نجح حزب الله في تعبيد طريق الرئاسة أمام حليفه رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون حيث تشير كل المعطيات أن الجنرال سيتوج رئيسا في الجلسة الانتخابية المقررة في 31 من الشهر الحالي.

وعلى ضوء المؤشرات والتصريحات المتواترة لا يبدو أن رئيس تيار المستقبل سعد الحريري سيكون في المقابل عبوره إلى رئاسة الحكومة سهلا وآمنا على الرغم من كل الاتفاقات والتعهدات التي أعلن بأن الجنرال ميشال عون قد قطعها له.

وعمد حزب الله ومعه رئيس مجلس النواب نبيه بري، في الأيام الأخيرة، إلى التخفيف من حجم تفاؤل الحريري بلعبة ثنائية، تقوم على أن يقبل حزب الله توليه الحكومة دون أن يلتزم بتسميته، وأن يعلن الرئيس بري صراحة رفضه له، وعدم تسميته لرئاسة الحكومة، والعمل على عدم تسهيل تشكيلها.

وفي آخر تصريحات له قال بري إن ما بعد الرئاسة سيكون “الجهاد الأكبر” بالنسبة إلى باقي الاستحقاقات اللبنانية، في تلميح إلى ملف رئاسة الحكومة.

وهكذا يدخل الحريري ميدان التكليف الحكومي محاصرا بفيتو واضح من الثنائية الشيعية، التي يتجاوز حجم تأثيرها الفعلي تمثيلها النيابي ما يعني قدرتها على تشكيل حالة تعطيلية يمكنها شل تشكيل الحكومة.

وبرزت مواقف أوروبية تعبر عن مخاوف جدية بشأن الموضوع الحكومي، كما أن الأجواء الإقليمية تفيد بأن حلفاء حزب الله الإقليميين يضعون فيتو حول الحريري.

ولا تقف العقبات التي تحول دون النجاح في تشكيل الحكومة عند هذا الحد، بل تضاف إليها مشاكل كثيرة تتصل بالثلث المعطل، وهل سيقبل الحريري بأن يمنح حزب الله أو الثنائية الشيعية هذا الثلث الذي يجعل الحكومة تولد مشلولة وعاجزة عن اتخاذ أي قرار؟

تضاف إلى ذلك أزمة الحقائب السيادية ذات البعد الأمني، والتي يصر حزب الله على أن تكون من حصته الوزارية في حين يحاول المستقبل أن يمسك بها، كما أن منحها للتيار الوطني الحر وجعلها من حصة رئاسة الجمهورية أمر محفوف بالمخاطر، لأن المناخ الدولي لا يزال يرفض الفصل بين تشجيع التسويات في الداخل اللبناني وبين تصنيف حزب الله كحزب إرهابي.

تاليا فإن منح الوزارات السيادية الأمنية إلى رئاسة الجمهورية، لا يمكن أن يقرأ دوليا سوى أن هذه الوزارات ستعمل لصالح الحزب بالوكالة، ما من شأنه تعقيد عملية التعامل معها والاعتراف بها.

وفي جانب آخر يرتبط باتفاقات عون- الحريري رشحت معلومات تفيد بأن سلة الاتفاقات التي أجريت تضمنت تأجيل الانتخابات النيابية لمدة سنة.

عون تعهد بأن يكون تشكيل الحكومة محددا ومقتصرا على أسابيع قليلة، سيعمد بعدها إلى التوقيع على تأليفها
وفسر الأمر بأن الحريري يستشعر أن فوزه في الانتخابات غير مضمون نهائيا، حتى لو تم اعتماد القانون الحالي، خصوصا في ظل الأزمة المالية التي يعاني منها، وبعد ما أفرزته الانتخابات البلدية في طرابلس من ظهور لزعامة أشرف ريفي الذي أعلن عن استعداده لخوض الانتخابات النيابية في مواجهة الحريري وفي مناطق نفوذه التقليدية.

ويخشى الحريري من خسارة الانتخابات النيابية إذا ما خاضها وهو في حالة تراجع مالي وسياسي، وفي ظل نقمة شعبية جعلته يخسر الكثير من رصيده مع الترشيح المتتالي لأبرز خصومه السياسيين.

وتلامس الثنائية الشيعية هذا الأمر، لذا فإنها تصرّ على إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، واللافت أن هذا المناخ الشيعي ينسجم مع الأجواء الدولية التي تدعو إلى عدم تأجيل موعد الانتخابات النيابية.

وهنا يبرز السؤال التالي هل يستطيع الحريري، في حال نجح في تأليف الحكومة أو لم ينجح، أن ينال تكليفا جديدا بتشكيل الحكومة في حال خسارته في الانتخابات النيابية، وهل هناك ما يؤكد أن عمر التكليف أو عمر الحكومة لن يكون مقتصرا على عدة أشهر وحسب؟

وتعهد الجنرال عون بأن يكون مجال تشكيل الحكومة محددا ومقتصرا على أسابيع قليلة، سيعمد بعدها إلى التوقيع على تأليفها مع الحرص على تمثيل كل القوى السياسية.

ولا يبدو أن هذا التعهد قابلا للتنفيذ الفعلي، لأن الجنرال لا يستطيع أن يفتتح عهده الرئاسي بحكومة يمكن التصويب على شرعيتها، وعدم تمثيلها الصحيح للمكونات السياسية في البلد، وخصوصا في ظل إعلان الرئيس نبيه بري عن نيته التوجه إلى صفوف المعارضة.

ويأتي موضوع الاتفاق على ما سيتضمنه البيان الوزاري على رأس تلة العقبات التي تعترض طريق سعد الحريري الحكومي، فكيف يمكن الجمع بين الهجوم على إيران وحزب الله في خطاب ترشيح الجنرال ميشال عون، وبين تركيب بيان وزاري ينسجم مع مطلب تحييد لبنان عن الصراع السوري، وهو ما أعلن نصر الله مسبقا رفضه له؟

وتفتح أزمة البيان الوزاري المتوقعة الباب واسعا أمام جملة من الاحتمالات، ربما تكون معها العودة إلى خطاب النأي بالنفس الذي اعتمدته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي هو أسلم الحلول، ولكن هل يقبل حزب الله بأن يعطي للحريري الذي يعتبره خصمه، والذي قبل مسألة ترشيحه لتأليف الحكومة على مضض، ما كان قد أعطاه لحليفه الرئيس نجيب ميقاتي الذي أعلن في مفارقة لافتة أنه ضد خيار رئاسة الجنرال عون؟

وتجتمع كل هذه المآزق لتجعل من عملية تشكيل الحكومة مسألة شائكة ومعقدة لأن حزب الله يصر على تقديم وصول الجنرال عون إلى سدة الرئاسة بوصفه انتصارا لمشروعه، وأن يبرر من خلاله مشاركته في الميدان السوري وفي أكثر من مكان والتي منحته السيطرة التامة على لبنان من خلال الرئاستين الأولى والثانية.

وهل يمكن أن نتوقع في ظل هذه الأجواء أن يفرج حزب الله عن ملف الحكومة بسهولة، إلا إذا تيقن أن تشكيلها سيكون أزمة مفتوحة، تنحصر مهمة الحريري في إدارتها وحسب، في حين يستكمل الحزب مهماته، ويفعّل مشاريعه على كل الأصعدة؟.

شادي علاء الدين: العرب