الكل يتعامل مع استحقاق 31 تشرين الأول الرئاسي، باعتباره قد انطوى، حتى الرئيس نبيه بري بدأ يتصرف كأن اليوم الانتخابي بات وراء ظهره، مركزاً جهده على «الجهاد الأكبر»، محذراً من أي محاولة للتمديد لقانون «الستين» أو من التذرع بالقانون الجديد لطلب تمديد تقني للمجلس النيابي الحالي، سواء لستة أشهر أو لسنة، كما يشتمّ من مناخات أهل الاتفاق الذي سيوصل العماد ميشال عون الى سدة الرئاسة الأولى.
أما النقاش بشأن نصاب الجلسة، ففضّل أن يتعامل معه انطلاقاً من أنه وحده صاحب القرار، مكتفياً بالإشارة إلى أنه «محسوم ومعلوم»، فما دام قد تُلي محضر الجلسة السابقة وصُدّق، «فنحن أمام جلسة بدورتين»، فإذا لم يفز مرشح بالدورة الاولى (الثلثان)، «فلا حاجة الى الإثارة واللغط»، إذ إن الدورة الثانية ستكون محكومة بنصاب الثلثين وبالانتخاب على قاعدة النصف زائداً واحداً.
لن يقف أحد بوجه قرار رئيس المجلس النيابي، ولا سيما «تكتل التغيير»، وستفتتح الجلسة، في دورتها الأولى، في تمام الساعة الثانية عشرة من ظهر يوم الاثنين المقبل.
وحتى أمس، فإن «البوانتاجات» أظهرت أن عون لن يتمكن من الوصول إلى رقم الـ85 نائباً الذي يخوّله الفوز بالرئاسة من الدورة الأولى، ما يعني حاجته إلى الانتظار للدورة الثانية، حيث يكفيه الفوز بالأغلبية المطلقة (64 نائباً).
عندها يفترض أن يرفع الرئيس بري الجلسة بعد تلاوة محضرها، فيما ينسق مع رئيس الجمهورية لتحديد جلسة تلاوة القسم، التي بات شبه مؤكد أنها ستعقد فور انتهاء جلسة الانتخاب.
بعدها، يدخل ميشال عون إلى المجلس رئيسا للجمهورية، وأمامه سجادة حمراء وشرطة المجلس تؤدي له التحية، يرافقه الرئيس بري، وصولا إلى القاعة العامة مجدداً، وهذه المرة، لن يكون هناك كلمة لأمير قطر (السابق) الشيخ حمد، كما حصل في العام 2008، في إطار الرعاية الخارجية لانتخاب ميشال سليمان. لكن بطبيعة الحال، سيحضر سفراء دول عربية وأجنبية، ولو أنهم يدركون أنها المرة الأولى التي لم يكن لبلادهم دور واضح في رئاسة «صُنعت في لبنان 200 في المئة»، على حد قول سمير جعجع!
يفتتح بري الجلسة الثانية بخطاب تهنئة وبديباجة يضمّنها رسائله السياسية الى العهد، ثم يطلب تلاوة المادة 50 من الدستور المتعلّقة بحلف يمين الإخلاص للأمة والدستور. يتلو الرئيس المنتخب أمام البرلمان القسم الآتي: «أحلف بالله العظيم أن أحترم دستور الأمة اللبنانية وقوانينها وأحفظ استقلال الوطن اللبناني وسلامة أراضيه».
منذ تلك اللحظة بالذات وربما قبل أن يصل الرئيس إلى قصر بعبدا على وقع التحية التي تؤديها ثلة من الحرس الجمهوري، ترافقها موسيقى الجيش بنشيد التعظيم، سيبدأ بري «الجهاد الأكبر».
في العام 2009 حصل سعد الحريري على 86 صوتاً في مشاروات التكليف التي أجراها ميشال سليمان مع الكتل النيابية، وهو قد يكون واثقاً بأنه يسهل عليه هذه المرة تخطي هذا الرقم، حتى من دون الحاجة إلى أصوات كتل «التنمية والتحرير» و«الوفاء للمقاومة» و«البعث» و«القومي». لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل التكليف سيكون ميثاقياً من دون «الثنائي الشيعي»؟ وإذا تم تخطي هذه المسألة، خصوصا من قبل «الرئيس الميثاقي» أو من خلال تصويت إحدى الكتلتين لمصلحة الحريري، أو من خلال إيجاد فتوى ميثاقية ما، فإن النقاش سينتقل مباشرة إلى المربع التالي: التأليف الحكومي.
مع أرجحية فرضية أن تتألف الحكومة من 24 وزيراً، فإن ذلك يعني تقسيمها مناصفة، أي 12 مقعداً مسيحياً يستحوذ «التيار الوطني الحر» و «القوات» عليها، فيما تذهب 5 مقاعد سنية إلى «المستقبل» و5 مقاعد شيعية إلى «أمل» و «حزب الله» ومقعدان درزيان إلى «الاشتراكي».
الحصة المسيحية: في الحد الأقصى، سيحصل «التيار» على 6 مقاعد كاملة و «القوات» على الستة الأخرى، وحدّها الأدنى أن يتنازل كل منهما عن مقعدين.
من ناحية «التيار»، قد يكون هذان المقعدان من نصيب «الطاشناق» و «المردة»، بالرغم من أن المرجح أن تنتهي القسمة على رفض «المردة» المشاركة في الحكومة وتمثيل «الطاشناق» بمقعد وحصول «التيار» على المقاعد الخمسة الأخرى.
من ناحية «القوات»، يتوقع أن تترك مقعداً حكوميا مسيحيا يسميه الحريري، فيما يتفقان على أن يؤول المقعد الثاني الى حليفهما الكاثوليكي ميشال فرعون، مع أرجحية استبعاد «حزب الكتائب»، أقله وفق المناخات التي تشي بها الصفقة الرئاسية بين معراب والرابية.
الحصة الإسلامية: إما يتخلى وليد جنبلاط عن مقعد درزي من أصل اثنين لطلال ارسلان، وإما أن يذهب المقعدان لـ «الاشتراكي»، كما حصل في الحكومة الحالية، وهو الخيار الأكثر ترجيحاً.
وفيما ستكون المقاعد السنية الخمسة من حصة «المستقبل»، سيذهب ثلاثة من الحصة الشيعية إلى «التنمية والتحرير»، فيما يحصل «الوفاء للمقاومة» على مقعدين. أما إذا تقرر تمثيل «القومي» بمقعد، فإنه سيكون من حصة «حزب الله»، إذا رفض رئيس المجلس التنازل عن حصته، وعندها قد يكتفي «حزب الله» بمقعد واحد!
القسمة السابقة تطرح إشكالية أساسية تتعلق بالثلث المعطل. هل تقبل «8 آذار» أن لا تمتلك هذا الثلث الذي كرّسه لها اتفاق الدوحة، وتم تثبيته في كل الحكومات المتعاقبة منذ العام 2008 حتى الآن؟ وهل يمكن عملياً أن تحصل عليه، في ظل ما يتردد عن أن التفاهمات تقضي بأن يكون عون وحصته الوزارية في موقع الحكم (وسطي) بين اللبنانيين، وأن تكون كتلته الوزارية خارج تجاذبات «8 و14 آذار» سياسيا؟
إذا تخلى «التكتل» عن مقعد واحد من ستة، وتخلى «الاشتراكي» عن مقعد من اثنين، واحتُسب المقعدان من ضمن أصوات «8 آذار»، فإن ذلك يعني أن حصة هذا الفريق لن تزيد عن 7 مقاعد، أي أقل من الثلث المعطل (9 مقاعد) بمقعدين. وحتى لو تخلى «التكتل» عن مقعدين لا عن واحد، فإن العدد الأقصى سيصل إلى ثمانية، علماً أن الأكثر ترجيحاً أن تقتصر حصة «8 آذار» على 6 أو 7 مقاعد فقط.
يبدو جلياً أن هذه النقطة، إن لم تُحلّ، فقد يتأخر التأليف طويلاً، وهو ما لمّح إليه الرئيس نبيه بري في قوله إن الحريري لن يستطيع أن يؤلف الحكومة قبل الانتخابات النيابية المقبلة، فيما لمّح «حزب الله» أكثر من مرة، الى أنه ليس معنياً بأي تفاهمات تتجاوز وصول «الجنرال» وعودة الحريري الى رئاسة الحكومة، في أوضح إشارة الى رفض الحزب القاطع لأي التزامات من نوع إسقاط مفاعيل اتفاق الدوحة نهائيا في سياق التأليف الحكومي.
أما بالنسبة للحلول المطروحة، فالأكيد أنها محدودة جداً، ومنها أن يتخلى الحريري عن مقعد لسنّة «8 آذار»، علماً أن ذلك لن يفيد إلا في حال تنازل «التكتل» عن مقعدين و «الاشتراكي» عن مقعد، أو أن يتخلى «8 آذار» عن الثلث المعطل وهو ما يبدو صعباً أيضاً، خصوصا أن الثلث المعطل سيكون في جيب «14 آذار» (11 مقعداً لـ «المستقبل» و «القوات» وحلفائهما). أما إذا انضم إليهما «الاشتراكي» في التصويت على القرارات العادية، فيضمنون تمرير أي قرار يريدون، من خلال امتلاكهم النصف زائداً واحداً (13 وزيراً) من أصل 24 وزيرا، فيما يصعب اتخاذ أي قرار يندرج في خانة «المواضيع الأساسية» التي نصت عليها المادة 65 من الدستور إلا بأكثرية الثلثين التي تبقى رهن تصويت الكتلة الوسطية (وزراء عون وجنبلاط).
كل هذه العقبات ستطرح دفعة واحدة على طاولة الرئيس المكلف تشكيل الحكومة. وسيكون عليه أن يتعامل معها بالمفرّق.. والأهم أنه لن يكون قادراً على التغاضي عن أي منها، ما دام عمل مجلس الوزراء لن يكون سهلاً إذا لم يتم الاتفاق على آلية واضحة لذلك.
هل سيأكل العهد الجديد العسل؟
كل شيء يوحي أن هموم الحكم لن تسمح لعريسي بعبدا والسرايا بتمضية شهر العسل الذي يتمنيانه. هذا ما تشي به المقاربة الرقمية للتوازنات في مجلس الوزراء، فماذا عن الحقائب وتعيينات الفئة الأولى.. ماذا عن البيان الوزاري؟