تمرّ الأيام ثقيلة على محبّي ميشال عون. يحسبون الوقت بدقائقه وثوانيه في انتظار «اليوم الكبير» المرتقب منذ أكثر من ربع قرن. أما هو، فيحسبها بهدوء، فمن يبلع البحر لا يغص بالساقية.
وحده الاحتمال الأمني لا يزال في الحسبان، ولهذا مثلاً، رفض «الجنرال» المخاطرة بالنزول الى ساحة 16 تشرين الاول لملاقاة جمهوره وجهاً لوجه، وفضّل مخاطبتهم من الرابية، ضماناً لسلامته وسلامتهم.
لم يكلّف المتحمسون لعون أنفسهم عناء التنقيب عن الأسباب الموجبة التي دفعت الرياض الى فصل المسار اللبناني عن بقية مسارات المنطقة المشتعلة، برغم مؤشرات الإرباك السعودي في إدارة ملفات المنطقة، وشكل إرسال وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان، إشارة واضحة الى أن السعودية لم تكن غائبة عن معظم الخطوات التي خطاها الحريري.. رئاسيا.
بنظر هؤلاء المتحمسين، «يبدو أنّ النظرية التي روّج لها وزير الداخلية نهاد المشنوق قد فعلت فعلها. وقاعدتها الأساس، «أنّ الحفاظ على «الطائف» ومكتسباته من خلال تزكية خيار عون، هو أفضل وأربح من الرهان على عامل الوقت والمتغيرات الاقليمية، وانتظار عودة «حزب الله» من سوريا»!
وفق هؤلاء، لا بد من نظرة الى دور «حزب الله» المدرج على لوائح الإرهاب الخليجية. الحزب يقف في هذه الأيام محتفياً بإيصال حليف السنوات العشر الى سدّة الرئاسة. يكفي التدرج الذي تعاطت به السعودية مع هذا الاستحقاق لتبيان حجم التنازلات التي قدمتها. فبعدما تعامل بعض العواصم العربية مع سمير جعجع بحفاوة رئاسية بالغة، عادت ومنحت مباركتها لترشيح سليمان فرنجية، وها هي اليوم تستسلم لخيار ترئيس ميشال عون، ما يعني العودة الى مربع «حزب الله» الذهبي: مربع الوفاء.
بهذا المعنى، ينظر الحزب الى الاستحقاق وتفرّعاته، فيقدم المغزى الاستراتيجي على ما عداه ويحيل الحياكات الداخلية، بما فيها الحكومية، الى شريك السراء والضراء، نبيه بري.
وثمة اعتقاد سائد بأنّ بري غالى في حسبته للموقف السعودي، ولربما أخذته الحماسة الى الظنّ أن الرياض لن تسمح بوصول «الجنرال» الى الرئاسة، وقد ترفع بطاقتها الحمراء في أي لحظة، الأمر الذي دفع به الى صبّ كل غضبه على «التفاهم الثنائي» المطرز بيدي جبران باسيل ونادر الحريري. هذا لا يعني أبداً أن بري سيقاطع الحكومة المقبلة، وثمة رهان على قدرته على تدوير الزوايا والتخفيف من حدتها، وهو بدأ بالتخفيف من حدة خطابه، ما يعني استعداده للجلوس حول طاولة ثلاثية تضم ميشال عون رئيساً وسعد الحريري رئيساً للحكومة ونبيه بري رئيسا للمجلس.
أمّا وقد انتقل النقاش الى ملعب الحكومة، فيفترض أن تحكمها قواعد مختلفة عن تلك التي سادت الملف الرئاسي. فقد التزم «حزب الله» قولاً وفعلاً بكلمته لإيصال العماد عون الى الرئاسة، لكنه في رئاسة الحكومة اكتفى بمعادلة «عدم ممانعة» عودة الحريري.
هذا يعني:
ـ أنّ «حزب الله» غير معني بأي اتفاق ثنائي اذا ما حصل، وبالتالي إنّ الثلاثاء «هو يوم آخر».
ـ أنّ «حزب الله» غير ملتزم بتسمية الحريري رئيساً للحكومة، ولا بعدم الاشتباك معه على طاولة الحكومة اذا ما جلسا سوياً.
لا يعني ذلك أن الضاحية ستعيد تكرار تجاربها مع الرئيس رفيق الحريري بعدم تسميته رئيساً للحكومة. كل الخيارات تناقش، ويعلن عنها في حينه. ولكن المشاركة أو عدم المشاركة في الحكومة، لا تزال رهن التشاور مع الرئيس بري. ولكن الأكيد، أن الحليفين سيترافقان سويا، الى داخل الحكومة أو خارجها. تجربة الانفصال رئاسيا غير مرشحة للتكرار حكومياً، وفق ما يؤكد المطلعون على موقف الحزب.
وتؤدي هذه المعادلة الى واقع لا يمكن لأي حكومة تخطيه اذا ما أصرّ «الثنائي الشيعي»، بطلب من رئيس المجلس، على البقاء خارج الجنة الحكومية، لا سيما اذا قرر بري رفع سقفه عالياً، وعجز رئيس الحكومة عن تلبية «أجندة» المعارضة التي يمثلها راهناً بري وفرنجية.
وتبقى التفاصيل الحكومية ملك رئيس المجلس أيضاً ليقرر فيها. الثابت الوحيد على طاولة «حزب الله» هو عدم منحه أهمية لـ «قاعدة الأثلاث»، لا الضامن ولا المعطل. ما كرّسه اتفاق الدوحة يسري على سلطة تنفيذية يرأسها «ماروني وسطي»، ولكن مع وصول الرئيس الحليف لـ «حزب الله» الى سدة الرئاسة، تسقط حكماً قيمة الثلث الضامن.
في المحصلة، يفضل «حزب الله» مشاركة «الثنائي الشيعي» حكوميا حتى تكون انطلاقة العهد الجديد محصنة بحكومة فاعلة تكوينا ومهمات، لا سيما أنّ هذه الحكومة ينتهي عمرها مع الانتخابات النيابية، التي يستحيل تأجيلها.

السفير