إذاً، الى انتخاب الرئيس. وربما يصحّ هنا قول حسن روحاني إنه "اختيار بين السيئ والأسوأ"، علماً بأن الرئيس الايراني كان يعني هيلاري كلينتون ودونالد ترامب، وليس سليمان فرنجية وميشال عون. ويترافق الانتخاب المرتقب بـ "موسم تضحيات"، فمن جهة يصف سعد الحريري اختياره عون بأنه قرار "الضرورة" و"تضحية" بل "مخاطرة"، ومن جهة اخرى يعتبر حسن نصرالله موافقته على الحريري رئيساً للحكومة "تضحيةً" أيضاً، أما التضحية التي قدّمها عون فهي قبوله بوجود مرشح منافس هو فرنجية وبعدم تأييد نبيه بري له، متذكّراً أن هذا يندرج في قواعد "الديموقراطية" التي كان نسيها لعامَين ونصف العام امتنع خلالها عن حضور الجلسات. وفي السياق، لم يَفهم أحد لماذا يعارض بري تأييد عون وهل أن أسبابه مشابهة لأسباب "المستقبليين" المستنكفين، كما لم يُفهم استياء بري وفرنجية من الحريري الذي انتقل من "السيئ" الى "الأسوأ" طالما أنهما لم ينجحا طوال عام في اقناع الامين العام لـ"حزب الله"، وهو قائدهما وحليفهما، بدعم فرنجية رغم أنه جمع الأصوات الكافية.
قد لا يكون تأثير "التضحية" كارثياً على الحريري، فالناس تريد نهاية لهذا المأزق، لكن لديه مصلحة في أن يوضح أين يمكن ان يقف مسلسل التنازلات الذي يقضم من رصيده، لكن أيضاً من كرامة جمهوره. فالقول بإنقاذ البلد والنظام والدولة والمؤسسات مفهوم، لكن كيف يُصرف مع "حزب الله" الذي برهن طوال الأزمة أنه غير المكترث بكل هذا الذي يتوجّب انقاذه. قد يكون نصرالله اضطر للتخلي عن المناورة والمماطلة بإعلانه المشاركة في الانتخاب، متجاوزاً تخطيطه لترك الأزمة تتعفّن فلا يعود هناك مخرج إلا بـ "المؤتمر التأسيسي"، إلا أنه يختزل مبادرة الحريري بأنها حققت له ما يريده، اذ كان عون مرشحه الوحيد منذ توقيع "وثيقة التفاهم" معه قبل عشرة أعوام، والوثيقة قيّدت طرفيها بهدف مشترك: رئاسة الجمهورية.
لعل إنهاء الشغور ينهي الفجور الذي هيمن على السياسة طوال أعوام الانتظار العونية. لكن كيف يمكن الحفاظ على الدولة والنظام في ظل سطوة السلاح غير الشرعي؟ ومَن يضمن أن الدولة والنظام لن يبقيا، مع هذا السلاح، تحت "صرماية السيّد"؟ وكيف سيطبّق عون والحريري "تحييد" لبنان عن الأزمة السورية؟ فما دام "حزب الله" والغاً في الدم السوري ستبقى "دولتنا" منحازة لنظام بشار الاسد رغم جرائمه التي لم يعد العالم يتحملها. أي دولة تقف مع نظام كهذا هي بالتأكيد دولة بلا قيم، واذا كانت بلا قيم فلا أحد فيها يستطيع ضمان دستور أو ميثاق وطني. لذلك فإن اللعبة بالنسبة الى "حزب الله" تبدأ بعد الانتخاب لتقييد الرئيس ورئيس الحكومة بسلّة أو غير سلّة، أما موافقته على تمرير المرحلة فلا تعني أنه سيتخلّى عن أساليب الترهيب المعروفة.