير في مقاربة هذه الملفات هو مُؤذ جداً لنا وللوطن.

كذلك عبّر عن اهمية ان نتجاوز الماضي ولا سيما المرحلة التي تَلت تَبنّي الحريري ترشيحه الى حين جلسة الإنتخاب وما رافقها من تشكيك ومخاوف ربما قَصد بها الحديث عن تفاهمات ثنائية وغير ذلك من الروايات، فما مضى قد مضى وانّ صفحة جديدة يجب ان تفتح بتشكيل حكومة لإنقاذ ما تبقّى واستعجال الخطوات الدستورية التي من شأنها استيعاب الجو الناتج عن المواقف التي رافقت الإنتخاب لتثميرها في مصلحة ورشة الأمن والاستقرار.

وتمّ التفاهم على مقاربة المطالب المطروحة والتي ستعبّر عنها استشارات التأليف لمواجهتها على أكثر من مستوى بروح إيجابية وتعاون.
وانتهى الإجتماع في أجواء إيجابية وستعكس الأيام المقبلة هذه الأجواء. وقد يزور الحريري عون عصر غد، فور الإنتهاء من الإستشارات.
عون وبرّي

وإذا كان عون، وكما يُنقَل عنه، شديدَ الحرص على النجاح في امتحان انتشال البلد من تعقيداته وأزماته، فقد عزَف رئيس مجلس النواب على الوتر ذاته، بالتأكيد على أنّه كان وما يزال ملتزماً بثابتةٍ لديه تتجلّى في أن يكون رافعةً للعهد ومسهّلاً لعمل الحكومة في كلّ مجال.

وقد عبّر بري عن ارتياحه للّقاء الذي جَمعه مع رئيس الجمهورية، وقال أمام زوّاره: «كان اللقاء ودّياً، وتناوَلنا كلّ المواضيع، حتى إننا تبادلنا الطرائف والنكات، ولمستُ لدى فخامة الرئيس مناخاً إيجابياً، وعزماً على مقاربة المواضيع الضرورية والملحّة، من البيئة، النفايات، وكلّ الملفات المتراكمة، والأهمّ توجّهه لمقاربة القانون الانتخابي الجديد، وضرورة إعداده قبل نهاية ولاية المجلس النيابي الحالي، وهذا ما لمسته أيضاً لدى الرئيس المكلّف».

وبحسب الأجواء التي عكسَها بري عن لقائه بعون، فإنّ الطرفين قرّرا طيّ صفحة الماضي بكلّ ما فيها من تباينات واختلافات، وفتحَ صفحةٍ جديدة تخدم البلد. وكشفَ بري أنّه أبلغَ إلى عون أنّه سيسمّي الحريري لتشكيل الحكومة، وقد كان ذلك محلّ ترحيب وتقدير من رئيس الجمهورية.

وقال بري «إنّ الأهم هو الاستعجال في تشكيل الحكومة، وقد لمستُ ذلك عند رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، وهذا هو توجّهي ايضاً، ولذلك، وبالتوافق مع الرئيسين أكدنا على تسريع استشارات التأليف التي سيجريها الرئيس المكلف مع النواب في مجلس النواب، وأوعزتُ إلى الدوائر المجلسية اتّخاذ الإجراءات اللازمة التي تسهّل هذه الإجراءات بما تتطلّبها اليوم وغداً».

وردّاً على سؤال حول مشاركته في الحكومة كرّر بري إشارته إلى النيّات الحسنة التي ظهرَت، وقال: «نحن نبادل النيّات الحسنة بمِثلها، ولذلك يجب أن لا تبرز أيّ تعقيدات تؤخّر تشكيل الحكومة، ومع ذلك يجب أن لا نستبق الأمور، فأنا أنتظر ما سيتمّ عرضه علينا، وفي ضوء ذلك نبني على الشيء مقتضاه ونتّخذ القرار».

أجواء إيجابية

وربطاً بما قاله بري، علمت «الجمهورية» من مصادر قصر بعبدا أنّ الأجواء بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب كانت ودّية جداً ومريحة، وأنّ الطرفين أبديا حرصَهما على التعاون في المرحلة المقبلة. وقد أضفَت طريقة محادثة عون لبري أجواءً مِن الهدوء والارتياح بدَّد أيّ تشنّج. كذلك فإنّ بري تعاطى مع عون من رَجل دولة إلى رَجل دولة، بعيداً من الحساسيات وتصفية الحسابات.

وقالت المصادر إنّ الطرفين تبادلا الأفكار ووجهات النظر في ما يتعلق بالمرحلة التي تلي الاستشارات النيابية الملزمة، واتّفقا على التسهيل والتسريع. وأبدى رئيس مجلس النواب كلَّ استعداد ورغبة لتسهيل انطلاقة العهد الجديد وتشكيل الحكومة. وكانت التصوّرات مشترَكة في مقاربة الموضوع الحكومي.

كذلك أكّدت المصادر أنّ الاجتماع الثلاثي بين عون وبري والحريري كان جيّداً جداً، خلافاً للانطباعات المسبَقة بوجود النفور والعرقلة. وتمنّى عون على رئيس المجلس والرئيس المكلّف التعاون والتفاهمَ في ما بينهما لتسريع تشكيل الحكومة التي تلاقت الأطراف الثلاثة فيها على أنّ تأخيرَها لا يصبّ في مصلحة البلد، في ظلّ الظروف القائمة.

أوساط الحريري

وأعربَت أوساط الحريري لـ«الجمهورية» عن ارتياحها للنسبة التي نالها الرئيس المكلف، وكذلك للأجواء الودّية التي سادت بين الرؤساء الثلاثة عون وبري والحريري.

وكشفَت الأوساط أنّه في مستهلّ اللقاء بين الرؤساء في القصر الجمهوري بادرَ الرئيس بري بتهنئة الرئيس المكلف قائلاً: «مبروك دولة الرئيس، ما شاء الله النسبة عالية 112 صوتاً». فردّ الحريري قائلاً: «شكراً دولة الرئيس، هذه الأصوات للعهد».

وأشارت المصادر إلى أنّ ما حصَل بالأمس من مواكب شعبية احتفالية بتكليف الرئيس الحريري ما هو إلّا تعبير عن شعور الناس باطمئنان
حقيقي، خصوصاً بعد «الخبريات» التي رافقت مرحلة الترشيح، وخَلقت جوّاً لدى الناس دفعَهم إلى التشكيك بنجاح مبادرة الحريري وخوفِهم من أن تأتي نتائجها عكسيّة عليه وتفَشّل مبادرته وصولاً إلى عدم تسميته رئيساً مكلّفاً، ولكن مع وصولنا إلى ما وصلنا إليه، شَعر الناس بصدمةٍ إيجابية أخرجَتهم من ضفّة التشاؤم والإحباط إلى ضفة التفاؤل والأمل.

وردّاً على سؤال، قالت الأوساط: «علاقة الرئيس الحريري بالرئيس بري كانت دائماً جيّدة، والرئيس الحريري حريص جداً على هذه العلاقة، وقد أرسلنا للرئيس بري رسائلَ عدة في هذا المنحى حتى خلال فترة التوتر السياسي الذي ساد في فترة الترشيح، ونحن نعرف أنّ بري لا يحمل أيّ ضغينة للرئيس الحريري، نحن نعرفه كرَجل دولة وحكيم، وندرك أنّه يرفض تعريضَ بداية العهد للكسر أو لهزّ الاستقرار، شأنه في ذلك شأن الرئيسين عون والحريري وغالبية القوى السياسية، وهو يعرف كما نحن نعرف أنّ كلّ اللبنانيين توّاقون ليسير البلد بشكل طبيعي.

وإذ أعربَت الأوساط عن أملها في «أن تولد الحكومة في أقرب وقت»، لفَتت إلى «أنّ هذا الأمر في النهاية رهنٌ بالاستشارات التي سيُجريها الرئيس المكلف اعتباراً من اليوم، وكذلك بنتائج المشاورات السياسية التي ستعقبها، ونحن نأمل خيراً».

شكل الحكومة

إلى ذلك، لم ترشَح حتى الآن أيّ صورة دقيقة لشكل الحكومة المقبلة، أو لكيفية إشراك القوى السياسية فيها، وإذا كان الحريري يؤكّد على شراكة الجميع، فإنّه في المقابل لم يَحسم حتى الآن ما إذا كانت الحكومة من 24 وزيراً، أو حكومة ثلاثينية تكون نسبة التمثيل فيها أشمل وأكبر. وأمّا نوعية الحقائب، فهذا الأمر سيتمّ عرضه مع القوى السياسية.

شمعون

وفي المواقف، وبعد زيارته بعبدا ولقائه عون في إطار الاستشارات النيابية، قال رئيس حزب «الوطنيين الأحرار» النائب دوري شمعون لـ«الجمهورية»: «أنا إبنُ الرئيس كميل نمر شمعون الذي كان يضعُ نفسَه في تصرّف رئيس الجمهورية فورَ انتخابه على رغم الخلافات السياسية، فمدرسة كميل شمعون علّمتنا دعمَ الرئيس الماروني والوقوفَ إلى جانبه ليستطيعَ الحكمَ ويستمدّ القوّة، لذلك زرتُ قصر بعبدا ووضعتُ نفسي في تصرّف الرئيس عون».

وأضاف: «منذ أن وطأت قدماي مدخلَ قصر بعبدا، فذلك يعني أنّ صفحة الخلاف طويَت مع عون وأصبحتُ أتعامل معه كرئيس للجمهورية، ورَمينا كلّ الخلافات السابقة، لأنّ التعامل مع عون الرئيس مغاير للتعامل مع عون رئيس «التكتّل» والتيار». وشدّد على أنّ «الإنسان المؤمن يخلعِ كلّ الخلافات لحظة دخوله الكنيسة والجامع ويصلّي، وقصر بعبدا يمثّل لنا رمزَ لبنان ورأس الجمهورية» .

وعن تصريحاته السابقة في حقّ عون، قال شمعون: «هذا كان قبل انتخابه وزيارتي بعبدا ولقائي به، أمّا الآن فنحن ندعم رئيسَ الجمهورية».

وأوضَح شمعون أنّه لم ولن يطلبَ حقائب وزارية من عون أو الحريري، وقال: «هناك عدد من الطامعين بالسلطة «يربَحون جميلة» رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف بأنهم انتخبوهما وسمّوهما ويريدون في المقابل وزارات، أمّا نحن، فحزب كميل شمعون ولا نسعى لأخذ مراكز في السلطة» .