خمسة أيام تفصل لبنان عن رئيس للجمهورية , محاولات لإقناع بري
السفير :
أيام ثقيلة وطويلة تفصل «الجنرال» عن القصر، لكن الانتظار لا يمنع من ارتداء بدلة الرئاسة الأولى نفسياً. هذا هو واقع الحال في الرابية. صار العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية. أنجز خطاب القسم. الاستعدادات في القصر الجمهوري اكتملت، حتى الحرس الجمهوري الذي استُعين به لضرورات الأمن، في الضاحية الجنوبية، يعيد تجميع ضباطه وعناصره استعدادا للمهمة الأصلية: حماية الرئيس والقصر والضيوف والتنقلات.
يوم الاثنين وبدءاً من الحادية عشرة والنصف قبل الظهر، ستنصب شاشة عملاقة في مقر «التيار الوطني الحر» في «العمارة» في الزلقا، لمتابعة وقائع الجلسة الانتخابية. مع اعلان فوز العماد عون، تبدأ الاحتفالات وتتوج باحتفال مركزي ضخم في السادس من تشرين الثاني المقبل، يشارك بإحيائه فنانون وفرق موسيقية.
لن يتوقف الطبل والزمر. «ترتاتا جنرال» العبارة الشهيرة، ستحضر في الشوارع والساحات. لن يعكّر المشهد الاحتفالي استفزاز من هنا أو من هناك.
«على الورقة والقلم»، صار ميشال عون رئيساً للجمهورية. إذا لم يطرأ عنصر خارجي مفاجئ، أو بالأحرى إذا لم تأت «لا» خارجية كبيرة جداً في آخر لحظة، فإن كل شيء يشي داخلياً بانعقاد النصاب الرئاسي لمصلحة ميشال عون.
لا تعني «اللبننة» أن الخارج غير موجود. يصرّ أكثر من مرجع لبناني على القول: «راقبوا مجريات الأحداث في اليمن ولبنان. صار الملفان بمثابة ملف واحد. لا تضيعوا وقتكم ودققوا جيداً بالمجريات والمشاورات والأوراق والاتفاقات».
إذا كان الأمر ليس لبنانياً وحسب، يجب أن يبقى للتحفّظ هامشه، ولو بنسبة ضئيلة جداً. تكفي العودة الى تاريخ من ناموا رؤساء واستفاقوا في اليوم التالي مجرد مرشحين، للقول إن الأمور بخواتيمها.
هل يعني ذلك أن الأمور ستكون واضحة بالكامل قبل انعقاد الجلسة الرئاسية؟
يسارع مرجع لبناني للقول إن الأمور ستبقى مفتوحة على كل الاحتمالات ليس إلى ما قبل جلسة الحادي والثلاثين، بل من خلال تتبع مجرياتها، وصولاً الى ما ستفرزه من نتائج، يظهر معها الخيط الأبيض من الخيط الأسود.
اللافت للانتباه أن «عدم الممانعة» جملة سهلة وديبلوماسية وحمّالة أوجه. لا ممانعة أميركية وسعودية تعبّد الطريق الرئاسي أمام «الجنرال». لا ممانعة من «حزب الله» وحلفائه تعبد الطريق أمام عودة سعد الحريري الى السرايا.
من يريد خارجياً أن يعيد النظر في حساباته أو أن يصيب أحد أطراف «التفاهم»، عليه أن يترجم ذلك في اللعبة الانتخابية. إذا جاءت النتائج كما يتوقعها كل من ميشال عون وسعد الحريري «على الورقة والقلم»، فهذا يعني أن الخارج قرر الانضباط، وبالتالي لا خوف على استقرار لبنان. إذا جاءت النتائج عكس ما يشتهيه هؤلاء، عندها يصبح السؤال عمن يملك مصلحة في دفن الحريرية السياسية في لبنان أو أخذ البلد الى مطارح سياسية غير محسوبة جيداً.
في الانتظار، لن ترسل السعودية أي موفد الى بيروت في الأيام القليلة المقبلة، خلافاً لما روّجته بعض وسائل الاعلام. هذه ليست معلومة، بل مجرد تأكيدات بلسان مصادر ديبلوماسية خليجية في معرض ردّها على استفسارات جهات رسمية لبنانية. ومن راقب شوارع العاصمة في ساعات نهار أمس، لاحظ أن مواكب السفارات لم تهدأ من مقر الى آخر، أما المحصّلة، فليست واحدة، لكنها تتراوح بين الترحيب وعدم الممانعة أو عدم الحماسة، من دون أن تصدر أية اشارة سلبية حتى الآن، ما عدا بعض الاستفسارات المتصلة بالمؤسسة العسكرية والسلاح و «حزب الله».
وفي الانتظار أيضا، لا جديد في المواقف السياسية، سوى المزيد من التريث الجنبلاطي، لكن بوجهة إيجابية تصبّ في مصلحة عون والحريري، وقد عبّر عنها وليد جنبلاط بعد ساعات قليلة من اجتماع قيادتي «الاشتراكي» و «اللقاء الديموقراطي» في المختارة بقوله قبيل منتصف ليل أمس، «اياً كانت الاعتراضات فإن التضحية والتسوية من اجل المستقبل اهم من كل شيء»، فيما الحريري يستعد لاطلالة تلفزيونية عبر شاشة «كلام الناس». أما الرئيس نبيه بري، فقد بدأت نبرته تتصالح مع الواقع السياسي الجديد، برغم أنه أوحى للاعلاميين الذين يرافقونه في رحلة جنيف بأن شياطين الملفات العالقة لن تدع الحكم الجديد يهنأ بـ «شهر العسل»، وأن الكثيرين ممن عارضوا سلّته سيعرفون قيمتها مع مرور الوقت، وأولهم الرئيس المنتخب. بل إن بري ذهب في تقديراته الى حد القول من جنيف بان مرحلة ما بعد انتخاب الرئيس ستكون لـ «الجهاد الاكبر» المتعلق بالاستحقاقات اللبنانية، وفي طليعتها القانون الانتخابي.
أية سيناريوهات مرتقبة لجلسة الاثنين؟
السيناريو الأجمل، أن يسبق هذه الجلسة تفاهم سياسي مع نبيه بري، سواء من خلال إعادة التئام طاولة الحوار أو أية صيغة أخرى، فيصار إلى سحب ترشيح سليمان فرنجية بالتوافق معه، ويعلن هو وبري ونواب «البعث» و «القومي» وطلال أرسلان تأييدهم لترشيح «الجنرال»، فتنتهي الجلسة خلال أقل من ساعة بانتخاب عون رئيسا للجمهورية بما يزيد عن 100 صوت.
هذا السيناريو الأجمل من أن يصدق، يتمناه بطبيعة الحال، كل من السيد حسن نصرالله ورئيس «تكتل التغيير والإصلاح» والرئيس سعد الحريري، ولكن نقطة ضعفه الأبرز افتقاده لعنصر الاغراء لمن يرغب بالانضمام إلى «الحفلة»، خصوصا أن هناك من يعتبر معارضة «الجنرال» مربحة، وبين هؤلاء الرئيس بري. فعندما تبدأ مشاورات التكليف والتأليف، يبدأ استدراج العروض من عند تثبيت ما حصل عليه رئيس المجلس في الحكومة الحالية، ليأخذ حصة أكبر في أية تركيبة حكومية برئاسة الحريري.
السيناريو الثاني والأكثر ترجيحا، أن يكون الوقت ضيقا، فلا يكون بمقدور «الوسطاء» تغيير حرف مما قد كتب، فيذهب الجميع إلى الجلسة منقسمين حول ثلاثة خيارات: مع عون، مع فرنجية، ضد الاثنين (ورقة بيضاء أو اسم أي مرشح). في هذه الحالة، لن يكون بمقدور «الجنرال» أن ينال ثلثي الأصوات (86 أو 85 بسبب استقالة روبير فاضل) من الدورة الانتخابية الأولى، الأمر الذي يستوجب دورة انتخابية ثانية، من ضمن الجلسة المفتوحة نفسها، سواء رفعها رئيس المجلس لبعض الوقت أو أكملها مباشرة.
هنا يتبدى أكثر من احتمال: الأول والأكثر واقعية، أن يستمر النصاب الدستوري (ثلثا النواب)، فينتخب عون في الدورة الثانية، بأكثرية لا تقل عن 65 نائبا (قد تصل أرقامه إلى حدود الثمانين نائبا). الثاني، أن يطير النصاب إذا رفع بري الجلسة للتشاور لبعض الوقت، بسبب «تسلل» المعارضين، إلى خارج مبنى المجلس (كلمة سر خارجية وتحديدا سعودية)، وعندها يعلن بري تأجيل الجلسة، كما جرت العادة حتى الثلث الأخير من تشرين الثاني المقبل!
السيناريو الثالث الذي كان يرغب «حزب الله» باعتماده، ولم يوافق عليه «الجنرال»، يتمثل باتخاذ قرار بإرجاء موعد جلسة 31 تشرين الأول لمدة أسبوع أو أسبوعين على الأكثر، على أن يكون الفاصل الزمني كفيلا بترتيب البيت الداخلي لكل من «قوى 8 آذار» وكذلك لـ «تيار المستقبل»، فتنعقد الجلسة الانتخابية بزخم سياسي أكبر لمصلحة عون، إلا أن هذا الاحتمال بات مستبعدا في ضوء موقف عون القاطع برفض التأجيل ولو لساعة واحدة!
حتما توجد سيناريوهات أخرى، لعل أخطرها سيناريو الأمن الذي استوجب توجيه نصائح لعدد من سياسيي الصف الأول بوجوب الحذر في هذه المرحلة، مخافة حدوث اغتيال سياسي يقلب الأمور رأسا على عقب، وثمة أمثلة كثيرة في الذاكرة القريبة والبعيدة، تشي بأن السيناريو الأمني يجب أن يوضع في الحسبان دائما.
ماذا بعد الانتخاب الرئاسي؟
إذا انتخب عون رئيسا للجمهورية يوم الاثنين المقبل، سيصار إلى تحديد موعد جلسة أداء القسم الدستوري خلال أيام قليلة على أبعد تقدير، لكي يتسنى للأمانة العامة للمجلس توجيه الدعوات، ومن المتوقع أن يحدد خطابا رئيس المجلس النيابي ورئيس الجمهورية أبرز ملامح المرحلة المقبلة، سياسيا واقتصاديا وماليا.
عندما يصل ميشال عون إلى القصر الجمهوري، تعتبر الحكومة الحالية مستقيلة وتبدأ مرحلة تصريف الاعمال، لتبدأ فورا مرحلة الاستشارات النيابية الملزمة لاختيار رئيس الحكومة، ومن المعروف أن سعد الحريري سينال نسبة تؤهله لمهمة تأليف الحكومة. بعدها تبدأ مرحلة الاستشارات التي يجريها الرئيس المكلف مع الكتل النيابية للاطلاع على مطالبها وتحديدا حصصها الحكومية.
ما هي السيناريوهات التي تنتظر عملية تأليف حكومة العهد الجديد؟
النهار :
سأل البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي عمن يحسم الجدل في شأن ما اذا كانت جلسة الاثنين المقبل لانتخاب رئيس للجمهورية هي دورة أولى أم دورة ثانية بعدما أجريت دورة الاقتراع الاولى في العام 2014. ودعا الى حسم هذا الجدل قبل 31 تشرين الأول لئلا تتحول مادة خلافية تؤثر سلباً على مسار الجلسة وتشكل حجة للبعض لايجاد شرخ او اختلاف في الجلسة ومشكلة في النتائج.
ورأى "تكتل التغيير والاصلاح" بعد اجتماعه أمس أن "الدورة الأولى لانتخاب رئيس الجمهورية حصلت منذ سنتين ونصف سنة ومن المفترض ان ندخل إلى الدورة الثانية بنصاب الثلثين وتصويت النصف زائد واحد".
وطرح الموضوع تساؤلاً عن الغاية من اثارته في التكتل في ضوء علم أعضائه برأي الرئيس نبيه بري في الأمر واصراره على اجراء دورة أولى "بعدما أقفل محضر الجلسة السابقة"، ونقل من اجواء بري انه اذا استمر العونيون في رأيهم وأصروا على اعتبار جلسة الاثنين دورة ثانية فهذا يعني ان اشتباكاً جديداً سيقع بينهم وبينه ويشارك فيه أكثر من طرف.
ونقل مندوب "النهار" في جنيف الزميل رضوان عقيل، اصرار بري وتكراره ان الجلسة التي تم الاقتراع فيها للدكتور سمير جعجع قبل أكثر من سنتين ونصف سنة اقفل محضرها. وعلى عون ان يحصل على 86 صوتاً ليعلن نجاحه في الدورة الاولى، والا يتجه النواب الى جلسة ثانية تليها مباشرة مع شرط ابقاء النصاب نفسه ويجب ان يحصل عندها على 65 صوتا لينتخب رئيساً. ولا تحتاج هذه النقطة عند بري الى تفسير ونقاش ولا يحبذ الاستفاضة فيها "ونقطة على السطر".
حنين
أما الحقوقي والنائب السابق الدكتور صلاح حنين، فشرح لـ"النهار" انه إذا ما إنعقدت الجلسة في 31 من الجاري وتوافر فيها نصاب الثلثين فهي تعتبر بمثابة دورة ثانية وهذا أمر منصوص عليه في المادة 49 من الدستور. وأوضح ان ما يقال عن إقفال محضر الجلسة يتعلق فقط بجلسات التشريع وليس بجلسات إنتخاب رئيس الجمهورية. وجاء موضوع إقفال المحضر في نص النظام الداخلي للمجلس لكي تبقى جلسات التشريع مفتوحة لإيام عدة تسهيلاً لعمل البرلمان. ولكن ما أن يتطلب الامر التصويت تصبح هناك حاجة الى النصاب. وأما في ما يتعلق بإنتخاب رئيس الجمهورية، فلم يرد في الدستور موضوع إقفال المحضر. وما أن تنعقد الجلسة الاولى بالنصاب المطلوب تصبح حكماً دورة أولى لتكون الجلسة التالية المتوافر فيها النصاب دورة ثانية بصرف النظر عن تكرار محاولات إنعقاد الجلسة ومرور الزمن على الدورة الاولى.وعليه فإن جلسة الاثنين المقبل يفوز فيها من ينال الاكثرية المطلقة من الاصوات أي النصف زائد واحد".
مرقص
ويوقف استاذ القانون الدستوري الدكتور بول مرقص عند الجلستين التشريعتين اللتين انعقدتا في زمن الفراغ، فرأى أنهما أتتا "على ضفاف الدستور، اذ لم يكن يحق للمجلس التشريع".
وقال: "كان يفترض اعتبار جلسة نيسان 2014 لانتخاب الرئيس هي الدورة الاولى، إنما ارتأى المجلس اعتبارها دورة أولى، وبتنا نحن أسرى هذا التفسير وهذا الواقع، لأن محضر الجلسة الاولى اعتبر انه اقفل، بسبب انعقاد جلستي التشريع لاحقاً، والا كيف يمكن فتح هاتين الجلستين والبدء بأمر اذا لم ننته من الأمر الاول؟".
اتصالات
سياسياً، ودع العماد ميشال عون أعضاء تكتله في اجتماع اعتبره الاخير معهم في الرابية، اذ سيكون الثلثاء المقبل في بعبدا. أما الحزب التقدمي الاشتراكي، فاجتمع في المختارة وهو يتريث في اعلان موقفه قبل لقاء النائب وليد جنبلاط وعون والمتوقع الخميس. لكن مصادر متابعة قالت انه خطا خطوة نحو تأييد عون.
كذلك أرجأت كتلة "المستقبل" النيابية اجتماعها الى الجمعة المقبل، الى حين عودة الرئيس سعد الحريري، وتجنباً لتولي الرئيس فؤاد السنيورة رئاسة الاجتماع وهو المعارض لخيار الحريري الرئاسي. وعلمت "النهار" ان اتصالات جرت مع نواب معترضين ومنهم السنيورة لحملهم على تبديل مواقفهم والخروج بموقف شبه موحد الجمعة.
واشنطن راضية
دولياً، علمت "النهار" من مصادر ديبلوماسية ان الولايات المتحدة الاميركية باتت تتعامل مع انتخاب عون على انه بات محسوماً. والسفيرة الاميركية اليزابيت ريتشارد التي التقت وزير الخارجية جبران باسيل نقلت اليه ارتياح بلادها الى انتخاب رئيس للجمهورية ومباركتها لخيار انتخاب عون باعتباره خياراً لبنانياً داخلياً طالما طالبت به واشنطن التي يهمها استقرار لبنان وتفعيل مؤسساته. واكدت ان مساعدات بلادها للبنان لن تتغير وستستمر وفق الالية المتبعة مع الجيش لبمواجهة الارهاب وحماية الاستقرار في الداخل وعلى الحدود.
استعدادات
اجرائياً، بدأت الاستعدادات في قصر بعبدا وفي ساحة النجمة لجلسة الاثنين. وعلمت "النهار" ان العميد سليم فغالي سيعين قائداً للحرس الجمهوري، والعميد بول مطر مديرا لمكتب رئيس الجمهورية، كما كلف المدير العام لرئاسة الجمهورية انطوان شقير الزميل رفيق شلالا تسيير أعمال مكتب الاعلام.
وفي مجلس النواب، بدأت حملة تنظيف في محيط المجلس وفي داخله، وأنجزت الاستعدادات لتوجيه الدعوات الى النواب والسفراء، وبدأ تنظيم عملية ادخال الاعلاميين وتنظيم عملهم، خصوصاً ان وسائل اعلام اجنبية بدأت توفد مراسلين لنقل وقائع الجلسة وما يرافقها.
المستقبل :
إصابة أكثر من خمسة مواطنين في أقل من أربع وعشرين ساعة بعضهم تصل إصابته إلى حد الخطورة أقله التهديد بالشلل. هذا هو حال ضحايا الرصاص الطائش في لبنان والذي يمتد على مساحة البلد كلّه من العاصمة باتجاه الأرياف، حيث لا يكاد يمرّ يوم حتى تُروى فيه حكاية جديدة لأشخاص أضحوا في خبر كان ولا ذنب لهم سوى أنهم يسكنون ضمن مناطق يسكنها جنون السلاح المتفلّت الذي يأبى أصحابه إلا أن يُضيفوا إلى يوميّاتهم ويوميّات الآخرين، ضحايا جدداً بذريعة التشييع أو الابتهاج.
رصاص طائش من جديد وضحايا أبرياء جُدد. يوم الأحد الماضي، أصيبت هلالة محمد غورلي في رأسها أثناء جلوسها داخل خيمتها مع أفراد عائلتها، وذلك نتيجة إطلاق نار خلال أحد مراسم العزاء لعنصر من «حزب الله» في منطقة بعلبك، كان سقط في سوريا. ليتم نقلها على الفور إلى مستشفى دار الأمل في بعلبك حيث أجريت لها عمليات جراحية، لكن من دون أن تصل إلى حالة الاستقرار بعد، إذ يقول طبيبها المعالج، إن «الإصابة يُمكن أن تؤثر على حركة يدها اليسرى ورجلها».. وفي اليوم نفسه، أصيب الشاب علي رايب برصاصة طائشة في يده في بلدة «عين بورضاي» البقاعية، أثناء ترجله من سيّارته، في اللحظة التي كان يتم فيها تشييع أحد عناصر الحزب. يوم أعلنت الدولة نيتها جعل بيروت مدينة منزوعة السلاح، سارع «حزب الله وبكافة« طرقه المعهودة إلى وأد هذا الاقتراح في مهده متحجّجاً يومها بوجود مراكز أمنية له في عدد من الأحياء والمناطق في العاصمة، وأيضاً بوجود مساكن ومكاتب لعدد من قيادييه الأمنيين والسياسيين. واليوم يقطف اللبنانيون ثمار هذه العرقلة بموتهم على الطرق من جرّاء هذا السلاح ورصاصه الطائش من دون أي رادع جدي للحدّ من هذه الظاهرة التي تكثر ضمن مناطق سيطرة الحزب، وآخرها، ضحايا بالجملة، تمرّ حكايات آلامهم التي أصبحت جزءاً من سنن حياتهم ومصيرهم المجهول.
منذ أربعة أيّام، فُجع أهالي منطقة الرويس في الضاحية الجنوبية بوفاة المواطن حسين ملك (36 عاماً) من بلدة «بيت ليف» الجنوبية نتيجة رصاص طائش مجهول المصدر بينما كان يجلس أمام مكتبته في شارع عبد النور، ما أدى إلى وفاته على الفور، وملك هو رب عائلة مؤلفة من زوجة وولدين، رحل هو الآخر عن الدنيّا من دون محاسبة الفاعل ولا حتّى اعتقال مُشتبه بهم، خصوصاً أن الجهة التي تحتضن هذا السلاح وتوزّعه على عناصرها بشكل عشوائي، هي غير معنيّة في الأصل بالتحقيقات التي تجري بهذا الشأن ولا يُسمح حتّى، بالتحقيق مع أي من عناصرها من دون علمها، فقط لأنهم يحملون صفة «مقاومين»، علماً أن بعض هؤلاء كان قد كشف وجهه أمام كاميرات التلفزة من دون أن يخشى ملاحقته، والأنكى أن أحدهم كان تبرّع بإعطاء الناس درساً في كيفيّة إطلاق النار ابتهاجاً، موجّهاً فوهة بندقيته لناحية منطقة يعتبرها «خصماً«.
من المعروف أن لـ«حزب الله« وجمهوره، نصيباً وافراً من عمليات إطلاق الرصاص العشوائي، سواء في الأفراح أو الأتراح وقد درجت هذه «الموضة» لاحقاً داخل بيئته خصوصاً بعد انغماسه في الحرب السورية، إذ بالكاد تمر مناسبة تشييع لأحد عناصره من دون أن يسقط خلالها ضحايا، وغالباً ما يكون هؤلاء من العُجّز والأطفال، الأمر الذي يدعو إلى الحيرة أو حتّى التساؤل عن مغزى الدعوات المُتكرّرة للسيد حسن نصرالله بعدم جواز إطلاق الرصاص ابتهاجاً أو حُزناً، طالما أن نداءاته هذه لم تعد مسموعة.
الأطفال منير حزينة، محمد القاعي وحسين خير الدين الذين كانوا قد سقطوا برصاص «حزب الله» الطائش، تُضاف اليهم مجموعة أسماء قُتل أصحابها بالطريقة نفسها. الطفلان: باتينا رعيدي، ياسين سيروان. الشاب وسام بليق، محمد شرقاوي، حسين العيسى، حسين العرب، زهراء شهاب، حسين ملك، هلالة غورلي وعلي رايد وغيرهم الكثير من الأسماء التي يصعب حصرها. جميع هؤلاء لن يكونوا آخر الضحايا في وطن هو نفسه ضحيّة بيد جهات حزبيّة، تُصرّ على رسم نهاية كل فرد بالطريقة التي تراها مناسبة، تماماً كما ترسم مستقبل بلد وشعبه منذ أن وضعت سلاحها برسم التقاتل بين أبناء الشعب الواحد وربما الأمّة الواحدة.
يُذكر أن النائب غسان مخيبر، كان تقدم منذ فترة، باقتراح قانون معجل مكرر أقره أخيراً مجلس النواب، وينص على ملاحقة ومعاقبة كل من يُطلق النار في الهواء من سلاح مرخص أو غير مرخص. ويتألف القانون من مادة وحيدة تنص على أنّ «كل من أقدم لأي سبب كان على إطلاق عيارات نارية في الهواء من سلاح حربي مرخص أو غير مرخص به، يُعاقب بالحبس و/ أو الغرامة. إذا أدّى هذا الفعل إلى مرض أو تعطيل شخص عن العمل مدة تقل عن عشرة أيام، عوقب المجرم بالحبس من تسعة أشهر الى ثلاث سنوات وبغرامة من عشرة أضعاف الى خمسة عشر ضعفاً من الحد الأدنى الرسمي للأجور. وإذا تجاوز التعطيل والمرض الـ 10 أيام رُفعت العقوبة الى الحبس من سنة الى ثلاث سنوات فضلاً عن الغرامة السابق ذكرها.
أمّا إذا تسبب إطلاق النار بموت الضحية فيُعاقب الجاني بالأشغال الشاقة مدة لا تقل عن عشر سنوات ولا تتجاوز الخمس عشرة سنة وبغرامة من عشرين إلى خمسة وعشرين ضعفاً من الحد الأدنى الرسمي للأجور.
الديار :
العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية اللبنانية بات امراً مفروغاً منه وخارج النقاش والحسابات النيابية والسياسية. وقد بدأ العونيون يستعدون للاحتفالات في مختلف المناطق اللبنانية، فيما الاحتفال المركزي سيكون مساء الاثنين في ساحة الشهداء بمشاركة فاعليات سياسية وفنية واجتماعية.
العماد عون ينام رئيساً في بعبدا، رغم ان كل يوم يفصله عن تاريخ 31/10/2016 هو كدهر كامل، خوفاً من مفاجآت اللحظات الأخيرة في بلد كلبنان.
المعارضون للعماد عون والوسطيون والمؤيدون باتوا يجمعون على ان رئيساً للبلاد سينتخب في 31/10/2016 والعماد ميشال عون هو الرئيس المقبل للجمهورية اللبنانية، حتى ان رئيس مجلس النواب نبيه بري جزم من جنيف الى ان الاستحقاق الانتخابي في موعده، واننا على بعد خطوات ان شاء الله من انتخاب رئيس للجمهورية. لكنه اشار الى ان هذا الامر غير كاف وحده، لان بعده هناك الجهاد الاكبر المتعلق بالاستحقاقات اللبنانية، وتحديداً قانون الانتخاب.
اجراء الاستحقاق في موعده بات محسوماً، خصوصاً ان الرئيس نبيه بري أكد انه لن يقاطع الانتخابات الرئاسية، وقدم له المعارضون سيناريوات للتعطيل رفضها جميعاً. واكد انه سيشارك في جلسة الانتخاب ولن يصوّت للعماد ميشال عون، لكنه لن يساهم في تطيير النصاب وبالتالي فان موقف الرئيس بري حسم حصول الجلسة الرئاسية. كما ان النائب سليمان فرنجيه ونواب كتلته سيحضرون، وكذلك الكتائب والرئيس نجيب ميقاتي وكتلته والوزير بطرس حرب، فيما اعلن النائب محمد الصفدي تأييده للعماد عون. اما النائب مروان فارس من الحزب السوري القومي الاجتماعي فكشف عن اجتماع سيعقد للحزب نهار الجمعة لاعلان موقف واضح حيال تأييد احد المرشحين لرئاسة الجمهورية، غير انه لفت الى ان حزبه يتجه نحو تأييد العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية.
واشارت معلومات مؤكدة الى ان حزب الله صارح العماد عون بموقفه، وانه لن يسعى لتأجيل الانتخابات الرئاسية كما تم التسريب، مع تأكيده ان على العماد عون الانفتاح على الرئيس بري للوصول الى تفاهمات شاملة، وموضوع الحكومة يلزمه بحث آخر بعد الاستحقاق، مع الرئيس بري وكذلك قانون الانتخاب.
جعجع والسفيرة الأميركية
لكن البارز، الغموض الذي اكتنف الموقف الأميركي بعد تصريح وزير الخارجية الاميركي جون كيري المشكك في انتخاب عون وتوضيح احد مساعديه بالاضافة الى ما سرب عن السفيرة الأميركية بالنسبة لرفض بلادها تأييد عون. الا ان المعلومات التي حصلت عليها «الديار» تؤكد ان السفيرة الأميركية قالت لرئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع اننا مع فرنجيه، لكن اذا تعذر انتخابه فلا مانع من ترشيحك العماد ميشال عون.
وقالت مصادر القوات اللبنانية لـ«الديار» ان الاجتماع الذي عقد بين رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في معراب والسفيرة الأميركية في لبنان اليزابيت ريتشارد تناول تشديد واشنطن على انهاء الشغور الرئاسي واعطاء الاولوية لانتخاب رئيس للجمهورية اذ اعتبرت السفيرة الاميركية ان انتخاب رئيس سيحيد لبنان عن مشاكل كبيرة وسينقذه من تداعيات الحرب السورية، خصوصا ان الصراع السوري ذاهب الى التصعيد ولن ينتهي في المستقبل القريب.
ولفتت هذه المصادر الى قيام جهات بتسريب معلومات خاطئة وعارية عن الصحة حول موقف الادارة الاميركية الرافض لوصول العماد ميشال عون الى قصر بعبدا، وكل ذلك لعرقلة المسار الرئاسي وتوتير الاجواء السياسية في لبنان. واكدت مصادر حزب القوات اللبنانية ان واشنطن كانت تميل الى تأييد المرشح سليمان فرنجية رئيسا للجمهورية. وقد عمل السفير الاميركي السابق ديفيد هيل على تسهيل وصول فرنجية وكان من ابرز المشجعين للتقارب الذي حصل بين الرئيس سعد الحريري والوزير سليمان فرنجية. الا ان واشنطن عندما لمست ان انتخاب فرنجية ووجه بمعارضة كبيرة وبات متعذرا انتخابه، تمسكت بمعادلة اهمية انتخاب رئيس للجمهورية، ولذلك لم تأخذ اي موقف معارض لانتخاب العماد عون رئيسا للجمهورية. بيد ان الادارة الاميركية تعتبر ان الشغور الرئاسي يؤدي الى الموت البطيء للبنان، ولذلك تقوم بمحاولات لانهاء الفراغ.
واشارت مصادر القوات اللبنانية الى ان حزب القوات يؤيد موقف الرئيس نبيه بري حول البحث في قانون انتخاب جديد بعد انتخاب رئيس للجمهورية مؤكدة ان القوات اللبنانية ستفعل كل ما في وسعها لحث الجميع على اقرار قانون جديد يكون منصفا وعادلا ويمثل المجتمع اللبناني. وهنا، كشفت هذه المصادر ان هناك اطرافاً سياسيةً لا تحبذ فكرة اقرار قانون انتخاب جديد، ومن بينها كتلة تيار المستقبل إذ تعتبر الاخيرة ان القانون الانتخابي الحالي يصب في مصلحتها وتغييره سيضعف من نفوذ المستقبل في المناطق اللبنانية.
ومن المتوقع ان تعلن الكتل النيابية مواقفها من اليوم حتى يومي السبت والاحد، مع استمرار ماكينات القوى السياسية في احتساب الاصوات وكم سينال العماد عون من الاصوات، بالاضافة الى عدد الاوراق البيضاء وكم سينال النائب سليمان فرنجيه.
دورة أولى أو ثانية والحسم عند بري؟
لكن البارز الذي أخذ حيزاً بارزاً من النقاشات والتسريبات خلال الايام الماضية هل جلسة 31/10/2016 دورة أولى أو ثانية، وقد تمسك العونيون بأن جلسة الاثنين دورة ثانية بعد ان عقدت الدورة الاولى في 23 نيسان 2014.
وتشير اوساط قانونية الى ان شرط انتخاب رئيس الجمهورية في الدورة الاولى هو حضور ثلثي عدد النواب اي 86 نائباً لافتتاح الجلسة، واذا لم يحصل المرشح على نصف عدد النواب زائداً واحداً، اي 65 نائباً، تعقد دورة ثانية. وشرط نصابها ايضا حضور ثلثي عدد النواب، اي 86 نائباً، ويفوز المرشح بنصف عدد النواب زائداً واحداً اي 65 نائبا، وهو شرط لانتخاب الرئيس في كل الدورات، وهو النصاب القانوني.
وتؤكد مصادر الرابية ان الدورة الاولى عقدت في 23 نيسان 2014، والجلسة التي ستعقد في 31/10/2016 تعتبر دورة ثانية للانتخاب. وشرط الفوز بموجب الدستور نصف عدد النواب زائداً واحداً اي 65 نائبا. واذا نال العماد عون هذه النسبة يصبح رئيساً للجمهورية. وهذه المسألة يثيرها العونيون ويتمسكون بها خوفاً من حصول تحالف ما لتطيير النصاب في الدورة الثانية والاطاحة بحظوظ العماد عون الرئاسية. فيما المعارضون للرابية يتمسكون بأن جلسة 23 نيسان 2014 اختتمت واقفل محضرها واعلن امام النواب ولذلك لا تحسب دورة اولى دستوريا. وبالتالي فان جلسة 31/10/2016 ستشهد دورة اولى ودورة ثانية منعاً لاي التباس دستوري او حصول خلافات وهناك نواب معارضون وموالون سيثيرون هذه المسألة بعد افتتاح الرئيس بري للجلسة نهار الاثنين المقبل لكن الحسم سيبقى بيد الرئيس نبيه بري، وجوابه على هذا الجدل الدستوري سيضع حداً لكل هذا اللغط. علماً ان النائب سامي الجميل اثار هذه المسألة عند انتهاء جلسة 23 نيسان 2014 وكان الجواب انها دورة اولى، وان اي جلسة ستعقد مستقبلاً ستكون دورة ثانية ويبقى انتظار موقف بري.
الجمهورية :
خمسة أيام تفصل اللبنانيين عن انتخاب رئيس جمهوريتهم العتيد، والطريق باتت سالكة على الأقلّ للمشاركة في جلسة 31 الجاري، بل إنّ البعض يتعاطى مع مسألة انتخاب رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون رئيساً للجمهورية على أنّها مسألة محسومة حتى مِن أبرز المعارضين له، فيما بعضٌ آخر لا يُسقط عنصرَ المفاجآت واحتمال التأجيل لبضعة أيام بفِعل جدلٍ دستوري يدور حول ما إذا كان الانتخاب سيتمّ في دورة واحدة تأسيساً على ما انتهت إليه الجلسة الأولى التي تَنافَس فيها عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، أم على أساس دورتين، في اعتبار أنّ زعيم تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية سينافس عون بدلاً من جعجع الذي خرج من السباق الرئاسي متبنّياً ترشيح الأخير.
أيام ثقيلة بأحداثها وتطوّراتها تفصل عن موعد جلسة الانتخاب التي هناك شِبه إجماع على أنّها ستكون حاسمة لانتخاب رئيس الجمهورية، بدليل ما قاله رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس من «أنّنا على بعد خطوات من انتخاب رئيس الجمهورية في 31 الجاري، ونأمل ان تتحقق هذه الخطوة لأنّ لبنان في حاجة ماسة اليها». لكنّه شدّد على «أنّ الانتخاب لا يكفي وحده وأنّ بعده «الجهاد الأكبر».
من جهة أخرى، تجاوزت بعض الأوساط السياسية أمس مسألة انعقاد الجلسة وانتخاب عون إلى حجم الأصوات التي سينالها. وهل ينجح من الدورة الأولى ويحصل على أكثرية الثلثين وما فوق أم تَلزمه دورة اقتراع ثانية ليكون فوزه عاديّاً ومختلفاً عن فوز كلّ الرؤساء الذين تعاقبوا في مرحلة ما بعد «إتفاق الطائف» في ظلّ وجود مرشح آخر هو فرنجية؟ وهل يَحظى تأليف الحكومة بتسهيل؟
في هذا الصدد، أفادت مصادر مطلعة انّ ساحة النجمة ستشهد جلستين نيابيتين بفارق دقائق في ما بينهما، وبمعزل عن الآلية التي ستُعتمد في الأولى منها، سواء تمّ اللجوء الى جلسة انتخاب لنَيل اصوات الثلثين للفوز أو اللجوء الى دورة ثانية بصندوق الاقتراع للتصويت وفق منطق النصف زائداً واحداً فإنّ النتيجة واحدة طالما إنّ النقاش حول النصاب لم يعد مطروحاً.
عدوان
في هذا السياق اعتبرَت مصادر في «القوات اللبنانية» «أنّ ثمّة أطرافاً تحاول أن تبثّ أجواء أنّ المعركة ليست واضحة، ونحن نعتبر هذه الأجواء غيرَ دقيقة، بل على العكس باتت المعركة محسومة لمصلحة عون».
وقال عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب جورج عدوان لـ«الجمهورية»: «إنّ معارضي عون يسعون إلى ان يحظى سليمان فرنجية بعدد كبير من الأصوات، وعندما عجزوا عن ذلك بالبوانتاج تركّز مسعاهم على تصوير الأمور وكأنّ الأوراق البيض ستكون لمصلحة فرنجية.
وحقيقة الأمر انّ هذه الأوراق تعبّر عن رفض بعض الأطراف التصويتَ لمرشحين من قوى 8 آذار، مِثل كتلة نواب «الكتائب». وللتوضيح ليكُن معلوماً انّ المقارنة يجب أن تكون بين أصوات عون وأصوات فرنجية، أمّا الأوراق البِيض فلن تُحتَسب في التوازن بين فرنجية وعون».
ما بعد الانتخاب
وقالت مصادر معنية بالاستحقاق الرئاسي لـ«الجمهورية» إنّ «الكلام العام الدائر حوله لا يلغي حالَ الانتظار في الأيام السابقة للجلسة الانتخابية، فالاتصالات ناشطة على مستويات عدة حول الانتخاب في جانب، وحول ما بعد الانتخاب بالدرجة الاولى. فالعبرة هي في ما بعد انتخاب الرئيس وليس في ما قبله. والجميع يتطلع الى الخطوة التالية، وهي كيف يمكن المعنيين ان يزيلوا جبال التعقيدات من الطريق والسبل التي يمكن استخدامها لهذه الغاية».
وأضافت هذه المصادر: «إنّ المعنيين بالاستحقاق، وعلى رأسهم بري، ينتظرون تطوّر الأمور في الساعات والأيام المقبلة، وفي ضوئها سيبنون على الشيء مقتضاه. وفي رأي هؤلاء انّ احتفال «التيار الوطني الحر» المسبَق بالفوز المتوقع فيه شيء من المبالغات ونوع من استباق الأمور، بحيث انّ «التيار» يحتفل قبل الاحتفال الكبير».
وإزاء الجلسة، تسود في بعض الأوساط مقترحات من مِثل تأجيل الجلسة لثلاثة ايام لاستكمال الاتصالات، وأن يدعو بري طاولة الحوار لتظهير التسوية من خلالها بشِبه إجماع عليها، لكنّ هذه المقترحات لم يؤخَذ بها حتى الآن، والبعض اعتبرها اقتراحات غير ناضجة، لكنّ ذلك لا يمنع من وصفِ ما هو جارٍ بأنّه سياسة المياومة، على ان تكون تطورات الساعات الاخيرة التي تسبق جلسة الانتخاب هي الحاسمة.
إذ لا يمكن القول الآن «فول قبل ما يصير بالمكيول»، فالتحضيرات اللوجستية والسياسية للجلسة قائمة على قدم وساق، لكنّ أحداً لا يمكنه ضمان عدم حصول مفاجآت. وبين القوى السياسية من يسأل: أين هو الحريري؟ هل التقى أحداً من المسؤولين السعوديين أم لم يلتقِهم؟.
وفي وقتٍ انتقلَ من الرياض الى باريس، فإنّ الإيجابيات المشاعة حول تأييد سعودي للتسوية المطروحة تأسيساً على مبادرته لا أحد يؤكدها إلّا محيطه، ما يجعل الأنظار متّجهة إلى الرياض في ظلّ تساؤل عن إمكان صدور موقف سعودي علني أو عبر قنوات معيّنة.
ويبدو أنّ هذا الموقف السعودي سيكون تجديد التأكيد على عدم التدخّل في الشأن الداخلي اللبناني وأنّ المملكة تدعم ما يتفق عليه اللبنانيون، وهي تتمنى للبنان الخروج من الأزمة. ولم تستبعد مصادر واسعة الاطّلاع ان يحمل هذا الموقف الموفد السعودي وزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان الذي سيصل الى بيروت في أيّ وقت.
على أنّ جهات سياسية فاعلة ومؤثّرة في الاستحقاق أكّدت لـ«الجمهورية» أنّ انعقاد جلسة الانتخاب في موعدها بلا أيّ تأجيل سيكون مؤشراً على وجود «قوى خارقة» تحصّن هذا الاستحقاق، وبهذا سيُسجَّل للحريري أنّه أحسن في أداء دوره في ضوء المعطيات التي شجّعته على إطلاق مبادرته.
برنامج عون
وكشفَت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» أنّ عون أنجَز «خطاب القسم» الذي سيلقيه الإثنين المقبل في مجلس النواب، وبات في مرحلة وضعِ اللمسات الأخيرة على بعض نقاطه في انتظار التطورات الفاصلة عن جلسة الانتخاب والتي يمكن ان تفرض إضافة عبارة أو شطبَ أخرى. ووصَف أحد الذي اطّلعوا على عناوين هذا الخطاب بأنه «خطاب مختلف، نوعي وغير عادي».
وبعد أن يؤدّي عون اليمين الدستورية يتلو خطابه ثمّ يستقبل المهنئين من النواب في ساحة النجمة ليصبحَ منذ تلك اللحظة في عهدة لواء الحرَس الجمهوري الذي سينتقل به فوراً إلى قصر بعبدا حيث انتهت الترتيبات الإدارية والأمنية واللوجستية.
وفي اليوم التالي سيدعو عون إلى الاستشارات النيابية الملزمة التي سيجريها لتسمية رئيس الحكومة الجديدة، في الوقت الذي ستصبح حكومة الرئيس تمام سلام مستقيلة لحظة انتخاب رئيس الجمهورية، على ان تبدأ هذه الاستشارات منتصف الاسبوع المقبل على الارجح.
وبعد تسمية رئيس الحكومة المكلّف في ضوء نتائجها تبدأ رحلة الألف ميل لتأليف الحكومة عبر استشارات يجريها الرئيس المكلّف في مجلس النواب مع مختلف الكتل، وثمّة تقديرات لدى البعض بأنّ التأليف قد يستغرق بضعة اشهر في ظلّ لعبة وقت قاتلة، وذلك في حال الاختلاف على حجم الحكومة وتوزيع حقائبها وعناوين بيانها الوزاري.
فالحريري سيَستعجل التأليف بعدما بات محسوماً أنّه سيُسمّى لهذه المهمّة، فيما المعلومات تشير إلى أنّ «حزب الله» لن يسمّيه وكذلك بري، ما يعني أنّ عون الذي يتوقع أن ينتخب بأكثرية مرموقة، فيما الحريري قد لا يسمّى بالاكثرية المرموقة التي يطمح اليها، ما يثير خشيةً من تأخّر التأليف الى حين موعد الانتخابات النيابية في أيار المقبل.
على أنّ مراجع معنية تردّ على ما يطرحه البعض من تمديد تقني أو غير تقني لمجلس النواب مؤكّدةً أنّ هذا التمديد غير وارد، ومذكّرةً بقول بري قبل اسابيع من أن «لا تمديد للمجلس حتى لساعة واحدة، وأن هذا التمديد هو من سابع المستحيلات».
وتخشى المصادر من أنّه في حال تأخّر تأليف الحكومة حتى موعد الانتخابات ستنتفي عن الحريري صفة الرئيس المكلّف لأنّ انتخاب المجلس النيابي الجديد هو استحقاق دستوري يفرض تأليفَ حكومة جديدة ستتطلّب استشارات تكليف وتأليف جديدة في ضوء نتائج هذه الانتخابات والأحجام التمثيلية الجديدة فيها.
ولذلك فإنّ البعض يرى انّ امتحان العهد الجديد سيكون من الآن وحتى أيار المقبل هو الوصول الى قانون انتخاب جديد، وقد سبقَ لبري ان اتّفقَ مع «التيار الوطني الحر» على قانون انتخاب يقضي باعتماد النظام النسبي على اساس لبنان دائرة انتخابية واحدة او على اساس اعتماد المحافظات دوائر كبرى.
على أنّ الربط بين تشكيل الحكومة وقانون الانتخاب إذا حصَل فإنه سيُراكم الأثقال السياسية في وجه الحريري انتخابياً وسياسياً ولجهة إدارة الدولة وإعادة ترميم علاقاته مع القوى السياسية، وخصوصاً مع بري الذي يشعر بـ»خديعة» تعرّضَ لها، وكذلك مع «حزب الله»، ما يَجعل من هذا الامر «بيضة القبّان» بالنسبة الى مستقبل التسوية السياسية.
حراك ديبلوماسي
وفي الحراك الديبلوماسي، سُجّلت أمس حركة ديبلوماسية لافتة محورُها الملف الرئاسي، فتنقّلت السفيرة الاميركية اليزابيت ريتشارد بين قصر بسترس حيث التقَت رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، ومعراب التي زارها ايضاً السفير الروسي الكسندر زاسبيكين.
من جهة أخرى، أجرَت المنسق الخاص للامم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ امس محادثات في موسكو مع نائب وزير الخارجية الروسية غينادي غاتيلوف ومسؤولين آخرين، ركّزت على الوضع في لبنان والتطورات الإقليمية.
وأوضَح مكتبها في بيان انّ «اهتماماً خاصاً أوليَ لعناصر أساسية من بيان رئيس مجلس الأمن الصادر في 22 تموز، وخصوصاً دعوة مجلس الأمن للتوصل إلى اتفاق توفيقي من أجل إنهاء الأزمة السياسية والمؤسسية في لبنان. ويتضمن ذلك الحاجة إلى ضمان سير عمل مؤسسات الدولة وفقاً للدستور والعملية الديموقراطية بحيث يتمكن لبنان من مواجهة التحديات التي يواجهها بفعالية».
وأكدت كاغ الحاجة إلى استمرار الدعم الدولي المنسق للبنان لمساعدته على مواجهة تداعيات الازمة السورية. وتمّ البحث ايضاً في الوضع الامني في لبنان وأهمية الدعم المطلوب والآني للجيش اللبناني. كذلك بحثت مع نائب وزير الخارجية الروسية غاتيلوف القرار 1701، على ان تقدّم إحاطة إلى مجلس الأمن في 10 تشرين الثاني».
جنبلاط
في غضون ذلك، عَقد مجلس قيادة «الحزب التقدمي الإشتراكي» اجتماعاً في المختارة مساء أمس برئاسة النائب وليد جنبلاط وفي حضور جميع الأعضاء، خُصّص للبحث في الإستحقاق الرئاسي والموقف الذي سيتّخذه الحزب منه.
وقالت مصادر شاركت في اللقاء لـ«الجمهورية» إنّ المناقشات التي استمرت ساعتين تقريباً بدأت تصبّ في اتّجاه انتخاب عون، وأنّ الجهد سينصب في الأيام المقبلة على وضع السيناريو المناسب لإخراج القرار على مرحلتين، الأولى تبدأ بسحب ترشيح النائب هنري حلو، والثانية دعم عون، وأنّ القرار النهائي منوط بمحطتين اساسيتين، الأولى ترتبط بزيارة عون لجنبلاط وبعدها التشاور مع بري، ولذلك بات مرجّحاً أن يصدر هذا القرار من المختارة السبت أو الأحد المقبلين عشية جلسة الإنتخاب.
سعَيد
وفي المواقف نفى منسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار النائب السابق الدكتور فارس سعيد في بيان ما ورَد في بعض وسائل الاعلام عن اجتماع ستعقده اليوم، وأكّد أنّ «هذا الخبر عارٍ عن الصحة»، وقال لـ«الجمهورية»: «إنّ الامانة العامة لم ولن تجتمع، وهناك أحزاب منضوية في 14 آذار ستذهب الى جلسة الاثنين لانتخاب العماد عون، وموقفي الرافض انتخابه بشروط «حزب الله» هو موقف شخصي، وأصرّ على انّ انتخابه خطوة في اتّجاه المجهول لأنه يأتي بشروط الحزب وليس بشروط الدستور اللبناني.
وفيما ينتظر البعض ان يدخل لبنان عبر انتخاب عون مرحلة الاستقرار وبناء الدولة فإنّني اتوقّع، ولسوء الحظ، أن يكون انتخابه مقدّمة لدخول لبنان في المجهول. هذا موقف شخصي ولا علاقة له بالأمانة العامة لـ 14 آذار».
مرجع أمني
وتعليقاً على التسريبات والروايات التي تردّدت عن مخاطر أمنية تحوط بهذه الشخصية اللبنانية أو تلك، قال مرجع أمني لـ«الجمهورية» إنّ «هذه التسريبات لا اساس ثابتاً لها ولا معلومات دقيقة تطاول مسؤولاً أو شخصاً أو مرجعاً سياسياً أو حزبياً في وقتٍ نراقب الأوضاع الأمنية بدقة».
وأضاف: «المخاطر الأمنية التي نترقّبها باتت عملاً يومياً لمختلف الأجهزة الأمنية وبالتعاون في ما بينها وفق آلية بينية معتمدة منذ سنوات عدة وتحديداً منذ انفجار محيطنا، وقد أثبتَت فاعليتها في كثير من المناسبات والحوادث الأمنية، عدا عن الأحداث التي نجحنا استباقياً في تجنّبها، وهي في جانب منها نتيجة تعاون متبادل بين لبنان والخارج».
وأوضح المرجع أنّ ترتيبات أمنية ستُتّخذ الإثنين المقبل في ساحة النجمة ومحيطها وضمن نطاق بيروت الكبرى تزامناً مع جلسة الانتخاب وما قبلها بيوم واحد على الأقلّ، عدا عن بعض المفاصل الأمنية تحديداً. ولذلك فإنّ العيون الأمنية مفتوحة على كثير من مصادر الخطر في مناطق عدة».
واعتبَر المرجع «أنّ التوافق السياسي الداخلي الذي يُظلّل الاستحقاق الرئاسي أمرٌ مهم ولا يستخفّنَّ أحدٌ به. فهذا التوافق بحجمه القائم عنصر إيجابي ومهم، فكيف إذا كانت الأجواء الإقليمية والدولية تسمح بعبور الاستحقاق، لا بل ترحّب به لإقفاله ملفّاً من ملفات المنطقة، وها هي الحركة الديبلوماسية القائمة في البلاد خير دليل».
اللواء :
المنحى الإيجابي لوصول النائب ميشال عون إلى قصر بعبدا، ما يزال ثابتاً، لكنه ليس وحده سمة الوضع المتغير في لبنان، بحيث يشكل 31 تشرين أوّل تاريخ تحوّل في ما خص الرئاسة الأولى وسائر مؤسسات الدولة، وما يرتبط بها من استقرار ووضع اقتصادي واجندات ما بعد انتخاب عون، لا سيما قانون الانتخاب وتشكيل الحكومة، وهو ما وصفه الرئيس نبيه برّي من جنيف «بالجهاد الأكبر».
فعلى مسافة أيام قليلة، رست المعطيات الرئاسية على ما يلي:
1- ان الجلسة الانتخابية الاثنين المقبل ثابتة في الانعقاد والنصاب ومشاركة كل الكتل في رقم يكاد يقترب من 126 نائباً (لأن هناك معلومات بأن النائب عقاب صقر قد لا يأتي).
2- ان النائب عون، ما لم يطرأ شأن ذو جلل، هو رئيس جمهورية لبنان الثالث عشر في هذه الجلسة.
3- ان مواقف الكتل واضحة ومعلنة ومحددة مسبقاً، وإن كان ثمة رتوش قيد التظهير في وقت لا يتعدى مساء الأحد، كتلة عون النيابية قررت بعد اجتماعها أمس الذهاب إلى الجلسة، وهي تضم 21 نائباً لانتخاب رئيسها عون (إلا إذا اعتبر النائب اميل رحمة من كتلة لبنان الحر الموحّد «المردة») فتكون الكتلة 20 نائباً، وكتلة «القوات اللبنانية (8 نواب) ملتزمة بالاقتراع للنائب عون، وكتلة حزب الطاشناق (نائبان) ستنتخب عون، فيكون عدد النواب المسيحيين الذين سيقترعون لمصلحة عون 28 نائباً (باعتبار ان النائبين عباس هاشم وفادي الاعور هما في عداد الكتلة لكنهما ليسا مسيحيين)، يضاف الىهذا الرقم النائب نقولا فتوش ووزير السياحة ميشال فرعون والنائب الأرمني سيرج طورسركيسيان، فيرتفع العدد إلى 31 من أصل 64 نائباً مسيحياً، أي دون عدد نصف النواب المسيحيين في المجلس، مع العلم ان نواباً في ك<