لم يكن رئيس المجلس النيابي نبيه بري يحتاج لإثبات نفسه كمايسترو للبرلمان، كما بدا في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية. هذا هو بري يزداد "أستذة" في إدارة السلطة التشريعية. عواصم العالم التي تهتم بالشأن اللبناني تعرف ان رئيس المجلس سياسي من الطراز الاول، رفعت من درجات الإعجاب بقدرته على ضبط الايقاع المجلسي والداخلي. هذا ما قاله سفراء عرب واجانب حضروا جلسة الانتخاب. كان هناك من ينتظر "ليعلّم" على بري أنه إنحاز في مهمته الى خياره الانتخابي الداعم لرئيس تيّار "المردة" النائب سليمان فرنجية، لكن السياسيين المخضرمين كانوا يعرفون ان "مايسترو" المجلس يميّز بين رأيه ودوره. هذا هو نبيه بري ضابط الايقاع في أصعب الظروف التي مرّ بها لبنان منذ عام 2005. هو نفسه يدير الدّفة السياسية بمزيد من الحكمة التي عمّدته التجربة ريادياً فيها. تخيلوا لو لم يكن بري رئيساً لتلك الجلسة الشهيرة. تخيلوا المشهد البرلماني. هذا ما يردده الناس وعرب تابعوا جلسة الانتخاب. هم ينتظرون جلسات المجلس لمشاهدة مطرقة رئيسه والاستماع اليه حاضراً عند كل كبيرة وصغيرة. يحسده رؤساء البرلمانات. يتعلمون منه. هذا ما يقوله له دوماً نظراؤه في اجتماعات جنيف البرلمانية الدولية.
الحال ينطبق على يوميات السياسة اللبنانية. هو نفسه نبيه بري رجل الحوار الذي جمع المتخاصمين، ودوّر الزوايا. هو نفسه صلة الوصل. جربّه اللبنانيون في الحرب والسلم. تميّز في إدارة المقاومة السياسية خلال الحرب التي شنتها اسرائيل عام 2006 على لبنان. ونجح في صياغة كل تسوية داخلية.
كان بمقدوره ان يعطّل النصاب في جلسة الانتخاب الاخيرة. كان التعطيل في جيبته. لكنه لم يفعل. هذا دليل حسّي على الاولوية الوطنية لديه قبل موقفه تجاه فريق او تيار. بدا من اول الجلسة الى وداعه رئيس الجمهورية المنتخب العماد ميشال عون مسؤولاً قلّ نظيره. أحاط برعايته العهد الجديد في أولى خطواته. ثم اشاد بخطاب الرئيس عون. وجد فيه مساحة تجمع كل اللبنانيين. عتبُ رئيس المجلس على من يحيط برئيس الجمهورية، الى حد قوله: حمى الله الرئيس عون ممن يحيط بِه.
دور بري ممر إلزامي لنجاح العهد الجديد والحكومة العتيدة. لا يمكن ان ينجح رئيس الجمهورية من دون تنسيق مع رئيس المجلس. الأسباب ليست شخصية مزاجية. هي الواقعية والمنطقية اللبنانية. مدّ بري يده لرئيس الجمهورية بصدق، بعدما لمس في خطاب عون ما يفرض مدّ اليد. المسألة لا تتعلق بهوى شخصين ولا بعاطفة موجودة او مفقودة. القضية ترتبط بمصلحة بلد ينتظر مواطنوه قانوناً انتخابياً جديداً سبق ان كانت آراء حركة "امل" و"التيار الوطني الحر" حوله اكثر تقارباً وانسجاماً لاستيلاده على قاعدة النسبية. المسألة أيضاً تتعلق بمواطنين يأملون من العهد الجديد أن يلبي طموحاتهم المعيشية والاقتصادية. الامر لن يتحقق من دون استقرار سياسي كما بدا في اولوية خطاب القسم. ذاك الاستقرار السياسي مدخله تعاون صادق بين أركان السلطتين التشريعية والتنفيذية. هذا هو لبنان. تركيبته لا تتحمل إستبعاداً ولا تباينات. عندها سيقضي العهد وقته من دون انتاج يلبي مطالب الشعب.
يمثل بري حالة وجدانية وسياسية وشعبية ووطنية وقومية. لا يستطيع احد نكران ذلك. اساساً ليس بمقدور أي فريق داخلي استعداء حركة "أمل". هنا ايضاً يلعب التحالف المتين بين الحركة و"حزب الله" دوره. سيُترجم ذلك في التأليف الحكومي. بري معبر إلزامي. هو على استعداد للعب دور المعارضة كما قال. لكن هذا الدور الذي يجيده بري، كما تثبت تجارب مطلع الثمانينات، لن يعود بالنفع لا على العهد الجديد ولا على الحكومة العتيدة. الانطلاقة تحتاج لدفع. والدفع اللبناني لا يتحقق من دون التكامل مع بري. راجعوا المحطات التاريخية القريبة والبعيدة. عدا عن ان لبنان لا تختصره إتفاقات جانبية. يحتاج دوماً للم الشمل، والجمع يبقى منقوصاً من دون بري.