المسألة ليست مسألة دستورية بقدر ما هي مسألة ثقة. فلو كانت هذه الأخيرة متوافرة لما كان كل هذا الجدل العقيم حول نصاب الإنتخاب سواء في الجلسة الأولى أو الثانية، ولما كانت كل هذه الضجة، التي لا تستأهل الإستعانة بـ Dalose لتفسير الدستور، وما فيه من التباس وغموض، ليس فقط في المادتين 64 و65، بل ايضًا في كثير من المواد الدستورية، التي تحوّل الجدل حولها من مسألة دستورية بحتة إلى مجرد وجهات نظر، خصوصًا في غياب المرجعية الدستورية الصالحة لتفسير ما يُلتبس من مواد تحتمل أكثر من إجتهاد وتفسير.


المسألة هي مسألة إنعدام ثقة إلى درجة الذهاب بالإستنتاج إلى القول أن القصة ليست رمانة بقدر ما هي قلوب مليانة وورمانة. فلو كان عامل الثقة هو السائد في علاقة "التيار الوطني الحر" والرئيس نبيه بري لما كان هذا الجدل أخذ كل هذه الأبعاد الإستفزازية، ولما كانت مسألة انتخاب الرئيس في الدورة الأولى تحتاج إلى ثلثي أعضاء المجلس، أي 86 صوتًا، ولكانت الأمور سارت في شكل طبيعي فيذهب الجميع إلى الدورة الثانية ويفوز بالرئاسة المرشح الذي ينال 65 صوتًا. فينتخب الرئيس وتنتهي حال الشغور، وتكون بداية لعهد جديد.

ولأن هذه الثقة مفقودة بين مكونين أساسيين على الساحة السياسية، يخشى نواب "التيار الوطني الحر" من تطيير نصاب الجلسة الثانية، بسحر ساحر، ومن تحت الطاولة، فلا ينتخب الرئيس وتُرّحل الإنتخابات إلى الجلسة الـ 47، وتدخل البلاد من جديد في جدل بيزنطي، مع التخوف من أن ينعكس ذلك على الشارع، الذي لا يمكن توقع ما قد يحصل فيه من استفزازات قد تؤدي إلى نتائج لا تُحمد عقباها. ولأن الثقة مفقودة حتى بين من يُفترض أن يكونوا حلفاء إضطّر الأمين العام لـ"حزب الله" أن يعلن أن نواب كتلة "التحرير والمقاومة" مستعدون، إذا كان القانون يسمح بذلك، لأن يكشفوا عن إسم المرشح الذين سيصوتون له، وهو العماد ميشال عون.

ولو كان عامل الثقة هو الذي يحكم علاقة الأطراف المتخاصمة سياسيًا لما كان رئيس تيار "المردة" النائب سليمان فرنجية لجأ إلى اسلوب كشف محاضر الإجتماعات التي تدخل تحت عنوان "المجالس بالأمانات" ويفضح ما تمّ تداوله في اللقاءات المغلقة.

ولو لم تكن القصة قصة أبعد من رمانة لما كان الرئيس بري تمنى على العماد عون، عندما زاره مؤخرًا ألاّ يصطحب معه الوزير جبران باسيل، الذي يعتبره "الأمليون" بأنه هو الذي خربط العلاقة بين "الإستاذ" و"الجنرال"، بعد المواقف التصعيدية التي أتخذها في آخر جلسة لطاولة الحوار، وتعطيله أعمال مجلس الوزراء.

ولو أن الثقة موجودة، ولو بحدّها الأدنى، لما كان النائب ابراهيم كنعان أصرّ على أن تكون الجلسة الأولى ثانية، ولما كنا مضطّرين إلى الدخول في هذا الجدل غير المجدي، والذي من شأنه أن يزيد من منسوب الإحتقان والتشنج. ولو أن هذه الثقة موجودة لما كان كل من الوزير باسيل ونادر الحريري عقدا إتفاقًا ثنائيًا، من دون حتى استمزاج آراء الأفرقاء الآخرين.

وتطول سبحة الـ "ولو" .. والنتيجة واحدة: قلوب مليانة وورمانة، ولا دخل للرمانة في كل هذا الجدل والمماحكات.

لبنان 24: اندريه قصاص