السؤال الأعمق الذي يجب طرحه الآن بعد إنتخاب الجنرال ميشال عون رئيساً للجمهورية أو ما تبقى من الجمهورية هو:
هل هذه "فرصة عون" التي طالما انتظرها وسعى اليها، أم انها "عون الفرصة" بمعنى ان تشكّل رئاسة عون الذي يرفع شعار الرئيس القوي، فرصة حقيقية للخروج من الأزمة التي تعلك لبنان، وخصوصاً في ظل تقارير تحذّر من إقتراب إنهيارات إقتصادية وأمنية، نتيجة الإنهيار السياسي الذي دمر كلياً القواعد الضرورية للتفاعل بين السلطة والمسؤولية في إطارها الأخلاقي؟
عندما تحدث الكثيرون عن "صفقة جديدة" بينك وبين سعد الحريري جاء الرد منكما يتحدث عن "صفحة جديدة" جامعة وموحّدة، لكن الصفحات الجديدة في لبنان هي مثل رقصة التانغو ثنائية تحتاج الى إثنين، ونحن في لبنان والمنطقة في قبضة ثنائية دموية لا راقصة، ذهبت بعيداً في إستثارة الأحقاد المذهبية البغيضة.
لهذا أقول للرئيس ميشال عون، ليس لعهدك ان يتذكر حسابات الماضي السياسي ولو ليوم واحد، ولا لعهدك أن يفتح باب تسوية هذه الحسابات، حتى ولو خُيّل الى البعض من المحيطين بك انه يوم الحساب. وأقول لخصومك جميعاً ليس لكم او عليكم الإنكفاء ولا الإعتكاف على قاعدة، تعالوا اجلسوا وتفرّجوا دعوه يقلع أشواكه وأشواك عهده بيديه.
الحديث عن صفحة جديدة يفرض النظر الى خارج الدفتر، والحديث عن سقف البيت وسقف الدولة وسقف الدستور يتطلب وجود أعمدة كثيرة تسند هذا السقف وتكاتف كل الأعمدة أفضل وأمتن، لهذا يتطلب الحديث عن صفحة جديدة إستدعاء كل أفراد العائلة اللبنانية الى تحمّل المسؤولية، كل من موقعه وعلى رغم الخصومات والإنقسامات على إيقاع حسابات وسياسات محلية كثيرة، وقد زاد عمقها وتعقيدها إرتباطها بإيقاعات الصراعات الأقليمية الموغلة في النار، وليس لعهدك أهم من أبعاد لبنان عن النيران.
نعرف انك لو كنت أفضل العطّارين لن يكون في وسعك ان تصلح ما أفسد دهر من هامشية السياسة والمسؤولية عندنا، ولكن ليس المطلوب من عهدك إدارة الأزمة القائمة التي تعلك البلد، المطلوب على الأقل، وقف إستفحال الإزمة الزاحفة كي تستطيع غداً وبتعاون الجميع إنهاء هذه الأزمة. لن أسألك عن فذلكة "تحييد الدولة اللبنانية" [بدل القول "تحييد لبنان"]، لكأن "حزب الله" ليس من هذه الدولة وحكومتها، وهذه شطارة أو إنعطافة إنشائية رد عليها السيد حسن نصرالله سريعاً.
تعرف جيداً كم هي مهمات عهدك ثقيلة، لن أحدثك عن إستعادة الدولة المنهوبة وعن تسونامي الملفات التي تحتاج الى علاج، بل عن مدى حاجة عهدك الى تعاون العائلة اللبنانية، والى ضرورة كتابة الصفحة الجديدة بحبر يجمع كل الطيف اللبناني الذي عليه ان يشارك لا أن يتفرج... اذا إتّسعت له المشاركة.