خمسة أيام تفصل اللبنانيين عن انتخاب رئيس جمهوريتهم العتيد، والطريق باتت سالكة على الأقلّ للمشاركة في جلسة 31 الجاري، بل إنّ البعض يتعاطى مع مسألة انتخاب رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون رئيساً للجمهورية على أنّها مسألة محسومة حتى مِن أبرز المعارضين له، فيما بعضٌ آخر لا يُسقط عنصرَ المفاجآت واحتمال التأجيل لبضعة أيام بفِعل جدلٍ دستوري يدور حول ما إذا كان الانتخاب سيتمّ في دورة واحدة تأسيساً على ما انتهت إليه الجلسة الأولى التي تَنافَس فيها عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، أم على أساس دورتين، في اعتبار أنّ زعيم تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية سينافس عون بدلاً من جعجع الذي خرج من السباق الرئاسي متبنّياً ترشيح الأخير.
أيام ثقيلة بأحداثها وتطوّراتها تفصل عن موعد جلسة الانتخاب التي هناك شِبه إجماع على أنّها ستكون حاسمة لانتخاب رئيس الجمهورية، بدليل ما قاله رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس من «أنّنا على بعد خطوات من انتخاب رئيس الجمهورية في 31 الجاري، ونأمل ان تتحقق هذه الخطوة لأنّ لبنان في حاجة ماسة اليها». لكنّه شدّد على «أنّ الانتخاب لا يكفي وحده وأنّ بعده «الجهاد الأكبر».
من جهة أخرى، تجاوزت بعض الأوساط السياسية أمس مسألة انعقاد الجلسة وانتخاب عون إلى حجم الأصوات التي سينالها. وهل ينجح من الدورة الأولى ويحصل على أكثرية الثلثين وما فوق أم تَلزمه دورة اقتراع ثانية ليكون فوزه عاديّاً ومختلفاً عن فوز كلّ الرؤساء الذين تعاقبوا في مرحلة ما بعد «إتفاق الطائف» في ظلّ وجود مرشح آخر هو فرنجية؟ وهل يَحظى تأليف الحكومة بتسهيل؟
في هذا الصدد، أفادت مصادر مطلعة انّ ساحة النجمة ستشهد جلستين نيابيتين بفارق دقائق في ما بينهما، وبمعزل عن الآلية التي ستُعتمد في الأولى منها، سواء تمّ اللجوء الى جلسة انتخاب لنَيل اصوات الثلثين للفوز أو اللجوء الى دورة ثانية بصندوق الاقتراع للتصويت وفق منطق النصف زائداً واحداً فإنّ النتيجة واحدة طالما إنّ النقاش حول النصاب لم يعد مطروحاً.
عدوان
في هذا السياق اعتبرَت مصادر في «القوات اللبنانية» «أنّ ثمّة أطرافاً تحاول أن تبثّ أجواء أنّ المعركة ليست واضحة، ونحن نعتبر هذه الأجواء غيرَ دقيقة، بل على العكس باتت المعركة محسومة لمصلحة عون».
وقال عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب جورج عدوان لـ«الجمهورية»: «إنّ معارضي عون يسعون إلى ان يحظى سليمان فرنجية بعدد كبير من الأصوات، وعندما عجزوا عن ذلك بالبوانتاج تركّز مسعاهم على تصوير الأمور وكأنّ الأوراق البيض ستكون لمصلحة فرنجية.
وحقيقة الأمر انّ هذه الأوراق تعبّر عن رفض بعض الأطراف التصويتَ لمرشحين من قوى 8 آذار، مِثل كتلة نواب «الكتائب». وللتوضيح ليكُن معلوماً انّ المقارنة يجب أن تكون بين أصوات عون وأصوات فرنجية، أمّا الأوراق البِيض فلن تُحتَسب في التوازن بين فرنجية وعون».
ما بعد الانتخاب
وقالت مصادر معنية بالاستحقاق الرئاسي لـ«الجمهورية» إنّ «الكلام العام الدائر حوله لا يلغي حالَ الانتظار في الأيام السابقة للجلسة الانتخابية، فالاتصالات ناشطة على مستويات عدة حول الانتخاب في جانب، وحول ما بعد الانتخاب بالدرجة الاولى. فالعبرة هي في ما بعد انتخاب الرئيس وليس في ما قبله. والجميع يتطلع الى الخطوة التالية، وهي كيف يمكن المعنيين ان يزيلوا جبال التعقيدات من الطريق والسبل التي يمكن استخدامها لهذه الغاية».
وأضافت هذه المصادر: «إنّ المعنيين بالاستحقاق، وعلى رأسهم بري، ينتظرون تطوّر الأمور في الساعات والأيام المقبلة، وفي ضوئها سيبنون على الشيء مقتضاه. وفي رأي هؤلاء انّ احتفال «التيار الوطني الحر» المسبَق بالفوز المتوقع فيه شيء من المبالغات ونوع من استباق الأمور، بحيث انّ «التيار» يحتفل قبل الاحتفال الكبير».
وإزاء الجلسة، تسود في بعض الأوساط مقترحات من مِثل تأجيل الجلسة لثلاثة ايام لاستكمال الاتصالات، وأن يدعو بري طاولة الحوار لتظهير التسوية من خلالها بشِبه إجماع عليها، لكنّ هذه المقترحات لم يؤخَذ بها حتى الآن، والبعض اعتبرها اقتراحات غير ناضجة، لكنّ ذلك لا يمنع من وصفِ ما هو جارٍ بأنّه سياسة المياومة، على ان تكون تطورات الساعات الاخيرة التي تسبق جلسة الانتخاب هي الحاسمة.
إذ لا يمكن القول الآن «فول قبل ما يصير بالمكيول»، فالتحضيرات اللوجستية والسياسية للجلسة قائمة على قدم وساق، لكنّ أحداً لا يمكنه ضمان عدم حصول مفاجآت. وبين القوى السياسية من يسأل: أين هو الحريري؟ هل التقى أحداً من المسؤولين السعوديين أم لم يلتقِهم؟.
وفي وقتٍ انتقلَ من الرياض الى باريس، فإنّ الإيجابيات المشاعة حول تأييد سعودي للتسوية المطروحة تأسيساً على مبادرته لا أحد يؤكدها إلّا محيطه، ما يجعل الأنظار متّجهة إلى الرياض في ظلّ تساؤل عن إمكان صدور موقف سعودي علني أو عبر قنوات معيّنة.
ويبدو أنّ هذا الموقف السعودي سيكون تجديد التأكيد على عدم التدخّل في الشأن الداخلي اللبناني وأنّ المملكة تدعم ما يتفق عليه اللبنانيون، وهي تتمنى للبنان الخروج من الأزمة. ولم تستبعد مصادر واسعة الاطّلاع ان يحمل هذا الموقف الموفد السعودي وزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان الذي سيصل الى بيروت في أيّ وقت.
على أنّ جهات سياسية فاعلة ومؤثّرة في الاستحقاق أكّدت لـ«الجمهورية» أنّ انعقاد جلسة الانتخاب في موعدها بلا أيّ تأجيل سيكون مؤشراً على وجود «قوى خارقة» تحصّن هذا الاستحقاق، وبهذا سيُسجَّل للحريري أنّه أحسن في أداء دوره في ضوء المعطيات التي شجّعته على إطلاق مبادرته.
برنامج عون
وكشفَت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» أنّ عون أنجَز «خطاب القسم» الذي سيلقيه الإثنين المقبل في مجلس النواب، وبات في مرحلة وضعِ اللمسات الأخيرة على بعض نقاطه في انتظار التطورات الفاصلة عن جلسة الانتخاب والتي يمكن ان تفرض إضافة عبارة أو شطبَ أخرى. ووصَف أحد الذي اطّلعوا على عناوين هذا الخطاب بأنه «خطاب مختلف، نوعي وغير عادي».
وبعد أن يؤدّي عون اليمين الدستورية يتلو خطابه ثمّ يستقبل المهنئين من النواب في ساحة النجمة ليصبحَ منذ تلك اللحظة في عهدة لواء الحرَس الجمهوري الذي سينتقل به فوراً إلى قصر بعبدا حيث انتهت الترتيبات الإدارية والأمنية واللوجستية.
وفي اليوم التالي سيدعو عون إلى الاستشارات النيابية الملزمة التي سيجريها لتسمية رئيس الحكومة الجديدة، في الوقت الذي ستصبح حكومة الرئيس تمام سلام مستقيلة لحظة انتخاب رئيس الجمهورية، على ان تبدأ هذه الاستشارات منتصف الاسبوع المقبل على الارجح.
وبعد تسمية رئيس الحكومة المكلّف في ضوء نتائجها تبدأ رحلة الألف ميل لتأليف الحكومة عبر استشارات يجريها الرئيس المكلّف في مجلس النواب مع مختلف الكتل، وثمّة تقديرات لدى البعض بأنّ التأليف قد يستغرق بضعة اشهر في ظلّ لعبة وقت قاتلة، وذلك في حال الاختلاف على حجم الحكومة وتوزيع حقائبها وعناوين بيانها الوزاري.
فالحريري سيَستعجل التأليف بعدما بات محسوماً أنّه سيُسمّى لهذه المهمّة، فيما المعلومات تشير إلى أنّ «حزب الله» لن يسمّيه وكذلك بري، ما يعني أنّ عون الذي يتوقع أن ينتخب بأكثرية مرموقة، فيما الحريري قد لا يسمّى بالاكثرية المرموقة التي يطمح اليها، ما يثير خشيةً من تأخّر التأليف الى حين موعد الانتخابات النيابية في أيار المقبل.
على أنّ مراجع معنية تردّ على ما يطرحه البعض من تمديد تقني أو غير تقني لمجلس النواب مؤكّدةً أنّ هذا التمديد غير وارد، ومذكّرةً بقول بري قبل اسابيع من أن «لا تمديد للمجلس حتى لساعة واحدة، وأن هذا التمديد هو من سابع المستحيلات».
وتخشى المصادر من أنّه في حال تأخّر تأليف الحكومة حتى موعد الانتخابات ستنتفي عن الحريري صفة الرئيس المكلّف لأنّ انتخاب المجلس النيابي الجديد هو استحقاق دستوري يفرض تأليفَ حكومة جديدة ستتطلّب استشارات تكليف وتأليف جديدة في ضوء نتائج هذه الانتخابات والأحجام التمثيلية الجديدة فيها.
ولذلك فإنّ البعض يرى انّ امتحان العهد الجديد سيكون من الآن وحتى أيار المقبل هو الوصول الى قانون انتخاب جديد، وقد سبقَ لبري ان اتّفقَ مع «التيار الوطني الحر» على قانون انتخاب يقضي باعتماد النظام النسبي على اساس لبنان دائرة انتخابية واحدة او على اساس اعتماد المحافظات دوائر كبرى.
على أنّ الربط بين تشكيل الحكومة وقانون الانتخاب إذا حصَل فإنه سيُراكم الأثقال السياسية في وجه الحريري انتخابياً وسياسياً ولجهة إدارة الدولة وإعادة ترميم علاقاته مع القوى السياسية، وخصوصاً مع بري الذي يشعر بـ»خديعة» تعرّضَ لها، وكذلك مع «حزب الله»، ما يَجعل من هذا الامر «بيضة القبّان» بالنسبة الى مستقبل التسوية السياسية.
حراك ديبلوماسي
وفي الحراك الديبلوماسي، سُجّلت أمس حركة ديبلوماسية لافتة محورُها الملف الرئاسي، فتنقّلت السفيرة الاميركية اليزابيت ريتشارد بين قصر بسترس حيث التقَت رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، ومعراب التي زارها ايضاً السفير الروسي الكسندر زاسبيكين.
من جهة أخرى، أجرَت المنسق الخاص للامم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ امس محادثات في موسكو مع نائب وزير الخارجية الروسية غينادي غاتيلوف ومسؤولين آخرين، ركّزت على الوضع في لبنان والتطورات الإقليمية.
وأوضَح مكتبها في بيان انّ «اهتماماً خاصاً أوليَ لعناصر أساسية من بيان رئيس مجلس الأمن الصادر في 22 تموز، وخصوصاً دعوة مجلس الأمن للتوصل إلى اتفاق توفيقي من أجل إنهاء الأزمة السياسية والمؤسسية في لبنان. ويتضمن ذلك الحاجة إلى ضمان سير عمل مؤسسات الدولة وفقاً للدستور والعملية الديموقراطية بحيث يتمكن لبنان من مواجهة التحديات التي يواجهها بفعالية».
وأكدت كاغ الحاجة إلى استمرار الدعم الدولي المنسق للبنان لمساعدته على مواجهة تداعيات الازمة السورية. وتمّ البحث ايضاً في الوضع الامني في لبنان وأهمية الدعم المطلوب والآني للجيش اللبناني. كذلك بحثت مع نائب وزير الخارجية الروسية غاتيلوف القرار 1701، على ان تقدّم إحاطة إلى مجلس الأمن في 10 تشرين الثاني».
جنبلاط
في غضون ذلك، عَقد مجلس قيادة «الحزب التقدمي الإشتراكي» اجتماعاً في المختارة مساء أمس برئاسة النائب وليد جنبلاط وفي حضور جميع الأعضاء، خُصّص للبحث في الإستحقاق الرئاسي والموقف الذي سيتّخذه الحزب منه.
وقالت مصادر شاركت في اللقاء لـ«الجمهورية» إنّ المناقشات التي استمرت ساعتين تقريباً بدأت تصبّ في اتّجاه انتخاب عون، وأنّ الجهد سينصب في الأيام المقبلة على وضع السيناريو المناسب لإخراج القرار على مرحلتين، الأولى تبدأ بسحب ترشيح النائب هنري حلو، والثانية دعم عون، وأنّ القرار النهائي منوط بمحطتين اساسيتين، الأولى ترتبط بزيارة عون لجنبلاط وبعدها التشاور مع بري، ولذلك بات مرجّحاً أن يصدر هذا القرار من المختارة السبت أو الأحد المقبلين عشية جلسة الإنتخاب.
سعَيد
وفي المواقف نفى منسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار النائب السابق الدكتور فارس سعيد في بيان ما ورَد في بعض وسائل الاعلام عن اجتماع ستعقده اليوم، وأكّد أنّ «هذا الخبر عارٍ عن الصحة»، وقال لـ«الجمهورية»: «إنّ الامانة العامة لم ولن تجتمع، وهناك أحزاب منضوية في 14 آذار ستذهب الى جلسة الاثنين لانتخاب العماد عون، وموقفي الرافض انتخابه بشروط «حزب الله» هو موقف شخصي، وأصرّ على انّ انتخابه خطوة في اتّجاه المجهول لأنه يأتي بشروط الحزب وليس بشروط الدستور اللبناني.
وفيما ينتظر البعض ان يدخل لبنان عبر انتخاب عون مرحلة الاستقرار وبناء الدولة فإنّني اتوقّع، ولسوء الحظ، أن يكون انتخابه مقدّمة لدخول لبنان في المجهول. هذا موقف شخصي ولا علاقة له بالأمانة العامة لـ 14 آذار».
مرجع أمني
وتعليقاً على التسريبات والروايات التي تردّدت عن مخاطر أمنية تحوط بهذه الشخصية اللبنانية أو تلك، قال مرجع أمني لـ«الجمهورية» إنّ «هذه التسريبات لا اساس ثابتاً لها ولا معلومات دقيقة تطاول مسؤولاً أو شخصاً أو مرجعاً سياسياً أو حزبياً في وقتٍ نراقب الأوضاع الأمنية بدقة».
وأضاف: «المخاطر الأمنية التي نترقّبها باتت عملاً يومياً لمختلف الأجهزة الأمنية وبالتعاون في ما بينها وفق آلية بينية معتمدة منذ سنوات عدة وتحديداً منذ انفجار محيطنا، وقد أثبتَت فاعليتها في كثير من المناسبات والحوادث الأمنية، عدا عن الأحداث التي نجحنا استباقياً في تجنّبها، وهي في جانب منها نتيجة تعاون متبادل بين لبنان والخارج».
وأوضح المرجع أنّ ترتيبات أمنية ستُتّخذ الإثنين المقبل في ساحة النجمة ومحيطها وضمن نطاق بيروت الكبرى تزامناً مع جلسة الانتخاب وما قبلها بيوم واحد على الأقلّ، عدا عن بعض المفاصل الأمنية تحديداً. ولذلك فإنّ العيون الأمنية مفتوحة على كثير من مصادر الخطر في مناطق عدة».
واعتبَر المرجع «أنّ التوافق السياسي الداخلي الذي يُظلّل الاستحقاق الرئاسي أمرٌ مهم ولا يستخفّنَّ أحدٌ به. فهذا التوافق بحجمه القائم عنصر إيجابي ومهم، فكيف إذا كانت الأجواء الإقليمية والدولية تسمح بعبور الاستحقاق، لا بل ترحّب به لإقفاله ملفّاً من ملفات المنطقة، وها هي الحركة الديبلوماسية القائمة في البلاد خير دليل».
من جهة أخرى، تجاوزت بعض الأوساط السياسية أمس مسألة انعقاد الجلسة وانتخاب عون إلى حجم الأصوات التي سينالها. وهل ينجح من الدورة الأولى ويحصل على أكثرية الثلثين وما فوق أم تَلزمه دورة اقتراع ثانية ليكون فوزه عاديّاً ومختلفاً عن فوز كلّ الرؤساء الذين تعاقبوا في مرحلة ما بعد «إتفاق الطائف» في ظلّ وجود مرشح آخر هو فرنجية؟ وهل يَحظى تأليف الحكومة بتسهيل؟
في هذا الصدد، أفادت مصادر مطلعة انّ ساحة النجمة ستشهد جلستين نيابيتين بفارق دقائق في ما بينهما، وبمعزل عن الآلية التي ستُعتمد في الأولى منها، سواء تمّ اللجوء الى جلسة انتخاب لنَيل اصوات الثلثين للفوز أو اللجوء الى دورة ثانية بصندوق الاقتراع للتصويت وفق منطق النصف زائداً واحداً فإنّ النتيجة واحدة طالما إنّ النقاش حول النصاب لم يعد مطروحاً.
عدوان
في هذا السياق اعتبرَت مصادر في «القوات اللبنانية» «أنّ ثمّة أطرافاً تحاول أن تبثّ أجواء أنّ المعركة ليست واضحة، ونحن نعتبر هذه الأجواء غيرَ دقيقة، بل على العكس باتت المعركة محسومة لمصلحة عون».
وقال عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب جورج عدوان لـ«الجمهورية»: «إنّ معارضي عون يسعون إلى ان يحظى سليمان فرنجية بعدد كبير من الأصوات، وعندما عجزوا عن ذلك بالبوانتاج تركّز مسعاهم على تصوير الأمور وكأنّ الأوراق البيض ستكون لمصلحة فرنجية.
وحقيقة الأمر انّ هذه الأوراق تعبّر عن رفض بعض الأطراف التصويتَ لمرشحين من قوى 8 آذار، مِثل كتلة نواب «الكتائب». وللتوضيح ليكُن معلوماً انّ المقارنة يجب أن تكون بين أصوات عون وأصوات فرنجية، أمّا الأوراق البِيض فلن تُحتَسب في التوازن بين فرنجية وعون».
ما بعد الانتخاب
وقالت مصادر معنية بالاستحقاق الرئاسي لـ«الجمهورية» إنّ «الكلام العام الدائر حوله لا يلغي حالَ الانتظار في الأيام السابقة للجلسة الانتخابية، فالاتصالات ناشطة على مستويات عدة حول الانتخاب في جانب، وحول ما بعد الانتخاب بالدرجة الاولى. فالعبرة هي في ما بعد انتخاب الرئيس وليس في ما قبله. والجميع يتطلع الى الخطوة التالية، وهي كيف يمكن المعنيين ان يزيلوا جبال التعقيدات من الطريق والسبل التي يمكن استخدامها لهذه الغاية».
وأضافت هذه المصادر: «إنّ المعنيين بالاستحقاق، وعلى رأسهم بري، ينتظرون تطوّر الأمور في الساعات والأيام المقبلة، وفي ضوئها سيبنون على الشيء مقتضاه. وفي رأي هؤلاء انّ احتفال «التيار الوطني الحر» المسبَق بالفوز المتوقع فيه شيء من المبالغات ونوع من استباق الأمور، بحيث انّ «التيار» يحتفل قبل الاحتفال الكبير».
وإزاء الجلسة، تسود في بعض الأوساط مقترحات من مِثل تأجيل الجلسة لثلاثة ايام لاستكمال الاتصالات، وأن يدعو بري طاولة الحوار لتظهير التسوية من خلالها بشِبه إجماع عليها، لكنّ هذه المقترحات لم يؤخَذ بها حتى الآن، والبعض اعتبرها اقتراحات غير ناضجة، لكنّ ذلك لا يمنع من وصفِ ما هو جارٍ بأنّه سياسة المياومة، على ان تكون تطورات الساعات الاخيرة التي تسبق جلسة الانتخاب هي الحاسمة.
إذ لا يمكن القول الآن «فول قبل ما يصير بالمكيول»، فالتحضيرات اللوجستية والسياسية للجلسة قائمة على قدم وساق، لكنّ أحداً لا يمكنه ضمان عدم حصول مفاجآت. وبين القوى السياسية من يسأل: أين هو الحريري؟ هل التقى أحداً من المسؤولين السعوديين أم لم يلتقِهم؟.
وفي وقتٍ انتقلَ من الرياض الى باريس، فإنّ الإيجابيات المشاعة حول تأييد سعودي للتسوية المطروحة تأسيساً على مبادرته لا أحد يؤكدها إلّا محيطه، ما يجعل الأنظار متّجهة إلى الرياض في ظلّ تساؤل عن إمكان صدور موقف سعودي علني أو عبر قنوات معيّنة.
ويبدو أنّ هذا الموقف السعودي سيكون تجديد التأكيد على عدم التدخّل في الشأن الداخلي اللبناني وأنّ المملكة تدعم ما يتفق عليه اللبنانيون، وهي تتمنى للبنان الخروج من الأزمة. ولم تستبعد مصادر واسعة الاطّلاع ان يحمل هذا الموقف الموفد السعودي وزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان الذي سيصل الى بيروت في أيّ وقت.
على أنّ جهات سياسية فاعلة ومؤثّرة في الاستحقاق أكّدت لـ«الجمهورية» أنّ انعقاد جلسة الانتخاب في موعدها بلا أيّ تأجيل سيكون مؤشراً على وجود «قوى خارقة» تحصّن هذا الاستحقاق، وبهذا سيُسجَّل للحريري أنّه أحسن في أداء دوره في ضوء المعطيات التي شجّعته على إطلاق مبادرته.
برنامج عون
وكشفَت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» أنّ عون أنجَز «خطاب القسم» الذي سيلقيه الإثنين المقبل في مجلس النواب، وبات في مرحلة وضعِ اللمسات الأخيرة على بعض نقاطه في انتظار التطورات الفاصلة عن جلسة الانتخاب والتي يمكن ان تفرض إضافة عبارة أو شطبَ أخرى. ووصَف أحد الذي اطّلعوا على عناوين هذا الخطاب بأنه «خطاب مختلف، نوعي وغير عادي».
وبعد أن يؤدّي عون اليمين الدستورية يتلو خطابه ثمّ يستقبل المهنئين من النواب في ساحة النجمة ليصبحَ منذ تلك اللحظة في عهدة لواء الحرَس الجمهوري الذي سينتقل به فوراً إلى قصر بعبدا حيث انتهت الترتيبات الإدارية والأمنية واللوجستية.
وفي اليوم التالي سيدعو عون إلى الاستشارات النيابية الملزمة التي سيجريها لتسمية رئيس الحكومة الجديدة، في الوقت الذي ستصبح حكومة الرئيس تمام سلام مستقيلة لحظة انتخاب رئيس الجمهورية، على ان تبدأ هذه الاستشارات منتصف الاسبوع المقبل على الارجح.
وبعد تسمية رئيس الحكومة المكلّف في ضوء نتائجها تبدأ رحلة الألف ميل لتأليف الحكومة عبر استشارات يجريها الرئيس المكلّف في مجلس النواب مع مختلف الكتل، وثمّة تقديرات لدى البعض بأنّ التأليف قد يستغرق بضعة اشهر في ظلّ لعبة وقت قاتلة، وذلك في حال الاختلاف على حجم الحكومة وتوزيع حقائبها وعناوين بيانها الوزاري.
فالحريري سيَستعجل التأليف بعدما بات محسوماً أنّه سيُسمّى لهذه المهمّة، فيما المعلومات تشير إلى أنّ «حزب الله» لن يسمّيه وكذلك بري، ما يعني أنّ عون الذي يتوقع أن ينتخب بأكثرية مرموقة، فيما الحريري قد لا يسمّى بالاكثرية المرموقة التي يطمح اليها، ما يثير خشيةً من تأخّر التأليف الى حين موعد الانتخابات النيابية في أيار المقبل.
على أنّ مراجع معنية تردّ على ما يطرحه البعض من تمديد تقني أو غير تقني لمجلس النواب مؤكّدةً أنّ هذا التمديد غير وارد، ومذكّرةً بقول بري قبل اسابيع من أن «لا تمديد للمجلس حتى لساعة واحدة، وأن هذا التمديد هو من سابع المستحيلات».
وتخشى المصادر من أنّه في حال تأخّر تأليف الحكومة حتى موعد الانتخابات ستنتفي عن الحريري صفة الرئيس المكلّف لأنّ انتخاب المجلس النيابي الجديد هو استحقاق دستوري يفرض تأليفَ حكومة جديدة ستتطلّب استشارات تكليف وتأليف جديدة في ضوء نتائج هذه الانتخابات والأحجام التمثيلية الجديدة فيها.
ولذلك فإنّ البعض يرى انّ امتحان العهد الجديد سيكون من الآن وحتى أيار المقبل هو الوصول الى قانون انتخاب جديد، وقد سبقَ لبري ان اتّفقَ مع «التيار الوطني الحر» على قانون انتخاب يقضي باعتماد النظام النسبي على اساس لبنان دائرة انتخابية واحدة او على اساس اعتماد المحافظات دوائر كبرى.
على أنّ الربط بين تشكيل الحكومة وقانون الانتخاب إذا حصَل فإنه سيُراكم الأثقال السياسية في وجه الحريري انتخابياً وسياسياً ولجهة إدارة الدولة وإعادة ترميم علاقاته مع القوى السياسية، وخصوصاً مع بري الذي يشعر بـ»خديعة» تعرّضَ لها، وكذلك مع «حزب الله»، ما يَجعل من هذا الامر «بيضة القبّان» بالنسبة الى مستقبل التسوية السياسية.
حراك ديبلوماسي
وفي الحراك الديبلوماسي، سُجّلت أمس حركة ديبلوماسية لافتة محورُها الملف الرئاسي، فتنقّلت السفيرة الاميركية اليزابيت ريتشارد بين قصر بسترس حيث التقَت رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، ومعراب التي زارها ايضاً السفير الروسي الكسندر زاسبيكين.
من جهة أخرى، أجرَت المنسق الخاص للامم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ امس محادثات في موسكو مع نائب وزير الخارجية الروسية غينادي غاتيلوف ومسؤولين آخرين، ركّزت على الوضع في لبنان والتطورات الإقليمية.
وأوضَح مكتبها في بيان انّ «اهتماماً خاصاً أوليَ لعناصر أساسية من بيان رئيس مجلس الأمن الصادر في 22 تموز، وخصوصاً دعوة مجلس الأمن للتوصل إلى اتفاق توفيقي من أجل إنهاء الأزمة السياسية والمؤسسية في لبنان. ويتضمن ذلك الحاجة إلى ضمان سير عمل مؤسسات الدولة وفقاً للدستور والعملية الديموقراطية بحيث يتمكن لبنان من مواجهة التحديات التي يواجهها بفعالية».
وأكدت كاغ الحاجة إلى استمرار الدعم الدولي المنسق للبنان لمساعدته على مواجهة تداعيات الازمة السورية. وتمّ البحث ايضاً في الوضع الامني في لبنان وأهمية الدعم المطلوب والآني للجيش اللبناني. كذلك بحثت مع نائب وزير الخارجية الروسية غاتيلوف القرار 1701، على ان تقدّم إحاطة إلى مجلس الأمن في 10 تشرين الثاني».
جنبلاط
في غضون ذلك، عَقد مجلس قيادة «الحزب التقدمي الإشتراكي» اجتماعاً في المختارة مساء أمس برئاسة النائب وليد جنبلاط وفي حضور جميع الأعضاء، خُصّص للبحث في الإستحقاق الرئاسي والموقف الذي سيتّخذه الحزب منه.
وقالت مصادر شاركت في اللقاء لـ«الجمهورية» إنّ المناقشات التي استمرت ساعتين تقريباً بدأت تصبّ في اتّجاه انتخاب عون، وأنّ الجهد سينصب في الأيام المقبلة على وضع السيناريو المناسب لإخراج القرار على مرحلتين، الأولى تبدأ بسحب ترشيح النائب هنري حلو، والثانية دعم عون، وأنّ القرار النهائي منوط بمحطتين اساسيتين، الأولى ترتبط بزيارة عون لجنبلاط وبعدها التشاور مع بري، ولذلك بات مرجّحاً أن يصدر هذا القرار من المختارة السبت أو الأحد المقبلين عشية جلسة الإنتخاب.
سعَيد
وفي المواقف نفى منسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار النائب السابق الدكتور فارس سعيد في بيان ما ورَد في بعض وسائل الاعلام عن اجتماع ستعقده اليوم، وأكّد أنّ «هذا الخبر عارٍ عن الصحة»، وقال لـ«الجمهورية»: «إنّ الامانة العامة لم ولن تجتمع، وهناك أحزاب منضوية في 14 آذار ستذهب الى جلسة الاثنين لانتخاب العماد عون، وموقفي الرافض انتخابه بشروط «حزب الله» هو موقف شخصي، وأصرّ على انّ انتخابه خطوة في اتّجاه المجهول لأنه يأتي بشروط الحزب وليس بشروط الدستور اللبناني.
وفيما ينتظر البعض ان يدخل لبنان عبر انتخاب عون مرحلة الاستقرار وبناء الدولة فإنّني اتوقّع، ولسوء الحظ، أن يكون انتخابه مقدّمة لدخول لبنان في المجهول. هذا موقف شخصي ولا علاقة له بالأمانة العامة لـ 14 آذار».
مرجع أمني
وتعليقاً على التسريبات والروايات التي تردّدت عن مخاطر أمنية تحوط بهذه الشخصية اللبنانية أو تلك، قال مرجع أمني لـ«الجمهورية» إنّ «هذه التسريبات لا اساس ثابتاً لها ولا معلومات دقيقة تطاول مسؤولاً أو شخصاً أو مرجعاً سياسياً أو حزبياً في وقتٍ نراقب الأوضاع الأمنية بدقة».
وأضاف: «المخاطر الأمنية التي نترقّبها باتت عملاً يومياً لمختلف الأجهزة الأمنية وبالتعاون في ما بينها وفق آلية بينية معتمدة منذ سنوات عدة وتحديداً منذ انفجار محيطنا، وقد أثبتَت فاعليتها في كثير من المناسبات والحوادث الأمنية، عدا عن الأحداث التي نجحنا استباقياً في تجنّبها، وهي في جانب منها نتيجة تعاون متبادل بين لبنان والخارج».
وأوضح المرجع أنّ ترتيبات أمنية ستُتّخذ الإثنين المقبل في ساحة النجمة ومحيطها وضمن نطاق بيروت الكبرى تزامناً مع جلسة الانتخاب وما قبلها بيوم واحد على الأقلّ، عدا عن بعض المفاصل الأمنية تحديداً. ولذلك فإنّ العيون الأمنية مفتوحة على كثير من مصادر الخطر في مناطق عدة».
واعتبَر المرجع «أنّ التوافق السياسي الداخلي الذي يُظلّل الاستحقاق الرئاسي أمرٌ مهم ولا يستخفّنَّ أحدٌ به. فهذا التوافق بحجمه القائم عنصر إيجابي ومهم، فكيف إذا كانت الأجواء الإقليمية والدولية تسمح بعبور الاستحقاق، لا بل ترحّب به لإقفاله ملفّاً من ملفات المنطقة، وها هي الحركة الديبلوماسية القائمة في البلاد خير دليل».