هل سبق لكم أن تساءلتم عن مواصفات السائق الذي يقلّ أولادكم يومياً الى المدرسة؟ او ربما تقصيتم عن طباعه الشخصية ومهارته في القيادة ومطابقة عربته لمعايير السلامة العامة؟ والأهم، هل سبق لكم أن أوليتم اهتماماً بمسألة السائق الأصلي والسائق الثانوي أو "الجوكر"؟ لمن لم يصادفه من قبل، "الجوكر" هو ذلك الشخص الغريب الذي يتسمر على مقود الباص فجأة، دون موافقة مسبقة من الأهالي. أو ربما دون علمهم المسبق. يأتي كمصادفةٍ فرضت نفسها، يبالغ في استخدام "الزمور" كإشارةٍ أنه وصل لاصطحاب ابنك الى مدرسته. الذريعة أن صاحب الباص مشغول. جدّ عليه عملٌ طارئ. المصيبة تقع، في حال كان "الجوكر" هو ابن السائق الذي لا يفقه عن القيادة شيئاً سوى أنه تحمّس لفكرة استلام مقاليد مهنة أبيه: "بابا مش قادر يجي اليوم. جيت أنا بدلو". لعلّ هذه التفاصيل الدقيقة لا بل الجوهرية في يوميات أبنائكم، نادراً ما تستهوي انتباهكم. المهم ان السائق لم يتأخر في الوصول الى المدرسة. ولم يتأخر في طريق العودة الى المنزل. وفي حال كانت هذه المظاهر نادرة في المدارس المرموقة التي تنظّم باصات خاصة بها لنقل الأولاد واصطحابهم من المدرسة واليها، الا أنها أضحت تعتبر مظاهر عادية في المناطق الجبلية، حيث إن مسألة النقل يأخذها الأهل على عاتقهم نظراً لطبيعة القرى والطرقات التي تتداخل في ما بينها، او تتباعد بعضها عن بعض.
ورغم أن لحوادث سير الباصات المدرسية أسباباً متشعّبة، والتي قد تكون أحياناً خارجة عن سيطرة السائق ومسؤوليته، الا أن طبيعة الحوادث التي شهدها لبنان مع بداية العام الدراسي الحالي تطرح أكثر من علامة استفهام. 20 جريحاً في غضون أسبوعين اثنين وحسب، توزعوا بين طلاب مدارس وطلاب جامعات وطلاب من ذوي الحاجات الخاصة. 9 منهم اصيبوا على اثر تدهور سيارة من نوع فان يوم الأربعاء 19 تشرين الأول الفائت، وذلك على طريق صور طريق دير قانون النهر الشعيتية، نقلوا بعدها الى المستشفى اللبناني الايطالي للمعالجة. واستقر الباص الى جانب شجرة بعدما انزلق الى منحدرٍ على جانب الطريق وانقلب على ظهره. في حين أن الحادثة الأكثر اثارةً للجدل، تمثّلت باصطدام باصين في الرابع من تشرين الأول الفائت على طريق عام دير كيفا تقاطع الجبانة، احدهما كان ينقل طلاباً الى جامعات متفرقة في النبطية، فيما كان الآخر يقلّ طلاباً من ذوي الحاجات الخاصة الى مركز الصرفند. وأسفر الحادث عن اصابة 11 طالباً، بجروحٍ صنفت بين المتوسطة والخفيفة، نقلوا على أثره الى مستشفى تبنين الحكومي للمعالجة. وتبين من خلال صور الحادث أن الاصطدام بين الباصين جاء جانبياً، وأدى الى تحطيم الزجاج الأمامي لأحد الباصين فضلاً عن اصابة الواجهة الأمامية للسيارة.
السرعة والمزاحمة وجهل القوانين
في تحليلٍ سريع لظروف حادثَي السير ومسبباتهما التي أدت الى وقوع 20 جريحاً في صفوف الطلاب مع بداية العام الدراسي الجديد، أجرت "النهار" حديثاً مع نقيب أصحاب مكاتب قيادة السيارات وعضو لجنة السلامة المروريّة في لبنان الاستاذ عفيف عبّود الذي يعتبر ان ثلاثة عوامل رئيسية تلعب دوراً رئيساً في حوادث الباصات، الا وهي السرعة الزائدة وجهل القوانين والمزاحمة. وفي ما خصّ الحادث الذي شهدته طريق عام دير كيفان يشير الى أن الفرضية الأكثر ترجيحاً من خلال تحليل الصور، تظهر أن أحد الباصين افتعل توقّفاً فجائياً نتيجة المزاحمة، ما أدى الى اصطدام الباص الآخر به. وعن الحادث الذي شهدته طريق صور وأدى الى جرح 9 اشخاص، يقول إن السبب يتمثّل بالسرعة الزائدة حيث من المتوقع أن يكون السائق قد تفاجأ بانخفاضات مما ادى الى فقدانه لتوازنه نظراً لثقله ومن ثم انحرافه عن مساره وانزلاقه.
ضرورة الخضوع لدورات تأهيلية وتثقيفية
قد يكون من الصعب على المدرسة والأهل التأكد من كفاءة سائق الباص وأهليته للقيادة، كما تدخل الوساطات والمحسوبيات في اختيار بعض السائقين نظراً لاعتبارات مناطقية او شخصية. الا ان الأهمية التي يجب ان تولى في هذا السياق تتعدّى هذه الحدود الضيقة لتشمل ضرورة خضوع السائقين لدورات تأهيلية وتثقيفية لأن حصولهم على دفتر قيادة مسألة لا تكفي. هذا ما يؤكّده عبود معتبراً أنه "يجب على ادارة المدارس تفعيل دورات تأهيلية ومحاضرات بناءة حول كيفية القيادة والمحافظة على سلامة الركاب. يعينون السائق دون أن يكون لديه أي دراية او خبرة في شؤون السير. هذا ما تفعله الشركات التجارية الكبرى حين تريد ان تعيّن موظفين سائقين لديها. هناك مؤسسات ترسل خبراء للاشراف على دورات تأهيلية تثقيفية ومهنية على حدٍّ سواء. ذلك لأنه لا يوجد دفتر باص خصوصي للمدارس". وعن أبرز معايير السلامة التي لا بد من توافرها في الباص يشير الى أحزمة الأمان التي قد تكون كافية في حماية الطلاب، وهي للأسف غير متوافرة في غالبية وسائل النقل المدرسية. برأيه أن الأهل يتقاسمون المسؤولية مع ادارة المدرسة، في حال تعيينهم سائق باص عشوائياً لنقل أولادهم من والى المدرسة للتخفيف من التكاليف الزائدة التي قد يدفعونها للباص الخاص بالمدرسة. "فليتذكروا أن سلامة أولادهم الجسدية أهم من تحصيلهم العلمي"، يضيف عبّود.
لعل المشكلة الأبرز التي يشهدها قطاع النقل العام في لبنان، هي النظرة الدونية اليه. "انت سائق باص؟ اذاً أنت لم تدخل مدرسة في حياتك". هذا ما جعل من هذه المهنة تنحصر في اطار ضيّق، وصعّب امكان العثور على سائقٍ يرضي التطلعات ويشعر الراكب بالأمان. على الأقل هذا الواقع المذري مسيطرٌ على الباصات العمومية، التي منها ما يعمل بصفة العمومي رغم خصوصيته. أما لباصات المدرسة، فحديثٌ آخر. احذروا "الجوكر" الذي قد يظهر فجأةً كسائق. انه ورقةٌ خاسرة.
النهار