حوالي الستين ساعة تفصلنا عن انتخاب رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، سيرفع رئيس مجلس النواب نبيه بري مطرقته ويهوي بها من على كرسي الرئاسة الثانية معلناً العماد عون رئيساً للجمهورية اللبنانية، الا اذا لا سمح الله حصل طارئ لا يتمناه احد، يخالف المسار العام ويقحم البلد في مرحلة، لا يُستَشرف لها افق....
حسمت الامور، بالارقام وبالسياسة لا يفصل ما بين عون وكرسي بعبدا سوى ساعات ستمر طويلة على عون ومحازبيه ومناصريه، وقصيرة جداً على رافضي وصوله الى رئاسة الجمهورية.
"سُلب بري قبعة المعجزات السياسية، وهذه المرة جاءت حسابات الاستاذ مخالفة عن حساب بيدر السياسية اللبنانية، الطبخة طبخت خارج مطعم عين التينة، ولم يعد امام بري الا تقديمها الى اللبنانيين".
قراءة قدمها كثيرون، في مقاربة للتسوية السياسية التي ستوصل العماد عون الى كرسي بعبدا، الا ان استعراضا بسيطاً لمسيرة "مايسترو المجلس النيابي"، وتاريخه السياسي يؤكد أن جعبة هذا الرجل لا يمكن ان تقفر من خليط الحنكة والدهاء السياسي الذي التصق بهذا الرجل منذ ابحاره في رحلة السياسة اللبنانية، ليتحول الى مشاهد لجولة الاتفاق السياسي تنزلق بين اصابعه من دون ان تمهر بختمه.
هل فعلا اخفقت نظارات بري هذه المرة في استشراف المرحلة السياسية؟ فأحاد عن سكة القرار السياسي؟ وبات اعجز عن ركوب الموجة السياسية التي سارت بخلاف وجهة رياحه؟
السؤال جائز، فيما لو ان الموجة السياسية التي ستحمل عون الى شواطئ بعبدا، ستتكسر عند صخور الاستحقاق الرئاسي، الا انه لا مفر من ان تستكمل الموجة طريقها نحو مجلس وزاري جديد، وتعيينات معلقة، وحقبة رئاسية ستستمر لست سنوات مقبلة.
السؤال الاهم في هذه المرحلة، في حال لن تصب اصوات كتلة التحرير والتنمية النيابية في خانة عون؟ هل يمكن ان نرى بري بعيدا عن كرسي الرئاسة الثانية؟
الف باء السياسة اللبنانية في ظل التركيبة السياسة القائمة، ينص على أن هذا الامر من المستحيلات السياسية، خصوصا في ظل حالة التماهي الشيعي - الشيعي، المتجاوزة لأي بحث في هوية رئيس المجلس النيابي.
ومن هذه البوابة، يمكن الانطلاق للبحث في التكليف الوزاري، ولا سيما في ظل رغبة العماد عون بالانطلاق بـ"عهد جديد"، مع ما يستلزم هذا العهد من تضامن وتكاتف سياسيين، من المفترض ان يسارعا في تشكيل الحكومة واعادة اطلاق العجلة السياسية في البلد، والا سننتقل من مرحلة الفراغ الرئاسي الى مرحلة الفراغ الوزاري، وبالتالي يصبح العهد الرئاسي، أشبه الى الرأس المتكئ على جسد معتل، فضلاً عن اليقين والادراك التامين لدى العماد عون بان التزام حزب الله تجاه التمسك بترشيح العماد عون الى رئاسة الجمهورية، لا يمكن أن ينسحب الى المس بعلاقته مع حركة امل في أي تفصيل من تفاصيل السياسة، وخصوصا في الملف الوزاري، وزواريب السياسة الداخلية.
من هنا، يبقى خارج السياق، الحديث عن مرحلة سياسية جديدة، يبقى بري خارجها، وبالتالي من غير اليسير استشراف المرحلة المقبلة من دون طاولة حوار تفضي الى اتفاق على هوامش سياسية عريضة لادارة المرحلة، يشارك في رسمها أعمدة النظام السياسي القائم، والا سنكون امام عهد سياسي أعرج، ثقيل الخطى، مترنحا نحو وجهة، لا تبشّر ولا تطمئن.
 
 
 
ابراهيم درويش : لبيانون فايلز