في صعوده الأول، أي نهاية ثمانينات القرن الماضي، اكتسب الجنرال ميشال عون أصوات الرافضين للأمر الواقع حينها، من الميليشيات إلى القوات السورية. لكن هؤلاء الأنصار لم يُحافظوا فحسب على ولائهم للرجل، بل أيضاً على صورة بات صاحبها مغايراً لها في السياسة والثقافة.
ليس الأمر الواقع بعد الحرب منفصلاً عنها. هي انتهت بوصاية سورية وشراكة تحت مظلتها بين الميليشيات ورفيق الحريري. عون كان متمرداً، ولحق به زعيم ميليشيا القوات سمير جعجع بعد تسليمه حقيبة خالية. هذان الخائبان يستعيدان يوم الاثنين مكانتهما في التركيبة اللبنانية، إلى جانب زعماء الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وحركة أمل نبيه بري والمستقبل سعد الحريري. لكن في رحلته الثانية إلى بعبدا، يعود عون الى القصر من بوابة تثبيت الأمر الواقع، لا التمرد عليه.
بيد أن المسار السياسي المرافق لمخاض الانتخابات الرئاسية، يؤشر إلى محاولة لتثبيت سُلطة أركان النظام اللبناني. نتيجة الصفقة الرئاسية الأخيرة، سيعود الحريري إلى رئاسة الوزراء لإعادة ترميم سُلطته ونفوذه وربما أيضاً علاقاته العربية ووضعه المالي والخدماتي. ومن البوابة ذاتها، سيُكافئ عون سمير جعجع بتمثيل نيابي ووزاري أوسع على حساب حزب الكتائب والمستقلين المسيحيين مثل وزير الاتصالات بطرس حرب الذي يتحدث عن تشكيل “جبهة رفض” لعون، قد يكون فيها النائب سامي الجميل.
هذه الجبهة ليست لرفض صفقة الرئاسة بعينها، بل ضد تحالف الثنائي المسيحي (عون - جعجع) وراءها، والذي يُرجح أن يسحق المستقلين المسيحيين مثل الجميل وحرب وربما حتى المرشح الآخر للرئاسة النائب سليمان فرنجية، إلى جانب آخرين.
هذا مسيحياً. على الصعيد السُني، يبدو الاتفاق بين الحريري وعون، شاملاً لوعد الأخير تثبيت نفوذ المستقبل في مناطق السُنّة عبر تقويض أو احتواء نجم اللواء أشرف ريفي. بعض الإعلام العوني بدأ حملة على ريفي، دفاعاً عن الحريري، بما يُنبئ بتعميم هذه الحالة سياسياً وربما أمنياً وقضائياً أيضاً.
جنبلاط وبري ليسا في هذه الخانة. هما قلب النظام اللبناني، ما يضعهما في خانة المفاوضين. وهذه مفاوضات لا تدور حول الحكومة فحسب، بل قانون الانتخابات النيابية المقبلة. لذا تحدث النائب في التيار آلان عون عن ”تقاطع كبير“ بين "الوطني الحر" ورئيس مجلس النواب نبيه بري على قانون الانتخاب، سيما أنهما ”متحمسان للنسبية“. وعون أكد في تصريحه التفاوض المبكر حول قانون الانتخابات النيابية، رغم اعترافه بعدم التوصل الى اتفاق بعد. طبعاً، النسبية هنا مختلطة ولن تُعمم على كل الأقضية، أو تأتي بنائب مستقل، بل ستُفصّل على حساب السياسيين لضمان أحجام كتلهم النيابية، وإقصاء الأصوات المعارضة.
يريد أقطاب السُلطة اتفاقاً على قسمة البرلمان المقبل قبل الانتخابات الرئاسية، وتناغماً بينهم بهدف تثبيت نفوذهم وإسكات أي معارضة قد تتسلل من شقوق الخلافات. والأرجح أن تشهد الانتخابات النيابية ممارسات قريبة من سابقتها البلدية، لجهة اختفاء بعض الصناديق وانقطاع الكهرباء، حتى الفوز الحتمي.
كل ما سبق يدفع أكثر إلى التفكر بتحولات الجنرال خلال 3 عقود. ليس عون اليوم متمرداً على النظام السوري، بل حليفاً له، وليس بالتأكيد معارضاً للحريرية السياسية ومطالباً بالإصلاح ومتحدثاً عن ”الإبراء المستحيل“ (بات برتقالياً)، بل مُثبتاً لسُلطتها. ولم يعد محارباً ضد الميليشيات، انتصاراً للدولة وجيشها، بل بات حامياً لسلاحها في وجه أي عدوان عليه.
يُتوّج هذا الرجل يوم الاثنين عضواً أصيلاً في هذا النظام العفن على رأس جمهورية تتراكم نفاياتها.
مهند الحاج علي