أبدت تركيا استعدادا لقيادة عملية عسكرية في مدينة الرقة السورية لاستعادتها من تنظيم الدولة الإسلامية، شريطة عدم السماح لوحدات حماية الشعب الكردية بالمشاركة في المعركة.

وبدأت واشنطن مؤخرا دق طبول الحرب على تنظيم داعش في الرقة العاصمة الثانية لخلافته المزعومة في شمال شرقي سوريا، وسط تأكيدات مسؤولين أميركيين أن الأكراد سيكونون رأس حربة في هذه المعركة التي ستنطلق في غضون الأسابيع المقبلة.

تصريحات المسؤولين الأميركيين أثارت حفيظة أنقرة التي تعتبر أن الوحدات الكردية ليست إلا امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي يلوح بورقة انفصال شرقي تركيا، فتراوح الرد التركي بين التهديد المبطن ومحاولة إغراء الجانب الأميركي بالتخلي عن الأكراد مقابل تولي مسؤولية استعادة المدينة.

وجاء اتصال الرئيس رجب طيب أردوغان، مساء الأربعاء، بنظيره الأميركي باراك أوباما في هذا السياق حيث أبدى استعداد بلاده لخوض معركة الرقة، مقابل ألا يسمح بوجود عناصر كردية في هاته المعركة.

ويرجح البعض أن يكون أردوغان قد نجح في “إقناع” الإدارة الأميركية بالتعويل عليه في هذه المعركة الحاسمة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وهو ما تعكسه تصريحاته، الخميس، حين أكد أن العمليات العسكرية التي تقوم بها تركيا في شمال سوريا ستتوسع إلى مدينة الرقة معقل تنظيم الدولة الإسلامية.

وقال أردوغان في خطاب بثه التلفزيون “الآن نتقدم باتجاه الباب” المدينة الواقعة في شمال سوريا. وأضاف “بعد ذلك سنتقدم باتجاه منبج” التي تسيطر عليها الوحدات الكردية “وباتجاه الرقة”.

وكانت وحدات حماية الشعب الكردية قد نجحت في تحرير مدينة منبج الرابطة بين الرقة والحدود التركية، في أغسطس الماضي في إطار تحالف قوات سوريا الديمقراطية المدعوم من التحالف الدولي ضد تنظيم داعش.

وشكلت استعادة منبج نقطة فارقة بالنسبة إلى الأتراك في سوريا، حيث يرون أن خارطة سيطرة الوحدات تكبر بسرعة وأنه حان الوقت لوضع حد لتمددها صوب غرب نهر الفرات.

التركيبة الديموغرافية للرقة والتي تسيطر عليها العشائر العربية لن تسمح للأكراد بالتواجد في ظل الحساسية المفرطة بين الطرفين
وأعلنوا بعد أسابيع قليلة من تحرير منبج من داعش عن عملية عسكرية تحت مسمى درع الفرات تولتها فصائل إسلامية سورية وقوات خاصة تركية مصحوبة بسلاح الجو التركي، وقد بدأت بمدينة جرابلس حيث تم تحريرها في بضعة ساعات من تنظيم الدولة الإسلامية الذي لم تسجل له أي مقاومة تذكر هناك.

وتوالت العمليات التركية داخل الأراضي السورية، حيث تمت السيطرة بسرعة على دابق البلدة التي تحمل رمزية دينية كبرى بالنسبة إلى عناصر داعش، وكان اللافت كذلك غياب أدنى مقاومة من عناصر التنظيم.

واليوم تضع أنقرة عينيها على استعادة منبج من حلفاء واشنطن ونعني هنا الوحدات الكردية والثمن المقابل سيكون الرقة.

وقال أردوغان “لسنا بحاجة إلى منظمات إرهابية مثل حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب في الرقة. تعالوا (للأميركيين)، فلنطرد داعش معا من المدينة. يمكننا أن نفعل ذلك معا، لدينا القدرة على ذلك”. +ويرى مراقبون أن العرض التركي مغر نسبيا للأميركيين وإن كان سيكلفهم حليفا مهما بالنسبة إليهم، مع الإشارة أنه سبق لهم وأن تخلوا عنه لإرضاء أنقرة حينما غضوا الطرف عن استهداف قوات درع الفرات للمناطق التي يسيطر عليه الأكراد.

ويقول محللون غربيون إن الولايات المتحدة في حاجة أكيدة، للدعم التركي، خاصة وأن تحالف قوات سوريا الديمقراطية التي تعتبر الوحدات عموده الفقري غير قادر على اجتياح المدينة بريا بمفرده.

كما أن التركيبة الديموغرافية للرقة والتي تسيطر عليها العشائر العربية لن تسمح للأكراد بالتواجد في ظل الحساسية المفرطة بين الطرفين.

والنقطة الثانية التي قد تجعل واشنطن تميل نحو الكفة التركية في معركة الرقة هي غياب إرادة حقيقية للأكراد في تولي المعركة، خاصة وأن المدينة لا تنضوي داخل الإقليم الذي يسعون إلى تشكيله.

وهناك خوف واضح عبر عنه صالح مسلم رئيس الاتحاد الديمقراطي الكردي من أن تستغل أنقرة انخراط الوحدات في معركة الرقة “لاحتلال” المناطق التي كانوا سيطروا عليها.

وطالب مسلم مؤخرا الولايات المتحدة الأميركية بتقديم ضمانات فعلية تحول دون تعرضهم لـ“طعنة في الظهر” من قبل أنقرة.

وإلى جانب كل هذه النقاط تضع الإدارة الأميركية في حسبانها أن أنقرة لن تقف مكتوفة اليدين في حال اعتمدت على الوحدات الكردية في معركة الرقة، وهي قادرة فعلا على تعطيل مكابحها.

وفي ظل الجدل القائم حول من يتولى طرد داعش من الرقة (الأكراد أم تركيا وحلفاؤها في سوريا)، يبدو الجيش السوري وروسيا مغيبين تماما.

ويجيب مصدر فرنسي عن ذلك بالقول إن “روسيا والنظام السوري يشنان حربا من نوع آخر. فهما يسحقان المعارضة في حلب. ومن الواضح أن مدينة الرقة ليست مسألة ذات أولوية بالنسبة إليهما”.

صحيفة العرب