إصابة أكثر من خمسة مواطنين في أقل من أربع وعشرين ساعة بعضهم تصل إصابته إلى حد الخطورة أقله التهديد بالشلل. هذا هو حال ضحايا الرصاص الطائش في لبنان والذي يمتد على مساحة البلد كلّه من العاصمة باتجاه الأرياف، حيث لا يكاد يمرّ يوم حتى تُروى فيه حكاية جديدة لأشخاص أضحوا في خبر كان ولا ذنب لهم سوى أنهم يسكنون ضمن مناطق يسكنها جنون السلاح المتفلّت الذي يأبى أصحابه إلا أن يُضيفوا إلى يوميّاتهم ويوميّات الآخرين، ضحايا جدداً بذريعة التشييع أو الابتهاج.
رصاص طائش من جديد وضحايا أبرياء جُدد. يوم الأحد الماضي، أصيبت هلالة محمد غورلي في رأسها أثناء جلوسها داخل خيمتها مع أفراد عائلتها، وذلك نتيجة إطلاق نار خلال أحد مراسم العزاء لعنصر من «حزب الله» في منطقة بعلبك، كان سقط في سوريا. ليتم نقلها على الفور إلى مستشفى دار الأمل في بعلبك حيث أجريت لها عمليات جراحية، لكن من دون أن تصل إلى حالة الاستقرار بعد، إذ يقول طبيبها المعالج، إن «الإصابة يُمكن أن تؤثر على حركة يدها اليسرى ورجلها».. وفي اليوم نفسه، أصيب الشاب علي رايب برصاصة طائشة في يده في بلدة «عين بورضاي» البقاعية، أثناء ترجله من سيّارته، في اللحظة التي كان يتم فيها تشييع أحد عناصر الحزب. يوم أعلنت الدولة نيتها جعل بيروت مدينة منزوعة السلاح، سارع «حزب الله وبكافة« طرقه المعهودة إلى وأد هذا الاقتراح في مهده متحجّجاً يومها بوجود مراكز أمنية له في عدد من الأحياء والمناطق في العاصمة، وأيضاً بوجود مساكن ومكاتب لعدد من قيادييه الأمنيين والسياسيين. واليوم يقطف اللبنانيون ثمار هذه العرقلة بموتهم على الطرق من جرّاء هذا السلاح ورصاصه الطائش من دون أي رادع جدي للحدّ من هذه الظاهرة التي تكثر ضمن مناطق سيطرة الحزب، وآخرها، ضحايا بالجملة، تمرّ حكايات آلامهم التي أصبحت جزءاً من سنن حياتهم ومصيرهم المجهول.
منذ أربعة أيّام، فُجع أهالي منطقة الرويس في الضاحية الجنوبية بوفاة المواطن حسين ملك (36 عاماً) من بلدة «بيت ليف» الجنوبية نتيجة رصاص طائش مجهول المصدر بينما كان يجلس أمام مكتبته في شارع عبد النور، ما أدى إلى وفاته على الفور، وملك هو رب عائلة مؤلفة من زوجة وولدين، رحل هو الآخر عن الدنيّا من دون محاسبة الفاعل ولا حتّى اعتقال مُشتبه بهم، خصوصاً أن الجهة التي تحتضن هذا السلاح وتوزّعه على عناصرها بشكل عشوائي، هي غير معنيّة في الأصل بالتحقيقات التي تجري بهذا الشأن ولا يُسمح حتّى، بالتحقيق مع أي من عناصرها من دون علمها، فقط لأنهم يحملون صفة «مقاومين»، علماً أن بعض هؤلاء كان قد كشف وجهه أمام كاميرات التلفزة من دون أن يخشى ملاحقته، والأنكى أن أحدهم كان تبرّع بإعطاء الناس درساً في كيفيّة إطلاق النار ابتهاجاً، موجّهاً فوهة بندقيته لناحية منطقة يعتبرها «خصماً«.
من المعروف أن لـ«حزب الله« وجمهوره، نصيباً وافراً من عمليات إطلاق الرصاص العشوائي، سواء في الأفراح أو الأتراح وقد درجت هذه «الموضة» لاحقاً داخل بيئته خصوصاً بعد انغماسه في الحرب السورية، إذ بالكاد تمر مناسبة تشييع لأحد عناصره من دون أن يسقط خلالها ضحايا، وغالباً ما يكون هؤلاء من العُجّز والأطفال، الأمر الذي يدعو إلى الحيرة أو حتّى التساؤل عن مغزى الدعوات المُتكرّرة للسيد حسن نصرالله بعدم جواز إطلاق الرصاص ابتهاجاً أو حُزناً، طالما أن نداءاته هذه لم تعد مسموعة.
الأطفال منير حزينة، محمد القاعي وحسين خير الدين الذين كانوا قد سقطوا برصاص «حزب الله» الطائش، تُضاف اليهم مجموعة أسماء قُتل أصحابها بالطريقة نفسها. الطفلان: باتينا رعيدي، ياسين سيروان. الشاب وسام بليق، محمد شرقاوي، حسين العيسى، حسين العرب، زهراء شهاب، حسين ملك، هلالة غورلي وعلي رايد وغيرهم الكثير من الأسماء التي يصعب حصرها. جميع هؤلاء لن يكونوا آخر الضحايا في وطن هو نفسه ضحيّة بيد جهات حزبيّة، تُصرّ على رسم نهاية كل فرد بالطريقة التي تراها مناسبة، تماماً كما ترسم مستقبل بلد وشعبه منذ أن وضعت سلاحها برسم التقاتل بين أبناء الشعب الواحد وربما الأمّة الواحدة.
يُذكر أن النائب غسان مخيبر، كان تقدم منذ فترة، باقتراح قانون معجل مكرر أقره أخيراً مجلس النواب، وينص على ملاحقة ومعاقبة كل من يُطلق النار في الهواء من سلاح مرخص أو غير مرخص. ويتألف القانون من مادة وحيدة تنص على أنّ «كل من أقدم لأي سبب كان على إطلاق عيارات نارية في الهواء من سلاح حربي مرخص أو غير مرخص به، يُعاقب بالحبس و/ أو الغرامة. إذا أدّى هذا الفعل إلى مرض أو تعطيل شخص عن العمل مدة تقل عن عشرة أيام، عوقب المجرم بالحبس من تسعة أشهر الى ثلاث سنوات وبغرامة من عشرة أضعاف الى خمسة عشر ضعفاً من الحد الأدنى الرسمي للأجور. وإذا تجاوز التعطيل والمرض الـ 10 أيام رُفعت العقوبة الى الحبس من سنة الى ثلاث سنوات فضلاً عن الغرامة السابق ذكرها.
أمّا إذا تسبب إطلاق النار بموت الضحية فيُعاقب الجاني بالأشغال الشاقة مدة لا تقل عن عشر سنوات ولا تتجاوز الخمس عشرة سنة وبغرامة من عشرين إلى خمسة وعشرين ضعفاً من الحد الأدنى الرسمي للأجور.
علي الحسيني | المستقبل