إنطلقت عجلة الورشة لبناء الدولة الجديدة بتحالفات سياسية جديدة
السفير :
أما وإن العماد ميشال عون استقر في قصر بعبدا، فقد أتى دوره للإيفاء بـ «السند السياسي» الذي يتوجب عليه لـ «نصفه الآخر» الرئيس سعد الحريري. لا مكان للمفاجآت او الصدمات هنا أيضا.
وكما أن عون فاز برئاسة الجمهورية قبل الانتخاب نتيجة «الترتيبات المسبقة»، برغم محاولات التشويش والتشويه، فإن الحريري سُمي لرئاسة الحكومة قبل التكليف رسميا، ولعله باشر في وضع مسودات الحكومة الجديدة.
هي تسوية «الاقتراض المتبادل» على قاعدة «خذ وهات»، والمهم الا يفوق الدين السياسي العام، المترتب على «القروض الرئاسية»، قدرات الاطراف الداخلية على التسديد. أما الاطراف الخارجية فان ما خفي من أدوارها وحساباتها بدأ يتكشف تباعا.
وغداة التهنئة ـ الغنية بالدلالات ـ التي تلقاها الجنرال من الرئيسين الايراني والسوري، هنّأ الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز ووزير الخارجية الاميركي جون كيري أمس عون بانتخابه رئيسا للجمهورية، ما يؤشر الى وجود تغطية اقليمية ـ دولية لهذا الانتخاب، سابقة او لاحقة، معطوفة على رغبة بعض القوى الخارجية، لاسيما الرياض، في ان تحقق نوعا من «التوازن الوقائي» مع المحور المضاد الذي بدا وكأنه حقق انتصارا سياسيا مع وصول الجنرال الى قصر بعبدا.
فقد اتصل الملك سلمان بالرئيس عون، مهنئا بانتخابه، ومتمنيا له التوفيق والنجاح في مسؤولياته الوطنية الجديدة.
وأكد سلمان حرص السعودية على الوحدة الوطنية بين اللبنانيين وعلى العلاقات الاخوية التي تجمع بين البلدين الشقيقين، مؤكدا اهتمام السعودية بلبنان واللبنانيين.
وشكر عون الملك السعودي على تهنئته، مقدراً للسعودية حرصها على تشجيع اللبنانيين على التلاقي والوحدة، ومتمنيا ان تستمر بدعم لبنان في المجالات كافة.
في ظل هذا المناخ، فان الاستشارات النيابية الملزمة الاربعاء والخميس باتت شكلية، ومن باب تأكيد المؤكد، لاسيما ان أحدا لا ينافس رئيس «تيار المستقبل» على كرسي السرايا، تسليما بمفاعيل «الخلطة السحرية» التي افضت الى تبادل الدعم بين الحريري وعون، وعدم ممانعة «حزب الله» في عودة الحريري الى رئاسة الحكومة.
ويمكن القول إن التحدي الحقيقي والاصعب إنما يبدأ مع مباشرة الرئيس المكلف في تأليف حكومة «التوازنات الصعبة»، حيث سيكتشف الحريري سريعا، على سبيل المثال لا الحصر، ان الرئيس نبيه بري استبدل «الارانب» بـ «الثعالب»، ما يستوجب من رئيس «المستقبل» ان يكون مستعدا لملاقاة «الوجه الآخر» لبري، خصوصا ان استراتيجيته التفاوضية ستحظى بدعم تام، يصل الى حد التفويض، من «حزب الله».
الحريري.. والتحديات
ولعل من بين الاسئلة المتداولة، عشية التكليف المتوقع:
ـ هل سيطل الحريري من نوافذ السرايا بطبعة او ربما بطبيعة جديدة، ام انه سيكون امتدادا لتجربته السابقة؟
ـ هل المراحل التي مرّ فيها منذ خروجه من السلطة دفعته الى اجراء مراجعة نقدية لكل ما مضى، وبالتالي الى أي حد استفاد من دروس الماضي واستخلص العبر اللازمة؟
ـ أين سيكون موقعه من الرئيس عون عندما يبدأ الاحتكاك بالقضايا الحساسة، والى أي مدى سيستطيع تجنب تكرار ثنائية أميل لحود ـ رفيق الحريري؟
ـ ما مدى قدرته على الفصل بين عواطفه وخياراته السياسية من جهة ومسؤولياته وواجباته كرئيس للحكومة من جهة أخرى؟
المقرّبون من الحريري يرجحون ان يعتمد الرجل خيار «الواقعية السياسية» في مقاربة مرحلة ما بعد التكليف، سواء على مستوى التأليف او على مستوى التعامل مع الملفات السياسية المعقدة.
وفق هؤلاء، ليست لدى الحريري العائد الى السلطة بعد هجرة قسرية نيّة في المجابهة والتصعيد، بمعزل عن بعض المواقف العلنية، والأرجح ان علاقته بـ «حزب الله» سترتكز على معادلة «ربط النزاع» التي اعتمدها مع الحزب على طاولة الحوار الحزبي وفي هيئة الحوار الوطني وحكومة تمام سلام.
ثم ان وجود عون في رئاسة الجمهورية سيشكل عنصرا محوريا في توازنات المشهد السياسي الذي يعاد تركيبه، وأغلب الظن ان الجنرال المتفاهم مع «الحزب» و «المستقبل» سيكون بمثابة ضابط إيقاع لاحتمالات صعود وهبوط «الضغط» في جسم العلاقة المريضة بين حارة حريك وبيت الوسط.
كما ان الحزب والحريري سيكونان معنيين، كلٌ انطلاقا من حساباته، بتسهيل مهمة الجنرال وعدم احراجه او استنزافه باكرا.
في كل الاحوال، لا ينتظر الحريري من «حزب الله» ان يسميه لرئاسة الحكومة، لكن موقف بري يهمه، وهو يأمل في ان يحصل على أصوات كتلة التنمية والتحرير حتى لا يكون تكليفه مشوبا بعيب «النقص الميثاقي».
ثم انه لن يكون سهلا على الحريري، كما على عون، ان تفتقر شرايين حكومة العهد الاولى الى «كريات الدم» الشيعية. وعليه، لا مفر امام الحريري من «إرضاء» بري مهما غلا الثمن، إذا أراد لحكومته ان تنطلق من دون أي «تشوّه خلقي»، وإلا فانها ستكون «كيس الملاكمة» الذي سيستخدمه رئيس المجلس في ممارسة «رياضة المعارضة».
وخلال اجتماع كتلة المستقبل النيابية أمس لوحظ ان الحريري اعتمد لغة لطيفة واستيعابية حيال بري، مشددا على الدور المهم لرئيس المجلس، ومشيرا الى ان أجواء عين التينة آخذة في التحسن. ودعا أعضاء الكتلة الى مقاربة الموقف من رئيس المجلس بإيجابية، مشيرا الى انه يبذل جهده لإصلاح ما أفسده الاستحقاق الرئاسي في العلاقة مع بري.
كما شدد الحريري على ان صفحة جديدة فُتحت مع «التيار الوطني الحر»، لافتا الانتباه الى ضرورة تفعيل التواصل مع نواب تكتل «الاصلاح والتغيير».
ولعل من أولى مفاعيل انتخاب عون وانطلاقة العهد الجديد خلو بيان كتلة «المستقبل» أمس، خلافا للعادة، من الهجوم المباشر على «حزب الله»، بل ان اسم الحزب لم يرد كليا في البيان الذي خُصص الجزء الاساسي منه للإشادة بخطاب الرئيس المنتخب، حتى يكاد يخال للمستمع ان الكتلة اجتمعت في الرابية وليس في بيت الوسط، وان من ترأسها باسيل لا الحريري.
ومن العلامات الفارقة في اجتماع كتلة «المستقبل» جلوس النائب «العائد» عقاب صقر في مقعد النائب «النازح» أحمد فتفت الذي يبدو انه خرج ولم يعد، بعد ذهابه بعيدا في معارضة خيار الحريري بدعم ترشيح عون.
وأعلنت الكتلة عن ترشيحها الحريري لتولي رئاسة الحكومة الاولى للعهد، مشيرة الى انها تتطلع الى نتائج ايجابية للتعاون بين عون والحريري انسجاماً مع أحكام الدستور واتفاق الطائف.
نصيحة بري
وأوضح بري امام زواره امس انه طلب ان يكون موعده مدرجا في آخر لائحة الاستشارات النيابية الملزمة، حتى يختصر ما هو مطلوب منه في زيارة واحدة، بدل ان يصعد الى القصر الجمهوري ثلاث مرات خلال يومين، مرة بصفته رئيسا للمجلس ومرة كرئيس لكتلة نيابية ومرة أخرى للاطلاع على حصيلة الاستشارات.
وأشار الى انه سيترأس اليوم اجتماعا لكتلة «التنمية والتحرير»، لافتا الانتباه الى انه ليس هناك من قرار نهائي بعد لدى الكتلة او «حزب الله» في شأن تسمية رئيس الحكومة المكلّف.
وأوضح انه تلقى مساء البارحة اتصالا هاتفيا من الرئيس فؤاد السنيورة أبلغه خلاله ان كتلة «المستقبل» رشحت الحريري الى رئاسة الحكومة.
واعتبر بري ان تسمية الرئيس المكلف شيء سواء كنا مع او ضد تكليف الحريري، وعملية تأليف الحكومة شيء آخر، وبالتالي فان موقفي من المشاركة او عدمها يتوقف على طبيعة الطرح الذي سيقدم إليّ.
واعتبر بري ان خطاب القسم جيد، مشيرا الى ان الجنرال كان هادئا خلال الجلسة الانتخابية، وهو ظهر انه لكل اللبنانيين، وتابع: الله يحميه ممن حوله.. وعلى حد علمي، المجلس النيابي انتخب شخصا واحدا هو عون.
وأكد بري ان حرصه على المشاركة في جلسة الانتخاب وعدم تعطيل نصابها لا يقل أهمية عن انتخاب الحريري لعون، مشددا على انه لولا موقفه ما كانت الجلسة لتلتئم وبالتالي ما كان الجنرال ليُنتخب.
خيار جنبلاط
الى ذلك، قال النائب وليد جنبلاط لـ «السفير» إن اللقاء الديموقراطي سيسمي الحريري، داعيا الى تشكيل حكومة وحدة وطنية تتسع للجميع، حتى تكون قادرة على التصدي للتحديات التي تواجه لبنان.
النهار :
حظي رئيس الجمهورية ميشال عون في يومه الرئاسي الاول بمزيد من الاهتمام الدولي، واسترعى الانتباه الاتصال المسائي الذي تلقاه من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود مهنئاً إياه بانتخابه، مؤكداً وقوف المملكة العربية السعودية مع لبنان ووحدته، "متمنياً لفخامته التوفيق وللجمهورية اللبنانية وشعب لبنان الشقيق الرخاء والاستقرار".
كما حظي بلفتتين دوليتين أولها من مجلس الامن الذي دعا الى الاسراع في تأليف حكومة وحدة وطنية، والثانية من وزير الخارجية الاميركية جون كيري الذي هنأه في اتصال بانتخابه وأعرب له عن "وقوف الولايات المتحدة الاميركية الى جانب لبنان والتزامها دعم الجيش اللبناني في مواجهته للارهاب وسعيه لتعزيز الاستقرار". وأشار كيري الى ان بلاده "كما المجتمع الدولي، يتطلعان الى تشكيل حكومة جديدة في اقرب وقت ممكن".
أما مجلس الأمن، فقد حضّ الزعماء اللبنانيين على البناء على انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية للإسراع في تأليف حكومة وحدة وطنية والإستعداد لإجراء الإنتخابات النيابية بحلول أيار المقبل. بيد أن رسالته الأهم تمثلت في مطالبته كل الأطراف بـ"إعادة التزام سياسة النأي بالنفس" عن الأزمة السورية، بما يتفق و"بيان بعبدا".
وذكر البيان الذي أعدت مشروعه فرنسا وأجمع عليه سائر الأعضاء، بكل القرارات والبيانات الرئاسية لمجلس الأمن حول الوضع في لبنان، بما فيها بيان 22 تموز 2016، مشدداً على "دعمه القوي لسلامة أراضي لبنان وسيادته واستقلاله السياسي، بالتطابق مع القرارات 1701 و1680 و1559.
ورأى المجلس أن "صون استقرار لبنان مهم للأمن والإستقرار الإقليميين"، مستعيداً "مطالباته السابقة لكل الأطراف اللبنانيين بإعادة التزام لبنان سياسة النأي بالنفس والإمتناع عن أي تورط في الأزمة السورية، بما يتفق والتزامهم بيان بعبدا".
وعبر عن تقديره لمجموعة الدعم الدولية للبنان، ودعا المجتمع الدولي، بما في ذلك المنظمات الدولية، الى ضمان استمرار الدعم للبنان في معالجة التحديات الاقتصادية والأمنية والإنسانية التي تواجه البلاد. كما جدد دعمه للمنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ، وشجعها على "مواصلة مساعيها الحميدة في هذه الفترة الحرجة بالنسبة الى لبنان، بالتنسيق الوثيق مع مجموعة الدعم الدولية".
الاستشارات
واليوم يبدأ رئيس الجمهورية الاستشارات النيابية الملزمة ويستكملها غداً لتسمية رئيس الوزراء المكلف. وقد حدّد آخر موعد في الاستشارات للرئيس نبيه بري، وتم هذا الامر بالتنسيق بين بروتوكول مجلس النواب والدوائر المعنية في القصر الجمهوري.
وأفادت مصادر رئيس المجلس أن بري طلب ان يكون في آخر المواعيد، لئلا يضطر الى زيارة القصر الجمهوري ثلاث مرات، بحكم موقعه رئيسا للمجلس، ثم رئيساً لكتلة "التنمية والتحرير"، وأخيراً ليطلعه الرئيس ميشال عون على حصيلة الاستشارات.
وسيعقد بري اجتماعاً لكتلته اليوم لاتخاذ القرار المناسب. وكان الرئيس فؤاد السنيورة أبلغه في اتصال أمس اعلان كتلة "المستقبل" تسميتها الرئيس سعد الحريري لرئاسة الوزراء. ونقل زوار بري عنه ان لا قرار لديه و"حزب الله" حتى الآن بتسمية الذي سيختارانه لرئاسة الحكومة. وعزا كل ما يتردد عن توحيد موقفه والحزب في هذه النقطة الى انه "في كل الاستحقاقات لتأليف الحكومة كان موقفنا واحداً". وسئل عن امكان اقدام كتلته على تسمية الحريري، فأجاب بسؤال: "هل هناك مرشح آخر؟ من هو؟"
وفي آخر المعطيات المجمعة والتي توافرت لـ"النهار" عن الاستشارات الآتي:
أعلن "تكتل التغيير والاصلاح" (20 صوتاً) أمس دعمه ترشيح الرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة، كذلك فعلت "كتلة المستقبل" النيابية (33 صوتاً). ومن المتوقع ان ييحصل أيضاً على تأييد كل من "كتلة القوات اللبنانية" (8 نواب) وكتلة الكتائب" (5). ورجحت المصادر المتابعة لـ "النهار" ان تحذو كتلة "لبنان الحر الموحد" (4) برئاسة النائب سليمان فرنجية حذوها، اضافة الى "اللقاء الديموقراطي" (11)، وقال النائب عاصم قانصوه إنه "قد تكون للضرورة أحكام".
أما بالنسبة الى الثنائية الشيعية، فلا تتوقع المصادر أصلاً ان يتجه "حزب الله" الى تسمية الرئيس الحريري لرئاسة الحكومة وهو لم يفعل ذلك سابقاً سواء مع الحريري الاب أو الابن منذ العام 1992، الا انها ترجح ان يمضي الرئيس بري، على رغم التباعد الحاصل، بتسمية الحريري لعدم تعميق الشرخ الحاصل معه واظهار موقف الثنائية الشيعية كأنه موجه ضد الطائفة السنية وخصوصاً بعد الكلام السابق عن "العودة الى ميثاق العام 1943 والثنائية" المارونية السنية. وأكدت المصادر ان بري سيحصل على حصة وازنة في الحكومة المقبلة، وينوي "حزب الله" كما دوماً التنازل من حصته لارضاء بري والمحافظة على التضامن الشيعي.
وأكدت المصادر المتابعة ان طلب بري عدم حضوره أول الاستشارات ثم حضوره مع كتلته في اليوم الاول، لا يعود الى مواعيد سابقة أو أسباب أمنية كما قالت مصادره، بل يدخل في سياق الموقف المعترض، ولعدم اعلان موقفه في الترشيحات باكراً، افساحاً في المجال لمزيد من الاتصالات. وعلمت "النهار" ان نواب "كتلة الوفاء للمقاومة" لم يتبلغوا حتى مساء أمس قرار الحزب، لكنهم على الارجح لن يعلنوا أمام الاعلام قرارهم، بل سيتركونه في عهدة الرئيس عون حتى مساء الخميس في انتظار بلورة موقف بري.
ومع ذلك، رجحت المصادر ان تنسحب "المرونة" في الانتخاب على التكليف أولاً، وعلى التأليف تالياً في ظل رغبة لدى كل الاطراف في عدم التحول حجر عثرة أمام العهد الجديد في انطلاقته.
لكن الرئيس برّي ظل على تحفظه، ونقل زواره أمس انه تتناهى اليه بعض المواقف المحيطة بعون والتي لا تساعد رئيس الجمهورية في رأيه. ولذا بعث برسالة عاجلة الى القصر الجمهوري: "الله يحمي الرئيس ممن حوله". واتبعها بأخرى: "نحن انتخبنا شخصاً واحداً لرئاسة الجمهورية هو العماد عون" في اشارة الى الوزير جبران باسيل الذي حضر مع الرئيس أمس بعضاً من لقاءاته.
المستقبل :
أما وقد طوى لبنان صفحة الشغور والشعور بوصمة الفراغ التي لطخت سمعة الوطن طيلة عامين ونصف العام، فإنّ هاتف قصر بعبدا استعاد خلال 24 ساعة حرارته العربية والدولية لتتوالى معها اتصالات التهنئة بانتهاء الأزمة الرئاسية، وأبرزها أمس اتصال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بالرئيس ميشال عون لتأكيد وقوف السعودية «مع لبنان ووحدته»، أعقبته برقيتا تهنئة من ولي العهد الأمير محمد بن نايف وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. بينما كانت واشنطن قد عبّرت على لسان وزير خارجيتها جون كيري للرئيس المنتخب عن «التزامها دعم الجيش اللبناني» وللرئيس سعد الحريري عن تقديرها للدور الوطني الذي لعبه في سبيل إنهاء الشغور الرئاسي. وإلى الملف الحكومي تنتقل بوصلة الحدث اللبناني اليوم مع انطلاق الاستشارات النيابية المُلزمة في القصر الجمهوري، على أن تنتهي صباح الغد بتكليف الحريري تأليف حكومة العهد الأولى بموجب أكثرية نيابية وازنة داعمة لتوليه سدة الرئاسة الثالثة.
وعشية الاستشارات، أعلنت كتلة «المستقبل» النيابية ترشيحها الرئيس الحريري لتولي رئاسة الحكومة العتيدة، متطلعةً مع انطلاق العهد الجديد إلى «نتائج إيجابية للتعاون بين الرئيسين عون والحريري انسجاماً مع أحكام الدستور واتفاق الطائف»، سيما وأنّ الكتلة التي اجتمعت أمس في بيت الوسط برئاسة الحريري نوهت «بالمضمون الإيجابي لخطاب القسم وعلى وجه التحديد ما جرى التأكيد عليه لجهة احترام الدستور والقوانين والتمسك بتنفيذ وثيقة الوفاق الوطني، والسعي لتعزيز الوحدة الوطنية وتحييد لبنان عن صراعات المنطقة والتأكيد على دور الجيش اللبناني في الدفاع عن لبنان، واحترام المواثيق والقرارات الدولية وميثاق جامعة الدول العربية، وضرورة سلوك طريق الإصلاح». وعلى الأثر، تلقف تكتل «التغيير والإصلاح» ترشيح الحريري معلناً «التأييد الفوري« لتسميته رئيساً للحكومة حسبما أكد رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل عقب ترؤسه اجتماع التكتل في الرابية أمس، موضحاً أنّ «هذه التسمية طبيعية لا تحتاج إلى تبرير وليست تسوية«، وأردف قائلاً: «أصواتنا ستكون كلها لدولة الرئيس الحريري لأنه اعترف بنا، وأي صعوبة ستواجهه سنقف معه لحلها. أما من يرفضنا فسنرفضه، هذا النهج سنعتمده ليكون لدينا مبدأ متساوٍ بمفهومنا لتطبيق الميثاق ونأمل أن تصل الاستشارات بسرعة الى تسمية الرئيس الحريري لنبدأ سريعاً بتأليف الحكومة«.
الملك سلمان
بالعودة إلى اتصال خادم الحرمين برئيس الجمهورية، فقد أعلن كل من القصر الجمهوري ووكالة «واس» السعودية ليلاً أنّ الملك سلمان هنأ خلال الاتصال عون بانتخابه رئيساً مؤكداً حرص المملكة العربية السعودية على لبنان ووقوفها معه ومع وحدته، بينما شكره عون على تهنئته مقدّراً للسعودية حرصها على تشجيع اللبنانيين على التلاقي والوحدة، ومتمنياً أن تستمر المملكة بدعم لبنان في المجالات كافة.
وذكرت وكالة الأنباء السعودية (واس) مساء أن ولي العهد الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز آل سعود نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية بعث برقية تهنئة للرئيس عون بمناسبة انتخابه رئيساً للجمهورية اللبنانية، قال فيها: «يسعدني بمناسبة انتخابكم رئيساً للجمهورية اللبنانية، أن أعرب لفخامتكم عن أصدق التهاني، وأطيب التمنيات بدوام الصحة والسعادة، والمزيد من الرقي والازدهار لشعب الجمهورية اللبنانية الشقيق«.
كما بعث ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع برقية تهنئة للرئيس عون قال فيها: «يطيب لي بمناسبة انتخابكم رئيساً للجمهورية اللبنانية، أن أبعث لفخامتكم أصدق التهاني، وأطيب التمنيات بدوام الصحة والسعادة، والمزيد من التطور والازدهار لشعب الجمهورية اللبنانية الشقيق«.
كذلك تلقى رئيس الجمهورية اتصال تهنئة أمس من وزير الخارجية الأميركية أكد له خلاله «وقوف الولايات المتحدة الأميركية إلى جانب لبنان والتزامها دعم الجيش اللبناني في مواجهته للإرهاب وسعيه لتعزيز الاستقرار«، مع إشارته إلى أنّ «واشنطن كما المجتمع الدولي يتطلعان إلى تشكيل حكومة جديدة في أقرب وقت ممكن«. في حين شدد عون على «أهمية استمرار المساعدات الأميركية للجيش« وضرورة «الوصول إلى حل سياسي سريع للأزمة السورية« باعتبار ذلك «سينعكس إيجاباً على الوضع في لبنان من مختلف جوانبه لا سيما في ما خص إيجاد حل لمأساة النازحين السوريين فيه«.
كما تلقى عون مساءً، اتصالاً هاتفياً من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون هنأه فيه بانتخابه وتداول معه في أوضاع المنطقة، فأبدى رئيس الجمهورية أمله بأن «تستمر المنظمات التابعة للأمم المتحدة بدعم لبنان على مختلف الصعد«.
كيري يتصل الحريري
وكان كيري قد اتصل أمس بالرئيس الحريري هنأه خلاله على انتخاب عون رئيساً للجمهورية وعلى الدور الذي لعبه في وضع حد للشغور الرئاسي. بينما أعرب الحريري لوزير الخارجية الأميركية عن تفاؤله بأنّ اكتمال النصاب الدستوري سيسمح بإعادة تفعيل المؤسسات والشروع بمواجهة التحديات العديدة التي يواجهها لبنان واللبنانيون.
الديار :
انتهت 8 و14 آذار، واصبح هنالك خريطة سياسية جديدة على الساحة اللبنانية مع انتخاب فخامة الرئيس العماد ميشال عون، ذلك ان ترشيح الرئيس الحريري للرئيس العماد ميشال عون قلب موازين القوى، اضافة الى ان تمسك حزب الله بالرئيس العماد ميشال عون بعد سنتين وخمسة اشهر من الفراغ مرشحاً للرئاسة، واصراره على ذلك جعل حزب الله المنتصر في معركة رئاسة الجمهورية، وأجبر زعيم 14 اذار سعد الحريري على الخضوع لهذا الترشيح. واذا كان الرئيس سعد الحريري قد ايّد ترشيح الرئيس عون لرئاسة الجمهورية لكن الحريري قال في خطابه اثناء اجتماع كتلة المستقبل النيابية انه يؤيد ترشيح الرئيس العماد عون، ورفض كتابة عبارة ان كتلة المستقبل ترشح العماد عون لرئاسة الجمهورية، ورغم تأييد الرئيس الحريري لترشيح الرئيس العماد ميشال عون فان حزب الله لم يسم الحريري لرئاسة الحكومة دون ان نعرف ما هو موقف الرئيس نبيه بري وحركة امل بالنسبة لتسمية الحريري وتكليفه تشكيل الحكومة ام لا. واذا كان موقف حركة امل هو الموقف نفسه الذي سيتخذه حزب الله، لكن رغم ذلك فان الرئيس الحريري سينال 95 صوتاً لتكليفه تشكيل الحكومة. واصبحت هنالك تحالفات جديدة، ومنها ان الوزير بطرس حرب سيصبح قريباً جداً من الرئيس سعد الحريري وسيتحالف شمالاً مع الوزير سليمان فرنجية، بينما ستدور معركة عنيفة بين الرئيس العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع من جهة والوزير فرنجية في الشمال في دوائر بشري «محسومة» وزغرتا والكورة والبترون وطرابلس وعكار والمنية على قاعدة تحالفات جديدة، لان موقف خالد الضاهر الذي ايّد فخامة الرئيس العماد ميشال عون قلب الموازين، وهو ان خالد الضاهر اجتمع مع ضابط سوري ثم اتخذ قراره بتأييد العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، كذلك هنالك خرق سياسي كبير حققه الوزير اشرف ريفي، انما رئيس الحكومة الاسبق نجيب ميقاتي يستعد لمعركة طرابلس هذه المرة، وسيقودها هو شخصياً بدلاً عن الرئيس سعد الحريري، لكن بالتحالف مع الوزير السابق محمد الصفدي وقوى اخرى، وستحصل في طرابلس معركة حادة جداً وليست سهلة مثل انتخابات البلدية.
اما بالنسبة للعنصر الشيعي فهو يرجح في مناطق عديدة، في جبيل هناك 12 الف صوت شيعي من شأنهم ان يرجحوا الكفة وخصوصاً ان حركة امل وحزب الله متفقان هذه المرة نيابياً في كل المناطق وقد يضع الرئيس بري فيتو على مرشح شيعي اذا كان جبران باسيل قد اختار مرشحاً شيعياً في جبيل، وطبعاً يكون حزب الله مع بري. وهنا يؤدي العنصر الشيعي الدور المرجح في المعركة الانتخابية.
اما في كسروان، فان تحالف العونيين والقوات اللبنانية سيكون الاقوى. لكن ملامح تأليف اللائحة عبر مرشح مستقل آخر ينضم الى لائحة القوات اللبنانية والعونيين غير محسوم حتى الآن، مع العلم ان العميد المتقاعد المغوار شامل روكز سيترشح في كسروان وله شعبية كبيرة فيها تجعله يصل الى مجلس النواب بسهولة.
اما في المتن الشمالي، فخريطة المعركة هي ان العونيين والقوات اللبنانية سيشكلان لائحة مشتركة ضد الرئيس امين الجميل. وهذه المرة قرر الرئيس العماد عون والدكتور جعجع انهاء حزب الكتائب في المتن الشمالي وضرب نفوذ الرئيس الاسبق امين الجميل، لانهم يعتبرون موقفه في انتخابات الرئاسة «متذبذب». وهناك من يقول ان الحلف القواتي والعوني قد يضم الياس المر للائحة وعندها يصبح وضع حزب الكتائب صعباً جداً.
اما في المتن الجنوبي، العنصر الشيعي هو المرجح بنسبة كبيرة ويصل عدد المقترعين الشيعة الى 22 الف صوت، وهنا يؤدي تحالف الرئيس بري والوزير جنبلاط مع حزب الله الدور الاكبر واذا تحالف حزب الله والرئيس بري فان الصوت الشيعي الذي يصل الى 22 الف صوتاً سيرجح المعركة، اضافة الى دروز منطقة المتن الجنوبي، وصولاً الى صاليما حيث ان جنبلاط سيؤيد الرئيس بري بهذه المعركة ولذلك اذا كان الجو متوتراً بين الرئيس العماد ميشال عون والرئيس نبيه بري بسبب الوزير جبران باسيل نائب رئيس الجمهورية، فان المعركة ستكون شرسة في المتن الجنوبي، فعدد اصوات الناخبين الدروز يصل الى 18 الف صوت والشيعة 22 الف صوت، وعدد المسيحيين 54 الف صوت، وهناك تكون المعركة شرسة، لكن الرئيس العماد عون يريد ان يتفاهم مع الرئيس بري والنائب جنبلاط على معركة المتن الجنوبي، وسيحاول ابعاد جبران باسيل عن تأليف اللائحة.
وبالنسبة لعاليه، سيتحالف جنبلاط مع العونيين والقوات اللبنانية في منطقة عاليه. اما في الشوف فسيتحالف جنبلاط مع الرئيس عون والدكتور جعجع. وعلى الارجح، فان نائبي اقليم الخروب سيعودان هما ذاتهما ، لان الرئيس الحريري يريد التفاهم مع جنبلاط مهما كلف الامر. ولذلك فجنبلاط راض عن إعطاء الحريري حصة في اقليم الخروب، ومعركة الشوف ستكون بقيادة وليد جنبلاط.
اما في الجنوب، فان حركة امل وحزب الله اي العنصر الشيعي سيكون كاسحاً، وفي البقاع الشمالي - الشرقي، والبقاع الاوسط، فان العنصر الشيعي سيكون له الدور الاكبر، لكن في القطاع الاوسط يصل عدد الناخبين السنّة الى 20 الف صوت يحدد مصير لائحة زحلة الى حد ما اذا اختلف المسيحيون فيما بينهم، لان الرئيس الحريري وسامي الجميل يريدان التحالف في زحلة فيما الرئيس عون والدكتور جعجع يريدان ان يخوضا المعركة معاً في تلك المنطقة. ويعتقد الرئيس عون انه سيساهم مع الحريري على حلحلة موضوع زحلة.
التوتر يزداد بين بري ونائب رئيس الجمهورية باسيل
لكن التوتر يزداد يوماً بعد يوم بين الرئيس نبيه بري وبين نائب رئيس الجمهورية جبران باسيل عبر تصريحاته، واذا اشتعل الفتيل عبر تشكيل الحكومة ودور جبران باسيل، فان الرئيس نبيه بري سيذهب الى زيارة الرئيس العماد ميشال عون في بعبدا ويطلب منه حسم الامور، إما التفاهم بين الرئيسين عون وبري وتحجيم دور نائب رئيس الجمهورية جبران باسيل وإما خوض المعركة بينهما على مساحة لبنان كلها. وهنا سيكون صعباً على العماد عون التخلي عن نائبه جبران باسيل ولكن الذي سيلعب الدور الاكبر في ايجاد وضعية جديدة هو حزب الله الذي سيوقف المفاوضات الثنائية في عين التينة بين التيار الوطني الحر وحزب الله ويبلغ عون انه يثق بالوزير جبران باسيل ولكن هنالك حدود لحركة الوزير باسيل يجب ان يلتزم بها واهمها ان لا تحصل مجابهة في المواقف والتصريحات والخطابات الاستفزازية من باسيل ضد مواقف الرئيس نبيه بري، وسيسأل بري الرئيس العماد عون هل ان ما يقوله الوزير جبران باسيل هو بأمر منه، ام ان باسيل يتصرف بوكالة عن عون وفق مزاجه.
ثم هنالك بيروت، فالمنطقة المسيحية فيها سيكتسحها تيار الرئيس عون والقوات والطاشناق والارمن، ولن تكون هنالك حصة للحريري في تلك المنطقة، وهناك شرط وضعه الدكتور سمير جعجع هو ابعاد النائبة نايلة تويني عن النيابة في الاشرفية، اما في بيروت الغربية، فسيحسم الامر الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل لكن مع اعطاء نائب شيعي للرئيس بري او لحزب الله، ولم يعد هناك فرق في الامر، فاصبح الكلام عن الرئيس بري وحزب الله كلام من الماضي، بل ان هنالك جبهة واحدة بين الحزب والحركة، وسيعطي الحريري وزيرا درزياً لجنبلاط ومع ان الوزير غازي العريضي لم يتصرف يوماً خارج ولاء الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، فهنالك كلام كثير عن جنبلاط له مآخذ على الوزير العريضي، ولا احد يعرف من سيكون المرشح الدرزي في بيروت. مع العلم انه حتى هذه اللحظة وضمن الحزب الاشتراكي واللقاء الديموقراطي، فان جنبلاط يشرك الوزير غازي العريضي في اكثرية المفاوضات والمهمات.
المشكلة الاقتصادية
وفي المجال الاقتصادي هنالك مشكلة حقيقية. واذا كان الرئيس بري قام بالجهد الكبير لإقرار قوانين مالية في مجلس النواب وقدم بعضاً منها مصرف لبنان ووزارة المالية فان هنالك مشكلة الثقة بالدولة. وما لم يقم الرئيس عون والرئيس سعد الحريري والحكومة بتقديم خطة عمل وبرنامج حكم، فان الثقة ستبقى مفقودة وستبقى الودائع في المصارف 190 مليار دولار، لانه اذا حصلت الثقة عند المواطن بان الحكومة جدية وستقوم بعصرنة الاقتصاد اللبناني اذ ان مؤسسات الدولة اقتصادياً متخلفة 20 سنة عن الدول العادية. ومن يرى الدوائر المالية والعقارية وعمل المرفأ ومطار بيروت الدولي والصناعة والزراعة كلها متخلفة، بالاضافة الى الدوائر المالية وموضوع الفرز والضم الذي ما زال يكتب على الورق ودون مكننة كاملة، فان المواطن لن يكون له ثقة في الدولة ولن يتجرأ على سحب امواله من المصارف للاستثمار، وسيبقي على امواله في هذه المصارف دون سحبها وعدم الاستثمار وتحريك الوضع الاقتصادي اللبناني. واذا استطاعت رئاسة الجمهورية اللبنانية والحكومة اللبنانية ومجلس الوزراء تقديم برنامج عمل وثقة للاقتصاد، فيرتفع النمو بنسبة 4% . واذا لم تقم الحكومة بتقديم خطة عمل عبر بيانها الوزاري باعطاء وعود دون برنامج عمل وتحقيق جدول اعمال ومواعيد بتنفيذ خطوات اقتصادية عصرية، فان الاقتصاد اللبناني سيبقى كما هو ويتراجع الى الوراء.، لكن الامل كبير بعهد الرئيس العماد ميشال عون، وكذلك الامل كبير في فكر الرئيس سعد الحريري اقتصادياً وكرجل اعمال، وعليهما واجبات، واذا لم يفعلا ذلك فلن يتقدم الاقتصاد، وعندهما فرصة للتقدم بوجود 190 مليار دولار كودائع في المصارف اللبنانية، اضافة الى الغاز والنفط المكتشف في البحر اللبناني والبر كي يستثمرون وننطلق باقتصاد يلغي الفقر الذي انتشر في لبنان بنسبة 85%.
الجمهورية :
بعد عبور البلاد أزمة الاستحقاق الرئاسي، بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، ما أشاع أجواء ارتياح في الداخل والخارج، تبدأ اليوم رحلة تكليف الرئيس سعد الحريري تأليفَ الحكومة التي تنتهي غداً، ليبدأ بدوره تأليفَ أولى حكومات العهد الجديد، في ظلّ توقّعات بأن يكون مخاضها طويلاً، ومخاوفِ كتلة «المستقبل» التي رشّحت الحريري لرئاسة الحكومة من عرقلة مهمّتِه، وتشدُّد رئيس مجلس النواب نبيه بري في موقفه من الحريري على خلفية أدائه في مرحلة الترشيح، فيما نادى «حزب الله» بحكومة وحدة وطنية، شأنه شأن تكتّل «التغيير والإصلاح» الذي طالبَ بأن تكون «وفق معايير واضحة أبرزُها الصفة التمثيلية»، كما سمّى التكتّل الحريري لرئاسة الحكومة، وأكّد أنّ «هذه التسمية طبيعية لا تحتاج إلى تبرير وليست تسوية، بل التسوية الحقيقية هي أنّه عندما يعترف بنا أحد، بموقفنا وتمثيلنا، سنعترف به بنحو طبيعي، من يقبلنا نقبل به وتلقائياً». وأعلنَ أنّ كلّ أصوات «التكتّل» ستصبّ «من دون أيّ صوت ناقص» لمصلحة الحريري، «فنحن عندما نعطي نعطي كاملاً، ولا نسمح بأيّ خَلل». وفي هذه الأجواء، برَزت زيارة رئيس مؤسسة الانتربول نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والداخلية السابق الياس المر إلى «بيت الوسط» بعد ظهر أمس حيث التقى الحريري وعرَض معه للتطوّرات السياسية الراهنة، وقد استبقاه الحريري إلى مائدة الغداء.
أمّا وأنّ التكليف قد بات محسوماً للحريري، فإنّ الأنظار بدأت تشخص إلى مرحلة التأليف، والسؤال المطروح الذي يبحث عن إجابة يتركّز حول المدى الزمني الذي ستستغرقه ولادة الحكومة، وكيف سيتمكّن الرئيس المكلّف من تذليل العقبات التي قد تؤخّر هذه الولادة.
أسئلة مطروحة
وفي هذا السياق، تُطرَح أيضاً أسئلة عدة وملِحّة، أبرزُها: كيف سيتصرّف الحريري بعد التكليف، وأيّ برنامج سيطرحه، وهل سيَعتمد منطق التصلّب أم سيذهب إلى «تنازلات» متبادلة مع القوى الأخرى؟ وكيف سيتجاوز «عقدة» حزب الله الذي هو أحد المكوّنات التي ستشارك في الحكومة؟ هل سينفتح عليه أم أنّ المتاريس ستظلّ قائمة بينهما؟ وما هي نتيجة ذلك إنْ بقيَ الحال على ما هو عليه؟
وكيف سيتجاوز الحريري «عقدة» برّي، وكلُّ ما يحوط بعين التينة يشير إلى امتعاض لدى رئيس المجلس النيابي من أداء الحريري في مرحلة الترشيح؟ وماذا لو طالَ أمد التأليف وتُرجم احتمال الفشل؟ وكيف سيكون الحال حينئذٍ؟
الحكومة التي ستُشكّل عمرُها الفعليّ بضعة أشهر لا تزيد عن أيار المقبل، وكلّما طالَ زمن التأليف قصرَ عمر الحكومة، فأيّ حكومة ستكون في بداية العهد؟ وهل إنّ حكومة مبتورة تشكّل انطلاقةً قوية له؟ أم أنّها تقدّم علامة كَسرة معنوية له أوّلاً ولأهل الحكومة ثانياً، وللبلد بالدرجة الأولى؟
كلّ الاحتمالات واردة، وليس في الإمكان رسمُ صورة واضحة عمّا سيؤول إليه الواقع السياسي.
فالرئيس عون هو أكثر حماسةً لإطلاق عهدِه بشعاراته الكبرى، إصلاحاً وتغييراً، وبالتالي أيّ نوع من العراقيل قد تعترض مسارَ انطلاقة العهد الجديد؟
هناك من يعتقد أنّ رئيس الجمهورية لن يتأخّر في التقاط المبادرة ومحاولة نفخِ الروح في الجسد السياسي، ووضعِ البلاد بقواها السياسية أمام لحظة المسؤولية التي تتطلّب تنازلات متبادلة، وصولاً إلى وضعِ البلد على السكّة المؤدية إلى برّ الأمان السياسي والأمني والاقتصادي والمعيشي والمالي.
لكنّ السؤال المطروح أيضاً: كيف سينجح العهد وكيف سيبني عون دولةً على الصخر كما وعَد اللبنانيين؟ الأهمّ هو أن لا تبرز في طريق العهد رمالٌ متحرّكة يستعصي بناء الدولة الموعودة عليها.
برّي
وأكّد بري أمام زوّاره أنّ خطاب القسَم كان جيّداً وأنّ عون كان هادئاً طوال الجلسة الانتخابية. وأبدى بري استياءَه من مواقف وتصرّفات بعض المحيطين بعون، وقال: «ألله يحميه ممّن حوله، فالمجلس النيابي انتخبَ شخصاً واحداً هو عون».
وعن موضوع الاستشارات النيابية الملزمة، وهل سيسمّي أحداً لرئاسة الحكومة، قال بري: «لم نتّخذ قراراً نهائياً بعد بالتسمية مِن عدمِها». وأضاف: «نحن وحزب الله في موقفٍ واحد انطلاقاً من محطات سابقة كنّا فيها معاً».
«الحزب»
وعلى مسافة أيام من الكلمة التي سيلقيها الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصر الله بعد ظهر بعد غدٍ الجمعة في احتفال تكريمي، والتي قد يتطرّق فيها إلى الانتخابات الرئاسية والملفّ الحكومي، اعتبَر نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم أنّ أمام الحكومة مهمّتين كبيرتين أساسيتين للعهد الجديد، الأولى: تشكيل حكومة وحدة وطنية لتكون جميع الأطياف السياسية متمثّلة قدر الإمكان فيها، ما يحقّق المشاركة الحقيقية ويساعد على النهوض بلبنان.
والمهمّة الثانية: إقرار قانون انتخابات عادل على قاعدة النسبية، ما يساهم في إعادة إنتاج السلطة بما يعزّز حضور الشعب ورقابتَه على عمل الحكومة.
ووصَف قاسم خطابَ القسَم بأنه «خطاب وطنيّ واستقلالي بامتياز، ويصلح كقواعد وخطط لبرامج عمل سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية»
واشنطن تستعجل التأليف
وفي هذه الأجواء، استعجَلت الولايات المتحدة الأميركية تأليفَ حكومة العهد. وأشار وزير خارجيتها جون كيري خلال اتّصاله هاتفياً بعون لتهنئته بانتخابه رئيساً للجمهورية، إلى أنّ بلاده، كما المجتمع الدولي، يتطلّعان إلى تشكيل حكومة جديدة في أقرب وقتٍ ممكن، مؤكّداً وقوفَ الولايات المتحدة إلى جانب لبنان والتزامَها دعمَ الجيش اللبناني في مواجهته للإرهاب وسعيه لتعزيز الاستقرار.
وكان كيري قد اتّصَل بالحريري لتهنئته بانتخاب عون وبالدور الذي لعبَه في وضعِ حدّ للشغور الرئاسي. وأكّد الحريري لكيري تفاؤله بـ»أنّ اكتمال النصاب الدستوري سيَسمح بإعادة تفعيل المؤسسات والشروع بمواجهة التحدّيات العديدة التي يواجهها لبنان واللبنانيون».
وفي معلومات لـ«الجمهورية» أنّ الاتصال بين كيري وعون دام نحو ربع ساعة، وتناولَ مختلف التطوّرات على الساحتين الداخلية والمنطقة، على المستويات كافة. واستهلّه كيري بتهنئة عون بانتخابه، متمنّياً له التوفيقَ في المهمّات الجسام الملقاة على عاتقه، ومبدياً اهتماماً بالغاً بلبنان والوضع فيه والمنطقة.
وبعدما شرَح عون الخطوات التي باشرَ بها، تمنّى له كيري النجاح في تأليف الحكومة الجديدة في أسرع وقت ممكن لتكتملَ وتنتظمَ العلاقات بين المؤسسات الدستورية بعد مرحلة الشغور التي طالت.
وردَّ عون شاكراً له التهنئة وحجمَ الاستعدادات الأميركية لمساعدة لبنان في هذه المرحلة الصعبة التي يعيشها في محيط متقلّب ومشتعل، مؤكّداً أنّه يولي الأهمّية القصوى في هذه المرحلة لتقوية الجيش وزيادة حجم المساعدات العسكرية الحيوية التي يحتاج إليها نتيجة المهمّات الكبيرة المكلّف بها والملقاة على عاتقه في الداخل وعلى الحدود.
ولفتَ عون إلى «أنّ لبنان شريك فاعل ومتعاون مع عدد من دول العالم في مواجهة الإرهاب، ولذلك فإنّ المؤسسات العسكرية والأمنية تحتاج إلى إمكانات متطوّرة ونوعية تعزّز من تصميمها وقدراتها في هذه المواجهة»، مؤكّداً «جهوزيتَها الدائمة في هذه الحرب».
وفي جانب من الاتّصال، تطرّقَ البحث إلى الوضع القائم في المنطقة، وخصوصاً ما يجري في سوريا. فشرَح كيري الجهود التي تبذلها بلاده مع شركائها في هذا الملف، والسعي إلى حلّ سياسي يؤدّي إلى وقفِ العمليات العسكرية لتجدَ الأزمة حلولها الممكنة.
وردَّ العماد عون متمنّياً نجاحَ هذه المساعي، ومؤكّداً «أنّ مصلحة لبنان كبيرة وحيوية، فأيّ حلّ سياسي للأزمة السورية ينعكس علينا في لبنان إيجاباً من نواحٍ عدة، وأبرزُها وأكبرها خطراً يتجلى في أزمة النازحين السوريين في لبنان، فإلى جانب وقفِ المأساة الإنسانية التي يعيشونها، مِن المهمّ جداً التخفيف من انعكاساتها السلبية التي ينوء لبنان تحتها من النواحي السياسية والأمنية والاقتصادية وخلافها».
وردّ كيري مؤكّداً أنّ بلاده «تسعى بأقصى جهودها سعياً إلى الحلّ في سوريا، وهي لن توفّر فرصة ممكنة للتخفيف من انعكاساتها على لبنان، ليعود معافى وسليماً ومستقرّاً خلال عهدِك وليسترجعَ لبنان هدوءَه الدائم». وخَتم مؤكّداً لعون أنّ بلاده «تدعم بكلّ قواها الخطوات التي ينوي القيام بها في هذا الاتّجاه».
في بعبدا
وكانت الحياة السياسية قد عادت لتدبَّ في أرجاء قصر بعبدا بعد طول انقطاع، حيث بدأ عون نشاطه الرسمي بلقاء قائد الجيش العماد جان قهوجي الذي هنّأه بانتخابه، وعرضَ معه لشؤون المؤسسة العسكرية والأوضاع الأمنية. ووقّع قهوجي مذكّرةً بفصل التشكيلات وعيّن العميد سليم الفغالي قائداً للحرس الجمهوري، على أن يتسلّم مهمّاته في 7 تشرين الثاني الحالي.
وافتتح عون نشاطه الرسمي بلقاء وفدٍ من المطارنة الموارنة موفَداً من البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي لتقديم التهنئة بانتخابه.
الملك سلمان
وتلقّى عون مزيداً من التهاني المحلّية والإقليمية والدولية، وكان أبرزها من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز الذي اتّصَل به هاتفياً وهنّأه بانتخابه وتمنّى له التوفيق والنجاح في مسؤولياته الوطنية الجديدة.
وأفادت معلومات رسمية أنّ العاهل السعودي أكّد لعون «حرصَ المملكة العربية السعودية على الوحدة الوطنية بين اللبنانيين، وعلى العلاقات الأخوية التي تجمع بين البلدين الشقيقين.
وقد شكرَ الرئيس عون العاهل السعودي على تهنئته مقدّراً للمملكة العربية السعودية حرصَها على تشجيع اللبنانيين على التلاقي والوحدة، متمنّياً أن تستمرّ المملكة بدعم لبنان في المجالات كافة. وفي نهاية الاتّصال جدّد العاهل السعودي التأكيد على اهتمام المملكة بلبنان واللبنانيين».
ومِن جهتها أفادت «وكالة الأنباء السعودية» الرسمية أنّ الملك سلمان أكّد لعون «وقوفَ المملكة العربية السعودية مع لبنان ووحدته، متمنّياً لفخامته التوفيقَ وللجمهورية اللبنانية وشعبِ لبنان الشقيق الرخاءَ والاستقرار. وقد عبّر الرئيس اللبناني عن شكره لخادم الحرمين الشريفين على التهنئة وعلى مشاعره تجاه لبنان وشعبه».
بدوره، أرسل ولي العهد الأمير محمد بن نايف وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان آل سعود برقيتي تهنئة للرئيس عون.
مجلس الامن
من جهته، رحب مجلس الامن بانتخاب عون. ودعا الى تشكيل حكومة في اسرع وقت وإجراء انتخابات نيابية في ايار المقبل.
وجاء في بيان صادر عن الاعضاء الـ15 في مجلس الامن ان «تشكيل حكومة وحدة وطنية وانتخاب برلمان جديد بحلول ايار يشكلان امرين اساسيين لاستقرار لبنان وقدرته على مواجهة التحديات الاقليمية».
واضاف: «ان مجلس الامن يدعو مرة جديدة اللبنانيين الى «النأي بالنفس» عن النزاع في سوريا والى «وقف كل تورط في الازمة السورية». وقال ان «الحفاظ على الاستقرار في لبنان امر حاسم للحفاظ على الاستقرار والامن الاقليميين».
واعتبر البيان ان انتخاب عون «يشكل مرحلة كانت مطلوبة منذ زمن طويل، وحاسمة لتجاوز الازمة السياسية والدستورية في لبنان»، داعيا الرئيس الجديد والقادة السياسيين اللبنانيين الى «المضي في العمل بشكل بنّاء»
<