تعتقد مراجع سياسية مطلعة أنّ كلّ أوراق التفاهم الثنائية التي «فقست» قبيل الإنتخابات الرئاسية ستنتهي قريباً. فكلّ المؤشرات تدل على أنّ ما صيغ منها على عجل لتبرير الإنتقال بالمرشحَين من ضفة الى أخرى تكون قد استنفدت نتائجها باستثناء التفاهم الكبير الذي سيعيد الحريري الى السراي على أن تبدأ عملية صوغ لتفاهمات جديدة تنهي مفاعيل ما سبقها. فكيف ولماذا؟تعترف مراجع سياسية وحزبية أنّ مسلسل «وثائق التفاهم» و«أوراق النوايا» كان يمكن أن يكون أطول لو أنّ قيادة التيار الوطني الحر نجحت في ترتيب المزيد منها، لكنها اكتفت بما يوفّر فتح الطريق الى قصر بعبدا أمام رئيس تكتل الإصلاح والتغيير العماد ميشال عون بمجرد إنجاز التفاهم «الأزرق - البرتقالي» فتوقف المسلسل عند هذه المحطة على أساس أنّ الحليف الأكبر سيتولّى ترتيب الباقي من دون أوراق تفاهم.
 
وعلى الرغم من حجم التطمينات التي أطلقها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بانتخاب المرشح الأوحد التزاماً بـ «وعد صادق» سبق أن قطعه للعماد عون الى «يوم الدين» فإنّ المرحلة القريبة أثبتت أنّ الحزب لن يتدخل بالشكل الذي يعتقده البعض لتذليل العقبات المتبقية.
 
وقد كان واضحاً وحازماً عندما دعا الى مناقشة مضمون التفاهمات الأخيرة لكلّ مَن اعترض عليها في الشكل والمضمون ما يعني أنّ عليكما انتما طرفا التفاهم الأخير عون والحريري تولّي شرح ما تمّ إخفاؤه من تفاهمات - إن وجدت - بكلّ «شفافية وصراحة» لفكفكة عقدة الرئيس بري وترتيب البيت الرئاسي من اليوم فطرف «الترويكا الرئاسية» الثالث الى جانب عون والحريري هو بري نفسه ولن تكون هناك أية مفاجآت أيّاً كانت نتائج الإنتخابات النيابية المقبلة متى حصلت.
 
وعلى هذه الخلفيات تتوقع المصادر السياسية عند قراءتها للمرحلة المقبلة التي تلي مسلسل المحطات الدستورية التي تلي انتخاب الرئيس وصولاً الى تكليف الحريري تشكيل الحكومة الجديدة باتت مرسومة في مواعيدها التي يسعى أركان العهد الجديد الى تحديدها بفارق أيام معدودة وبساعات قليلة أيّاً كانت العوائق امامها بغية توفير الدقائق التي سيبدأ احتسابها من لحظة انتهاء جلسة الإثنين المقبل.
 
وللتاكيد على وجود هذه النية للإستفادة من ساعات العهد المقبل تمّ التفاهم على ترتيب كلّ ما له علاقة بالمراحل الدستورية التي تواكب انتخابَ الرئيس العتيد للجمهورية في ساحة النجمة. فثمّة مَن اقترح أن تكون جلسة الإثنين دورة ثانية لجلسة سابقة لإنتخاب الرئيس واعتماد الفوز بالنصف زائداً واحداً توفيراً لحوالى عشر دقائق تدور خلالها «صندوقة الإقتراع» على النواب مرة واحدة بدلاً من إثنتين على أساس أنّ الجلسة الأولى التي عقدت بنصاب كامل هي التي عقدت في 19 نيسان 2014 ضمن المهلة الدستورية ورُفعت على هذا الأساس ولم تعقد دورة ثانية بالنصاب الدستوري منذ ذلك الوقت.
 
وقد فات هؤلاء أنّ رئيس المجلس كان يقفل محضر كلّ جلسة تنتهي بعدم انتخاب الرئيس لفتح اخرى بالشروط الدستورية الكاملة للنصاب والإقتراع فالإنتخاب، وأنّ ما بينها ما عقد من «تشريع الضرورة» فصل بين تلك الجلسة الشهيرة والتي تلتها من جلسات خصصت لانتخاب الرئيس والتي رفعت بسبب فقدان النصاب فجاء الجواب من جنيف حيث بري قاطعاً جازماً أنّ جلسة الإثنين ستُعقد على أساس أنها جلسة أولى ولن يدعو الى الثانية إذا نال المرشح الفائز ثلثي الأصوات ونقطة عالسطر.
 
وفي اطار السعي عينه الى توفير الدقائق ستكون جلسة قسم اليمين الدستورية فور إعلان انتخاب عون لتوفير المزيد من الوقت، فالرئيس المنتخب نائب وهو في القاعة العامة ولن يُضطر رئيس المجلس الى ايفاد موكبه لإصطحابه اليها على أن تلي تلك الجلسة جلسة تلاوة «خطاب القسم» فقد بات منجَزاً ولن يدخل اليه أيّ تعديل ما لم تفرض الأيام الفاصلة عن جلسة الإنتخاب أيّ جديد يستأهل اعادة النظر بعبارة أو فاصلة منه. هذا عدا عن تجهيز الموكب الرئاسي فالرئيس المنتخب سيكون في عهدة لواء الحرس الجمهوري فور خروجه من مجلس النواب قاصداً القصر لتناول الغداء فيه.
 
عند هذه الحدود يكتفي المراقبون بالإشارة الى أنّ كلّ شيء سيكون محدَّداً بالدقائق والساعات لتبدأ المراحل الدستورية اللاحقة التي تلي إستقالة الحكومة وإنتقال الرئيس تمام سلام من مجلس النواب إلى المصيطبة ليمارس صلاحياته في تصريف الاعمال.
 
ولتبدأ مرحلة الإستشارات النيابية الملزمة في اليوم التالي فالنتيجة محسومة وستنتهي في أقل من 24 ساعة بتسمية الحريري مكلّفاً لتشكيلها وبإمكانه أن يباشر استشاراته في ساحة  النجمة في اليوم الذي يليه سعياً وراء تقليعة هي الأسرع في تاريخ العهود.
 
أما وبعد، يضيف المراقبون ستكون مرحلة استشارات التأليف بعد التكليف مناسبة للبدء بنسف مضمون التفاهمات الثنائية التي «فقست» عشية التقلبات الكبرى بدءآ بأيّ تفاهم على تقاسم الحقائب الوزارية فهو وإن وجد سيحتسب عنواناً للمعركة التي سيخوضها المكوِّن الشيعي بقوتيه الموالية والمعارضة إن فعلها بري التزاماً بما وعد بالإنتقال الى صفوف المعارضة.
 
أضف الى ذلك، فإنّ المناقشات ستشمل حقائب الخدمات والأموال من خارج نطاق السيادية منها. فقد توسع مفهوم الحقائق السيادية واكتشف البعض أنّ هناك وزارات لا تقل اهمية عن الأخرى وصولاً الى اعتبار حقيبتي الطاقة والإتصالات مثلاً على هذه اللائحة دون أن ننسى أنّ وزارة العدل تحوّلت في مرحلة من المراحل من الحقائب الهامة التي تستأهل جهاد بعض الأطراف من اجلها.
 
وعلى هذه الأسس يعتقد المراقبون أنّ مرحلة اسقاط التفاهمات الثنائية تكون قد بدات من بوابة الحقائب الوزارية وصولاً الى مضمون البيان الوزاري ولن تتوقف على عتبة نهاية ولاية المجلس النيابي الممدَّدة إن ظهر أنّ هناك تفاهماً على قانون الستين بين عون والحريري أو التمديد لمجلس النواب سنة كاملة وأنّ ما تأتي به الأيام سيكون شاهداً على ما هو محتمل فاللعبة التقليدية في لبنان قوية وليس هناك ما يؤشر للخروج عنها ومنها.
 
 
جورج شاهين/ الجمهورية