تمرُّ علاقات الرياض والقاهرة، في هذه الآونة، بأزمة عميقة، قياساً بتاريخ هذه العلاقات التي بقيت مستقرة في أغلب الأحيان، على الرغم مما هو معروف من تقلبات العلاقات العربية العربية، وتغير التحالفات فيها بشكل شبه دائم. 
ولئن كان صحيحاً أن التصويت المصري، أخيراً، في مجلس الأمن، بشأن مشروعي قرارين، فرنسي وروسي بشأن حلب، قد أثار حفيظة الرياض والدوحة وعواصم أخرى، فإن من الصحيح أيضا أن السياسة الخارجية المصرية تتخبط، ولا تلوي على شيء، منذ عهد الرئيس أنور السادات، وذلك في سياق عملية إعادة تشكيل النظام الإقليمي الجارية على قدم وساق، والتي انطلقت منذ زيارته للقدس عام 1977، وتكاد تكتمل الآن أغلب ملامحها في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي. 
الجديد في الأزمة في العلاقات بين الرياض والقاهرة مقارنةً بسابقاتها، أن الخلاف الراهن بينهما بشأن التصويت في مجلس الأمن هو قمة جبل الجليد الذي يخفي صراعاً أكبر يتمحور حول الموقف من قضايا متداخلة، أولها الأزمتان السورية والعراقية، اللتان يمكن اختزالهما في موضوعي حلب والموصل، المدينتين البوابتين لإعادة تشكيل النظام الإقليمي برمته. وثانيها قضية "مكافحة الإرهاب السنّي". وثالثها شكل التحالفات الخارجية لكل من السعودية ومصر، لاسيما نمط العلاقة مع المحور الروسي- الإيراني، وشكل العلاقة مع تركيا. ورابعها أولوية التعامل مع خطر إيران والمليشيات الشيعية المتحالفة معها، سواء في سورية أو العراق أو لبنان أو اليمن، في مقابل تركيز النظام المصري على إضعاف أي نفوذ للإسلاميين في المنطقة، خصوصاً في سورية وليبيا وغزة، سلميين كانوا أو راديكاليين. 
وإذ تنجرُّ أغلب النظم السياسية العربية، بوعي أو بدونه، نحو معركة "الحرب على الإرهاب السنّي"، وتتبنّى بشكل شبه كامل مفردات الأجندة الدولية الغربية الروسية الإسرائيلية الإيرانية، في القضاء على ما تبقى من آثار الثورات العربية، في حالٍ يعكس عجزاً عربياً غير مبرَّر، فإن ذلك يطرح تساؤلاتٍ مشروعة بشأن مستقبل المنطقة العربية، وجامعة الدول العربية التي باتت تنتظر إعلان وفاتها، من دون أن يجرؤ أحد على ولوج هذا الباب الذي يخفي خلفه مخاوف رسمية عربية من اليوم التالي لذلك الإعلان ونتائجه. 
ولأن خلافات الرياض والقاهرة تصاعدت، على غير العادة، إلى الإعلام والدبلوماسية والتلويح 
 بالبدائل المتاحة أمام كل طرف، اقتصاديا وسياسيا، بل وحتى بالعقوبات إن لزم الأمر، فإن تفسير هذه الأزمة مركَّب من عدة عناصر أو مستويات؛ فالأزمة، هذه المرة، ذات أصول داخلية وعربية وإقليمية. 
فعلى الصعيد الداخلي، تتصاعد مآزق البلدين اجتماعياً واقتصادياً، وتبرز مؤشرات مقلقة، ما يؤثر على الرؤية الخارجية لهما، لا سيما في اضطراب الرؤية، بشأن الخصوم والأعداء والأصدقاء، سواء في الإقليم أو العالم. 
عربيا، يكاد الإطار العربي يشهد أسوأ حالات تشرذمه، منذ تأسيس جامعة الدول العربية عام 1945؛ فقد أتت موجة الثورات المضادة والانقلابات في المنطقة، منذ منتصف عام 2013، على الأخضر واليابس، وأدخلت عدو العرب الأول (الكيان الإسرائيلي) إلى قلب تفاعلات ما كان يسمى "النظام العربي"، فباتت، في نظر بعضهم، حليفاً يمكنه موازنة تقدّم الدور الإيراني المضطرد منذ سقوط بغداد تحت الاحتلال ربيع عام 2003. وغني عن البيان أن تل أبيب حليف موهوم، معروفة سياساتها الانتهازية والعنصرية، لمن ألقى السمع وهو شهيد. ناهيك بالطبع عن حالة سيولة واضطراب غير مسبوقةٍ في العلاقات العربية العربية، وصلت إلى كل المناطق الفرعية العربية من المشرق إلى المغرب، مرورا بالقلب والوسط، فضلا عن غياب أية زعامة عربية حقيقية، تستطيع توفير ملامح لمشروع عربي مستقبلي؛ إذ لا مشروع للعرب، بعد إجهاض الموجة الأولى من الثورات العربية، عبر الآليات القمعية الديكتاتورية، وتفشّي نزعة طائفية انقسامية شديدة الخطورة، وتحويل أغلب الانتخابات العربية إلى أداةٍ لتحديث السلطويات العربية القديمة. 
أضف إلى ذلك، تحالف نظم عربية مع دولتين تمارسان اختراقاً واضحاً للمنطقة العربية (إسرائيل وإيران، على اختلاف أدواتهما ومشاريعهما الإقليمية)، واتباع بعض العرب أساليب دعائية في التعبير عن "تضامن عربي" موهوم أو "أمن قومي عربي"، لا يريد أحد الوفاء بمتطلباته، بعباراتٍ براغماتية ممجوجة، من قبيل "مسافة السكة". 
على الصعيد الإقليمي، تجري عملية معقدة لإعادة توزيع الحصص بين إيران وتركيا أساساً، في انعكاسٍ للشكل الجديد في العلاقة الأميركية الروسية وشبه التوازن البازغ في الملفين السوري والعراقي، مع احتمال تفوقٍ إيراني آنيٍّ على تركيا، استناداً إلى توافقاتٍ مع موسكو وواشنطن حول ترك الأذرع المليشاوية التابعة لإيران، لكي تستكمل مهامها، في مقابل رغبة أميركية روسية في تحجيم دور أنقرة في المنطقة العربية، سواء بوضع قيودٍ على عملية درع الفرات شمالي سورية، أو انخراط تركيا في معركة الموصل، أو تقديم الدعم للأكراد في المنطقة، في مقابل انخراطهم في المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وهذا كله مما يمهّد مجمل المنطقة للتقسيمات والمحاصصات المقبلة، والتي لم تعد ملامحها سرّاً مكنوناً، ولا لغزا مبهما. 
بيد أن الغريب فعلا، أن انعطاف مصر إلى التقرب من إيران، ومن ورائها روسيا، بالتزامن 
 مع إشاراتٍ تقرب بعض العواصم الخليجية من إسرائيل، وتزايد ظاهرة "المتصهينين العرب"، إنما يحدث بالضبط في وقتٍ أصبح إنهاك العرب وجامعتهم أكثر من واضح للعيان. وهو ربما يدلّل على أن بقاء هذا الوضع العربي المتداعي مطلوبٌ دوليا، وذلك لإحداث قدرٍ من التوازن بين كل من نفوذ إيران وإسرائيل في المنطقة العربية؛ أي أن النظام الدولي لن يسمح غالباً بانهيار كامل للمنظومة العربية الراهنة التي ولدت في كنف ذلك النظام أساساً، وإنما يبقى مطلوباً أن تستمر توازنات الضعف العربية الحالية إلى حين، بهدف إنهاك العواصم العربية الأهم، الرياض وبغداد ودمشق والقاهرة، فيما يجري دعم إيران والكيان الإسرائيلي بدرجاتٍ متفاوتة، لكي تكتمل معادلات النظام الإقليمي الجديد الذي يضعف كلاً من العرب والأتراك في المقابل. 
وعلى الرغم من كل ما تقدم، لا ينبغي أبدا أن يستسلم العرب، خصوصاً غير الرسميين منهم، لهذا السيناريو الكارثي، والذي انفتحت أبوابه أساساً بسبب إجهاض مشروع الثورات العربية الذي كان واعداً، قبل أن ينقلب عليه المنقلبون والطائفيون والانتهازيون. 
ختاماً، ثمّة قول واجب، هو أن على مراكز الفكر والأبحاث والمثقفين والإعلاميين العرب العمل لضبط هذا الخلاف السعودي – المصري، حتى لا يتجذّر أكثر، والعمل على تقليل آثاره على مستقبل المنطقة وشعوبها، عبر رؤية لها شقان؛ يؤكد أحدهما على أهمية الهوية العربية والعلاقات بين الشعوب العربية والحفاظ عليها، بعيدا عن الانهيارات العربية الرسمية. وإذا كان البعد السياسي أو التنظيمي أو المؤسساتي العربي يتآكل، فلا أقل من الحفاظ على البعد الثقافي والهوياتي لهذه المنطقة العربية الذي يبقى أساساً صالحاً للبناء عليه في المستقبل البعيد. 
أما الشق الآخر فهو ضرورة وقف التراشق الإعلامي على وسائل التواصل الاجتماعي، وعدم الانجرار إلى معارك وخلافات المحاور العربية العقيمة التي استنزفت جل الطاقات الرسمية والشعبية فيما لا يفيد، في وقتٍ يجري فيه الآن تقرير مصير قضايا استراتيجية عربية أكثر أهمية، منها مصير حلب والموصل وصنعاء وطرابلس الغرب، ناهيك عن قضية القدس والأقصى وانتفاضة الضفة الغربية المخذولة فلسطينيا وعربيا.