على صعوبة تجاوز المجريات المفاجئة التي شهدتها جلسة 31 تشرين الاول والتي شكلت سابقة لم تعرفها أي دورة انتخابية رئاسية في تاريخ لبنان، فان استواء العماد ميشال عون الرئيس الثالث عشر للجمهورية على كرسي الرئاسة الشاغر منذ سنتين وخمسة اشهر وخمسة ايام منذ ما بعد ظهر أمس شكل الحدث اللبناني الاستثنائي داخليا وخارجيا. لم تتأخر مفاعيل ملء لبنان فراغ رئاسته وانتخاب العماد عون رئيساً، اذ توالت بسرعة لافتة الاتصالات الدولية بالرئيس المنتخب مرحبة بهذا التطور، الامر الذي بدا بمثابة استعادة لبنان للثقة والاهتمام الدوليين به. أما في الداخل وعلى رغم ما واكب العملية الانتخابية من اطلاق رسائل مبطنة تحت عنوان "عبث مجهول" في أصول الاقتراع عقب مفاجأة أولى تمثلت في عدم نيل الرئيس المنتخب أكثرية الثلثين في الدورة الاولى، فان الاهتمام الواسع بمضمون خطاب القسم للرئيس عون اعادت الاعتبار بسرعة الى آفاق الحدث الرئاسي داخليا وخارجيا.
وفي جلسة انتخابية عدت الأطول في تاريخ الانتخابات الرئاسية نال الرئيس المنتخب 83 صوتاً، فيما صوت 36 نائباً بأوراق بيضاء واعتبرت سبع اوراق لاغية بينها خمس اوراق لنواب الكتائب الذين كتبوا عبارة "ثورة الارز في خدمة لبنان"، كما حملت ورقة اسم النائبة ستريدا طوق. اما التطور اللافت الغريب الذي تسبب باجراء اربع جولات اقتراعية، فتمثل في زيادة مغلف على عدد النواب الـ127 الحاضرين الامر الذي تكرر مرتين بعد الدورة الاولى الى ان انتظم الوضع واعلنت النتيجة الرسمية النهائية.
والحال ان الرئيس المنتخب بدا مدركاً تماماً الأثر الذي سيتركه خطابه على المستويين الداخلي والخارجي نظراً الى الالتباسات والشكوك الكثيفة التي طبعت ترشحه أساساً وخصوصاً بعد الاتجاه الى انتخابه في الفصل الختامي من أزمة الفراغ. وبدا واضحاً من ردود الفعل على الخطاب ومسارعة عواصم غربية وعربية واقليمية الى الترحيب بانتخابه انه اطلق دينامية طمأنة للمتخوفين من انتخابه اقله على مستوى التوجهات العريضة التي تعهدها في الخطاب. أول هذه التوجهات ابرزها الرئيس عون في حديثه عن "احترام الميثاق والدستور والقوانين من خلال الشراكة الوطنية التي هي جوهر نظامنا"، كما تشديده على "ضرورة تنفيذ وثيقة الوفاق الوطني بكاملها من دون انتقائية أو استنسابية وتطويرها وفق الحاجة من خلال توافق وطني"، كما دعا الى اقرار قانون انتخاب " يؤمن عدالة التمثيل". أما على المستوى الخارجي، فان أبرز ما طبع الخطاب تشديد الرئيس المنتخب على "منع انتقال شرارة النيران المشتعلة في المنطقة الى لبنان وضرورة ابتعاده عن الصراعات الخارجية والتزام ميثاق جامعة الدول العربية واحترام القانون الدولي". وفي موضوع الصراع مع اسرائيل قال: "لن نألو جهدا ولن نوفر مقاومة في سبيل تحرير ما تبقى من اراض لبنانية محتلة". كما شدد في موضوع اللاجئين السوريين على "تأمين عودتهم السريعة" من منطلق انه "لا يمكن ان يقوم حل في سوريا لا يضمن ولا يبدأ بعودة النازحين". وبالاضافة الى العناوين الداخلية الاخرى للخطاب فان الخلفيات السياسية التي واكبت العملية الانتخابية برزت خصوصا في الكلمة التي القاها رئيس مجلس النواب نبيه بري قبل خطاب القسم الرئاسي اذ حرص على الترحيب بالرئيس المنتخب باشارة اكتسبت دلالة لاذعة بقوله " يسرني يا فخامة الرئيس ان ارحب بكم تحت قبة البرلمان الذي انت احد اركان شرعيته" رداً على مواقف سابقة للرئيس المنتخب باعتبار المجلس غير شرعي. كما شدد على ان "انتخابكم يجب ان يكون بداية وليس نهاية وهذا المجلس على استعداد لمد اليد لاعلاء لبنان".
في أي حال، استعاد قصر بعبدا حيويته اثرالمراسم التي أجريت للرئيس عون عقب وصوله الى القصر، اذ سارع الى تحديد يومي الاربعاء والخميس المقبلين لاجراء الاستشارات النيابية الملزمة وتسمية رئيس الوزراء المكلف. واسترعى الانتباه في جدول مواعيد الاستشارات تحديد الموعد الاخير منها لرئيس مجلس النواب وكتلة التنمية والتحرير، علماً ان الاستشارات تبدأ بروتوكوليا برئيس المجلس الامر الذي عكس مناخ "الصفيح الساخن " الذي يستبقها.
ويشار في هذا السياق ان انتخاب عون واكبه يوم طويل من الاحتفالات الشعبية لانصاره في مختلف المناطق وأقيم احتفال مركزي حاشد في ساحة الشهداء ليلا.
الاصداء الخارجية
أما الاصداء الخارجية لانتخاب العماد عون، فبدأت بسلسلة اتصالات تلقاها من عدد من الرؤساء العرب والاجانب من ابرزهم الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند والرئيس الايراني حسن روحاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، كما تلقى اتصالا من الرئيس السوري بشار الاسد.
واذ سارعت مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان الى الترحيب بانتخاب الرئيس عون، أصدرت وزارة الخارجية الاميركية بيانا هنأت فيه "الشعب اللبناني على انتخاب عون " واعتبرت ان هذه الانتخابات "تشكل فرصة لخروج لبنان من سنوات الجمود السياسي وبناء مستقبل اكثر ازدهاراً واستقراراً للبنانيين" ودعت جميع الاطراف الى "التمسك بالتزامات لبنان الدولية". ورأى مستشار مرشد الجمهورية الاسلامية الايرانية علي أكبر ولايتي ان انتخاب عون "يظهر دعما جديدا للمقاومة الاسلامية وهذا بالتأكيد انتصار للسيد حسن نصرالله والمقاومة الاسلامية".
الامم المتحدة
وأفاد مراسل "النهار" في نيويورك علي بردى ان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي - مون هنأ العماد عون بانتخابه آملاً في أن يواصل الأطراف اللبنانيون "العمل الآن بروح من الوحدة والمصلحة الوطنية"، مستعجلاً تأليف حكومة "تتعامل مع التحديات الخطيرة" التي تواجه البلاد.
وعلمت "النهار" أن موضوع انتهاء الشغور الرئاسي بانتخاب عون سيكون موضوعاً أساسياً في المشاورات المغلقة التي يجريها مجلس الأمن غداً الأربعاء، حين يستمع الى إحاطة من وكيل الأمين العام للشؤون السياسية جيفري فيلتمان عن التقدم في تطبيق القرار 1559.
وفي بيان تلاه الناطق بإسمه ستيفان دوجاريك، رحب الأمين العام بإجراء الانتخابات الرئاسية في لبنان، متمنياً "التوفيق والنجاح" للرئيس عون. وأمل أن "يواصل الأطراف اللبنانيون العمل الآن بروح من الوحدة والمصلحة الوطنية"، قائلاً إن "الشعب اللبناني يستحق أن يكون لديه مؤسسات دولة فاعلة، طبقاً لحقوقه الدستورية والديموقراطية"، مضيفاً أنه "يشجع على تأليف حكومة بلا إبطاء يمكن أن تلبي بفاعلية حاجات جميع المواطنين اللبنانيين وتتعامل مع التحديات الخطيرة التي تواجه البلاد". وأكد أيضاً "الحاجة الى ضمان إجراء الانتخابات النيابية في موعدها". وأشار الى أن الأمم المتحدة "تتطلع الى العمل مع الرئيس عون والسلطات اللبنانية، بدعم من الشركاء الدوليين". وشكر لرئيس الوزراء تمام سلام "قيادته خلال هذه الفترة العصيبة".
ورداً على سؤال لـ"النهار"، قال دوجاريك: "نحن نعترف بالكرم المدهش من لبنان حيال اللاجئين، على رغم أن نسبتهم بالنسبة الى السكان أعلى بكثير من أي نسبة أخرى للاجئين في العالم"