تنطلق الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية الرئيس المكلف تشكيل الحكومة الجديدة، استناداً إلى الفقرة 2 من المادة 53/د، اليوم، وهو اليوم الثاني من النشاط الرسمي للرئيس المنتخب ميشال عون الذي توالت الاتصالات الداعمة لانتخابه والمهنئة له.
وعبر مجلس الأمن الدولي عن ترحيبه بانتخاب عون ببيان صدر بإجماع أعضائه الـ15 الدائمين والمنتدبين، فيما كان وزير الخارجية الأميركية جون كيري يجري اتصالين هاتفيين برئيس الجمهورية وآخر بالرئيس سعد الحريري مهنئاً ومجدداً دعم بلاده للاستقرار وللجيش اللبناني.
وشكل اتصال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز الهاتفي بالرئيس عون حدثاً بالغ الدلالة لجهة موقف المملكة العربية السعودية الذي «لا لبس فيه من الوقوف إلى جانب لبنان وشعبه واستقراره».
وذكرت وكالة الأنباء السعودية (واس) ان الملك سلمان عبر في الاتصال مع عون عن تهنئته بانتخابه رئيسًا للجمهورية اللبنانية، مؤكداً وقوف المملكة العربية السعودية مع لبنان ووحدته، متمنياً له التوفيق وللجمهورية اللبنانية وشعب لبنان الشقيق الرخاء والاستقرار.
وقد عبر الرئيس عون عن شكره لخادم الحرمين الشريفين على التهنئة وعلى مشاعره تجاه لبنان وشعبه.
وأشار بيان صدر عن المكتب الإعلامي في رئاسة الجمهورية إلى ان الرئيس عون «قدر للمملكة حرصها على تشجيع اللبنانيين على التلاقي والوحدة، متميناً ان تستمر المملكة في دعم لبنان في المجالات كافة»، مشيراً إلى ان العاهل السعودي جدد التأكيد على «اهتمام المملكة بلبنان واللبنانيين».
وأكد العاهل السعودي، بحسب البيان، للرئيس عون «حرص المملكة على الوحدة الوطنية بين اللبنانيين وعلى العلاقات الأخوية التي تجمع بين البلدين الشقيقين».
اما مجلس الأمن فجاء في بيانه أن «تشكيل حكومة وحدة وطنية وانتخاب برلمان جديد بحلول ايار 2017 ، يشكلان امرين اساسيين لاستقرار لبنان وقدرته على مواجهة التحديات الاقليمية».
واضاف البيان ان مجلس الامن يدعو مرة جديدة اللبنانيين الى «النأي بالنفس» عن النزاع في سوريا والى «وقف كل تورط في الازمة السورية».
وجاء ايضا في البيان ان «الحفاظ على الاستقرار في لبنان امر حاسم للحفاظ على الاستقرار والامن الاقليميين».
وتابع ان انتخاب ميشال عون «يشكل مرحلة كانت مطلوبة منذ زمن طويل، وحاسمة لتجاوز الازمة السياسية والدستورية في لبنان» داعيا الرئيس الجديد والقادة السياسيين اللبنانيين الى «المضي في العمل بشكل بناء».
ومن أبرز اتصالات التهنئة التي تلقاها الرئيس عون، اتصال من العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني وآخر من سلطان عُمان قابوس بن سعيد، ومن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون والرئيس الفلسطيني محمود عباس والرئيس البرازيلي ميشال تامر الذي دعاه لزيارة البرازيل.
ويأتي هذا الاحتضان العربي والدولي ليعزز مسار العمل لتعزيز الاستقرار الوطني ضمن خطوات واضحة ومرسومة، تبدأ بتكليف رئيس الحكومة وتأليف الحكومة، وتتركز على إعادة الحياة للدولة ومؤسساتها وتنشيط العمل البرلماني ان لجهة الموازنة ووضع قانون جديد للانتخابات النيابية.
وإذا كانت الاستشارات الملزمة التي تبدأ طوال اليوم تنتهي غداً بلقاء مع كتلة «التنمية والتحرير» ورئيسها الرئيس نبيه برّي والتي اثار تأخير موعدها لغطاً في الأوساط النيابية، قبل ان توضح أوساط عين التينة، واكدته بعبدا، ان التأخير جاء بطلب من الرئيس برّي لاعتبارات أمنية تتعلق بعدم سهولة الانتقال بين عين التينة وبعبدا مرتين في يوم واحد والأسباب معروفة، فإن قاعدة تكليف الرئيس الحريري الذي رشحته كتلة «المستقبل» أمس، وأيدته كتلة «التيار الوطني الحر» للتو، تنطلق من 52 نائباً، على ان تتجاوز المائة، وربما رقماً قياسياً، أي المجلس كلّه باستثناء كتلة «الوفاء للمقاومة» التي قد تمتنع فقط عن التسمية.
إستياء برّي
 وهذه التقديرات تأتي على خلفية أن كتلة «التنمية والتحرير» التي ستتخذ قرارها اليوم ستصوّت لمصلحة ترشيح الحريري لاعتبارات سياسية وميثاقية، وفي ظل هذا الاهتمام الدولي والعربي والإقليمي لتوفير انطلاقة جيدة لعهد الرئيس عون.
واعتبرت مصادر مطلعة على أجواء الاتصالات الجارية أنه لا يمكن للرئيس برّي وكتلته إلا أن يكونا جزءاً من الانطلاقة الجارية، على الرغم مما سجلته أوساط عين التينة من استياء من الموقف الذي صدر عن رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل بعد اجتماع تكتل «الاصلاح والتغيير» وتجاهل فيه تماماً دور رئيس المجلس في إدارة جلسة الانتخاب إلى النتيجة التي تحققت بالاقتراع لصالح الرئيس عون بـ83 نائباً.
وغمز باسيل من قناة الرئيس برّي عندما قال «كنا نتمنى ألا يصيب العملية الانتخابية الخلل المسرحي الذي بدا كإهانة لكل الشعب اللبناني، في محاولة لإعطاء شيء من اللاجدية لصناعة وطنية لرئاسة الجمهورية»، ملمحاً أنه «عندما يعترف بنا أحد بموقفنا وتمثيلنا سنعترف به بشكل طبيعي، ومن يقبلنا نقبل به تلقائياً».
شروط «حزب الله»
وتتجه الأنظار اليوم إلى ما سيصدر عن اجتماع كتلة «التنمية والتحرير» لجهة تسمية الرئيس الملكّف وما يتعيّن أن يتبع هذا التكليف من لقاءات، لا سيما بين الرئيس برّي والرئيس الحريري، فإن الأوساط القريبة من «حزب الله» وضعت جملة من الشروط لتسهيل تأليف الحكومة وعدم تأخير انطلاقتها، وفي مقدمة هذه الشروط:
1- تفاهم الرئيس المكلّف مع الرئيس برّي، وإنهاء الجفاء بين الرجلين وإقناعه بالمشاركة في الحكومة التي سيرأسها.
2- أبلغ «حزب الله» «التيار الوطني الحر» أنه ليس في وارد المشاركة في أية حكومة لا يُشارك فيها الرئيس برّي، وبالتالي فإن حلحلة التمثيل الشيعي يكون مدخله رئيس المجلس.
3- تمثيل حلفاء «حزب الله» في 8 آذار من المسيحيين والسنّة والدروز في الحكومة العتيدة، وعدم حصر التمثيل المسيحي «بالتيار الوطني» و«القوات اللبنانية» الزمر الذي يعني تمثيل تيّار «المردة» والحزب السوري القومي الاجتماعي والأمير طلال أرسلان وشخصيات سنّية سبق للحزب أن تحالف معها إذا رغبت في دخول حكومة الرئيس الحريري، ولا سيما الشخصيات السنّية المشاركة في «اللقاء الوطني».
4- رفض الانصياع لأية ضغوطات أو «فيتوات» أميركية أو غربية على بعض الأسماء المرشحة لقيادة الجيش أو حاكمية مصرف لبنان، بما في ذلك رفض تدخل السفيرة الأميركية في بيروت إليزابيت ريتشارد.
5- انتزاع تعهد من الرئيس الحريري بأن تسعى حكومته لإجراء الانتخابات النيابية وفق قانون انتخاب جديد يراعي مرتكزات النسبية، والقبول بتمديد تقني للمجلس، إذا ما اقتضت قضية إنجاز قانون الانتخاب لجهة النسبية ذلك.
وحذرت أوساط «حزب الله» من أن عدم الأخذ بهذه الشروط سيؤخّر إقلاع التشكيلة الحكومية وإصدار مراسيمها مما ينعكس سلباً على سمعة العهد، وجهود التوافق الوطني لنقل البلد من حالة إلى حالة.
وكان نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم الذي استبق إطلالة للأمين العام السيّد حسن نصر الله الجمعة، قد نوّه بخطاب القَسَم للرئيس عون، باعتباره «خطاباً وطنياً واستقلالياً بامتياز» ويصلح لخطط سياسية وأمنية واجتماعية، واشترط تشكيل حكومة وحدة وطنية تجمع جميع الأطياف السياسية بما يحقق المشاركة الحقيقية، ووضع قانون انتخابي يحقق التمثيل الصحيح.
كتلة المستقبل
كذلك نوّهت كتلة «المستقبل» النيابية التي اجتمعت أمس برئاسة الرئيس الحريري بالمضمون الإيجابي لخطاب القَسَم، وعلى وجه التحديد ما جرى تأكيده لجهة احترام الدستور والقوانين والتمسك بتنفيذ وثيقة الوفاق الوطني من دون انتقائية، وتغليب الخطاب الوطني الجامع، والالتزام بتحييد لبنان عن صراعات المنطقة، والتأكيد على دور الجيش اللبناني في الدفاع عن لبنان، وكذلك احترام المواثيق والقرارات الدولية وميثاق جامعة الدول العربية.
وأعلنت الكتلة ترشيحها للرئيس الحريري لتولي رئاسة الحكومة الأولى للعهد، مؤكدة الوقوف إلى جانبه في مهمته العتيدة، وهي تتطلع إلى نتائج إيجابية للتعاون بين الرئيسين عون والحريري انسجاماً مع احكام الدستور واتفاق الطائف».
اليوم الأوّل
تجدر الإشارة، إلى ان النشاط الرسمي الأوّل للرئيس عون أمس، في قصر بعبدا، قد خصص لتلقي التهاني، فيما كان لافتاً ان لقاء العمل الأوّل عقده مع قائد الجيش العماد جان قهوجي، الذي جاء من حيث الشكل بعد علاقة اعتورتها تجاذبات على خلفية التمديد له وقطيعة استمرت نحو سنتين، لكنه من حيث المضمون اتصل الاجتماع بتعيين العميد سليم فغالي قائداً للحرس الجمهوري بدلاً من العميد وديع الغفري على ان يتسلم فغالي الذي كان مسؤولاً عن أمن العماد عون الشخصي في السابع من تشرين الثاني بحسب المذكرة التي وقعها العماد قهوجي لاحقاً.
وإلى جانب قهوجي، جاء إلى قصر بعبدا نائب رئيس الحكومة السابق عصام فارس خصيصاً من الخارج لتهنئة عون، ثم غادر عائداً إلى مقر عمله، كما حضر وفد من المطارنة الموارنة ممهداً لزيارة تهنئة سيقوم بها البطريرك الماروني بشارة الراعي في وقت لاحق.
وعلم ان استعدادات تجري لأن تكون محطة السادس من تشرين الثاني وطنية بامتياز، حيث سيطل فيها عون شخصياً على الحشود الشعبية التي ستؤم قصر بعبدا للتهنئة، ويخطب فيهم، على غرار ما كان يفعله يوم كان رئيساً للحكومة العسكرية في العام 1989.