اذا كان المؤشر العملي الأكثر تعبيراً عن اقتراب النهاية لـ"عهد الفراغ" الرئاسي وحلول عهد رئاسي جديد تمثل في الجلسة الوداعية التي عقدتها حكومة الرئيس تمّام سلام أمس، فإن الحدث الأبرز الذي واكب الأيام الانتقالية الاخيرة قبل الجلسة الانتخابية الرئاسية الاثنين المقبل تمثل في حضور موفد سعودي الى بيروت في مهمة "استثنائية". فماذا يعني ان توفد المملكة العربية السعودية التي سال حبر كثيف من الاجتهادات والتقديرات المتناقضة حول موقفها من انتخاب العماد ميشال عون وزير الدولة للشؤون الخليجية ثامر السهبان الى بيروت قبل ثلاثة أيام فقط من موعد جلسة الانتخاب؟
بعيداً من الاجتهادات او توظيف الزيارة داخلياً في هذا الاتجاه أو ذاك، بدا واضحاً انها تشكل تطوراً ديبلوماسياً بارزاً في المقام الاول لجهة انهاء مناخ من التباعد أو النأي السعودي عن الشؤون اللبنانية وهو أمر يكتسب دلالات مهمة لا تقتصر على البعد الرئاسي وحده بل تتمدد نحو آفاق اوسع تتصل بالحضور السعودي في لبنان في ظل ما أثاره الاتجاه الى انتخاب العماد عون من شكوك واسعة في الخلل الاقليمي الذي يتيح اندفاع تأثير المحور الايراني وبذلك لا تبدو الزيارة في توقيتها منفصلة عن ملامح اعادة التوازن الى المشهد اللبناني عشية الانتخاب الرئاسي.
أما ما أثارته الزيارة في توقيتها من تساؤلات طبيعية عن موقف الرياض من انتخاب عون، فلم يكن ممكناً الاجابة عنها فوراً لمجرد ان وصل الموفد السعودي وشرع في لقاءاته مع المسؤولين والسياسيين اللبنانيين، لكن العنوان الأبرز الذي تصاعد عقب طلائع جولته كان ما نقل عنه من ان "المملكة ستدعم الرئيس الذي يتفق عليه اللبنانيون" من دون انخراط في أي تسمية. كما أفادت معلومات ان الموفد السعودي يبلغ من يلتقيهم ان السعودية "تبارك كل الجهود لانتخاب رئيس الجمهورية وكل ما يتفق عليه اللبنانيون حول هذا الملف".
وتحفل أجندة الوزير السعودي الذي التقى أولاً الرئيس سلام ومن ثم الرئيس أمين الجميل في بكفيا ثم الرئيس ميشال سليمان يرافقه القائم بالاعمال السعودي وليد البخاري بمروحة واسعة من اللقاءات تشمل رئيس مجلس النواب نبيه بري والرؤساء سعد الحريري وفؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي والعماد عون ورؤساء الطوائف ورئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب وليد جنبلاط والنائب سليمان فرنجية ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع والوزير بطرس حرب ووزير الداخلية نهاد المشنوق وقائد الجيش العماد جان قهوجي. وسيقيم الرئيس الحريري على شرفه مأدبة عشاء مساء السبت يحضرها عدد كبير من الشخصيات. وتردّد ان الوزير السعودي سيبقى في لبنان لحضور جلسة القسم الرئاسي للرئيس المنتخب الاثنين المقبل.
وعلمت "النهار" أن زيارة الوزير السعودي السبهان تقررت منذ منتصف الأسبوع الماضي، لكنها أرجئت في انتظار عودة الرئيس بري من سويسرا باعتبار أن اجتماع الموفد السعودي معه يشكل الدافع الأساسي للزيارة.
وأكدت مصادر مطلعة لـ"النهار" أن الزيارة لا تندرج في سياقات أُعطيت لها في بعض وسائل الإعلام، فهي ليست لمباركة انتخاب النائب ميشال عون تحديداً المرجح الإثنين ولا لتسجيل موقف، بل هي لإبلاغ المعنيين والقيادات في لبنان أن المملكة العربية السعودية ودول الخليج لا تزال مهتمة بلبنان وغير صحيح القول إنها أدارت له ظهرها. وأوضحت أن المملكة ودول الخليج لا تنحاز إلى مرشح رئاسي في لبنان على حساب مرشح آخر وتقف على مسافة واحدة من كل الأطراف، كما أنها تؤيد التوافق اللبناني وانتظام الدولة وعودة المؤسسات، ولا تتدخل في الشأن الداخلي السيادي للبنان.

 

الحريري
ومع عودة الرئيسين بري والحريري الى بيروت يتخذ العد التنازلي لجلسة الاثنين بعداً حاسماً من حيث رسم الصورة شبه النهائية لحجم التصويت في الجلسة الموزع بين العماد عون والنائب فرنجية والأوراق البيضاء وإن تكن النتيجة سوف تحسم مبدئياً وحسابياً لمصلحة العماد عون في دورة الاقتراع الثانية خلال الجلسة. وستعقد كتلة "المستقبل" اجتماعاً اليوم برئاسة الرئيس الحريري يتوقع ان يتحدث خلالها عن آخر المعطيات المتصلة بالجلسة وآفاق مرحلة التكليف والتأليف للحكومة الجديدة، كما ستكون للحريري ليلاً اطلالة تلفزيونية مع الزميل مارسيل غانم في برنامج "كلام الناس" يتناول فيها كل مجريات دعمه لترشيح العماد عون وما سيلي الانتخاب الرئاسي من محطات واستحقاقات.

 

الكتائب: لا للصفقة
وسط هذه الأجواء، اتخذ حزب الكتائب موقفاً متقدماً من رفض التسوية السياسية لانتخاب العماد عون وفند رئيس الحزب النائب سامي الجميل دوافع هذا الموقف في مؤتمر صحافي عقده مساء أمس في البيت المركزي للحزب. وأبرز ما ميز هذا الموقف رد الجميل على القول بأن الرئيس المقبل "صنع في لبنان" اذ رأى ان "الحدث الأخير الذي صنع في لبنان الحر والديموقراطي هو ثورة الأرز أما هذا الاستحقاق فهو بعيد كل البعد من طموح الشعب اللبناني وهو صنع بمنطق التعطيل والفرض". وقال الجميل "إن الذي أمّن وصول الجنرال عون الى الرئاسة ليس كونه المسيحي الأقوى وإنما قرار "حزب الله" الالتزام الاخلاقي معه ونحن نعتبر ان هذا الانتخاب يعطي "حزب الله" الحق الحصري والأحادي في اختيار الرئيس وفرضه على اللبنانيين". وأضاف ان "تصويتنا سيكون وفق قناعاتنا ولن ندخل في الصفقة الرئاسية القائمة"، مؤكداً ان "الورقة الفاصلة التي نعول عليها هي أداء الرئيس المقبل وممارسته لمهماته وسنحاسب على الخطأ وسندعم كل خطوة تقع في اتجاه تحقيق المشروع اللبناني".

فرنجية
وصدر عن رئيس "تيار المرده" النائب سليمان فرنجية ليلاً بيان دعا فيه "أهلنا وأحباءنا الى عدم التجمع أو النزول الى الشوارع والساحات العامة الاثنين المقبل تاريخ جلسة الانتخاب، فكلّ همّنا أن تكون الجلسة ديموقراطية فهذا نحن وهذه أخلاقنا".