بدءاً من منتصف الليلة، تؤخّر الساعة ساعة واحدة، مع دخول البلاد التوقيت الشتوي، وبدءاً من منتصف بعد غد الاثنين من المفترض ان ينتهي الشغور الرئاسي الذي تجاوز الثلاثين شهراً، بمباركة عربية عكستها زيارات الموفد السعودي وزير الدولة لشؤون الخليج ثامر السبهان، والتي شملت في يومها الثاني الرؤساء: سعد الحريري، وفؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي والمرشح الرئاسي النائب ميشال عون ورئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، إضافة إلى الرؤساء الروحيين: مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان والبطريرك الماروني بشارة الراعي ونائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، على ان يزور الرئيس نبيه برّي اليوم والمرشح الرئاسي الثاني النائب سليمان فرنجية ووزير الداخلية نهاد المشنوق وقائد الجيش العماد جان قهوجي، ويولم له مساءً الرئيس الحريري في «بيت الوسط»، من دون ان يجزم مصدر واكب الزيارة ما إذا كان الوزير السبهان سيحضر جلسة انتخاب رئيس الجمهورية قبل ان يغادر لبنان.
واعرب مصدر نيابي في كتلة «المستقبل» عن اعتقاده بأن مغزى الزيارة هو التأكيد على عودة الاهتمام بلبنان من دون ان يعني ذلك دعم مرشّح بعينه.
ولفت المصدر إلى ان الوزير السعودي الذي يعرف لبنان جيداً، شدّد خلال لقاءاته على ضرورة إنهاء الفراغ الرئاسي، وأن المملكة على مسافة واحدة من الجميع، مع تجديد التأكيد على أهمية تثبيت دعائم الاستقرار من النواحي السياسية والأمنية والاقتصادية، والتشديد على حرص المملكة على دعم الاعتدال في لبنان.
وكاد المشهد السياسي الداخلي يكتمل مع إعلان النائب جنبلاط انه «تفاوت» شكلاً مع الرئيس برّي في الموقف من انتخاب النائب عون، مذكراً بتاريخ حافل بين الرجلين، في لقاء وصفه وزير الصحة وائل أبو فاعور بأنه «لقاء تفهم وتفاهم»، فيما كان النائب عون يكمل لقاءات الشكر والبروتوكول من السراي إلى كليمنصو في أجواء بدت تطلعية وقلقة في الوقت نفسه، بمعزل عن قرار وزير التربية والتعليم العالي الياس بو صعب بتعطيل المدارس الرسمية والخاصة والجامعات، لاعتبارات تتعلق «بالعرس» و«اليوم التاريخي» الذي لم تر فيه حركة «أمل» الا يوماً عادياً، فقررت مؤسسات «أمل» التربوية التدريس الاثنين في مدارسها في بيروت والجنوب والبقاع.
على ان السؤال الذي تضمن قلقاً وريبة يتعلق بالرسالة النصية التي بعثت بها سفارة كندا في لبنان إلى رعاياها تطلب منهم تجنّب التنقل والاجتماعات في الأسبوع الذي يلي انتخاب عون وحجز أنفسهم في المنازل بعد تجهيزها بمياه تكفي لخمسة أيام وبطاريات ومصابيح في حال انقطعت الكهرباء وطعام صالح للتخزين وكمية احتياطية من الماء.
وازاء أجواء الحذر والترقب، وبعد إجازة المدارس، قررت مجموعات كبيرة من النّاس تمضية «الويك اند» خارج بيروت وتجنب التحركات إلى ما بعد الثلاثاء، فيما رفعت القوى الأمنية من منسوب اجراءاتها سواء لتوفير الحماية لجلسة الانتخاب، أو حماية الأماكن العامة، لا سيما المحيطة بساحة النجمة، وتعزيز الإجراءات حول دور العبادة والسفارات وعند تقاطعات الشوارع العامة.
كتلة المستقبل
والأبرز من الناحية السياسية إعلان كتلة «المستقبل» بعد اجتماعها برئاسة الرئيس الحريري انها تدعم ترشيح النائب عون، وانها ستحضر جلسة الانتخاب الاثنين وتمارس حقها في الاقتراع الديمقراطي.
هذا البيان الذي وصفه الرئيس الحريري انه يعكس كيف ستصوت الكتلة في الجلسة، مؤكداً ان الكتلة هي كتلة سعد الحريري وقرارها يتخذ في «بيت الوسط» ونقطة على السطر، و«الكتلة معي ومش مع حدا تاني»، رأى فيه مصدر نيابي شارك في الاجتماع انه يعكس مخاض النقاشات داخل الكتلة في ظل اتجاه النواب المعترضين على التصويت لعون في البقاء حيث هم، سواء كانوا من ضمن أصوات الورقة البيضاء، أو سيصوتون لصالح النائب فرنجية، حيث تحدثت آخر تقارير «البوانتاجات» عن احتمال وصول الأصوات التي سينالها فرنجية مع الأوراق البيضاء إلى 47 صوتاً مقابل 79 صوتاً للنائب عون، بعد موقف نائب طرابلس محمّد كبارة بدعم توجهات الرئيس الحريري وإعلان زعيم المختارة ان اغلب أعضاء اللقاء الديمقراطي سيصوتون لصالح عون، في إشارة ان النواب مروان حمادة وفؤاد السعد وهنري حلو سيصوتون بورقة بيضاء.
وأوضح مصدر نيابي في الكتلة ان الاجتماع لم يكن طويلاً، وهو ناقش إلى جانب موضوع الاستحقاق الرئاسي، موضوع الهجوم الحوثي على مكة المكرمة وقرار الأونيسكو بخصوص القدس، لكن اتفق على حصر البيان في موضوع انتخاب رئيس الجمهورية.
ولفت المصدر إلى ان الجو كان ودياً، ولم يتم التطرق إلى مسألة اعتراض بعض النواب على التصويت لعون في جلسة الانتخاب، مشيراً إلى ان بيان الكتلة لا يعكس حقيقة توجه النواب بالنسبة للتصويت لعون، إذ ان الوضع ما يزال كما هو، من دون أي تغيير، لا بالنسبة لعدد النواب المعترضين، أو بالنسبة لتعديل في المواقف، الا ان المصدر نفى ان يكون يعرف عدد النواب الذين لن يصوتوا لعون، إذ انه لم يحصل أي تنسيق بينهم أو اتصال، على أساس ان كل نائب سيصوت يوم الاثنين حسب قناعاته، مرجحاً ان تكون الورقة البيضاء.
تصور الحريري كرئيس للحكومة
في هذه الأجواء التي تقاطعت فيها الإيجابية والحذر، أطل الرئيس الحريري من على شاشة L.B.C.I في مقابلة استمرت ساعتين، تطرق فيها إلى الظروف التي أملت عقد «تسوية كبيرة مع التيار الوطني الحر لإنهاء الشغور الرئاسي»، مشدداً على أن همّه ليس رئاسة الحكومة بل مصلحة البلد، «فهاجسي الأساسي كان إنهاء الفراغ الرئاسي»، كاشفاً أنه يتفق مع النائب عون على أمور كثيرة ومنها النظرة الاقتصادية.
وأكد الحريري أن قيام الدولة يكون بعودة الاقتصاد إلى البلد، مشدداً أنه إذا انتصر الانتخاب الاثنين سيكون انتصاراً على الفراغ، واصفاً الناس أنهم البوصلة بالنسبة له، متهماً «حزب الله» بأن مرشحه كان الفراغ.
وتطرق الرئيس الحريري إلى علاقته برئيس المجلس، معلناً أنه مع الرئيس برّي ظالماً أو مظلوماً، وقال: «ذهبت إلى الرئيس برّي في آب وسألته إذا كان لديه نيّة لانتخاب فرنجية ولو بعد شهرين أو أكثر فلم ألق جواباً»، مضيفاً: «مش ماشي الحال هيك بالبلد، وكنت صادقاً في ما أقصد، لكن الرئيس برّي لم يكن يتصوّر أنني جدّي».
وقال إن مشكلة الرئيس برّي ليست معي بل هي في مكان آخر، ملمحاً إلى «حزب الله».
وأضاف: «إذا انتخب عون الاثنين فهذا انتصار على الفراغ، وهو ليس مكسباً للسعودية وإنما للعرب جميعاً، وبه نحافظ على الطائف».
وفيما بدا أنه مهادن لحزب الله وإيران، شنّ حملة على الرئيس السوري ونظامه، فردّاً على سؤال لو كان هو رئيس للحكومة وميشال عون رئيساً للجمهورية وأراد الأسد أن يقوم بزيارة لقصر بعبدا فماذا يحصل؟ أجاب: «أنا موقفي واضح في الموضوع السوري، علينا تحييد لبنان عن كل الصراعات وأترك لعون أن يتخذ القرار».
ولم يجد الرئيس الحريري حرجاً في الرد على كل الأسئلة ونقاط الاختلاف والاتفاق مع عون رئيساً للجمهورية، معتبراً أن ما تريده النّاس هو عودة المؤسسات إلى الانتظام، وسنعمل جاهدين لكي يتحسن الوضع الاقتصادي وخلق فرص عمل للشباب.
وإذ وجّه التفاتة خاصة لكل من قائد الجيش العماد قهوجي وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، نفى أن يكون جرى التطرق في التفاهمات مع عون إلى التعيينات بما في ذلك مديرية قوى الأمن الداخلي.
وأكد رفضه لكل ما يقوم به «حزب الله» في الخارج، متسائلاً من الذي يقدر على منع الحزب من القتال في سوريا؟ واصفاً دور الحزب بأنه يرتكب خطيئة بحق لبنان، وحزب الله يدفع الثمن ولا نوافق على دوره هناك.
ورداً على سؤال يتعلق بالثلث المعطِّل، تساءل لماذا لم يطرح هذا الأمر عندما رشحت فرنجية، وهل أن الفريق الآخر لا يثق بالعماد عون؟ واصفاً أنه إذا لم يتمكن من تأليف الحكومة فهذا تعطيل للعهد وليس لصالح عون، مطالباً إيران بعدم التدخل بشؤون لبنان أو الشؤون العربية.
وقال إن موقفي وموقف عون واضح من الملف السوري وتم الاتفاق عليه.
وأكد الحريري أننا نمر في مرحلة سياسية دقيقة والوضع الإقليمي خطر، وهناك فكر إرهابي يمعن في ضرب الاستقرار، متحدثاً عن عملية خلط أوراق كبيرة، ومكرراً أنه قام بمخاطرة وتضحيات من أجل لبنان.
وقال: «يجب أن ننظر لنرى إذا كانت عرقلة تشكيل الحكومة ستكون في وجه رئيس الحكومة أم رئيس الجمهورية»، مكرراً أنه يتعاطى مع الصعوبات بحسن نيّة، ويأمل بشراكة حقيقية مع عون، ومجدداً القول بأن الرئيس برّي «بيمون» وليس هناك تفاهمات ثنائية، وكل ما قمت به لمصلحة البلد، واصفاً ما قام به النائب جنبلاط في شباط 2005 بأنه «عمل لن ينساه».
وفي لحظة وجدانية استذكر الرئيس الحريري كيف أن والده في 31/10/1992، وقبل يوم واحد من عيد ميلاده كلف برئاسة أول حكومة في عهد الرئيس الراحل الياس الهراوي وكيف أنه في 31/10/2016، أي بعد 24 سنة يكلف هو بتشكيل الحكومة.
حزب الله
وبالنسبة لموقف حزب الله، أعاد النائب حسن فضل الله التأكيد أن صدق الوعد تجسّد في شخص الأمين العام للحزب السيّد حسن نصر الله في كل موقعة سياسية وعسكرية، ومن أراد أن يتعلم الصدق والوفاء يتعلم منه.
وجاء هذا الموقف عشية بقاء الرئيس برّي على موقفه والتباين الحاصل مع رئيس المجلس بالنسبة لانتخاب عون، مع تداول معلومات أن لدى الحزب عتب على التيار العوني ورئيسه جبران باسيل بلغ حدّ الانزعاج، واتهام العونيين بالوقوع في «الفخ القواتي» وذلك «عبر الزعم بأن حزب الله لا يريد رئيساً للجمهورية وبالتالي لا يريد انتخاب عون»، وفقاً لمصادر مطلعة على موقف الحزب، والتي أضافت أن النائب عون وباسيل عندما زارا نصر الله قدّما اعتذاراً له عن سوء الظن بموقف الحزب.
وشددت المصادر على أن الحزب على موقفه الناصح وتياره بعدم القفز فوق موقف الرئيس برّي والدعوة لأخذ ملاحظاته بعين الاعتبار، وهو ما عكسته قناة «المنار» في نشرتها المسائية، عندما قالت أنه «لا بدّ من عين التينة ولو طال السفر».