حسمت مشاورات اليوم الأوّل بين رئيس الجمهورية ميشال عون والكتل النيابية تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة الجديدة المنتظرة، على أن يستكمل الرئيس مشاوراته مع الكتل الباقية والنوّاب المستقلين اليوم، ولا سيّما كتلتا «الوفاء والمقاومة» و«كتلة التنمية والتحرير».
ولم تعد مواقف الكتل خافية، في ظلّ تأكيد حزب الله عبر أكثر من قناة نيّته عدم تسمية الحريري لعدّة أسباب. فيما أكّدت مصادر قوى 8 آذار لـ«الأخبار» أن الرئيس نبيه برّي سيسمّي الحريري اليوم، لعدّة اعتبارات أيضاً، منها حرص رئيس المجلس على «ميثاقية» تكليف رئيس الحكومة، وتأكيدات برّي السابقة بالوقوف إلى جانب الحريري، على الرغم من امتعاضه من انفراد رئيس تيار المستقبل بانتخاب عون، من دون التنسيق معه.
ومن المتوقّع أن ينال الحريري نسبة عالية من أصوات النّواب، باستثناء أصوات حزب الله، وصوتي نائبي حزب البعث العربي الاشتراكي، اللذين أعلنا أمس عدم تسميتهما أي رئيس حكومة. فيما لم يعرف بوضوح موقف نائبي الحزب السوري القومي الاجتماعي، اللذين وضعا تسميتهما في عهدة رئيس الجمهورية، مع وجود إحراج لدى الحزب بتسمية الحريري أسوة بموقف حزب الله، بسبب استمراره بذات المواقف تجاه سوريا والمقاومة.
وإذا كان تكليف الحريري قد سار سريعاً، في ظلّ شبه إجماع على تسميته، إلّا أن مسألة تكليف الحكومة سريعاً في ظلّ التجاذب الحالي، يبدو تفاؤلاً في غير محلّه، خصوصاً أن غالبية القوى السياسية تؤكّد أن البحث الجدي في تقاسم الحقائب وتوزيعها بين الكتل السياسية والمناطق لم يُتَّفَق عليه مسبقاً، فضلاً عن أن عدد الوزراء في الحكومة لم يحسم بعد، إذا كانت حكومة موسّعة من 30 وزيراً أو من 24. وفي وقت تؤكّد فيه غالبية القوى السياسية، ولا سيّما رئيس الجمهورية والحريري نيّتها تشكيل حكومة وحدة وطنية لإشراك ما أمكن من القوى السياسية فيها، برز أمس موقف معرقل من رئيس حزب القوات اللبنانية برفضه تشكيل حكومة وحدة وطنية، معتبراً في مقابلة مع الزميل وليد عبّود على قناة أم. تي. في. أنّ من «غير الضروري أن يتمثّل الجميع، حتى تكون الحكومة منتجة».
التفاصيل المعقّدة لتشكيل الحكومة، والصعوبات التي من الممكن أن يواجهها الحريري، لا تعني وجود سلبية كبيرة بين مختلف الفرقاء، ولا سيّما أن الأجواء بين عون وبرّي بدأت تبرد مع انتهاء مرحلة الانتخاب، ورغبة برّي في تسهيل المهمة أمام رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المنتظر، ردّاً على اتهامه بالعرقلة. ويبرز أيضاً القناة التي تفعّلت في اليومين الماضيين بين مستشار الحريري نادر الحريري ووزير المالية علي حسن خليل، في تطوّر أوّلي على بدء النّقاش بين برّي والحريري. وأكّدت مصادر قوى 8 آذار، ما تكرّر خلال الأيام الماضية، عن أن حزب الله وحركة أمل سيخوضان مرحلة التفاوض الحكومي عبر برّي، وإذا كان العرض المقدّم من الحريري مرضياً لبرّي، فسيشارك الثنائي أو يستمر التفاوض لحين الوصول إلى الصيغة المناسبة، مع تأكيد المصادر أنه إذا لجأ بري إلى خيار المعارضة فسيكون حزب الله حكماً إلى جانبه.
ويمكن القول إن غالبية القوى السياسية، ولا سيّما عون وتيار المستقبل وثنائي حزب الله وأمل، يبحثون عن تمثيل وزاري خارج طوائفهم. ويتردّد أن رئيس الجمهورية يرغب في تضمين حصّته كرئيس للجمهورية وزيراً سنيّاً أو درزياً، فيما يرغب الحريري في تضمين حصّته وزيراً مسيحياً، يقال في الصالونات السياسية إنه مستشاره الوزير السابق غطّاس خوري، وأن عون لا يمانع، بسبب دور خوري في التفاوض بين الفريقين في خلال المرحلة الماضية. وفي بال الثنائي المطالبة بوزير سنّي، لم يحسم اسمه بعد بانتظار حصص المناطق وحسب الظروف، للاختيار بين النائب فيصل كرامي والوزير السابق عبد الرحيم مراد. ويحرص ثنائي أمل وحزب الله على التمسّك بتمثيل رئيس تيّار المردة سليمان فرنجية، وبحسب ما تقول مصادر 8 آذار، فإن الحريري حريص أيضاً على تمثيل فرنجية، في ظلّ العلاقة الوديّة التي باتت تجمع الطرفين، ولحفظ ماء الوجه لفرنجية على أبواب الانتخابات النيابية، على الرغم من سلبية العلاقة مع عون، حتى الآن، خصوصاً أن فرنجية لم يشارك أمس في لقاء كتلته مع رئيس الجمهورية. كذلك قالت مصادر «وسطية» إن حزب القوات اللبنانية يضع «فيتو» على توزير النائب أسعد حردان، في وقت يحرص فيه ثنائي أمل وحزب الله على تمثيل الحزب القومي، وما أبلغه التيار الوطني الحر للحزب القومي، عدم ممانعته لتوزير قومي «مسيحي». كذلك أكّدت مصادر 8 آذار، أنه إذا جرى اعتماد حكومة من 30 وزيراً، سيكون حكماً للنائب طلال أرسلان مقعد وزاري، مع إشارة أكثر من مصدر إلى أن التفاوض بين جنبلاط والحريري، وجنبلاط وعون، حول حصّة الحزب التقدمي الاشتراكي لم يبدأ بعد.
وحملت مقابلة جعجع أمس، أكثر من إشارة سلبية حول موقفه من الحكومة، ولا سيّما مطالبته بوزارة المالية، التي يتمسّك بها برّي، بعد أن وصلت إلى معراب أصداء رفض حزب الله وبرّي والتيار الوطني الحر والحريري حصول القوات على أي حقيبة سيادية، ولا سيّما الحقائب الأمنية، وأرجحية أن تبقى المالية في عهدة بري والداخلية في عهدة المستقبل وتكون الدفاع من حصّة رئيس الجمهورية، والخارجية من حصة تكتل التغيير والإصلاح. ورغم موقف رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الواضح بشأن فضل حزب الله في «الانتصار الرئاسي» للعماد عون، كرّر جعجع معزوفة محاولة الإيقاع بين عون وحزب الله، بالقول إن الحزب لم يكن يريد وصول عون إلى قصر بعبدا، معطياً لنفسه الفضل بانتخاب رئيس الجمهورية. كذلك حاول جعجع تفسير خطاب قسم الرئيس بما يشتهي، ونفيه التزام عون المقاومة التي وردت في خطابه، وتفسيرها بأنها «مقاومة الدولة» وليس مقاومة حزب الله.