تواصَلت التحضيرات اللوجستية والسياسية لجلسة الانتخابات الرئاسية الاثنين المقبل، متزامنةً مع حركة ديبلوماسية ناشطة في مختلف الاتجاهات، كان أبرز محطاتها زيارة السفيرة الأميركية اليزابيت ريتشارد لرئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط الذي يرجّح أن يحسم خيارَه لمصلحة رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون، المتوقّع أن يزوره في أيّ وقت. وينتظر أن يخرق التحضيرات والمشاورات الجارية لقاءاتٌ يعقدها الموفد السعودي وزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان الذي يزور بيروت ليومين، يلتقي خلالها مجموعة من المسؤولين والقيادات السياسية ويعرض معهم للتطوّرات الجارية في لبنان والمنطقة، ونظرة المملكة العربية السعودية إليها.
بدا من التطورات الجارية أنّ كثيراً من القوى السياسية اقتربت من حسم خياراتها النهائية في قابل الأيام الفاصلة عن جلسة الانتخاب. ورشَح أمس أنّ كتلة «الحزب السوري القومي الاجتماعي» تتّجه إلى انتخاب عون، في وقتٍ تَردّد أنّ النواب المعارضين لعون في كتلة «المستقبل» قد تراجَع عددهم إلى أقلّ من ستة نواب، والبعض توقّع أن يستقرّ هذا العدد على ثلاثة فقط.

هواجس أمنية

على أنّ هواجس أمنية كثيرة تغزو البلد من خلال ما يردّده بعض السياسيين أو ما يُنشَر على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية عن احتمال وقوع أحداث أمنية كبيرة تعطّل إنجاز الاستحقاق الرئاسي.

وفي هذا الصدد، طرحت مصادر مواكبة للاستحقاق الرئاسي تساؤلات منها: هل إنّ هذه الهواجس المثارة هي جزء من «البروباغندا» الرافضة لعون؟ وإلى ايّ حدّ يبدو البلد مهيَّأ لأحداث أمنية كبيرة في ظلّ حالة المساكنة الإيجابية بين القوى السياسية المتنازعة التي يعيشها منذ بداية الأزمة السورية قبل خمس سنوات، على رغم بعض الحوادث والتفجيرات التي شهدها؟

وقالت هذه المصادر لـ«الجمهورية» إنّ المنطق العقلاني، وكذلك منظومة الحماية وواقع المساكنة الإيجابية بين القوى السياسية، ووجود مليوني نازح سوري، يؤكد انّ لبنان عصيّ على السقوط امام وقائع امنية كبرى.

وبالتالي لا توجد ارضية صلبة للهواجس التي تُطرح او تُسرّب، إلّا إذا كان هذا الامر جزءاً من الحرب الإعلامية والنفسية المستخدمة للنَيل من شبكة الامان التي يبدو انّها تغطّي ترشيحَ عون، وهي شبكة داخلية مغطّاة من الخارج، خصوصاً أنّ الاحداث الرئاسية الكبرى التي حصَلت في الماضي جاءت في مناخات مختلفة عن اللحظة اللبنانية الحاليّة.

وبالتالي، وعلى رغم انّ البلد يعيش حالة قلق وتوجّس وإشاعات وحبس أنفاس الى درجة انّ الايام المتبقّية الفاصلة عن يوم الاثنين تمرّ ثقيلة، ويكاد لبنان لا يصدّق أنّ انتخابات ستجري وأنّ رئيساً سيُنتخَب.

وهذا أسبابه أنّ الشغور له زمن، وأسبابه ايضاً أنّ اللبناني بطبيعته لم يعد يصدّق انّ الامور تمرّ بهذه السهولة والانسيابية، وأسبابه أيضاً أنّ هناك من يحلم أن يأتي حدثٌ من المرّيخ حتى ولو كان نيزكاً ليمنع انتخاب عون».

برّي يحسم

في هذه الأثناء، حسَم رئيس مجلس النواب نبيه بري الجدلَ حول نصاب جلسة الانتخاب ودورات الاقتراع، وقال من جنيف «إنّ نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية معروف ومحسوم، فما دام قد تُليَ محضر الجلسة السابقة وصُدّق، نحن امام جلسة بدورتَين إذا لم يفُز مرشح بالدورة الأولى».

وشدّد على «أن لا حاجة للإثارة واللغط»، معلِناً أنّه سيحضر وكتلة «التنمية والتحرير» جلسة الانتخاب، مكرّراً التشديد على «الجهاد الأكبر» بعد انتخاب الرئيس و»أنّ العنصر الأساسي فيه هو قانون جديد للانتخابات».

وأضاف بري: «إنّ كلّ الذي جاهدتُ من أجله وشدّدتُ عليه قبل الاستحقاق الرئاسي يتعلّق بقانون الانتخابات النيابية، لأنّ في ذلك تسهيلاً للعهد، ولعدم الذهاب الى محاذير يعرفها الجميع».

وأبدى اعتقاده بـ«أنّ باب النقاش في القانون الانتخابي سيكون هو الأساس بعد انتخاب الرئيس، وأقول إنّه إذا تمَّ الاتفاق على هذا القانون، فلن أنتظر أحداً، بل سأعقد فوراً جلسة تشريعية لمجلس النواب لإقراره». وحذّر بري من «أنّ الإبقاء على قانون الستين، يشكّل أوّل ضربة للعهد».

ولدى سؤاله عمّا بعد جلسة 31 تشرين وحكومة تصريف الأعمال وماذا لو لم يتمكّن الرئيس المكلف من التأليف، أجاب برّي: «ربّما تكون هذه خطة للتمديد، وهذا ما لن نقبل به على الإطلاق».

وهل في هذه الحالة ننتقل من فراغ رئاسي الى فراغ حكومي؟ قال: «ربّما، فقد يكون المطلوب أن لا تحصل انتخابات، وبالتالي الانتقال من فراغ رئاسي إلى فراغ حكومي... فانتبهوا».

وأوضَح «أنّ طاولة الحوار أصبحت الآن في عهدة «فخامة الرئيس المقبل»، فهو يدعو أو لا يدعو».

وعمّا يتردّد عن زيارة موفد سعودي إلى لبنان، قال بري: «كلّ مَن يطلب زيارتي أهلاً وسهلاً، ثمّ إنْ كان آتياً بهدف إقناعي بأمرٍ ما، أعتقد أنّ عليه أن يكون هو أوّلاً مقتنعاً بما يريد أن يقنعني به».

وعن علاقته مع «حزب الله» ومحاولات تصويرها وكأنّها قد أُصيبت بفتورٍ، علّق بري قائلاً: «دعوهم يقولوا ما يشاؤون، دعوهم يضيّعوا وقتَهم، فلن يصِلوا إلى مكان في هذا الموضوع». (راجع ص 4).

سلام

وفي الوقت الذي تلتئم الحكومة اليوم في آخِر جلسة لها كحكومة تمارس صلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً، قالت مصادر حكومية لـ«الجمهورية» إنّ رئيس الحكومة تمام سلام بدأ يُعدّ العدة لمغادرة مكتبه في السراي بعَيد ظهر الإثنين المقبل فور انتخاب الرئيس العتيد وتلاوته «خطاب القسم» لمزاولة مهمّاته في تصريف الأعمال من دارته.

وأوضَحت أنّ النصوص الدستورية قد حسَمت هذا الأمر ولا داعي لأيّ تفسير، فالحكومة تُعتبر مستقيلة فور انتخاب الرئيس وإقفال محضر الجلسة الانتخابية.

وكما جرت العادة فسيعلن عن ذلك ببيان يصدر عن رئيس الجمهورية بعد انتقاله الى القصر يطلب فيه استناداً إلى المواد الدستورية الخاصة من الحكومة تصريفَ الأعمال قبل الشروع بالترتيبات اللازمة للاستشارات النيابية الملزمة مع الكتل النيابية والنواب المستقلين التي ستجري في القصر الجمهوري لتكليف من سيشكّل الحكومة.

الراعي ينصح فرنجية

وفي الأيام الفاصلة عن موعد جلسة الانتخاب، نشَطت حركة الاتصالات والمشاورات. وزار رئيس تيار «المرده» النائب سليمان فرنجية، البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في الديمان، مؤكّداً استمراره في ترشّحِه لرئاسة الجمهورية. ولفتَ إلى أنّ «اللقاء مع صاحب الغبطة طبيعيّ قبَيل الجلسة الانتخابية المقبلة.

وعلمت «الجمهورية» أنّ الراعي حاولَ ترطيب الأجواء بين عون وفرنجية، ونصَح فرنجية بالتهدئة، خصوصاً أنّ البلاد في أشدّ الحاجة إلى انتخاب رئيس، وجدّد التأكيد أنّه لا يفضّل مرشّحاً على آخر، فجميعهم أبناء البطريركية المارونية، وأنّه يفضّل تحصين الوحدة المسيحية خصوصاً بين الأقطاب الموارنة الأربعة، في وقتٍ أكّد فرنجية أنّه مستمرّ في ترشيحه ولن ينسحب لعون، وليفُز من ينال العدد الأكبر من الأصوات «.

ريتشارد عند جنبلاط

في غضون ذلك، تشخص الأنظار الى موقف جنبلاط الذي بات واضحاً أنّ إعلانه عن انتقاله الى ضفّة المؤيدين لعون باتت على قاب قوسين أو أدنى على قاعدة تمسّكِه بـ»المصالحة الداخلية والتوافق الذي لا غنى عنهما ولا أغلى منهما طالما إنّ التنازلات داخلية وما بين اللبنانيين»، كما قالت مصادر الحزب التقدمي الاشتراكي لـ«الجمهورية».

وأضافت المصادر أنّ جنبلاط ينتظر زيارة عون في الأيام المقبلة الفاصلة عن عطلة نهاية الأسبوع ليعلنَ سحبَ ترشيح النائب هنري الحلو ودعوة «اللقاء الديموقراطي» إلى اتّخاذ قرار بدعمِ عون مع تركِ الحرّية لنائبَين أو ثلاثة لا يمكن قبولهم التصويت لعون.

وأوضَحت المصادر أنّ وفاة أمين السر العام السابق للحزب التقدمي شريف فيّاض عكسَت إعادة نظر في سلسلة مواعيده في الأيام المقبلة.
وكان حلو قد أعلنَ أنّ ترشيحه لرئاسة الجمهورية «يستمر ما دام مفيداً لمصلحة الوطن، ويصل أو يقف إذا ما اقتضَت مصلحة الوطن»، مشيراً إلى أنّ ذلك «يُعلن في حينه».

«التيار» يستعدّ

وفي موازاة اكتمال الاستعدادات في أروقة قصر بعبدا والتحضيرات اللوجستية لجلسة انتخاب الرئيس في مجلس النواب، يمضي «التيار الوطني الحر» قدُماً في تحضيراته للاحتفال بنتائج جلسة الانتخاب التي سيتابع وقائعَها عبر شاشة كبيرة في مبنى الهيئة المركزية لـ» التيار» في مبنى ميرنا الشالوحي في سن الفيل.

وكشفَت مصادر «التيار» لـ«الجمهورية» أنّه يدرس تنظيم احتفال فنّي يوم الاثنين المقبل عند التاسعة مساء، إمّا في ساحة الشهداء وإمّا في الماريناـ ضبيه لكي يعبّر الناس عن فرحهم، ويتخلّل الاحتفال إطلاق ألعاب نارية».

ولفتَت إلى «أنّ احتفالات ستقام في المناطق للغاية نفسِها، وأنه تُركت الحرّية لكلّ قضاء أو قرية للاحتفال بالطريقة المناسبة. وسيتمّ توزيع صور موحّدة للعماد عون». وأوضَحت أن لا تهاني في قصر بعبدا، إذ إنّ عون «سيبدأ نشاطه الرسمي يوم الأربعاء المقبل».

وتحدّثت المصادر عن تنظيم مسيرة ضخمة إلى قصر بعبدا يوم الأحد في 6 تشرين الثاني المقبل، وقد طُلب رفع العلم اللبناني فقط خلالها.
وحرصَت المصادر على التأكيد «أن لا طابع سياسياً لكلّ الاحتفالات، لأنّ العماد عون سيصبح رئيس جميع اللبنانيين»، وتوقّعت «أن ينزل الناس تلقائياً إلى الشوارع والطرق بمجرّد نزول آخر ورقة في صندوق الاقتراع، وعندها ليس «التيار» من يكون نزلَ إلى الأرض بل جميع اللبنانيين».

وأبدت المصادر ارتياحَها إلى سير الأمور، ودعت إلى عدم الأخذ بالإشاعات والقول إنّ الرابية بدأت في تقبّلِ التهاني، وأوضَحت أنّ كلّ من
يخاطب عون بعبارة «فخامة الرئيس» يأتيه الجواب: «طوِّل بالك»، ونحن عندما ينطق بعبارة «أقسِم بالله العظيم» سنبدأ بمناداته «فخامة الرئيس».

جعجع

وفي المواقف، قال رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع: «نعيش أوقاتاً تاريخية ولو أنّها ليست «على ذوق» جميع الناس... لقد كنّا مضطرّين لاتّخاذ قرارات صعبة، على المستويَين النفسي أو السياسي، فمِن الناحية العملية كانت هناك حاجة إلى جراحة، ولكنّنا عملنا بما يُمليه علينا ضميرنا واستطعنا التوصّل إلى الهدف المنشود وهو انتخاب رئيس جديد للبلاد».

وشدّد على «أنّ هذا العهد لن يكون كما العهود السابقة، بحيث سيكون الرئيس سعد الحريري رئيساً للحكومة، وبَعدها بأيام ستُشكَّل الحكومة، والله وليّ التوفيق»، مكرّراً أنّه «للمرّة الأولى منذ زمن سيكون لنا رئيس صنِع في لبنان مئة في المئة».