تسلل 100 مقاتل على الأقل إلى كركوك في الساعات الأولى من صباح الجمعة 21/10/2016 مسلحين برشاشات وقذائف صاروخية وسترات ملغومة، ورسالة مفادها أن "داعش" سيطر على المدينة.
ويقول مسؤولون أمنيون عراقيون إنه بينما شق المقاتلون طريقهم بالمدينة في هجوم سافر ومعقد، كان 99 من المدنيين وأفراد قوات الأمن قد لاقوا حتفهم، وكان 63 من المتشددين في المشرحة.
ويظهر حجم العملية مدى صعوبة المعركة التي ستندلع من أجل استعادة الموصل، ويشير إلى أن التنظيم لا يزال قادرا على تقويض الأمن في مختلف أنحاء البلاد، حتى لو سقط معقله في الشمال.
وكانت هذه العملية هي الأكبر بين عدة عمليات نفذها "داعش"؛ بهدف الإلهاء؛ لعرقلة التقدم صوب معقلها شمالي البلاد.
وتشير روايات جمعتها "رويترز" من السكان والشرطة ومسؤولين بأجهزة الأمن والمخابرات، إلى أن الهجوم نفذته عناصر على درجة عالية من التدريب والاستعداد لقيت دعما من داخل كركوك، الأمر الذي يثير قلق الحكومة.
مقاتلون "محترفون"
تقع كركوك على مسافة 100 كيلومتر جنوب شرقي الموصل، على مقربة من حقول النفط التي توجد فيها معظم احتياطات النفط العراقية الهائلة. كما تقع قرب إقليم كردستان شبه المستقل بشمال العراق، وتسيطر عليها القوات الكردية منذ تقهقر الجيش العراقي في مواجهة تقدم مقاتلي "داعش" عام 2014.
وقع الهجوم بعد أربعة أيام من انطلاق حملة على التنظيم في الموصل تشارك فيها قوات البشمركة الكردية والقوات العراقية، بالإضافة إلى التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.
يقول مسؤولون أمنيون عراقيون إن المقاتلين يبدون مدربين جيدا على القتال في المدن، وهو مؤشر على أن المعركة من أجل استعادة الموصل ثاني أكبر مدن العراق ستكون طويلة ودموية.
وبعد ظهر الأحد، أي بعد يومين ونصف اليوم، فجر اثنان من القناصة سترتيهما الناسفتين خلال تبادل كثيف لإطلاق النار مع قوات الأمن بمدرسة ابتدائية. لكن لا يوجد أي مسؤول محلي مستعد للقول إن الهجوم انتهى تماما.
وقال مسؤول من كركوك، طلب عدم نشر اسمه لأسباب أمنية: "ما زلنا نبحث عنهم".
لم تكن العملية مرتجلة، فقد أظهر مقطع فيديو عثر عليه على هاتف سامسونج مع جثة مقاتل لقطات لأهداف في أجزاء مختلفة من المدينة صورت قبل الهجوم.
معارك ضارية
بدأت العملية -تقريبا- في الثالثة من صباح الجمعة، عندما وصل المقاتلون في شاحنات خفيفة، وانتشروا على الأطراف الجنوبية للمدينة.
وقسمت المجموعة إلى 20 فريقا، يضم كل منها خمسة أعضاء، وانتشروا في أنحاء المدينة راجلين. وعمل العديد من الفرق معا لمهاجمة هدفين في البداية: قاعدة للأسايش ومركز شرطة في جنوب كركوك.
واندلعت معركة ضارية في الموقعين، ووِصف المقاتلون بأن لهم لحى طويلة، "ويرتدون ملابس أفغانية"، بيد أن مسؤولي أمن عراقيين يقولون إنهم لم يجدوا أي وثائق مع المقاتلين الذين لقوا حتفهم، ما يشير إلى أنهم مقاتلون أجانب، وقال السكان المحليون الذين واجهوا المقاتلين إنهم تحدثوا بلهجة عراقية محلية.
وفي نحو الرابعة صباحا، وصل فريقان من القناصة إلى وسط المدينة، وانقسما، لتتوجه مجموعة إلى سطح فندق الصنوبر، وتوجهت الأخرى إلى فندق دار السلام في الجهة المقابلة من الشارع. وكان كلا الفندقين مغلقا للإصلاح.
وكان الهدف على بعد بضع مئات من الأمتار في الجهة المقابلة من مبنى محافظة كركوك.
وفي التوقيت ذاته تقريبا، اقتحم المقاتلون في طريقهم منزلين في حي مجاور، مطالبين السكان بإيوائهم وبمفاتيح سياراتهم.
وتظهر لقطات من تسجيل مصور من أحد المنزلين المقاتلين في سراويل وقمصان، من التي يرتديها سكان جنوب آسيا، ويحملون بنادق آلية وسلاح (آر.بي.جي)، والعديد من المقاطع المصورة للذخيرة.
خلايا نائمة
وبينما كانت تنتشر الاشتباكات في أنحاء كركوك، هاجم أربعة من مسلحي "داعش" -كانوا يرتدون سترات ناسفة- محطة للكهرباء في بلدة الدبس على بعد 30 كيلومترا. وقتل ما لا يقل عن 11 شخصا، بينهم ثلاثة مهندسين إيرانيين كانوا يعملون في المحطة.
وبالعودة إلى كركوك، قال مسؤولو أمن عراقيون، ومسؤول عسكري أميركي، إن الخلايا النائمة ساعدت المقاتلين. وأبلغ السكان عن رؤية سيارات تسير قرب فندق الصنوبر خلال الاشتباكات؛ لإمداد المقاتلين بالذخيرة.
وبحلول الفجر، ترددت أصوات إطلاق نار وانفجارات في أنحاء المدينة، بينما خاض المقاتلون معارك في الشوارع مع قوات الأمن، وأصاب القناصة الأهداف.
ومع اتضاح نطاق الهجوم، طلب مسؤولو الأمن التعزيزات، حيث جرى استدعاء ما يصل إلى ثلاثة آلاف من مقاتلي البشمركة من أربيل والسليمانية. وقال دبلوماسي غربي -على دراية بالعملية- إن الجيش نفذ أيضا غارات جوية.
واستمر القتال الضاري لعدة ساعات حتى بعد وصول التعزيزات. ولم ينته تبادل إطلاق النار في مبنى الأسايش إلا في الخامسة من مساء الجمعة، بعد 14 ساعة تقريبا من بدايته.
وأظهرت لقطات تلفزيونية آثار الحريق في السماء والدخان يتصاعد من وسط المدينة ليل الجمعة. واستمرت اشتباكات على نحو متقطع يومي السبت والأحد.
(عربي 21)