بوتيرة سريعة تعكس استعجال الدفع نحو تشكيل حكومة جديدة على نار الزخم الذي اكتسبه انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية مطلع الاسبوع، تبدأ اليوم الاستشارات النيابية للتأليف التي يجريها الرئيس المكلف سعد الحريري وينهيها غداً بفارق ستة أيام فقط بين انتخاب الرئيس عون وبدء الرئيس الحريري مهمته في تأليف الحكومة. ولعل التطور البارز الذي اكتسب دلالة مهمة في اليوم الثاني والختامي من الاستشارات التي أجراها رئيس الجمهورية تمثل في الغالبية الواسعة التي حازها الرئيس الحريري رئيساً مكلفاً والتي شكلت شبه اجماع على تكليفه إذ سمّاه 112 نائباً فيما امتنعت كتلة "الوفاء للمقاومة" (13 نائباً) والنائب البعثي عاصم قانصوه عن تسميته. هذه الغالبية الواسعة تعيد الحريري الى رئاسة الحكومة من الباب العريض مطلع العهد العوني الذي شكل الحريري رافعة اساسية لوصوله بما يشيع انطباعات أن عملية التأليف قد لا تكون معقدة بالقدر الذي يخشاه البعض اذا استمرت وتيرة الاجواء السائدة على زخمها وخصوصاً بعد الخرق الذي شكله موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس في موضوع التكليف وتسميته الحريري بالتوافق بينه وبين "حزب الله". كما ان لقاء الرئيس عون والرئيس بري شكل كسراً لجليد العلاقة بينهما وبدء مناخ دافئ بفعل انضمام كتلة بري الى مؤيدي تكليف الحريري من منطلق "ايفاء دين بري للحريري منذ صرح انه معه ظالماً أو مظلوماً" كما صرح رئيس المجلس من قصر بعبدا.
الحريري مكلفاً
في أي حال، سارع الرئيس الحريري فور تكليفه الى ترجمة هذه الأجواء باعلانه العناوين العريضة لـ"حكومة وفاق وطني تتخطى الانقسام السياسي مستندة الى اجماع كل القوى السياسية حول خطاب القسم (للرئيس عون) بكل مندرجاته" وحدد أبرز هذه العناوين "بوضع حد لمعاناة الوطن والمواطنين وانجاز قانون انتخابي يؤمن عدالة التمثيل ومعالجة الازمات المعيشية والاقتصادية". كما حرص عقب جولته على رؤساء الحكومة السابقين ووصوله الى "بيت الوسط" وسط احتفالات الابتهاج بتكليفه التي عمت معظم المناطق على ابراز تفاؤله بعهد الرئيس عون وكذلك بالاستشارات التي سيجريها اليوم وغداً في مجلس النواب. وقال: "لقد أثبتنا اننا كلبنانيين قادرون على ان نستنبط الحلول"، مشدداً على ان الحكومة ستتشكل والانتخابات النيابية ستجري في موعدها "والخير لقدام". وأعرب عن ثقته بأن كل الأفرقاء السياسيين "بمن فيهم الرئيس بري الذي كان متعاوناً راغبون في رؤية عهد الرئيس ميشال عون ناجحاً من البداية". وأضاف: "هذا عهد جديد يجب ان نعطيه فرصة والحكومة ستضم كل الأطراف ويجب ان ننفتح وان نتكلم بعضنا مع البعض". وتوقع الحريري ان يكون تشكيل الحكومة سريعاً مع مشاركة الجميع في الحكومة. وتلقى رئيس الوزراء المكلف مساء اتصالاً هاتفياً من الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند هنأه فيه بتكليفه تشكيل الحكومة الجديدة وتمنى له التوفيق في مهمته.
ووسط أجواء الفرح التي سادت "بيت الوسط"، إستطلعت "النهار" أجواء زوار الرئيس الحريري الذين تابعوا طوال النهار وحتى ساعات الليل آفاق المرحلة التي ستلي الاستشارات النيابية التي سيجريها الرئيس المكلف اليوم وغداً في ساحة النجمة. وفي رأيهؤلاء الزوار أن ولادة الحكومة الجديدة لن تتأخر بفعل الدينامية التي ترافق التطورات منذ إنتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية. وذهب أحد هؤلاء الزوار الى القول إن التشكيلة الحكومية باتت واضحة منذ أيام وهناك "رتوش" يتناول بعض الحقائب. وفي المعطيات الأساسية ان هناك توزيعاً للحقائب يأخذ في الاعتبار فريق الرئيس عون وإيجاد صيغة متوازنة للنصف المسيحي من الحكومة تأخذ في الاعتبار وزن العهد و"القوات اللبنانية" والنسبة المسيحية الوازنة في كتلة "المستقبل" والمرجعيات المسيحية التي لها كلمة خارج التصنيف الحزبي. وتردد ان هناك مرجعية دينية مسيحية في بيروت تريد ان يكون للطائفة كلمة في تمثيل العاصمة.
أما في المقلب الاسلامي، فيرى هؤلاء الزوار ان المشاركة الشيعية صارت محسومة بفاعلية بعد تسمية الرئيس بري الرئيس الحريري. وتقدر الترجيحات ان تكون وزارتا المال والطاقة من حصة هذا الفريق. ويحرص زوار الحريري على القول ان رئيس الوزراء المكلف يبتعد حالياً عن الدخول في تفاصيل من يراه مناسباً ليكون فريقه الحكومي وذلك حرصاً على إنضاج الصورة الكاملة التي تأخذ في الاعتبار الفريق الوزاري للنائب وليد جنبلاط.
ويخلص هؤلاء الوزراء الى القول إن أجواء التسهيل تتفوق على أجواء التعقيد مما يعني ان موضوع التأليف هو مسألة أيام.
"طي صفحة الماضي"
وفي المقابل، أبدى رئيس مجلس النواب أمام زواره ارتياحه الى لقائه رئيس الجمهورية أمس ووصفه بأنه كان ودياً.
وقال: "لمست عند الرئيس مناخاً إيجابياً في مناقشة ومقاربة ملفات ملحة عدة ومتراكمة في البيئة والنفايات. ويبقى التوجه الجدي عنده وعندي أيضاً هو التوصل إلى إعداد قانون للانتخاب قبل نهاية ولاية المجلس وهذا ما لمسته أيضاً عند الرئيس المكلف".
وكان الرئيس سعد الحريري قد شكر بري على تسميته إياه وأجرى اتصالاً هاتفياً به.
وأفاد بري أن تسميته للحريري كانت محل ترحيب وتقدير عند الرئيس عون وقال: "قررنا طي صفحة الماضي بكل ما حملته من خلافات وتباينات واتفقنا على فتح صفحة جديدة".
وأضاف: "إن الأهم عند الرئيس هو استعجاله تأليف الحكومة وهذا هو توجهي أيضاً وأريدها أمس قبل اليوم ولذلك أوعزت إلى الدوائر المعنية في مجلس النواب ليباشر الرئيس المكلف الاستشارات النيابية بدءا من غد (اليوم) وتستكمل السبت".
وسئل بري كيف ستكون مشاركتك في الحكومة، فأجاب: "انتظر ما سيعرض علي والنيات حسنة وسأبادلها بأحسن منها ولا يجب أن تبرز تعقيدات تؤخر تشكيل الحكومة وانا في انتظار ما سيعرض علينا وعندها نبني على الشيء مقتضاه ونأخذ القرار المناسب".