«وما تمسك بالوصل الذي زعمت إلّا كما تمسك الماء الغرابيل كانت مواعيد عرقوب لها مثلا وما مواعيدها إلّا الأباطيل فلا يغرنك ما منت وما وعدت إنّ الأماني والأحلام تضليل» كعب بن زهيرلا بد للمراقب العادي إلّا أن يلاحظ المأزق في خلفية خطاب (الأمين العام لـ«حزب الله) حسن نصر الله الأخير، خصوصاً في ما يتعلق بالشأن اللبناني، وبالتحديد في العلاقة مع جمهور «التيار الوطني الحر».
فعندما يتحدث الأمين العام عن عدم وجود أزمة ثقة بين الحلفاء، وفي الوقت ذاته يذهب إلى حدّ فتح الأوراق عند التصويت لرئيس الجمهورية، فهو يؤكد أنّ الوعد لم يعد صادقاً، أو على الأقل لم يعد موثوقاً به كما كان في السابق.
وأنا لو كنتُ محازِباً في «التيار الوطني الحر»، ومن غير القيادات البرتقالية المنغمسة في كواليس التفاهمات السرّية وخفاياها، لكان دخل إلى قلبي الشك في رغبة «حزب الله» بإيصال أيّ مرشح إلى سدّة الرئاسة حتى ولو كان المرشح هو العماد ميشال عون، الزعيم الذي كسر كلّ المتعارَف عليه مسيحياً في لبنان، ونكر حتى تاريخه وشعاراته المعروفة وأدبيات حزبه المكتوبة، وقطع أوصال علاقته مع العرب ومع العالم، بالمختصر لعب الصولد بناءً على وعد نصر الله.
الشك المنطقي مبني على جملة من الأمور تمّ تعدادها سابقاً، من التساؤلات المشككة أنّ مَن هو قادر على إحداث السابع من أيار وإنزال القمصان السود لأسباب ربما أقل أهمية، قادر في أيّ لحظة على التكشير عن أنيابه في وجه الحلفاء قبل الخصوم لفرض إيصال الجنرال إلى سدّة الرئاسة.
في الخطاب الأخير لنصرالله كان تأكيد على الذهاب لانتخاب الرئيس في الجلسة المقبلة، ولكن ما معنى طرحه تدوير الزوايا مع الحلفاء، وعن عدم المراهنة على شق الصف مع حركة «أمل» في وقت يصرّ رئيس الحركة على معارضة عون إلى النهاية؟
ما لي أنا ولكلّ ذلك الكلام الذي سيوضع عند الكثيرين من أنصار الرئيس العتيد في موضع «الدس الرخيص» بعدما «وصلت اللقمة إلى الفم»، فما أنا إلّا جزء من الطرف الآخر الذي لن يرى في أيٍٍّ من إيجابيات «حزب الله» إلّا مجرّد سلبيات!
الوقائع تقول إنّ نصرالله، قبل على مضض و»ضحّى» بمجرد عدم ممانعته بأن يكلّف سعد الحريري برئاسة الحكومة المقبلة. هذا يعني أنّ الإحتمال الأكبر هو ألّا يسمي نوابه، الرئيس سعد الحريري. ولكن لن يكون ذلك عائقاً فالعدد اللازم للتكليف موجود.
أما الخطوة التعطيلية الأولى في جيب نصرالله فستكون في تأليف الحكومة وتوزيع المناصب وأسماء الوزراء وكيفية تعديل أوضاع الثلث المعطل وفي أيّ موقع سيكون الرئيس العماد مع وزرائه، وبالتالي فلا أفق لذلك المسار إن كانت النّية هي التعطيل. بهذه الحال سنصل إلى الإنتخابات النيابية بحكومة تصريف أعمال هي الحكومة الحالية، أما من بعد الإنتخابات فلا أحد يعرف مسبقاً كيف ستكون الحكومة.
المحطة التعطيلية الثانية ستكون في البيان الوزاري بعد تثبيت التشكيلة الوزارية، وهنا محطة قد تكون صعبة إلى حدّ الإستعصاء، وبالتالي قد نصل إلى الإنتخابات بحكومة لم تنل الثقة، وبالتالي لم تصل إلى حدّ الحكم ومن بعد الإنتخابات نصل إلى النتيجة ذاتها كما في الإحتمال السابق.
الإحتمال الضئيل هو أن يكون الجنرال مان على صديقه السيد بأن يساعده على إنجاح إنطلاقة عهده بحكومة منتجة.
لكن بكلّ صراحة فإنّ «حزب الله» لا يعنيه كلّ ذلك، ما يهمّه في كلّ الظروف هو كيف يؤمّن حصة الولي الفقيه في التسويات التي ستأتي بعد انقشاع المعارك، ولا أظن أنّ خاطر الجنرال سيكون في الحسبان في تلك اللحظة.