اتخذت الاستشارات النيابية الملزمة التي بدأها أمس رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لتكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة الجديدة دلالات سياسية بارزة بعد ثلاثة ايام فقط من انتخاب الرئيس عون. اذ ان الدينامية السريعة التي اتبعها الرئيس عون لاستعجال بت الاستحقاق الحكومي بتكليف الحريري وشروع الاخير في الاستشارات النيابية للتأليف أدت الى تظهير مشهد متطور بسرعة بين جلسة الانتخاب الرئاسي وبدء الاستشارات لتكليف الحريري تمثل بتسمية 86 نائباً الحريري في اليوم الاول من الاستشارات لرئاسة الحكومة بما يتيح توقع أكثرية كبيرة ستفضي اليها الاستشارات في نهايتها اليوم. واذا كانت هذه الاكثرية الواسعة التي نالها الحريري ستكفل له مبدئياً زخماً سياسياً قوياً للانطلاق في مهمته، فان البعد السياسي البارز الآخر الذي عكسه مناخ المرونة بين الرئيس عون ومعارضي انتخابه الذي ظهر في الاستشارات والذي بدا بمثابة انعكاس لخطاب القسم الرئاسي الذي قوبل بارتياح من معظم الافرقاء السياسيين.
وبذلك يبدو واضحا ان نتائج الاستشارات صارت في حكم المحسومة لجهة تكليف الرئيس الحريري اليوم، لكن اكتمال المشهد بات متوقفا على " التركيبة " او "الوصفة " السرية التي سيحملها رئيس مجلس النواب نبيه بري الى القصر الجمهوري في الجولة الختامية من الاستشارات ظهر اليوم. ذلك ان الاكثرية الكبيرة التي سينالها الحريري لن تكفل وحدها الغطاء السياسي الشامل ما لم يحمل بري المخرج للغطاء الشيعي الثنائي للحكومة الجديدة وخصوصاً اذا جاء التكليف مشوبا بثغرة امتناع الثنائي "امل" و"حزب الله" عن تسمية الحريري. واتخذ هذا الجانب من الاستشارات بعده البارز في ظل ارجاء "كتلة الوفاء للمقاومة" موعد لقائها مع الرئيس عون من البارحة الى اليوم لاستكمال التنسيق مع الرئيس بري الذي يبدو واضحاً انه يحمل تفويضاً تاماً من الحزب لايجاد المخرج المناسب ونقل الموقف النهائي في شأن التكليف اليوم الى رئيس الجمهورية. وقالت أوساط وثيقة الصلة بالمشاورات التي استمرت طوال أمس بين بري وقيادة الحزب لـ"النهار" ان المشكلة الميثاقية التي كادت ان تحصل مع بداية الاستشارات أمكن تداركها بارجاء "كتلة الوفاء للمقاومة" موعد لقائها مع الرئيس عون الى اليوم، علماً ان "حزب الله" لم يسم مرة لا الرئيس رفيق الحريري ولا الرئيس سعد الحريري لتشكيل الحكومة. لكن الاوساط تحدثت عن موقف ايجابي سيتخذه بري لم تعرف طبيعته، علماً ان الاتصالات استمرت ليلاً وتردّدت معلومات عن احتمال اتجاه رئيس المجلس الى توفير تسمية شيعية للحريري لا تزيل تماماً ما وصف بـ"ربط النزاع" مع عملية تشكيل الحكومة من غير ان تتضح أي تفاصيل عن المخرج المحتمل.
في أي حال تبدو تسمية الحريري التي رست في اليوم الاول على 86 نائباً مرشحة لتجاوز المئة نائب اليوم مع الكتل والنواب المستقلين الآخرين الذين سيشملهم اليوم الثاني وفي حال تسمية كتلة بري للحريري فان النتيجة ستناهز 109 نواب باعتبار ان 13 نائبا لـ"حزب الله " ونائبين من حزب البعث العربي الاشتراكي سيمتنعون عن تسمية الحريري.
وعلمت "النهار" من مصادر كتلة "المستقبل" ان لقاء الكتلة أمس مع الرئيس عون كان إيجابياً جداً ومميزاً أكد خلاله رئيس الجمهورية التعاون مع الرئيس سعد الحريري. وركّز الرئيس عون على خطاب القسم الذي ألقاه بعد إنتخابه ولا سيما منه ما يتعلق بالدولة وبناء المؤسسات، مؤكداً العزم على السير على هذا الطريق لبلوغ أهدافها. وقد تمنت الكتلة للرئيس عون نجاح عهده مع الحكومة التي رشحت لتأليفها الرئيس الحريري.
وأوضحت المصادر ان عدد الذين سيسمّون الرئيس الحريري سيتجاوز اليوم 90 نائباً من دون إحتساب موقف الرئيس بري الذي سيتضح في الساعات المقبلة.ولفتت الى ان تقديرات الكتلة في آخر إجتماعاتها تفيد ان لا مدة تأليف الحكومة لن تتجاوز أربعة أسابيع.

 

بان وعون
في غضون ذلك، نقل مراسل "النهار" في نيويورك علي بردى عن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي - مون قوله لـ"النهار" إنه اتصل بالرئيس العماد ميشال عون وهنأه بانتخابه رئيساً للجمهورية في لبنان، مضيفاً أنه "أجرى محادثة هاتفية جيدة جداً" مع الرئيس المنتخب.
وأمل أن " يعمل الزعماء اللبنانيون على تأليف الحكومة المقبلة التي سيكون على عاتقها معالجة التحديات التي تواجه البلاد". وأفاد أنه أكد لعون أن "استقرار لبنان مهم للغاية للأمن والإستقرار الإقليميين". وأثنى على "كرم لبنان باستضافته لمئات الآلاف من اللاجئين السوريين والفلسطينيين".
وكان مقرراً أن يشارك وكيل الأمين العام للشؤون السياسية جيفري فيلتمان عصر أمس بتوقيت نيويورك في تقديم احاطة عن التقرير الأخير الخاص بالقرار 1559 الى أعضاء مجلس الأمن في جلسة مغلقة. وعلمت "النهار" من ديبلوماسيين رفيعين في مجلس الأمن أن نائب المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة فلاديمير سافرونكوف "اقترح دمج الإحاطتين المنفصلتين حول القرارين 1559 و1701 في شأن لبنان بإحاطة واحدة. غير أن المندوب الفرنسي الدائم فرنسوا دولاتر الذي تتولى بلاده دور القيادة في الشؤون اللبنانية داخل المجلس لم يوافق على الإقتراح"، علماً أن دولاً كبرى أخرى "لا ترى مانعاً في ذلك".
وفهم أن فرنسا "غير مقتنعة بدوافع الإقتراح" لدى روسيا التي "تكرر هذا الطلب منذ مدة لأن القرارين متعلقان ببلد واحد، هو لبنان. بينما "تشدد فرنسا على أن الموضوعين مختلفان"، فضلاً عن أنها "لا تريد أن يساء تفسير الأمر على أنه تقليص للوقت المخصص للبنان في عناية مجلس الأمن على رغم تزايد القضايا المدرجة على جدول أعماله".