لم تتوقف الجهات الإسرائيلية الرسمية، أو الإعلام الإسرائيلي في العامين الماضيين، عن إطلاق سيناريوهات مختلفة حول اليوم الذي يلي اعتزال رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، لمهامه، أو حول تطورات محتملة في أوج اندلاع الهبّة الفلسطينية، من شأنها أن تؤدي إلى الإطاحة بسلطة عباس وحركة "فتح" من الحكم والإتيان بحركة "حماس" لقيادة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.

وكان أبرز هذه السيناريوهات، ما ادعته إسرائيل العام قبل الماضي في أوج عملية اختطاف المستوطنين الثلاثة، قبل العدوان على غزة، عن محاولة من حركة "حماس" لتنظيم انقلاب في الضفة الغربية، وإحباط أجهزة الأمن الفلسطينية هذه المحاولة. وتبعت ذلك تقارير إسرائيلية مختلفة، بعضها إعلامية بحتة من خيال مراسلي الشؤون العربية، والبعض الآخر اعتمد على تقارير تتحدث عن محاولات القيادي المطرود من "فتح" محمد دحلان، عبر أنصاره في المخيمات في الضفة الغربية وقطاع غزة أيضاً، للعودة إلى الأراضي الفلسطينية مجدداً. وأبرز هذه التقارير والمحاولات، ما نشر الشهر الماضي عن مساعٍ مصرية وبموافقة إسرائيلية، لفرض مصالحة بين دحلان وعباس، تمهيداً لعودة الأول إلى الضفة الغربية.

فتحت هذه التطورات مجدداً، مصحوبة بالوعكة الصحية التي ألمّت بعباس الشهر الماضي وخضوعه لعملية قسطرة، الباب مجدداً أمام تنشيط حركة السيناريوهات والتوقّعات للمرحلة التي تلي مرحلة عباس، وحول هوية الرئيس القادم. ولعل أكثر ما يهم الجانب الإسرائيلي، قبل هوية الشخص القادم في المنصب، هو الوجهة المرتقبة للقيادة الفلسطينية في المرحلة التي ستلي عباس، وهل سيواصل وريث عباس السير في الخط الحالي، الذي يولي أهمية وأولوية للتنسيق الأمني مع الاحتلال، ويرفض الاتجاه نحو عسكرة أي انتفاضة أو هبة شعبية فلسطينية، أم يكون أكثر تشدداً من عباس، ليس فقط في مجال المفاوضات وشروطها وإنما أيضاً في سياسته الداخلية، فهل سيولي أولوية مثلاً لملف المصالحة مع "حماس"، أم يبقي على الاتجاه الحالي؟

ومع طرح هذه السيناريوهات، بدأ إطلاق بورصة أسماء لشخصيات مرشحة لتولي المنصب. وأول من طُرح في الأروقة الإسرائيلية، كوريث محتمل، وإن كان غير مرغوب فيه إسرائيلياً، هو اسم أمين سر حركة "فتح" الأسير مروان البرغوثي، لما يملكه من شعبية في الشارع الفلسطيني أولاً ولكونه يمثّل تياراً يمكنه المضي قدماً أولاً نحو تحقيق مصالحة فلسطينية.

ونُشر تقريران أخيراً في موقعي "والاه" للمراسل آفي سيسخاروف، وفي موقع "يديعوت أحرونوت"، للكاتب أليئور ليفي، جاءا كما يبدو من وحي مقابلة وزير الأمن الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان لصحيفة فلسطينية، كرر فيها مقولته بأن عباس ليس شريكاً للسلام، وأنه لا بد من تغييره. واللافت في هذين التقريرين، ما يبدو أنه تسليم إسرائيلي، وربما لدى دحلان نفسه، بحسب آفي سيسخاروف، بأن خيار دحلان في السلطة الفلسطينية كبديل لمحمود عباس لم يعد واقعياً على الإطلاق، بفعل المعارضة التي بات اسم دحلان يثيرها في الضفة الغربية المحتلة، خصوصاً بعد أحداث مخيم بلاطة الأخيرة. وفي سياق بورصة الأسماء المطروحة، رأى سيسخاروف أن من المرشحين لوراثة عباس، إلى جانب البرغوثي، وبعد استبعاد فرص دحلان، كل من ناصر القدوة، والعقيد جبريل الرجوب، الذي يبدي أخيراً سياسات متشددة تجاه إسرائيل.

ومع أن غالبية التقارير الإسرائيلية، بما فيها التقديرات الخارجة عن مؤسسات تقدير استراتيجية، مثل مركز أبحاث الأمن القومي في تل أبيب ومركز هرتسيليا متعدد المجالات، تشير باستمرار إلى تراجع هيبة السلطة الفلسطينية وشعبية حركة "فتح"، إلا أن ليفي رأى في مقاله في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن السنوات الأخيرة منذ رحيل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ووقف الانتفاضة الثانية، شهدت العكس من ذلك. وذهب إلى القول إن عباس كرّس مكانة السلطة الفلسطينية ومؤسساتها الدولانية ودور الأجهزة الأمنية مع إعادة الاعتبار لحركة "فتح"، مقابل كسر شوكة "حماس" في الضفة الغربية بشكل يومي ودائم.

ولفت ليفي مع ذلك إلى أن الهدف السياسي الذي وضعه عباس في هذه الفترة لم يتحقق بل فشل كلياً، وهو ما زاد من مسألة مناقشة مرحلة ما بعد عباس، مبيناً أن عدم تسمية عباس خليفة له أطلق المنافسة على خلافته مع رصد حركة نشطة لمن يعتبرون أنفسهم خلفاء لعباس كل في محاولة للترويج لنفسه، من خلال صفحات التواصل الاجتماعي والنشاطات المختلفة، فضلاً عن مزايدات في التصريحات السياسية.

وأشار ليفي إلى كون البرغوثي المرشح الوحيد المعلن للرئاسة، مع بقائه في السجن الإسرائيلي، ما من شأنه أن يجعل منه في حال انتخابه في انتخابات فلسطينية، نلسون مانديلا فلسطيني مع كل ما يتبع ذلك من إشكاليات لحكومة الاحتلال. ولفت إلى أسماء أخرى غير التي ذُكرت أعلاه منها أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، صائب عريقات، ورئيس المخابرات الفلسطينية ماجد فرج، مع ترجيح طرح أسماء "متوسطة" الحساسية، يتم انتخابها في سياق عملية تسوية، مثل رئيس الحكومة الفلسطيني السابق سلام فياض، أو عضو المجلس الثوري لحركة فتح أحمد قريع.

وحاول ليفي رسم ثلاثة معسكرات داخل السلطة وحركة "فتح" مكوّنة من المقربين من عباس: فرج وعريقات ونبيل أبو ردينة، مقابل جبريل الرجوب وحسين الشيخ ومحمود العالول الذين يبدون مواقف متشددة، وطبعاً معسكر دحلان. في المقابل استبعد آفي سيسخاروف أن تكون لدحلان فرصة حقيقية في العودة إلى الضفة الغربية لتولي مناصب قيادية في السلطة الفلسطينية، فكيف بالحري رئيساً للسلطة الفلسطينية كلها.

وإذا كان هذا كله غير كافٍ للخوض في بورصة الأسماء، فإن أليئور ليفي طرح خياراً إضافياً، يبدو غريباً للوهلة الأولى، لكنه قد يكون في حسابات حكومة الاحتلال، ويقوم على تشكيل مجلس عسكري فلسطيني لإدارة دفة الأمور لحين إجراء انتخابات جديدة، لا أحد يدري متى وأين ستجري وهل ستشمل مثلاً قطاع غزة أم لا. في المقابل من اللافت أن التقريرين لم يشيرا إلى سيناريوهات "كابوسية" من وجهة نظر إسرائيل، التي تخشى أن تشهد المرحلة المقبلة، بعد محمود عباس، سيطرة حركة "حماس" بطرق ديمقراطية، وفوزها بالانتخابات الرئاسية بفعل حالة الغليان الشعبي في الضفة الغربية وتراجع شعبية السلطة الفلسطينية.

(العربي الجديد)