العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية اليوم، فيكون الرئيس الثالث عشر للبلاد منذ الاستقلال... وغداً يوم آخر تنطوي معه صفحة الشغور الرئاسي الذي امتدّ لعامين ونصف العام، وتفتح صفحات يأملها اللبنانيون مشرقة، وإن كانت المؤشرات تَشي بعكس ذلك، إذ انّ البعض يخشى ان يخرج البلد من شغور رئاسي الى شغور حكومي، خصوصاً اذا واجه التأليف تعقيدات كبيرة...
مع انطلاقة العهد الرئاسي الجديد سيجد نفسه في مواجهة الصفحات الآتية:
ـ صفحة التكليف عبر الاستشارات النيابية الملزمة التي سيجريها رئيس الجمهورية غداً او بعد غد على أبعد تقدير، وستنتهي حتماً بتسمية الرئيس
سعد الحريري رئيساً مكلفاً تأليف أولى حكومات العهد الجديد.
ـ صفحة التأليف بما فيها من مطبّات وعقد وحواجز وتعقيدات قد تجعل من تشكيل الحكومة الجديدة أمراً شديد الصعوبة وبعيد المنال، وقد يستغرق أشهراً، والطامة الكبرى إن استهلك الوقت وانقضَت الفترة الممتدة من الآن وحتى ايار المقبل. معنى ذلك انّ المأزق الحكومي سيتعمّق اكثر ويتعرّض التكليف لضربة معنوية شديدة القساوة.
ـ صفحة السلّة مجدداً، كانت سلة رئيس مجلس النواب نبيه بري تقضي بالتفاهم أولاً على اسم الرئيس وعلى شكل الحكومة بما يعني اسم رئيسها وتركيبتها وأدائها وسياستها والنهج الذي ستتبعه مع بداية العهد الجديد، وعلى قانون الانتخاب، على ان يبدأ اول عمل بانتخاب الرئيس.
امّا وقد تمّ الانتخاب، فالعودة باتت حتمية الى ما تبقّى من السلة، أي الى الحكومة رئيساً وشكلاً ومضموناً وحصصاً ونهجاً، والى قانون الانتخاب. والملحّ في كلا البندين هو قانون الانتخاب.
ـ صفحة الحوار الوطني الذي سيتسلّم دفّته رئيس الجمهورية ويعوّل عليه ان يكون المؤسسة الرافدة للعهد بكل ما يتطلبه من تفاهم داخلي ووحدة بين المكونات وفك اشتباك بين كل عناصر التوتر.
ـ صفحة الاصلاح والتغيير الموعودين ومحاربة الفساد والذي يقول عون انه سيحمل السيف ويشهره في وجه الفاسدين والمفسدين والمرتكبين صوناً للأمن الاجتماعي وخزينة الدولة وإنقاذ الاقتصاد.
ـ صفحة تكريس الوحدة الوطنية، وهذا يضع عون كرئيس حَكَم امام الامتحان الالزامي، أي امتحان جمع كل العائلات السياسية والطائفية ومحاولة التوفيق والتقريب في ما بينها. أولاً بينه وبين بري، اذ يفترض لكي ينطلق العهد بزخم اكبر ان تكون الرئاستان الاولى والثانية على وئام واتفاق، لا ان تُستنسخ مع بداية العهد تلك الصور السابقة والجلسات المتتالية من لقاءات غسل القلوب وما شابه.
وثانياً، بين «حزب الله» حليفه القديم الذي ثبت على ترشيحه لرئاسة الجمهورية وشكّل جسر العبور الالزامي الى القصر الجمهوري، وبين حليف جديد كان له دور أساس في تسهيل عبور عون الى بعبدا. فأيّ دور سيؤدّيه عون في هذا المجال؟
هل سيكتفي بلعب دور الاطفائي للحرائق المشتعلة بينهما ام انه سيلعب دور الراعي والجسر بينهما وصولاً الى جذبهما الى طاولة التفاهم والتقارب؟ والأمر نفسه ينطبق على ما بين «القوات اللبنانية» و«حزب الله».
الربح والخسارة
في ميزان الربح والخسارة، يستطيع عون ان يقول «أنا الرابح الاول بوصولي الى رئاسة الجمهورية». وفي الميزان نفسه يستطيع «حزب الله» ان يقول «أنا الرابح الاساس إذ أوصلت مرشحي الى الرئاسة وفرضتُ على الآخرين الانضمام الى ضفة ترشيح عون».
وفي الميزان نفسه، يستطيع الحريري ان يقول «أنا رابح ايضاً إذ عدت الى رئاسة الحكومة على صهوة تفاهم صلب (غير منظور لا من حيث الهوية ولا من حيث الشكل ولا من حيث الجهات الراعية له او الشريك فيه) بعدما أُخرجت من هذه الرئاسة عنوة قبل نحو خمس سنوات»، ويستطيع رئيس حزب «القوات» سمير جعجع ان يقول ايضاً «أنا ربحت لأنني شكّلت ظهيراً قوياً وسنداً للرئيس عون».
ولكن يبقى السؤال: كيف سيتم «تقريش» هذا الربح؟ هل بحكومة سريعة؟ ربما. إنما الشيطان ما زال كامناً في العناوين والتفاصيل والنيّات وهذا ما يطرح علامات استفهام وغموض حول مرحلة ما بعد الانتخاب التي تبدو مطروحة على احتمالات متساوية بين السلبية والايجابية.
مرحلة التأليف
وقالت مصادر مواكبة للحركة السياسية المحيطة بالاستحقاق الرئاسي لـ«الجمهورية» إنّ تكليف الحريري تأليف الحكومة يريده الأخير بسقف زمني محدود تخرج منه الحكومة الى النور في فترة اسبوع الى اسبوعين على الأكثر. لكن هذا التمنّي مشروع، إنما الوقائع السياسية توحي خلاف ذلك، إذ انّ مرحلة التأليف قد تصطدم بما قد يؤخّر هذه الحكومة فترة غير محدودة، ومنها:
اولاًـ اذا كانت الامور ميسّرة امام الحريري من جهة «التيار الوطني الحر» او «القوات» او كل القوى التي يريد إشراكها في الحكومة، إلّا انّ العقدة تكمن في الثنائي الشيعي (حركة «أمل» ـ حزب الله) وهي قد تكون مستعصية.
فبرّي تحدث عن «الجهاد الاكبر» بعد الانتخاب، ولهذا ترجمته الفورية بأنّ الامور قد لا تكون بالانسيابية التي يتوقعها الحريري. حتى الآن ينام بري على ورقته ويكشفها في اللحظة المناسبة، إنما السؤال: هل سيسمّي بري الحريري؟
تؤكد مصادر واسعة الاطلاع انّ بري ليس في وارد التسمية، وقد سبق له ان أوحى بذلك عندما قال انه سيذهب الى المعارضة. معنى ذلك انّ بري بعدم تسميته الحريري ينضم الى «حزب الله» الذي لن يسمّي الحريري ايضاً. وهذا ما يطرح على الحريري لغزاً يبدو من الصعب فَكفَكة شيفرته.
وفي معلومات المصادر انّ الثنائي الشيعي منسجمان الى ابعد الحدود حكومياً، بمعنى ان لا شراكة لأيّ منهما في حكومة لا يشترك فيها أحدهما.
وقالت المصادر انّ «حزب الله» في مرحلة ما بعد الرئاسة أوكلَ الى بري إدارة المعركة السياسية، فهو الأدرى في اعتماد التكتكة السياسية وتدوير الزوايا وطريقة الاخراج، وما يتوصّل اليه هو مُلزم للطرفين.
وتِبعاً لما تقدّم، ترى المصادر انّ مهمة تأليف الحكومة قد تكون شاقة، خصوصاً اذا ما استهلكت كل الوقت المتبقّي حتى موعد انتهاء ولاية المجلس الحالي من دون تأليف حكومة.
بري
وعشيّة جلسة الانتخاب قال بري امام زوّاره امس «إننا سنقترع بورقة بيضاء بناء على رغبة رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، وبالتالي سنستمر معه».
ورداً على سؤال عمّا اذا كان سيقود المعارضة قال بري: «البعض يعارض على طريقة «قم لأجلس مكانك»، اي معارضة شخصانية. انا لن اكون كذلك، سأوالي حيث يجب وسأعارض عند الحاجة.
ولو اردتُ ان اعارض بطريقة التحدي والنكايات لكنت قد عَطّلت نصاب جلسة الانتخاب، وانا قلت للعماد عون عندما التقيته انني لن افعل مثلما فعلتم حيث قاطعتم جلسات الانتخاب على مدى سنتين ونصف السنة».
وعن موضوع المشاركة في الحكومة قال بري: «سأنتظر ما سيُعرض علي، فإذا اعجبتني الحكومة أشارك فيها واذا لم تعجبني فسأظلّ خارجها».
قاسم
من جهته، اعلن «حزب الله» انّ التزامه انتخاب عون رئيساً سيترجم اليوم، وانّ جميع أعضاء كتلة «الوفاء للمقاومة» ستصوّت لمصلحته.
وقال نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم: «نحن امام التزامات اخرى ومواقف اخرى نبنيها بالحسبان، والبعض يقول غداً «دولة حزب الله» لأنّ عون هو الذي سينتخب رئيساً، ولكن نقول لا، هذه دولة لبنان يرأسها عون وكل واحد في موقعه من رئيس جمهورية الى رئيس مجلس النواب الى رئيس حكومة الى النائب الى الوزير يتحمّل مسؤوليته من موقعه ولا نتحمل مسؤولية احد ولا احد يتحمّل مسؤوليتنا كل واحد بحسب مهماته وصلاحيته يتحمّل مسؤولية كواحد من موقع لبنان».
زهرا
وفي المواقف، قال عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب انطوان زهرا لـ»الجمهورية» إنّ تكليف الحريري سيتمّ حكماً خلال اليومين المقبلين، لافتاً إلى «انّ المفتاح الرئيسي لتأليف الحكومة يبدو انه في جيب الرئيس بري الذي فُوِّضَ اليه «حزب الله» بأن يفاوض بإسم الثنائي الشيعي، ولا أظن انّ إرضاءه سيكون بالأمر العادي. وهذا منوط بطبيعة التفاوض الذي سيحصل مع بري».
ورأى زهرا «انه أصبح هناك إمكانية كبيرة لمرور عون من الدورة الأولى من دون الحاجة إلى دورة ثانية بعد إعلان أفرقاء محددين انضمامهم إلى تأييده والإتفاق الحاصل بالاقتراع بأوراق بيض مكان إسم النائب سليمان فرنجية. لذلك يُعمل على إنجاز الأمر من الدورة الأولى وبأكثر من الثلثين».
وشدّد زهرا على «انّ «القوات» ستكون شريكة العهد إذا استطاع إلتزام الاتفاقات السياسية معها وفي مقدمها مكافحة الفساد، وهذا المقياس سيظهر في التركيبة الحكومية والأداء الحكومي، وعليه ستُبنى المواقف مستقبلاً».
وقال: «القوات» لا تستطيع إكمال العهد، حتى لو كانت صاحبة العهد، إذا حصل تورّط في منظومة الفساد وتغلبت أجواء الفساد على إرادة الإصلاح، وهذا ما ينسجم مع الثورة على الفساد التي أطلقها رئيس الحزب سمير جعجع خلال قداس الشهداء».
جنبلاط
من جهته، تمنّى رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط «الخير لهذا البلد والتضامن». وشدّد بعد زيارته رئيس الحكومة تمام سلم على «أنها مرحلة جديدة طبعاً، ولكن لا بد من المرور بها».
«قلعة أمنية حصينة»
وفي التدابير الأمنية المقررة لمواكبة اليوم الانتخابي الكبير، بدأت منذ ليل أمس التدابير الأمنية الإسثنائية التي ستحوّل بيروت الكبرى من وسطها الى بعبدا منذ ساعات الصباح الأولى قلعة أمنية حصينة في عهدة قوة امنية كبيرة من الجيش اللبناني ومختلف وحدات قوى الأمن الداخلي والأجهزة الأمنية الأخرى، وسيكون قصر بعبدا ومحيطه امتداداً الى المداخل المؤدية اليه من مختلف الجهات في عهدة لواء الحرس الجمهوري
الذي سحب وحداته المنتشرة في أكثر من منطقة نتيجة إشراكه في عدد من الخطط الأمنية، ولا سيما منها الخطة المنفذة في الضاحية الجنوبية من بيروت منذ عامين تقريباً.
ومنذ الصباح، ستتولى وحدات قوى الأمن الداخلي منع وقوف السيارات على جانبي الطرق المؤدية من مداخل بيروت الشرقية والغربية الى ساحة النجمة والمناطق المؤدية اليها في وسط بيروت تسهيلاً لعبور النواب اليها، علماً انّ اكثر من نصف النواب باتوا منذ الجمعة الماضي من قاطني فندق «لو غراي» في جوار المدخل الشرقي لمجلس النواب تسهيلاً لانتقالهم الى المجلس في أفضل الظروف الأمنية.
كذلك سيمنع وقوف السيارات على مختلف الطرق المؤدية من ساحة النجمة الى قصر بعبدا مروراً بمناطق الصيفي، الكرنتينا، جادة شارل الحلو، جادة شارل مالك، شارع الحكمة، مستشفى «أوتيل ديو» جادة الياس الهراوي، جادة إميل لحود، مستديرة الصياد والقصر الجمهوري وأقيمت على الطريق مراكز مراقبة أمنية بمعدل واحدة كل مئة متر تقريباً.
وستُقطع هذه الطرق في أثناء انتقال موكب الرئيس المنتخب بعد الظهر من ساحة النجمة الى قصر بعبدا حيث سيُقام له احتفال من المدخل الخارجي للقصر الى البهو الداخلي وفق ما نَصّ عليه البرتوكول، عَدا عن تلك المقررة في مكتبه وتسلّمه الوشاح الأكبر.
ـ صفحة التكليف عبر الاستشارات النيابية الملزمة التي سيجريها رئيس الجمهورية غداً او بعد غد على أبعد تقدير، وستنتهي حتماً بتسمية الرئيس
سعد الحريري رئيساً مكلفاً تأليف أولى حكومات العهد الجديد.
ـ صفحة التأليف بما فيها من مطبّات وعقد وحواجز وتعقيدات قد تجعل من تشكيل الحكومة الجديدة أمراً شديد الصعوبة وبعيد المنال، وقد يستغرق أشهراً، والطامة الكبرى إن استهلك الوقت وانقضَت الفترة الممتدة من الآن وحتى ايار المقبل. معنى ذلك انّ المأزق الحكومي سيتعمّق اكثر ويتعرّض التكليف لضربة معنوية شديدة القساوة.
ـ صفحة السلّة مجدداً، كانت سلة رئيس مجلس النواب نبيه بري تقضي بالتفاهم أولاً على اسم الرئيس وعلى شكل الحكومة بما يعني اسم رئيسها وتركيبتها وأدائها وسياستها والنهج الذي ستتبعه مع بداية العهد الجديد، وعلى قانون الانتخاب، على ان يبدأ اول عمل بانتخاب الرئيس.
امّا وقد تمّ الانتخاب، فالعودة باتت حتمية الى ما تبقّى من السلة، أي الى الحكومة رئيساً وشكلاً ومضموناً وحصصاً ونهجاً، والى قانون الانتخاب. والملحّ في كلا البندين هو قانون الانتخاب.
ـ صفحة الحوار الوطني الذي سيتسلّم دفّته رئيس الجمهورية ويعوّل عليه ان يكون المؤسسة الرافدة للعهد بكل ما يتطلبه من تفاهم داخلي ووحدة بين المكونات وفك اشتباك بين كل عناصر التوتر.
ـ صفحة الاصلاح والتغيير الموعودين ومحاربة الفساد والذي يقول عون انه سيحمل السيف ويشهره في وجه الفاسدين والمفسدين والمرتكبين صوناً للأمن الاجتماعي وخزينة الدولة وإنقاذ الاقتصاد.
ـ صفحة تكريس الوحدة الوطنية، وهذا يضع عون كرئيس حَكَم امام الامتحان الالزامي، أي امتحان جمع كل العائلات السياسية والطائفية ومحاولة التوفيق والتقريب في ما بينها. أولاً بينه وبين بري، اذ يفترض لكي ينطلق العهد بزخم اكبر ان تكون الرئاستان الاولى والثانية على وئام واتفاق، لا ان تُستنسخ مع بداية العهد تلك الصور السابقة والجلسات المتتالية من لقاءات غسل القلوب وما شابه.
وثانياً، بين «حزب الله» حليفه القديم الذي ثبت على ترشيحه لرئاسة الجمهورية وشكّل جسر العبور الالزامي الى القصر الجمهوري، وبين حليف جديد كان له دور أساس في تسهيل عبور عون الى بعبدا. فأيّ دور سيؤدّيه عون في هذا المجال؟
هل سيكتفي بلعب دور الاطفائي للحرائق المشتعلة بينهما ام انه سيلعب دور الراعي والجسر بينهما وصولاً الى جذبهما الى طاولة التفاهم والتقارب؟ والأمر نفسه ينطبق على ما بين «القوات اللبنانية» و«حزب الله».
الربح والخسارة
في ميزان الربح والخسارة، يستطيع عون ان يقول «أنا الرابح الاول بوصولي الى رئاسة الجمهورية». وفي الميزان نفسه يستطيع «حزب الله» ان يقول «أنا الرابح الاساس إذ أوصلت مرشحي الى الرئاسة وفرضتُ على الآخرين الانضمام الى ضفة ترشيح عون».
وفي الميزان نفسه، يستطيع الحريري ان يقول «أنا رابح ايضاً إذ عدت الى رئاسة الحكومة على صهوة تفاهم صلب (غير منظور لا من حيث الهوية ولا من حيث الشكل ولا من حيث الجهات الراعية له او الشريك فيه) بعدما أُخرجت من هذه الرئاسة عنوة قبل نحو خمس سنوات»، ويستطيع رئيس حزب «القوات» سمير جعجع ان يقول ايضاً «أنا ربحت لأنني شكّلت ظهيراً قوياً وسنداً للرئيس عون».
ولكن يبقى السؤال: كيف سيتم «تقريش» هذا الربح؟ هل بحكومة سريعة؟ ربما. إنما الشيطان ما زال كامناً في العناوين والتفاصيل والنيّات وهذا ما يطرح علامات استفهام وغموض حول مرحلة ما بعد الانتخاب التي تبدو مطروحة على احتمالات متساوية بين السلبية والايجابية.
مرحلة التأليف
وقالت مصادر مواكبة للحركة السياسية المحيطة بالاستحقاق الرئاسي لـ«الجمهورية» إنّ تكليف الحريري تأليف الحكومة يريده الأخير بسقف زمني محدود تخرج منه الحكومة الى النور في فترة اسبوع الى اسبوعين على الأكثر. لكن هذا التمنّي مشروع، إنما الوقائع السياسية توحي خلاف ذلك، إذ انّ مرحلة التأليف قد تصطدم بما قد يؤخّر هذه الحكومة فترة غير محدودة، ومنها:
اولاًـ اذا كانت الامور ميسّرة امام الحريري من جهة «التيار الوطني الحر» او «القوات» او كل القوى التي يريد إشراكها في الحكومة، إلّا انّ العقدة تكمن في الثنائي الشيعي (حركة «أمل» ـ حزب الله) وهي قد تكون مستعصية.
فبرّي تحدث عن «الجهاد الاكبر» بعد الانتخاب، ولهذا ترجمته الفورية بأنّ الامور قد لا تكون بالانسيابية التي يتوقعها الحريري. حتى الآن ينام بري على ورقته ويكشفها في اللحظة المناسبة، إنما السؤال: هل سيسمّي بري الحريري؟
تؤكد مصادر واسعة الاطلاع انّ بري ليس في وارد التسمية، وقد سبق له ان أوحى بذلك عندما قال انه سيذهب الى المعارضة. معنى ذلك انّ بري بعدم تسميته الحريري ينضم الى «حزب الله» الذي لن يسمّي الحريري ايضاً. وهذا ما يطرح على الحريري لغزاً يبدو من الصعب فَكفَكة شيفرته.
وفي معلومات المصادر انّ الثنائي الشيعي منسجمان الى ابعد الحدود حكومياً، بمعنى ان لا شراكة لأيّ منهما في حكومة لا يشترك فيها أحدهما.
وقالت المصادر انّ «حزب الله» في مرحلة ما بعد الرئاسة أوكلَ الى بري إدارة المعركة السياسية، فهو الأدرى في اعتماد التكتكة السياسية وتدوير الزوايا وطريقة الاخراج، وما يتوصّل اليه هو مُلزم للطرفين.
وتِبعاً لما تقدّم، ترى المصادر انّ مهمة تأليف الحكومة قد تكون شاقة، خصوصاً اذا ما استهلكت كل الوقت المتبقّي حتى موعد انتهاء ولاية المجلس الحالي من دون تأليف حكومة.
بري
وعشيّة جلسة الانتخاب قال بري امام زوّاره امس «إننا سنقترع بورقة بيضاء بناء على رغبة رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، وبالتالي سنستمر معه».
ورداً على سؤال عمّا اذا كان سيقود المعارضة قال بري: «البعض يعارض على طريقة «قم لأجلس مكانك»، اي معارضة شخصانية. انا لن اكون كذلك، سأوالي حيث يجب وسأعارض عند الحاجة.
ولو اردتُ ان اعارض بطريقة التحدي والنكايات لكنت قد عَطّلت نصاب جلسة الانتخاب، وانا قلت للعماد عون عندما التقيته انني لن افعل مثلما فعلتم حيث قاطعتم جلسات الانتخاب على مدى سنتين ونصف السنة».
وعن موضوع المشاركة في الحكومة قال بري: «سأنتظر ما سيُعرض علي، فإذا اعجبتني الحكومة أشارك فيها واذا لم تعجبني فسأظلّ خارجها».
قاسم
من جهته، اعلن «حزب الله» انّ التزامه انتخاب عون رئيساً سيترجم اليوم، وانّ جميع أعضاء كتلة «الوفاء للمقاومة» ستصوّت لمصلحته.
وقال نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم: «نحن امام التزامات اخرى ومواقف اخرى نبنيها بالحسبان، والبعض يقول غداً «دولة حزب الله» لأنّ عون هو الذي سينتخب رئيساً، ولكن نقول لا، هذه دولة لبنان يرأسها عون وكل واحد في موقعه من رئيس جمهورية الى رئيس مجلس النواب الى رئيس حكومة الى النائب الى الوزير يتحمّل مسؤوليته من موقعه ولا نتحمل مسؤولية احد ولا احد يتحمّل مسؤوليتنا كل واحد بحسب مهماته وصلاحيته يتحمّل مسؤولية كواحد من موقع لبنان».
زهرا
وفي المواقف، قال عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب انطوان زهرا لـ»الجمهورية» إنّ تكليف الحريري سيتمّ حكماً خلال اليومين المقبلين، لافتاً إلى «انّ المفتاح الرئيسي لتأليف الحكومة يبدو انه في جيب الرئيس بري الذي فُوِّضَ اليه «حزب الله» بأن يفاوض بإسم الثنائي الشيعي، ولا أظن انّ إرضاءه سيكون بالأمر العادي. وهذا منوط بطبيعة التفاوض الذي سيحصل مع بري».
ورأى زهرا «انه أصبح هناك إمكانية كبيرة لمرور عون من الدورة الأولى من دون الحاجة إلى دورة ثانية بعد إعلان أفرقاء محددين انضمامهم إلى تأييده والإتفاق الحاصل بالاقتراع بأوراق بيض مكان إسم النائب سليمان فرنجية. لذلك يُعمل على إنجاز الأمر من الدورة الأولى وبأكثر من الثلثين».
وشدّد زهرا على «انّ «القوات» ستكون شريكة العهد إذا استطاع إلتزام الاتفاقات السياسية معها وفي مقدمها مكافحة الفساد، وهذا المقياس سيظهر في التركيبة الحكومية والأداء الحكومي، وعليه ستُبنى المواقف مستقبلاً».
وقال: «القوات» لا تستطيع إكمال العهد، حتى لو كانت صاحبة العهد، إذا حصل تورّط في منظومة الفساد وتغلبت أجواء الفساد على إرادة الإصلاح، وهذا ما ينسجم مع الثورة على الفساد التي أطلقها رئيس الحزب سمير جعجع خلال قداس الشهداء».
جنبلاط
من جهته، تمنّى رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط «الخير لهذا البلد والتضامن». وشدّد بعد زيارته رئيس الحكومة تمام سلم على «أنها مرحلة جديدة طبعاً، ولكن لا بد من المرور بها».
«قلعة أمنية حصينة»
وفي التدابير الأمنية المقررة لمواكبة اليوم الانتخابي الكبير، بدأت منذ ليل أمس التدابير الأمنية الإسثنائية التي ستحوّل بيروت الكبرى من وسطها الى بعبدا منذ ساعات الصباح الأولى قلعة أمنية حصينة في عهدة قوة امنية كبيرة من الجيش اللبناني ومختلف وحدات قوى الأمن الداخلي والأجهزة الأمنية الأخرى، وسيكون قصر بعبدا ومحيطه امتداداً الى المداخل المؤدية اليه من مختلف الجهات في عهدة لواء الحرس الجمهوري
الذي سحب وحداته المنتشرة في أكثر من منطقة نتيجة إشراكه في عدد من الخطط الأمنية، ولا سيما منها الخطة المنفذة في الضاحية الجنوبية من بيروت منذ عامين تقريباً.
ومنذ الصباح، ستتولى وحدات قوى الأمن الداخلي منع وقوف السيارات على جانبي الطرق المؤدية من مداخل بيروت الشرقية والغربية الى ساحة النجمة والمناطق المؤدية اليها في وسط بيروت تسهيلاً لعبور النواب اليها، علماً انّ اكثر من نصف النواب باتوا منذ الجمعة الماضي من قاطني فندق «لو غراي» في جوار المدخل الشرقي لمجلس النواب تسهيلاً لانتقالهم الى المجلس في أفضل الظروف الأمنية.
كذلك سيمنع وقوف السيارات على مختلف الطرق المؤدية من ساحة النجمة الى قصر بعبدا مروراً بمناطق الصيفي، الكرنتينا، جادة شارل الحلو، جادة شارل مالك، شارع الحكمة، مستشفى «أوتيل ديو» جادة الياس الهراوي، جادة إميل لحود، مستديرة الصياد والقصر الجمهوري وأقيمت على الطريق مراكز مراقبة أمنية بمعدل واحدة كل مئة متر تقريباً.
وستُقطع هذه الطرق في أثناء انتقال موكب الرئيس المنتخب بعد الظهر من ساحة النجمة الى قصر بعبدا حيث سيُقام له احتفال من المدخل الخارجي للقصر الى البهو الداخلي وفق ما نَصّ عليه البرتوكول، عَدا عن تلك المقررة في مكتبه وتسلّمه الوشاح الأكبر.