بعد وفاة أزواجهن في سورية، تجد زوجات قتلى حزب الله أنفسهن في مواجهة خيارين، أحلاهما مر، إما الرضوخ إلى تحرش بعض قيادات الحزب المذهبي، أو انقطاع المساعدات المالية التي تمنح لهن، مما يدفع كثيرات منهن إلى الزواج من آخرين يكبرونهن سنا للهروب من الإغواء. كما تعاني أخريات من تدهور أوضاعهن المالية بعد مقتل من كانوا يعولونهن.
  معاناة نسائية

تزايد محاولات التحرش

فقدان أرباب الأسر

توقف الدعم المادي

ارتفاع عدد ضحايا الحرب


تسببت ممارسات حزب الله، وإصراره على الانغماس في الحرب بسورية، رغم إرادة غالبية اللبنانيين، في خسائر كبيرة على الصعيدين البشري والاقتصادي، ألقت بأعباء كثيرة على مؤيديه ومعارضيه على حد سواء.
ونشر معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى سلسلة مقالات للكاتبة اللبنانية، حنين غدار، تعرضت فيه إلى المعاناة المتزايدة على البيئة الحاضنة للحزب. وقالت إن العديد من العائلات التي تدين لحزب الله، سواء في ضاحية بيروت الجنوبية أو البقاع، فقدت عائليها ومن يقومون بالصرف عليها، بعد أن استقطبهم الحزب للقتال إلى جانب قوات النظام السوري، وبعد مقتلهم زارهم مسؤولون بارزون في الحزب، وطمأنوهم بأن قيادة الحزب سوف تعتني بهم ولن تتخلى عنهم، وسلموهم في ختام الزيارة مظاريف بها أموال نقدية، تبلغ في المتوسط خمسة آلاف دولار في كل مظروف، وفي معظم الأحيان كانت تلك الزيارة هي الأولى والأخيرة.
وتتعرض الكاتبة إلى أن نساء قتلى الحرب السورية، لاسيما الصغيرات في السن، وعلى قدر من الجمال، يجدن معاناة كبيرة مع قيادات بارزة في الحزب، تتمحور حول التحرش، وتصل في بعض الأحيان إلى طلب قضاء ليالي حمراء، ومن تمانع منهن يكون عقابها وقف الإعانات المالية، مضيفة أن كثيرات اضطررن إلى التجاوب مع تلك المحاولات، فيما تمسكت أخريات بالرفض وارتضين الزواج من رجال يكبروهن سنا، لأجل التخلص من محاولات التحرش.
 

وعود وهمية

تسلط الكاتبة الضوء على مأساة العائلات اللبنانية التي فقدت أبناءها وعائليها في الحرب السورية، وقالت "عندما توفي ابنها البالغ من العمر 27 عاماً في سورية، شعرت ريما بالغضب أكثر من شعورها بالحزن. للأسف، لم تستطع أن تعبّر بصوت عال عما كان يدور بذهنها. فقد تم إرساله للقتال، من دون موافقتها، ومن دون أن يتلقى التدريب المناسب. أرادت أن تلقي اللوم على شخص ما، وبشكل رئيسي على أولئك الذين أقنعوه بالانضمام إلى المقاتلين، لكنها لم تستطع فعل ذلك. وعندما زارها مسؤولو حزب الله، اختنقت الكلمات في حنجرتها أثناء استماعها إليهم يطيلون الحديث، ومع أنها كانت تستمع لهم، إلا أن جلّ ما أرادته منهم كان المغادرة. فلم تشعر بالقوة والمرونة التي ترتبط عادة بأمهات الشهداء. بل شعرت بأنها مستنزفة وخاوية"
 

التحرش بالأرامل
فجَّرت غدار مفاجأة عندما قالت إن زوجات القتلى، لاسيما الصغيرات في السن وعلى قدر من الجمال يواجهن مشكلة كبرى تتمثل في التحرش الذي يمارسه عدد من قيادات الحزب، وتنقل عن إحداهن، وتدعى أمل، أن وفدا من مسؤولي الحزب جاء لزيارتها، وأعطوها مغلفاً مليئاً بالمال. ثم زارها أحدهم بعد بضعة أسابيع "للاطمئنان عليها"، ولكن بعد ذلك أصبحت زياراته متكررة وبدأ يغازلها. ومع أنها فقيرة للغاية، إلا أنها وجدت مطالبه مهينة. وعندما رفضته، هدد بوقف الأموال التي تحصل عليها. فاضطرت إلى العودة لعائلتها في منطقة البقاع. ونسبة لفقر أسرتها، وافقت على عرض زواج من مقاتل آخر لم تره من قبل. فكونها زوجة أحد المقاتلين يضفي عليها هيبة معيّنة. وفور تزوجها من المقاتل، توقفت المضايقات التي كانت تطالها.
 

إهداء العرائس

تسلط غدار الضوء على جانب آخر من المشكلة يتعلق بالأرامل الشابات قائلة "فاطمة، زوجة أحد القتلى تحب فكرة مقارنتها بالبطلة التي طبعت ملامح تربيتها. فهي أرملة في العشرين من عمرها الآن، ولديها ابن سوف تضطر لتربيته بنفسها. وقال لها مسؤولون في الحزب إنه لا داعٍ للقلق، لأنهم "سيعتنون بها". مع أنهم لم يحددوا أبداً كيف سيقومون بذلك بالضبط، لكنها ستدرك قريباً أن الأمر ليس سوى وهم". وتضيف "تصبح العديد من الأرامل الشابات الفقيرات، مثل فاطمة، جزءاً من مجموعة عرائس حزب الله، أو مجموعة الزوجات المؤقتات، لمقاتلي الحزب، كمكافأة تُعطى لأولئك الذين يعودون إلى بيروت لينعموا بقسط من الراحة من المعركة، أو يصابون بجروح خلال القتال ويستحقون التعويض. 
 

تشجيع العلاقات الخاطئة
تكشف الكاتبة أن مسؤولي الحزب أدركوا بعد معركة القُصير عام 2013، أن الحرب السورية ستكلفهم أكثر مما كان متوقعاً. وسيكون غير قادر على تغطية معظم التعويضات لأسر الشهداء. لذلك بدأ يطلب من عناصره العزوف عن الزواج وتكوين الأسر، ولجأ إلى تجنيد الشبان بنسبة أكبر. وتقول "إذا توفي هؤلاء، على الحزب أن يدفع فقط بضعة آلاف من الدولارات إلى ذويهم، ولكن عندما يموت رجل متزوج أو يصاب بجراح، يتوجب على الحزب رعاية أسرته إلى الأبد. ومع مقتل أكثر من ألفي محارب من الجماعة حتى الآن، ووقوع العديد من الجرحى، فإن مؤسسات الحزب أصبحت غير قادرة على تغطية كافة تكاليف عائلات القتلى والجرحى. لذلك لجأ الحزب لتشجيع شبابه على الزواج من أرامل القتلى، أو على الأقل الانخراط في زواج المتعة المؤقت إلى أن يحين الوقت المناسب.
 

إنهاك الطائفة
أدت مشاركة الحزب في الحرب بسورية إلى إنهاك الطائفة الشيعية في لبنان، على العديد من المستويات، لكن العواقب كانت وخيمة بشكل خاص على سكان الأحياء الفقيرة التي يسيطر عليها الحزب، فالكثير من المقاتلين يعودون في أكياس الجثث في حين يعود غيرهم الكثيرين مصابين بعجز دائم. وأصبحت الطائفة ككل مسلحة إلى حدّ كبير، مع ميل نحو العنف والترهيب، مما أدى إلى حدوث ارتفاع خطير في معدلات الجريمة، لاسيما في الأحياء الأكثر فقراً. وفي ضاحية بيروت الجنوبية، على سبيل المثال، أظهر تقرير ارتفاع معدل الجريمة بأعلى نسبة له في العام الماضي مقارنةً بأي منطقة أخرى في لبنان - ويستمر هذا الرقم في الارتفاع.
كما أصبح الشيعة اللبنانيين معزولين للغاية، ومرفوضين من قبل جماعات أخرى في لبنان وفي مختلف أنحاء العالم العربي. ورغم ادعاءات الحزب، لا ينتمي جميع الشيعة لحزب الله، لكن يُنظر إلى الطائفة على نطاق واسع كداعمة له، ونتيجةً لذلك، بات أفرادها يعانون بشكل متزايد من أجل إيجاد فرص في الخليج.
 

سخرية في غير محلها
تقول الكاتبة "في الثالث من مايو الماضي أصدر مصرف لبنان المركزي تعميماً، دعا فيه كافة المصارف إلى إغلاق حسابات تعود إلى أفراد ومؤسسات مرتبطة بحزب الله، استجابة لتشريع جديد أصدرته الولايات المتحدة، عُرف باسم "قانون مكافحة تمويل حزب الله دولياً"، ومنذ ذلك التاريخ جرى إغلاق مئات الحسابات، الأمر الذي سبّب حالة من الذعر في أوساط المؤسسات والكيانات الأخرى المرتبطة بالحزب. ورغم أن أمين عام الحزب، حسن نصر الله، أبدى سخريته من العقوبات الأميركية، مدعياً أنه لن يكون لها أي تأثير على الحزب لأنه يحصل على أمواله من طهران، إلا أن التأثير الفعلي للعقوبات كان واضحا".
 

أوضاع متردية
أجرت كاتبة المقال مقابلات ميدانية مع عدد من أبناء الطائفة الشيعية في بيروت، أحدهم يدعى علي، رفض الكشف عن بقية اسمه، قال إنه يعيش في منطقة فقيرة تُدعى برج البراجنة، وفشل في الحصول على فرصة ليبدأ مشروعا صغيرا، وتعرض للمساومة على أيدي بعض مسؤولي الحزب، كي يقبل بالتجنيد والانضمام للمقاتلين. كما نقلت عن آخر يدعى حسن، أنه رغم انخراطه في صفوف مقاتلي الحزب، إلا أنه ضاق ذرعا من حياته، بسبب مطالبته دائما بفعل ما يطلب منه، دون إبداء رأيه، وقال "سأذهب إلى أي مكان. ليس لدي شيء هنا. جلّ ما هو مطلوب مني هو التصفيق والتهليل خلال الخطابات والمهرجانات، ثم أعود إلى تراكم الديون. هذه ليست حياة لائقة". 
 

معاناة العائلات

فقدان أرباب الأسر 
غياب المعلومات عن المفقودين
المشاركة بالقتال دون موافقتها
التحرش بزوجات القتلى
توقف الدعم المادي
تزايد أعداد القتلى والجرحى
عدم وجود دعم معنوي

المصدر: الوطن